الحدث- جوليانا زنايد
في عام 1997 وقعت السلطة الوطنية الفلسطينية اتفاقية تعاون وتجارة مع الاتحاد الأوروبي لتمكين السلطة الوليدة آنذاك من إدارة المناطق الفلسطينية التي تسيطر عليها من أجل تنفيذ مشاريع إعادة تأهيل البنى التحتية وإقامة المرافق والمؤسسات العامة وتقوية القطاع الخاص وتعزيز فرص النمو الاقتصادي سعياً منها إلى حالة تنموية شاملة ومستدامة.
وبالرغم من حجم المساعدات الكبير المقدم من الاتحاد الأوروبي للسلطة الفلسطينية وما لعبته في مجال تطوير مرافق البنية التحتية في الأراضي الفلسطينية، إلا أنه وحسب ما أستطلعت "الحدث" في تقريرها هذا، فإن المساعدات الأوروبية لم تأت في إطار خطة وطنية ممنهجة للتنمية والإعمار، إضافة إلى أن جزءاً كبيراً منها يذهب في تغطية رواتب وأتعاب المستشارين الأجانب، فيما يعتقد آخرون أن هذه المساعدات تهدف بالأساس إلى الحفاظ على المصالح الإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسطـ على حساب الفلسطينيين.
الاتحاد الأوروبي: نسعى لخدمة أهدافنا
المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي في الأراضي الفلسطينية شادي عثمان، نفى لـ"الحدث" هذه الاتهامات "بأن الاتحاد الأوروبي يخدم المصالح الإسرائيلية في المنطقة"، وقال: "الاتحاد الأوروبي يحقق أهدافه الشخصية، إلا أن هناك أهدافأ قد تتلاقى مع المصالح الإسرائيلية مثل الهدف الأمني الذي يعتبر مشتركاً لجميع الأطراف"، لافتاً إلى أن الأوروبيين يرفضون "العنف" بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.
وشدد عثمان، على أن الاتحاد الأوروبي قطع شوطاً كبيراً في تحقيق أهدافه بدعم السلطة الفلسطينيية، وإقامة البنى التحتية لمؤسساتها، ويعتبر نفسه جزءاً من هذا الإنجاز، الذي حققه الاتحاد الأوروبي من خلال خلق أفق للفلسطينيين ليتواصلوا مع العالم الخارجي.
ورغم نفي عثمان أن تكون المشاريع التي ينفذها الأوروبيون في أراضي السلطة الفلسطينية خدمة للمصالح الإسرائيلية، يقول عثمان إن: "إسرائيل تَطلع إلى الأعمال المتعلقة بالقضايا الحساسة مثل المشاريع التي تنفذ في المناطق المصنفة "ج"، والتي يعتبرها الاتحاد الأوروبي جزءاً من الضفة الغربية، ويحدد لها برنامجاً خاصاً، دون التطرق للمستوى السياسي الذي يعتبره الاتحاد الأوروبي قضية الإسرائيليين والفلسطينيين وحدهم.
وأكد مدير الإعلام في الاتحاد الأوروبي في الأراضي الفلسطينيية، أن الدعم المالي الأوروبي لا يمكن أن يتوقف، قائلاً: "إن توقف المفاوضات لا يعني توقف الدعم الأوروبي".
خبراء: الدور الأوروبي تمكيني لا يمكن أن يرتقي إلى مستوى تنموي
ويرى خبراء أن كم المساعدات الكبير المتدفق من الاتحاد الأوروبي، والذي وصل إلى نحو 7 مليارات دولار على مدى عشرين عاماً، لم تمكن الفلسطينيين من تحقيق تنمية اقتصادية وسياسية مستدامة أو تحقيق تطلعاتهم من عملية السلام، وإن هذه المساعدات لم ترتقِ إلى لعب دور تنموي، وإنه، طبقاً لهؤلاء الخبراء، دورٌ "تمكينيٌ" لا أكثر.
ويشير هؤلاء الخبراء إلى أن: "الاتحاد الأوروبي من خلال دعمه المالي "السخي" يقوم بتمويل عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، وبالتالي تحقيق أهداف سياسية خاصة".
الخبير الاقتصادي نصر عبد الكريم، يقول: "إن التنمية المستدامة والشاملة في الأراضي الفلسطينية غير ممكنة في ظل الاحتلال، مبينا أن دعم الاتحاد الأوروبي يعطي الأفراد والمؤسسات العامة والخاصة شيء من الممانعة، والقدرة على مقاومة كل التأثيرات التي تجعل حياة الفلسطينيين غير ممكنة.
ونوّه إلى أن مساعدات الاتحاد الأوروبي منذ تأسيس السلطة وحتى اليوم، اتصفت بكونها مستدامة، إذ وفر الأوروبيون حالة من اليقين لدى الفلسطينيين بأنه لا انقطاع في الدعم الأوروبي، مضيفاً أن المساعدات الأوروبية في الغالب لا تحمل مفهوم التطوير التنموي بقدر ما هي مساعدات جارية، تدعم الموازنة وتمكن السلطة من الاستمرار وسداد التزاماتها، وذلك من خلال برنامج الدعم النقدي.
وأشار عبد الكريم، إلى أنه حتى موازنة بحجم 450 مليون يورو سنوياً لا تؤثر بشكل مباشر على التنمية في فلسطين، بل على الجوانب المالية، لافتاً إلى أن الجانب المشرق من هذا الدعم هو كونه لا يفرض أجندات على مستويات عالية، بل يقوم الاتحاد بالتنسيق مع كافة الشركاء المحليين بشكل أو بآخر.
وتابع أنه لا يمكن لأوروبا أن تحدث فرقاً في وضع القطاع الخاص في فلسطين مهما بلغ حجم مساعداتها، وكل ما يمكن أن يقوم به الاتحاد الأوروبي هو حفظ تماسك الاقتصاد الفلسطيني، وتجاوز بعض الأزمات المالية، لكن لا يمكن لأي داعم خارجي أن يحل محل القطاع الحكومي أو الخاص الفلسطيني بأي شكل من الأشكال.
وأوضح أن أوروبا لعبت دوراً مهما يمكن الاعتماد عليه، بسد الاحتياجات الفلسطينية وتمكين الفلسطينيين كشعب ومؤسسات، مشدداً على أنه ليس مطلوباً من الأوروبيين تحقيق التنمية في فلسطين تحت ظروف مستحيلة مهما كان حجم مساعداتها.
واعتبر عبد الكريم أن مسؤوليات جساماً تقع على عاتق السلطة الوطنية الفلسطينية وتتمثل في تنشيط القطاع الخاص، وتحقيق سياسات عادلة توفر مناخاً ملائماً للتنمية المستدامة، حسب اعتقاده.
واستطرد: "ما يجعل التنمية مستحيلة هو أن كل هذه الملايين تذهب بشكل أو بآخر لصالح الاقتصاد الإسرائيلي، وتقتصر على حفظ الهدوء في المنطقة وكأن المساعدات الأوروبية تحقق دعماً اجتماعياً يبلور الأهداف السياسية بالحفاظ على السلطة الفلسطينية، لتحقيق حل الدولتين الذي يسعى إليه الاتحاد الأوروبي".
الاقتصاد الإسرائيلي يبتلع أي مساعدات خارجية
"تنمية في ظل احتلال، ضرب من الخيال" هذا ما قاله وزير الاقتصاد الأسبق باسم خوري، في مقابلة مع "الحدث"، معتبرا أن أسلوب إسرائيل في تنفيذ اتفاقية باريس، وما يفرضه الاحتلال من عراقيل، السبب الأساسي في حالة الجمود التي يعاني منها الاقتصاد الفلسطيني.
وحسب خوري: "فإن الاتفاقية الموقعة بين الطرفين تنص على تبادل تجاري حر بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، في حين أن الأخيرة تفرض قيوداً على كل ما يدخل سوقها من الجانب الفلسطيني، ما قيد حرية الحركة لتصبح باتجاه واحد"، وطبقاً لما قاله خوري فإن ذلك حول السوق الفلسطيني إلى سوق تابع، وغارق بالبضائع الإسرائيلية، فكانت المحصلة تحويل كل من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى سوق إسرائيلي آخر.
وفيما يخص مشاريع الاتحاد الأوروبي يؤكد خوري: "أن أغلب ميزانيات هذه المشاريع تصرف في الدول المنفذة لصالح الاستشاريين والخبراء الأوروبيين"، وأكد خوري: "على أن ما يدعمه الاتحاد الأوروبي من مشاريع تنمية القطاع الخاص، لا يمكن له أن يحدث فرقاً حقيقياً على الأرض بتحسين وضع التجار والمستثمرين الفلسطينيين، ودلل على ذلك بأن كل ما يلزمهم من معدات يتم شراؤها من إسرائيل، وبالتالي فإن هذه الاستثمارات تصب بشكل أو بآخر في صالح الجانب الإسرائيلي".
مشكلة الأولويات والثمن السياسي
في حين رأى الخبير السياسي نهاد أبو غوش في مقابلة مع "الحدث" أن الحكم على مشاريع الاتحاد الأوروبي يكون بتقييم النتائج، وأنه رغم أهمية هذه المشاريع إلا أنها تطرح مزيداً من الاستفسارات حول أولويات الشعب الفلسطيني وسلطته، وأولويات الاتحاد الأوروبي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن جزءاً كبيراً من الدعم الأوروبي يذهب لصالح الأوروبيين أنفسهم ممن يشرفون على تنفيذ المشاريع في فلسطين، إضافة إلى وجود ما أطلق عليه أبو غوش "الدكاكين"، والتي يقصد بها مؤسسات المجتمع المدني (NGO) المتكسبة من هذا الدعم.
وأكد الخبير السياسي أن المساهمات المالية الأوروبية تخفف من معاناة الفلسطينيين، ولكنها بالمقابل تكلفهم ثمناً سياسياً أكبر، وهو ما يبدو جلياً في حالة الجمود التي تمر بها القضية الفلسطينية الآن.
بقاء دور السلطة الوطنية كما هو الآن، واقتصار دورها على الجانب الأمني فقط، وهو ما يعززه الاتحاد الأوروبي بدعمه المالي. وبالمحصلة هو ما تريده إسرائيل. هذا ما اختتم أبو غوش حديثه به مطالباً بضرورة أن يقوم الفلسطينيون بدور ضاغط على السلطة الفلسطينية وعلى الأوروبيين بهدف تغير أولويات الدعم، والدفع باتجاه تحويله نحو المسار السياسي.
مشدداً على أن كل ما تقوم به أوروبا هو تأجيل الانفجار وليس الحيلولة دون وقوعه، وقال: "الانفجار قريب".