خبير اقتصادي: المحررات كنز وطني لم يُستثمر اقتصادياً!
محمد الشاعر: المشاريع الزراعية في المحررات حركت اقتصاد غزة الراكد لكنها تُعاني قيود الاحتلال على المعابر
رزق الحلو: المشاريع السياحية في المحررات رافد اقتصادي هام يجب تطويره
غزة-محاسن أُصرف
شكل انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من مستوطنات قطاع غزة في أيلول/سبتمبر 2005، نقطة تحول هامة في تاريخ تلك المنطقة فعلي الصعيد التاريخي أصبحت تُعرف بـ"المحررات" وعلى الصعيد التنموي باتت بيئة خصبة لإنشاء المشاريع التنموية خاصة في المجال الزراعي بنوعيه النباتي والحيواني.
ولكن على الرغم من ذلك بقي نشاطها ومردودها على الاقتصاد الفلسطيني رهيناً بالجانب الإسرائيلي الذي يتحكم في إدارة معابر القطاع فيُغلقها تارة مانعاً تصدير منتجات المحررات إلى الأسواق الخارجية، وتارة أخرى يستهدفها بالقصف والتدمير عبر حروبه ما جعلها لا تؤدي دورها الريادي في إنعاش الاقتصاد، ناهيك عن أسباب فنية أخرى تحدث بها د. عمر شعبان مدير مركز بال ثينك للدراسات الاستراتيجية بغزة، كـ حالة الضعف التي عانتها السلطة الفلسطينية وقت الانسحاب الإسرائيلي أُحادي الجانب من المستوطنات منتصف أيلول/ سبتمبر 2005، ناهيك عن عدم إدراك الجهات المسؤولة عنها لأهميتها الجغرافية والاقتصادية.
"الحدث" في سياق التالي تُبصر حال أراضي المحررات في قطاع غزة منذ إدارتها بعد الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب في أيلول/ سبتمبر 2005، وما آلت إليه من تطورات على مستوى استثمارها في مختلف المجالات النافعة للمواطن والاقتصاد الفلسطيني.
عدم رضى
أكد عدد من المواطنين أن المشاريع الاستثمارية المقامة على أراضي المحررات مازالت بسيطة جداً ولم تُحقق النماء الاقتصادي، وقال أحدهم ويُدعى أحمد معمر (35) عاماً جل المشاريع هي زراعية بالدرجة الأولى وقليل من المشاريع الإسكانية التي تُلبي حاجة فئة الموظفين، وتابع كنا نتمنى إيجاد مشاريع ضخمة سواء سياحية أو صناعية تُمكننا من الخروج من بوتقة البطالة إلى حيز العمل والإنتاج، لافتاً إلى أن المشاكل التي يُعاني منها القطاع بالحروب المتتالية واستمرار الحصار وإغلاق المعابر كان له الأثر على هروب الاستثمارات الكبيرة.
ولا يختلف عنه علي أبو حسين، الذي عانى من البطالة لمدة خمس سنوات منذ تخرجه من الجامعة، يؤكد أنه بعد الانسحاب الإسرائيلي من المحررات كان الحديث عن إقامة مشاريع استثمارية كبيرة، ورسمت حلماً كبيراً بالحصول على فرصة عمل في إحداها لكن لم أحصل، ويُعلل حسين ذلك بتأخر إدراك المسؤولين لأهمية إقامة مشاريع استثمارية في مجالات السياحة والتصنيع وانكبابهم على المشاريع الزراعية نظراً لوجود مقوماتها من الدفيئات الزراعية وشبكات المياه، يقول: "بعد إنشاء منتجع النور الترفيهي حصلت على فرصة عمل ومزقت شبح البطالة"، ويدعو الشاب رجال الأعمال والمستثمرين إلى إقامة مشاريع تخدم الشباب الفلسطيني وتوفر له فرص العمل ليتمكن من القيام بدوره في الإنتاج والتنمية.
حراك اقتصادي يسير
ومن جانبه مدير عام الإدارة العامة للمحررات محمد الشاعر، يؤكد في تصريح خاص بـ"الحدث" على أهمية المشاريع التي أُقيمت على أراضي المحررات والبالغ مساحتها قرابة 15 ألف دونم تقريباً، لافتاً إلى أنها أحدثت حراكاً في اقتصاد القطاع الراكد خاصة في المجال الزراعي، وليس إنعاشاً نظراً لعقبات الحصار وإغلاق المعابر اللذين أثرا على عملية التصدير للمنتجات التي تُزرع في تلك الأراضي.
الشاعر الذي بدا راضياً عما تُنتجه المحررات في قطاع غزة بعد مرور عشر سنوات على إدارتها من قبل الحكومة في غزة، أوضح أن عملية التطوير لهذه الأراضي يحتاج إلى بيئة سياسية واقتصادية مستقرة لتحقيق الإنعاش، لافتاً إلى الاستخدامات الحالية لها والتي تبدأ بمجالات الزراعة وتنتهي بمجالات التعليم والإسكان والسياحة والترفيه، وقال: "على صعيد الإسكان تم إنشاء العديد من الأحياء السكنية على امتداد أراضي المحررات منها الحي السعودي(1)،(2)،(3) ومدينة حمد بن خليفة في رفح وحي الفرقان والبراق في خان يونس"، وبسؤاله عن المشاريع الأخرى أوضح أن جزء آخر من أراضي المحررات استغل لإقامة مشاريع تعليمية منها فرع لجامعة الأقصى في الجنوب، وفرع لجامعة الأزهر، وفرع للجامعة الإسلامية، بالإضافة إلى بناء كلية المجتمع للعلوم التطبيقية، ونبّه إلى أن جزء آخر تم استغلاله في إقامة مشاريع سياحية وترفيهية كـ مدينة أصداء الترفيهية التي أُقيمت على مساحة ألف دونم، ومدينة النور ومنتزه خان يونس الإقليمي مؤكداً أن هذه المشاريع تُلبي احتياجات المواطن الفلسطيني وأسهمت في تحريك عجلة الاقتصاد ولو بالشيء اليسير .
المشاريع الزراعية الأكبر
وتحتل المشاريع الزراعية الحصة الأكبر من الاستثمارات التي تُشرف عليها الإدارة العامة للمحررات، ويُشير محمد بدوان مدير محررة حطين إلى الجنوب من قطاع غزة والمقامة على مساحة 1000 دونم، إلى أنهم بدأوا باستغلال الأراضي بإنشاء دفيئات زراعية خاصة بمحاصيل تصديرية كـ البهارات والتوابل العشبية، مؤكداً أنها نافعة اقتصادياً لولا ظروف المعابر التي تُفتح وتوصد بأمر الاحتلال ووفق أهوائه ومناسباته الدينية ومآربه السياسية.
يؤكد الرجل لـ "الحدث" أن المُحررة التي يُديرها واسمها "حطين" لا تعتمد على الزراعة فقط بل جزء منها يُستثمر في الثروة الحيوانية لتربية الأبقار والماعز بالإضافة إلى الطيور البياضة، وتُشغل قرابة 350 عاملاً جلهم بشكل دائم سوى 30 منهم يتم استدعاؤهم في حال وفرة العمل سواء في القطاع الزراعي أو الحيواني، ويقول لنا: "المشكلة الكبيرة التي نُعاني منها هي إغلاق المعابر"، مؤكداً أنها تُكبدهم خسائر طائلة في حال عدم خروج البضائع للأسواق العالمية التي تستقبل منتجاتهم مثل أمريكا والبلاد الأوروبية.
وبحسب الشاعر فإن المشاريع الزراعية كانت الأكثر انتشاراً وبروزاً في أراضي المحررات، وشغلت مساحة 7 آلاف دونم تقريباً لزراعة محاصيل مكشوفة متنوعة، و2500 دونم تم إقامة دفيئات زراعية لمحصول المانجا، والتفاح واللوزيات وغيرها، وفي سياق تطوير تلك المشروعات أكد الشاعر أن الإدارة العامة للمحررات تُجري توسعات على المساحة الزراعية الخاصة بالحمضيات والمانجو لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل نسبة الاستيراد من "إسرائيل"، بالإضافة إلى إفراد مساحات أُخرى لزراعة محصول الأفوكادو والذي سيكون للمرة الأولى في القطاع، آملاً أن يُحالفه النجاح ويُحقق إنتاجاً غزيراً لتسويقه محلياً وتصدير الفائض للخارج بما يُحقق نماءً اقتصادياً في الموارد المالية سينعكس إيجابياً على تطور أساليب الزراعة، وفق قوله.
مشاريع سياحية
وفي الآونة الأخيرة تم استثمار جزء من المحررات في المشاريع السياحية والترفيهية لتلبي حاجة الناس في القطاع المفتقدين لوسائل الترفيه والسياحة الخارجية نظراً للإغلاق المستمر لمعابر القطاع، وفي هذا السياق يقول مدير عام السياحة الداخلية في وزارة السياحة رزق الحلو أن الأعوام القليلة الماضية شهدت تزايداً نسبياً في أعداد المنتجعات السياحية خاصة في منطقة المحررات التي تم الانسحاب منها عام 2005، وأشار إلى أن أبرز تلك المشاريع الاستثمارية مدينة أصداء المقامة على قرابة ألف دونم ومدينة النور الترفيهية بالإضافة إلى المتنزه الإقليمي في خانيونس والذي يخدم المواطنين مجاناً بينما المشروعين الأولين برسوم في متناول الجميع.
وحول أهمية هذه المشاريع في دعم الاقتصاد الفلسطيني أكد أنها ما زالت بسيطة، داعياً إلى إيجاد استراتيجية وطنية لتشجيع هذه المشاريع الاقتصادية، وتشجيع المستثمرين على إقامتها بالمعايير الدولية لجذب السياحة الخارجية خاصة وأن الطبيعة الجغرافية للمحررات مميزة إذ تُحاط بالبحر والأراضي الزراعية الخضراء والكثبان الرملية ا لبيضاء، وقال إذا تم إنشاء مشاريع بهذه المواصفات يُمكن أن تنعكس إيراداتها بالعملة الأجنبية على الاقتصاد فتنميه وتُساهم في توظيف فئات كبيرة من الشباب المتعطلين من حملة الشهادات العلمية في مجال السياحة والفندقة وغيرهم من العمال والحرفيين والصناع المهرة.
لم تُستثمر اقتصادياً
وعلى الرغم من حالة الرضا التي أبداها مدير عام الإدارة العامة للمحررات في خان يونس عن المشاريع التي نفذتها إدارته بالتعاون والشراكة مع القطاع الخاص وأثمرت حراكاً في النشاط الاقتصادي، إلا أن الخبير الاقتصادي د. عمر شعبان رأى أن أراضي المحررات لم تُستثمر اقتصادياً بالشكل المطلوب كباقي القطاعات وهو ما يعكس ضعف قدرة النظام السياسي الفلسطيني من ناحية فنية وأكاديمية وأهليته العلمية لإدارة هذه المشاريع، قائلاً: "إنها كنز كبير كان يُمكن لو تم استخدامها وتوظيفها بشكل جيد على المستوى الوطني أن تُشكل رافعة للاقتصاد الوطني الفلسطيني وتُقلل اعتماد السلطة الوطنية الفلسطينية على الدول المانحة".
وحول المشاريع التي أُقيمت عليها أكد شعبان، أنها كانت تقليدية، ولم يتم استغلال شبكة المياه والدفيئات الزراعية المقدرة بـ 6 آلاف دفيئة وعشرات الآبار التي تركها الاحتلال بشكل جيد، وتابع: "هناك كنز من الرمال البيضاء، والبحر، والمياه العذبة لم يتم استثمارها لتُشكل رافعة للاقتصاد الفلسطيني تنموياً" لافتاً إلى وجود العديد من المشاريع في مجالات أخرى يُمكن حشد الاستثمار لها في المحررات تبعاً لطبيعتها الجغرافية والتاريخية منها – كما يقول- مشاريع السياحة الدولية والمحلية مؤكداً أن السنوات الأخيرة شهدت إنشاء العديد من المنتجعات السياحية، ناهيك عن مشاريع زراعة المحاصيل التصديرية كالتوابل العشبية مؤكداً أنها تُدر دخلاً وفيراً، وبحسب تقديره فإن كل دونم من هذه المحاصيل يُحقق 6 آلاف يورو في الزرعة الواحدة وبالتالي لو تم تخصيص 200 دونم لهذه المحاصيل فإن الأرباح ستكون هائلة وستُحقق الإنعاش الاقتصادي المرجو.