الأربعاء  14 أيار 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

في العدد 47:حقل "شروق" المصري يشعل سباق الغاز في الشرق الأوسط

المحللون في تباين حول تأثيره على الجانبين المصري والإسرائيلي

2015-09-15 12:32:07 AM
في العدد 47:حقل
صورة ارشيفية

 

الحدث- آيات يغمور

شكل اكتشاف "شركة إيني" الإيطالية لحقل الغاز الطبيعي "شروق" في المياه المصرية في البحر الأبيض المتوسط صدمة في إسرائيل، وخاصة أن مصر خلال الفترة المقبلة لن تعتمد على الغاز الطبيعى الإسرائيلي المكتشف حديثًا قبالة سواحلها، والتي كانت تنوى شراءه لسد احتياجاتها من الغاز لتوليد الكهرباء، علماً بأن مصر كانت المرشح الوحيد والمضمون لهذا الاستيراد الضخم من الغاز، يوفر على الأولى تكاليف النقل.

"حقل شروق" ألهب الساسة ورجال الاقتصاد الاسرائيليين، فيما انهارت أسهم الغاز الطبيعي في بورصة تل أبيب بعد الإعلان عن الحقل. في المقابل انتعشت البورصة المصرية وحققت ارباحاً بمليارات الدولارات.

وحسب الرئيس التنفيذي لشركة إيني، كلاوديو ديسكالزي فإن اكتشاف حقل "شروق" - أكبر حقل غاز طبيعي في مصر والبحر المتوسط - سيغير قواعد اللعبة في ما يخص استقرار الطاقة.

خبير الاقتصاد نصر عبد الكريم يوضح لـ" الحدث" أبعاد الاكتشاف الجديد للغاز المصري وتاثيره على إسرائيل اقتصادياً وسياسياً، مشيراً إلى أن إسرائيل كانت تعتبر مصر الباب الذي ستدخل من خلاله إلى دول الإقليم، في ظل ما تعانيه إسرائيل من مقاطعة على الساحة الدولية.

 وحول العلاقات الاقتصادية المصرية الإسرائيلية، أكد عبد الكريم لـ"الحدث" أنها شهدت في السنتين الأخيرتين تطوراً نوعياً، في حين لم تفلح إسرائيل حتى الآن بأن تتفق مع الجانب الأردني فيما يخص الغاز، كما ألغت السلطة الفلسطينية اتفاق الغاز مع إسرائيل تبعاً لإشكاليات تخص قضية الكهرباء في شمال الضفة. 

ونوه الخبير الاقتصادي إلى حجم الأزمة التي باتت إسرائيل تعاني منها بعد اكتشاف مصر الأخير، مضيفا: "حقل تمار الاحتكاري محدود الإنتاجية، والآن بعد أن خسرت إسرائيل أكبر سوق استهلاكي بات عليها أن تقرر فيما لو ستبدأ باستخراج الغاز من حقل (لفيتان) أم ستكتفي بما ينتجه تمار؟".

 على الصعيد الخارجي، قال عبد الكريم: "إن التغييرات على الساحة الأوروبية وتوتر علاقتها مع روسيا، جعلها تبحث عن مصادر جديدة تستورد الغاز منها، ما يجعل إسرائيل تنظر إلى أوروبا كسوق استهلاكي يتطلب منها المزيد من الإنتاج، لكن حقل تمار غير قادر على توفير هذا الحجم من الطلب".

 واكتشاف الغاز المصري الذي جاء بعد فترة قصيرة من الاتفاق النووي الإيراني أخذ بعداً سياسياً آخراً بالنسبة لإسرائيل كما يرى عبد الكريم، قائلاً: "إن إسرائيل وبخسارتها لسوق مصر الاستهلاكي فهي تخسر أيضاً الحجة الإيرانية التي كانت تجعل من حقل تمار الاحتكاري والمتفرد عاملاً مساعداً في وقف تصدير إيران من الغاز إلى مصر، وهو ما فقد قيمته بعد توصل مصر لاكتشاف حقلها الجديد الذي يتمتع بمساحة كبيرة"، على حد وصفه.

 وفسر الخبير الاقتصادي "موقف إسرائيل تجاه إيران بوجود هواجس إسرائيلية خشية اقتحام إيران لأسواق إسرائيل خاصة بعد رفع العقوبات عنها وحصولها على قبول دولي".

يذكر أن مصر في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، كانت تصدر الغاز الى إسرائيل بأسعار زهيدة جداً، إذ كان يبلغ  بيع مليون سعرة حرارية من الغاز الطبيعي ـ75 سنتاً، الأمر الذي اعتبره الخبراء والمتابعون للشأن المصري سرقة لخيرات البلاد، خصوصاً أن التسعيرة هذه لا تغطي نصف تكاليف استخراج وإنتاج الغاز ثم إيصاله إلى "إسرائيل".

 وأشار عبد الكريم إلى أن الإشكال الأكبر الذي باتت تعاني منه إسرائيل هو نفاذ حججها القانونية والاقتصادية التي كانت تضعها أمام الكنيست والمجتمع الإسرائيلي الذي كان يعارض احتكار حقل تمار لإنتاجية الغاز، مبيناً أن إسرائيل لديها اعتبارات سياسية وأمنية تفضلها على الاعتبارات الاقتصادية فيما يخص الاحتكار، إلا أن العامل الاقتصادي بدأ يفقد بريقه نتيجة اكتشاف مصر لحقل الغاز الجديد.

إنتاج مصر من الغاز سيكون تأثيره ضعيفاً على الصعيد الدولي

ويستبعد خبير الاقتصاد أن يكون لإنتاج مصر من الغاز، تأثيرٌ ملموسٌ على حجم العرض والطلب، كون إنتاجها "محدودٌ"، مضيفاً: "لا أراهن على إنتاج مصر فقد كانت زمن النظام السابق تنتج كميات هائلة من الغاز وباعته لإسرائيل بأسعار رخيصة".

ويرى عبد الكريم عوامل أخرى تجعل مصر ذات  تأثيرٍ محدود في الساحة الدولية فيما يخص أسعار الغاز، من أهمها التوترات السياسية وحرب العملات كعوامل عالمية تحمل تأثيراً أكبر من مصر وإسرائيل، مضيفاً: "ذلك لا ينفي أن اكتشاف مصر لحقل الغاز لن يضعها على مسار جديد في الطاقة، على النقيض فإن الحقل سينعكس على الجهات الخارجية ويغير موازين اتفاقات الطاقة".

 وحول مستقبل العلاقات المصرية الإسرائيلية، بات من السهل رؤية التحول الجذري، يقول عبد الكريم: "من سوق استهلاكي أصبحت مصر وبمساعدة الشركة الإيطالية التي ستستخرج لها النفط، دولة منتجة، وبعد أن أعلنت عن نيتها تصدير 75% من إنتاجها فهي وبالتأكيد ستنافس إسرائيل في الحصول على أسواق استهلاكية جديدة".

وهنا تبدأ المعلومات بالتضارب بعد التصريحات المصرية الأخيرة التي توضح نيتها في تحصيل الاكتفاء الذاتي وعدم نيتها تصدير كميات هائلة على المدى القريب.

 شروق من قوة اقتصادية إلى أخرى سياسية

بعد تقدير الخبراء لحجم حقل "شروق" بـ 30 ترليون قدم مكعب، أعطى هذا الاكتشاف قوة لمصر لفتح الملف النووي الإسرائيلي على سواحل حيفا والخارج عن الرقابة الدولية، وتجلى ذلك بزيارة قام بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى روسيا، ما جعل إسرائيل توجه رسالة تهديد لمصر للتراجع عن هذه الخطوة.

بدوره، يرى أستاذ العلوم السياسية سمير عوض" أن الاكتشاف المصري لحقل بهذه الضخامة في ظل ادعاء إسرائيل امتلاكها حقول غاز يعود بعضها للفلسطينيين، يمكنه أن يشجع دول الشرق الاوسط على إلغاء صفقاتها مع إسرائيل، والتحول إلى مصر كدولة عربية مصدرة للغاز".

كما يعتبر عوض ان هذا الاكتشاف المصري سيكون له تداعيات ايجابية على الساحة المصرية الداخلية اذ أن مصر بإنتاجها الغاز وسد حاجاتها الداخلية سيقوي ذلك حكم السيسي ويدعم قراراته الداخلية ويزيد من الالتفاف الشعبي حوله.

في المقابل استبعد عوض أن يسبب اكتشاف حقل "شروق" تداعيات خطيرة على الحكومة الإسرائيلية وخططها المستقبلية رغم الصدمة التي مرت بها، موضحاً: " أن هناك مجتمعاً إسرائيلياً في طور الانعطاف نحو الحكومة اليمينية وافتقاده لأي خيار آخر، مشيراً إلى ثلاث شخصيات إسرائيلية رئيسة تهيمن على الساحة السياسية في الأوساط الداخلية وهم نتنياهو، وليبرمان، وبينيت".

ويرى عوض أن التزام مصر واستيفائها لاتفاقياتها السياسية مع إسرائيل، سيحد من قدرة مصر على استغلال موقعها الجديد في الساحة الدولية.

ومن باب الحيلولة دون تحول القوة الاقتصادية المصرية إلى واقع سياسي، يوضح الخبير في الشؤون الإسرائيلية عدنان أبو عامر إلى وجود مطالبات إسرائيلية بوضع الحواجز والعوائق في وجه الحكومة المصرية باستخدام "الأسلحة" السياسية والدبلوماسية لمنعها من الاستفادة من هذا الحقل خوفاً من أن تدير الثانية ظهرها لإسرائيل.

ويرجع أبو عامر هذه المطالب إلى وجود قلق إسرائيلي غير معلن من أن تترجم قوة مصر الاقتصادية الجديدة المكتسبة من حقل شروق الأكبر في البحر المتوسط، على أنها استقلال سياسي سيحسب لصالح مصر، إلا أن وضعها الحالي ليس به خطورة على الجانب الإسرائيلي، مستبعدا في ذات الوقت وجود توجهات من قبل النظام المصري الحالي في الاستقلال السياسي عن إسرائيل، لأن العلاقة ما بين الدولتين تشبه "صمام الأمان" على حد وصفه.

وأشار ابو عامر إلى نقطة مهمة تفسر العلاقة الاستراتيجية بين مصر وإسرائيل، وهي: "أن النظام المصري يعتبر إسرائيل "الحبل السري" الذي يمكنه من تلقي الدعم الغربي"، في إشارة إلى وجود حاجة مصرية في إبقاء الوضع كما هو خوفاً من انقطاع هذا الدعم.   

 شروق أشعلت الحرب في الكنيست الإسرائيلي

رغم أن الكنيست الاسرائيلي، أقر اتفاقية الحكومة مع شركات الغاز الطبيعي بأغلبية أعضائه، إلا أنه شهد جدلاً واسعاً على مدار الأيام والأسابيع الماضية، فيما يتعلق بالغاز الطبيعي وجدوى إنتاجيته الاقتصادية في الوقت الذي تخسر فيه إسرائيل سوقها المصرية.

وسعى رئيس الحكومة الاسرائيلية بينامين نتنياهو، خلال الفترة التي سبقت المصادقة على اتفاقية الغاز، إلى الضغط على اعضاء كنيست للموافقة على هذه الاتفاقية، وفقاً لبندين أساسيين وهما أن يصل سعر الغاز إلى أدنى مستوياته في إسرائيل، إضافة إلى صرف ما يزيد عن 2 مليار شيقل تكاليف استخراج الغاز، نقله وإنتاجه حتى عام 2018.

وتحاول بعض الأطراف الإسرائيلية التي تمتلك إيجابية في الرؤية السياسية أن ترى حقل غاز "شروق" فرصة للتعاون الإسرائيلي المصري في مجالات التصنيع والاستثمار، لكن المعارضين لاتفاقية الغاز بين الحكومة الإسرائيلية وشركات الغاز الطبيعي يفضلون احتفاظ إسرائيل بحقول غازها كاحتياطي لـ 30 عاماً مقبلاً.

من جهته، يوضح أستاذ الاقتصاد والتنمية يوسف ناصر، أن استخراج الغاز المصري بحاجة من عامين إلى ثلاثة أعوام، ستُبقي مصر خلالها على اتفاقيتها مع اسرائيل، ما يعطي الاخيرة فرصة بيع غازها لمصر.

بينما يرى خبير الاقتصاد عبد الكريم سرحان، أن إسرائيل في مأزق اقتصادي،  ولا تملك أسواقاً لبيع إنتاجها من الغاز، مؤكداً انعدام الجدوى الاقتصادية لاستخراج المزيد من الغاز وإنتاجه.

بدروه النائب العربي في الكنيست الاسرائيلي عن القائمة العربية المشتركة جمال زحالقة يقول: "موافقة الكنيست وتوقيعه لاتفاقية الحكومة الإسرائيلية مع شركات الغاز الطبيعي ستعود على إسرائيل بملايين الدولارات خلال السنوات المقبلة التي ستكون فيها مصر بحاجة إلى الغاز الإسرائيلي لحين إنتاج غازها الخاص". 

من جهته، اعتبر مدير معهد الأبحاث والسياسات الاقتصاديةسمير عبدالله، أن روسيا تسعى لأن يكون لها دورٌ مستمرٌ في غاز الشرق الأوسط، وهي الآن على استعداد لصب استثماراتها في مصر بعد اكتشاف حقل "شروق" الذي سيجعل تكاليف إنتاجه منخفضة في مصر.

ويختتم مدير معهد ماس حديثه: "جميع الدول المنتجة للغاز لا ترغب بوجود منافس جديد، الأمر الذي سيضعف أسعار الغاز الحالية والتي يصفها خبير الاقتصاد بـ "المقبولة".

ورجوعاً إلى تاريخ مصر الاقتصادي، يعتقد خبير العلاقات الدولية عماد غياظة، أن المقارنة ما بين الغاز السابق والاكتشاف الحالي لحقل شروق غير عادلة، في إشارة إلى أهمية الكميات المقدر إنتاجها إضافة إلى موقع الحقل، مضيفاً: "موقع الغاز المصري سابقاً كان في منطقة سيناء التي لا تملك صفة أمنية وتشهد اضطرابات عديدة، بينما الموقع الحالي يقع ضمن المياه الإقليمية المصرية والتي بإمكانها السيطرة عليها بشكل أفضل من سيناء".

عربياً، يستبعد غياظة أن يكون للاكتشاف المصري الجديد آثاراً إيجابية بارزة في المدى المنظور، نظراً لارتباطها بعلاقات سياسية واقتصادية أخرى.

وتبقى الخارطة الجديدة لتوزيع الغاز ما بعد اكتشاف حقل "شروق" مبهمة المعالم، بحاجة إلى المزيد من الوقت والدراسة لتتبين تبعاتها حسب التحليلات الاقتصادية لخبراء الطاقة والموارد الطبيعية.