الخميس  18 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

انهيار الردع الإسرائيلي

2014-02-27 00:00:00
 انهيار الردع الإسرائيلي
صورة ارشيفية
قراءة: محمود الفطافطة
الحدث
يسلط العميد الركن أمين حطيط في كتابه الضوء على الردع الإسرائيلي من حيث المفهوم والتطبيق ، والتآكل، إلى الحد الذي جعل البعض يقول بانهياره، لأن قوة الردع التي كانت تمتلكها إسرائيل تآكلت حتى فقدت حرية القرار وحرية استعمال القوة.
ويقول الكاتب في هذا الصدد:" إذا قسنا حال الردع الإسرائيلي اليوم على ما كان سابقاً نجد انهيار أسطورة الردع والقوة التي لا تُقهر، لتحل محلها صورة إسرائيل المقُيدة بقدرات الخصم". ويوضح" إن إسرائيل خسرت مرتبة الاستئثار بـ " القوة الفاعلة الرادعة " وتراجعت إلى موقع يوصف بـ" حالة الردع المتبادل" حيث أنها تملك من القدرات اليوم ما يردع الخصم عن المبادرة إلى مهاجمتها ، في الوقت الذي يمتلك الخصم من القدرات ما يمنع انتصارها عليه، وما يحملها على دفع ثمن باهظ لأي هجوم تبادر إليه، الأمر الذي يمنعها من الهجوم أساساً".
يتوزع الكتاب على خمسة أقسام، القسم الأول يتطرق إلى الردع في المفهوم والمضمون، والثاني يتحدث عن مقومات الردع الإسرائيلي وتاريخه، بينما القسم الثالث فيجيب على سؤال: كيف تآكل الردع الإسرائيلي؟، في حين عُنون القسم الرابع بـوسائل إسرائيل لاستعادة الردع، أما القسم الأخير فخُصص لواقع الردع الإسرائيلي.
في القسم الأول يبين المؤلف أن المفهوم العام للردع هو امتلاك القدرة على منع الخصم من الفعل أو ردة الفعل. أما مفهومه في المجال العسكري فهو امتلاك القوة المناسبة من عسكرية وغير عسكرية ، إلى الحد الذي يخلق الرعب في نفس الخصم، ويجعله مقتنعاً بعقم المواجهة، فيمتنع عن القتال ابتداءاً بشن الهجوم، ويمتنع عن القتال الدفاعي إن هُوجم . وبخصوص المضمون فيرى حطيط أن الردع من حيث المقاصد ثلاثة: الردع الكلي الشامل، ويعني حمل الخصم على الامتناع عن القتال هجوماً أو دفاعاً؛ الثاني هو الردع الجزئي، ويعني حمل الخصم على الامتناع عن الهجوم مطلقاً؛ والثالث الردع المحدود، ويتضمن حمل الخصم على عدم توسيع دائرة قتاله في الدفاع أو الهجوم.
أما من حيث الوسائل، فالردع نوعان: التقليدي، ويعتمد الأسلحة التقليدية المعروفة؛ والردع غير التقليدي، ويقوم على سلاح الدمار الشامل بصورة عامة. أما من حيث الخطط والتنفيذ ، فهناك الردع التكتيكي الميداني والردع الاستراتيجي، في حين من حيث الأطراف فيميز الكاتب بين الردع المتبادل ، والردع الأحادي.
وفي هذا القسم يوضح حطيط أن إستراتيجية القوة الرادعة تقوم على أركان ثلاثة: الركن المادي، ويعني امتلاك القدرات العسكرية المتفوقة على قدرات الخصم، والركن المعنوي، ويقصد به العمل الإعلامي الذي ينقل للخصم قدرات عدوه ويعظمها في عينه ، وركن البيئة الإستراتيجية المتمثلة بتشابك المصالح الدولية التي تحكم السلوكيات العسكرية، بما في ذلك شن الحروب، واستثمار نتائجها.
في القسم الثاني يسرد المؤلف تاريخ الردع الإسرائيلي ومراحله، حيث يقول:" كان الردع عن القتال حاجة إسرائيلية إستراتيجية ملحة منذ أن قامت إسرائيل على أرض فلسطين المغتصبة منذ العام 1948، مبينا أن إسرائيل اتجه قرارها لامتلاكه ونجحت في بنائه بشكلٍ تراكمي منذ العام 1948، واكتمل في أركانه في العام 1982. ويضيف:" أن إسرائيل بعد أن أُخرجت مصر من معادلة الحرب عبر اتفاقية كامب ديفيد أمنت خطر الحرب التقليدية ، ومواجهة الجيوش، لأن سوريا لن تحارب بمفردها عدواً متفوقا عليها، وبعد أن أخرجت المقاومة الفلسطينية من لبنان في 1982 أبعدت إسرائيل خطر المواجهة غير التقليدية.
وبخصوص المراحل فيحددها العميد حطيط وفق التالي:
· مرحلة الردع التقليدي شبه الشامل، وهي المرحلة التي بدأت مع إنشاء إسرائيل ، واستمرت إلى انتهاء حرب العام 1967.
· مرحلة الردع المحدود: هي المرحلة التي تلت حرب 1967، وانتهت بحرب الاستنزاف مع سوريا في العام 1974.
· مرحلة الردع الشامل: بدأت في العام 1974 بعد توقيع فض الاشتباك مع سوريا في الجولان، وتنامت مع احتلال جنوب لبنان في العام 1978، واكتملت في العام 1982 عندا أخرج الفلسطينيون بسلاحهم وقيادتهم من لبنان، ونفذت مجازر صبرا وشاتيلا حتى بدت إسرائيل أنها مالكة القوة الوحيدة في المنطقة.
· مرحلة اهتزاز الردع الشامل: بدأت في العام 1982 عندما انطلقت المقاومة اللبنانية ضد الاحتلال الإسرائيلي.
· مرحلة تآكل الردع: بدأت في العام 1990 مع تنامي المقاومة في لبنان، والتي ابرز تجلياتها انسحاب إسرائيل من لبنان عام 2000، ألحقه الانسحاب من غزة في العام 2005.
· مرحلة الردع المتبادل: نشأت بعد العام 2006، وتعززت بعد أن تكرر الفشل الإسرائيلي في غزة سنة 2009، ولا زالت تتنامى لغاية الآن ، خاصة بعد تشكل ضمني لمنظومة جبهة المقاومة والممانعة، واعتماد إستراتيجية الحرب الشاملة من قبلها، وهذه المرحلة هي التي يرى فيها البعض انهياراً للردع الإسرائيلي.
وفي القسم ذاته يتطرق المؤلف حطيط إلى عناصر الردع الإسرائيلي ومقوماته، والمتمثلة في:
· امتلاك التفوق التقني. حيث استطاعت بما تملكه من مال وعلاقات دولية الحصول على أفضل ما ينتجه العالم من الأسلحة.
· اعتماد سياسة الغموض: تتقدم إسرائيل على معظم دول العالم في إخفاء ما تريد إخفاؤه من أسرار عسكرية. وقد نجحت إسرائيل عبر سياسة الغموض هذا التملص من موجباتها في المجال النووي ، ولم تسمح لأحد الدخول إلى منشآتها النووية.
· الإعلام التثبيطي وإدارة حرب نفسية متقنة لزرع الرهبة في قلب الخصم. وقد اعتمدت في هذا على كثيرٍ من الوسائل، ففي حرب العام 1948 اعتمدت مقولة" اقتل واحدا وقل قتلت عشرة فتهجر أو تمنع 100 من الدخول في المواجهة".
· القتال على ارض الخصم أو نقل المعركة إلى أرضه.
· المفاجأة التي تجعل الحرب قريبة من فكرة الحرب الوقائية أو الاستباقية.
· حسم الحرب وفرض وقف النار في التوقيت المناسب لإسرائيل.
· الحرب على جبهة واحدة ومنع تشكيل الأحلاف والجبهات ضدها.
· ارتكاب المجازر وممارسة الإرهاب.
· الركون إلى الحماية الدولية.
· الردع الاستراتيجي باعتماد السلاح النووي.
في القسم الثالث يفصل العميد حطيط كيف تآكل الردع الإسرائيلي وذلك عبر العوامل التالية: كسر الخصم لحاجز الخوف واليأس، امتلاك الخصم قدرات إنتاج الألم في الجسم الإسرائيلي، الحد من فعالية عنصر التفوق المادي، التقلب في بنية البيئة الإستراتيجية، سقوط مفاعيل مبدأ الحرب على أرض الخصم، فقدان القدرة على حسم الحرب وتحقيق النصر، ضمور عنصر المفاجأة من حيث المفاعيل، تراجع مفاعيل المجازر الإسرائيلية، وانقلاب الأثر السلبي عليها.
يتطرق المؤلف في القسم الرابع إلى وسائل إسرائيل لاستعادة الردع، حيث يبين أن إسرائيل تلعب ورقة استعادة الردع المتآكل لدخولها في دائرة الخطر على وجودها بشكل يؤول إلى زوال هذا الوجود ، الأمر الذي أدى بها لأن تخوض معركة ترميم قدراتها الردعية على أكثر من جبهة ، وذلك من خلال : حماية الجبهة الداخلية ( بقيت واهنة ، وتشكل ثغرة كبيرة في منظومة الردع الإسرائيلي)، إعادة النظر في تنظيم وتسلح الجيش( لم يستطع الجيش استعادة زمام المبادرة والتفوق الميداني المحقق للنصر)، مراجعة العقيدة العسكرية وأفضلية الأسلحة ( بقيت قاصرة عن استعادة أو ترميم ما تآكل ، وإن كانت مؤثرة إلى حد ما في تخفيف السلبيات)، تصاعد التركيز على الحرب الناعمة، ودفع قدرات الخصم للتآكل أو التشتت ( هذا السعي لم تصل فيه بعد لما يريحها وإن اطمأنت للتفتت السوري والانقسام الفلسطيني)، العمل على الخروج الخجول من سياسة الغموض النووي لإشهاره كسلاح ردع استراتيجي ( لم يفدها ذلك؛ لأنه في حال استخدمته فإن ذلك يمثل نهايتها وإنه كذلك؛ سلاح انتقام وإفناء لا ردع أو حياة).
في القسم الأخير من الكتاب يخصصه حطيط للحديث عن واقع الردع الإسرائيلي فيقول:" إن الغيوم السوداء تملأ حقيقة سماء المستقبل الإسرائيلي، وإن سياسات إسرائيل تصطدم الآن بحائط مسدود في أكثر من اتجاه ، وهذا ما يُرعب الخبراء ، لأن قوة الردع التي كانت تمتلكها تآكلت حتى فقدت حرية القرار وحرية استعمال القوة، ووجدت نفسها تتراجع إقليمياً ، وتواجه دولياً بسلوكياتها، وتواجه أمريكا بشكلٍ أو بآخر وإن التفوق التقني بالتسلح لم يعد يكفي لحماية إسرائيل في وجه المتغيرات والتقلبات في المنطقة والعالم .
خلاصة القول: أسطورة الردع و" القوة التي لا تُقهر" حلت محلها صورة إسرائيل المقيدة بقدرات الخصم، المغلولة اليدين عن قرار الحرب. فإسرائيل اليوم تتشظى عسكرياً وإن امتلكت السلاح النووي، وتتقزم سياسياً وإن ساندتها أميركا، كما أنها ستحاصر ديمغرافياً وإن واصلت مصادرة الأرض وعمليات طرد أصحابها الأصليين منها.
رؤية نقدية
يمثل كتاب " انهيار الردع الإسرائيلي " للعميد حطيط قيمة بحثية ومعرفية نوعية ، ذلك أنه متميز بموضوعه وغني بمعلوماته وعميق في تحليله. وتتضاعف أهمية هذا الكتاب انطلاقاً من خبرة وتجربة المؤلف الأمر الذي أغنى الكتاب بنماذج وأمثلة عديدة تبرهن على ما ساقه من معطيات . في المقابل؛ لم يكن الكتاب شاملاً من حيث التناول، حيث أن عدد صفحاته لم تتواءم مع موضوع الكتاب وتفرعاته وتفاصيله المتشابكة الكثيرة. ورغم كل ذلك فالكتاب يعتبر مساهمة لافتة تحتاج من الباحثين العرب التوسع في موضوعه مع التركيز على كثافة ونوعية المعطيات والتحليل والوثائق والاستشراف.