سر مغلق لغياب المساءلة والشفافية وتغييب الجهات الرقابية في إدارة المديونية
المديونية واحدة من أخطر مظاهر انهيار قدرة السلطة على السلطة
192 صفحة من الرسوم الجديدة على طاولة الحكومة ستقر قريباً، منها 1350 رسماً جديداً في وزارة واحدة
10 سنوات قادمة أكثر من عجاف تشكل مرحلة مفصلية جديدة
خاص بـ "الحدث"
أجمع خبراء اقتصاديون على فشل الحكومة الفلسطينية في السيطرة على نفقاتها وإدارتها المالية مثلما فشلت في المواءمة بين قدرة إيراداتها على سداد مديونيتها الداخلية والخارجية، والتي كانت وما زالت نقطة جوهرية في فشل إدارة الدين، حيث تنفق أضعاف إيراداتها، ويؤكدون أنهم ليسوا بحاجة لدولة تعجز عن توفير الحد الأدنى من الرفاه لأبنائها.
ويرى الاقتصاديون الفلسطينيون، والذين شغل معظمهم مناصب وزارية في الحكومات الفلسطينية، أن ما يحدث اليوم في مؤسسات السلطة الفلسطينية هو عبارة عن واحدة من تجليات انهيار الجهاز الإداري والتنظيمي والسياساتي الذي سيقود في مرحلة ما قيام الدولة.
ويتفق هؤلاء الوزراء الاقتصاديون على أن المشكلة الأساسية التي كانوا يعانون منها، أنهم بينما كانوا يعملون على بناء اقتصاد كان هناك آخرون يعملون على بناء محافظ مالية لتحقيق مكاسب آنية ولفئة محدودة، وهو ما يفسر انتهاء الوضع على ما هو عليه حالياً من عجز في الموازنة ومديونية داخلية وخارجية.
وكان خبراء الاقتصاد يتحدثون في ندوة اقتصادية حول الموازنة والمديونية نظمها مؤخراً منتدى الرسالة للفكر والحوار، برئاسة وزير الزراعة الأسبق حكمت زيد الذي أدار الحوار، ومشاركة د. سمير عبد الله مدير عام البحوث في معهد (ماس) وزير العمل الأسبق، و د. حسن أبو لبدة وزير الاقتصاد الوطني الأسبق، ود. سمير حليلة الرئيس التنفيذي لمجموعة باديكو القابضة، ود. أمين حداد عضو الفريق الاقتصادي المفاوض. بحضور عدد كبير من القيادات والكوادر الفتحاوية.
ويؤكد بعضهم غياب الشفافية في إدارة المديونية التي وصفوها بسر مغلق لغياب المساءلة وتغييب الجهات الرقابية عليها، وفيما يتعلق بالاستدانة الحكومية والفردية، يعتقدون أنه كان يجب أن يكون لسلطة النقد دور ربما أكثر ملاءمة للواقع الفلسطيني من الدور الذي مارسته.
ويكشف بعضهم عن أن عدد الرسوم المطروحة على طاولة الحكومة حالياً هو 192 صفحة من الرسوم الجديدة التي ستقر قريباً، منها 1350 رسماً جديداً في وزارة واحدة، حتى العامل العاطل عن العمل سيدفع الرسوم إن تقدم للحصول على تصريح عمل.
موازنة غير متوازنة
وقال د.سمير عبد الله مدير عام البحوث في معهد أبحاث السياسات الاقتصادية "ماس"، إن الموازنة لم تكن متوازنة من البداية حيث بدأ الدين العام منذ نشوء السلطة عام 94 ، وكانت الموازنة التطويرية تمول من الخارج، ولم تكن إيرادات الضرائب كافية لسد النفقات التطويرية.
وأكد عبدالله، الذي شغل سابقاً وزير العمل والتخطيط، أن الموازنة العامة تعاني من عجز سنوي قيمته 1.6 مليار دولار منها الموازنة 330 مليون دولار في الموازنة التطويرية والجارية 1.3 مليار، وقال: (وهذا غير قابل لإيجاد حل داخلي وهو مستحيل) لأن إمكانيات النمو الاقتصادي وتوليد إيرادات وفرص عمل هامشية ولها سقف محدد، (فنحن لسنا أحرار في استغلال مواردنا المتاحة من إسرائيل التي تمارس ضدنا انتهاكات يومية تجعل تكلفة الاحتلال علينا مرتفعة).
فلسطين الأعلى في حجم ما تصرفه على الرواتب
وبرأي سمير حليلة الرئيس التنفيذي لمجموعة باديكو القابضة، فإن إجمالي العجز في الميزانية الحكومية ليس كبيراً، وتشكل 40% من الدخل القومي، لكنه قال: (المشكلة تتعلق في كيفية بناء موزانة حكومية فيها ميزانية تطويرية، وبمقارنة أجراها البنك الدولي بين كل دول الشرق الأوسط، فإن السلطة الفلسطينية الأعلى في حجم ما تصرفه على الرواتب مقارنة بالدخل القومي، وهذا بحاجة لإعادة نظر بعيد المدى).
وقال حليلة: (علينا مسؤولية كبيرة بأن نتطلع إلى اقتصادنا بشكل جدي، ونرسم موازنتنا بشكل صحيح، لا أقبل في آخر 3 سنوات أن تتراوح الميزانية التطويرية ما بين (50 – 160) مليون دولار، ولكن المصروف فعلياً في نهاية كل سنة بالحد الأقصى 15 مليوناً، وهذا من غير المقبول، ولا يجوز لدولة تدعي أنها عضو في الأمم المتحدة وذات سيادة أن تترك الميزانية التطويرية لغيرها وتقول ليس لي سوى الرواتب).
ودعا حليلة، إلى تحمل المسؤولية علينا مع بعض والنظر بجدية للوضع والإمكانات وإعادة بناء القدرات بشكل يواجه الهجمة القادمة والضغط الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي نتعرض له، (فنحن مقدمون على مرحلة مفصلية جديدة، أمامنا 10 سنوات ليست فقط عجاف، وإنما أكثر من ذلك).
أزمة مالية مستمرة وغير قابلة للحل
وبين د. عبد الله، بلغت قيمة المديونية عام 2000 حوالي 520 مليون دولار، بدأت بعدها بالتراكم، فارتفعت قليلاً في العام التالي لتتصاعد بعد 2007 خاصة الدين الخارجي الذي ارتفع حتى 2014 في حدود مليار و100 مليون دولار. بينما طرأ على الدين الداخلي تغيرات جوهرية فارتفع منذ عام 2000 من 342 مليون دولار إلى 462 مليوناً عام 2006، لكنه سرعان ما بدأ بالارتفاع بشكل كبير من أقل من مليار دولار عام 2010 إلى مليار و128 مليوناً عام 2014.
واستدرك عبدالله مبيناً أن 90% من مصادر الدين الداخلي هو تسهيلات مصرفية، إضافة إلى التزامات القطاع الخاص والتي ما زالت متأرجحة.
ويستنتج د.عبد الله: (نحن في حالة أزمة مالية مستمرة وغير قابلة للحل، وإمكانيات الحل الداخلي غير واردة، وإن إريد لها إن تحل داخلياً فهو بزيادة النمو الاقتصادي وبزيادة إيرادات السلطة حتى تقدر الحكومة الوصول إلى حالة متوازنة).
الدين الثابت.. وتهديد مستقبل المتقاعدين
وبخصوص الدين العام، فإن حليلة، يؤكد استدانة الحكومة من البنوك بشكل دائم مبلغ يتراوح بين (1.1 - 1.4) مليار دولار وحوالي 1.2 مليار تحصل عليه من جهات دولية، وبالتالي فهناك دين ثابت مقداره 2.5 مليار دولار، يتم تسديده عن طريق السداد والحصول على غيره لذلك يبقى ثابتاً.
ويرى حليلة، أن المشكلة ليست في هذا المبلغ، وإنما في الحصول على أموال المتقاعدين في صندوق الضمان وتقدر بـ 2.7 مليار دولار ولا يتم سداده ويبقى دواراً وقلما تيسر يدفعون مبلغاً قليلاً منه (وهذا يهدد مستقبل المتقاعدين).
وأضاف أن الحكومة لا تدفع رديات القطاع الخاص الضريبية والتي تقدر بحوالي 600 مليون دولارـ مؤكداً عدم وجود نظام داخل وزارة المالية يوضح دفع المستحقات أو تحديد سقف زمني لاستردادها، وقال: (إن نفذت الوزارة هذه الأمور تجعلها تتجاوز أي عجز في الموازنة في نهاية كل سنة).
الدين العام بالحد الأدنى 5.6 مليار دولار
وعلى خلاف مع الآخرين يؤكد د. أمين حداد عضو مجلس إدارة اتحاد رجال الأعمال، عضو اللجنة الاقتصادية للمفاوضات، أن الدين الخارجي بمتوسطه مليار دولارـ ولكنه يقول: (المأساة الحقيقية هي أنه يوجد بالمتوسط 1.3 مليار دولار تأخذها السلطة من القطاع المصرفي، وهي أموال المودعين، وحارب محافظ سلطة النقد السابق د. جهاد الوزير ليضع سقفاً ويمنع السلطة من الوصول إلى 2 مليار دولار لتصرف من أموال وودائع الشعب، إضافة إلى 2 مليار دولار كحد أدنى دين للمتقاعدين ولصندوق التقاعد الحكومي، زد على ذلك ديناً خارجياً متوسطه 1.1 مليار دولار، وحوالي بالمتوسط 700 مليون دولار مستحقات للقطاع الخاص تستخدمها السلطة في الإنفاق على مصاريفها الجارية. بالمتوسط 500 مليون دولار ضريبة الدخل.
الموازنة بين ضرورات الاستدانة والقدرة على السداد
بينما أكد د. حسن أبو لبدة رئيس اتحاد صناعات الطاقة المتجددة، وزير الاقتصاد الوطني الأسبق أنه منذ قيام السلطة، فإن الوظيفة السياسية للموازنة هي التي كانت تحكم كل شيء، ولم يكن هناك تفكير بالموازنة بين ضرورات الاستدانة والقدرة على سدادها، ولكل استدانة سياق سياسي من المديونية أكثر من سياقه الاقتصادي، ويقول: (ولهذا السبب كان التركيز أكثر على أن الاستدانة توظف لغرض سياسي، ولإدانة الإدارة السياسية والسيطرة السياسية، واعتقد شخصياً أن سلطة النقد فيما يتعلق بالاستدانة الحكومية والفردية كان يجب أن يكون لها دور ربما أكثر ملاءمة لواقعنا الفلسطيني من الدور الذي مارسته، إذ أنها أعطت مجالاً كبيراً ومساحة شاسعة لصندوق النقد الدولي ليخطط موضوع الديناميكية المالية ووظيفة المصارف والاستدانة كلها).
وتطرق د. أبو لبدة، إلى ما تحدث فيه الآخرون عن الفشل في المواءمة بين قدرة الإيرادات على السداد وقدرة السيطرة على المصروفات وإدارة المالية، فكانت وما زالت هي نقطة جوهرية في الفشل في إدارة الدين، وأن الصرف يتم بمعزل عن قدرة الإيرادات.
ويعتقد أبو لبدة أن واحدة من المشاكل الإضافية، أنه لا توجد هناك شفافية في إدارة المديونية، ويقول: (إن المديونية هي سر مغلق لأنه لا توجد هناك مساءلة ولا جهات رقابية، وبالتالي غياب هذه الشفافية يعطي القابلية أكثر للدولة أنه مقابل تحقيق أهداف آنية على السلطة أن تستدين أكثر، وهذا ما لم يدرس جدياً حتى الآن ولم يتم التطرق لأثر المديونية المرهقة جداً على المجتمع، وبالتالي ستؤدي وقد تكون أدت في نهاية المطاف إلى أنه لا يوجد هناك أناس قادرون على التضحية، وما يتم التضحية من أجله اليوم هو الراتب وليس القضية الوطنية، لأسباب قد تكون سياسية، ولكن المديونية الفردية ساهمت كثيراً في أن يكون الهم العام يختصر بالهم الخاص وحينما يتحول الهم العام إلى هم خاص ينتهي الانتماء للقضية).
ابتزاز سياسي مقابل الدعم المالي
واكد د. عبد الله، اعتماد الاقتصاد الفلسطيني على أموال المانحين حقق نمواً وصل إلى مستوى مرتفع نسبياً في نهاية التسعينيات على حساب تطوير الأنتاجية وكفاءة الاقتصاد، وتوقفت قدرته على توليده فرص العمل وعن زيادة الإيرادات بينما تضخم الإنفاق بالاعتماد على أموال المانحين الذين يسدون جزءاً منه، ولكنهم لم يعودوا مستعدين لتسديده بالكامل، و: (جزء كبير من المانحين يبتزوننا ويحاولون أن يستخدموا هذا الوضع لابتزازنا سياسياً وتخفيض سقفنا).
التزامات اقتصادية شكلت معول هدم للمشروع السياسي
لكن د. ابو لبدة طالب بتدخلات جدية لتوقيف نمو هذه المديونية على الأقل في هذه المرحلة، وقال: (عندنا سلطة أخذت بالاعتبار احتياجات سياسية كان ثمنها التزامات اقتصادية شكلت معول هدم للمشروع السياسي، لأنه إن لم تتمكن من القيام بأعباء ووظائف مخطط لها كجهاز يدير المشروع الوطني فإن انهيار هذا الجهاز هو انهيار للمشروع الوطني، وما يحدث اليوم برأيي هو عبارة عن واحدة من تجليات انهيار الجهاز الإداري والتنظيمي والسياساتي الذي سيقود في مرحلة ما قيام الدولة، إذ أن السلطة لم تقم بالوظيفة والأماني المطلوبة كما عهد بها إليها بتجهيز المجتمع ومقدراته واقتصاده وسياساته حتى يكون في نهاية المطاف لدينا دولة تحقق الحد الأدنى من الرفاه لأبنائها، فماذا نريد من دولة في نهاية المطاف غير قادرة على توفير الحد الأدنى من الرفاه لأبنائها، فنحن في غنى عن دولة لا تستطيع أن تقوم بذلك).
علامات استفهام على استقلالية القرار
في حين يختلف حليلة، قليلاً مع د. عبد الله، في توصياته، فالمرض الذي يعانيه الاقتصاد الفلسطيني وعجز الموازنة ليس سببه الاحتلال وحده، (وليس مقبولاً القول إننا غير قادرين على إحداث شيء من التغيير).
وحمل حليلة، السلطة الفلسطينية جزءاً من مسؤولية الوضع المعاش، وكان يمكنها استشراف تغير الوضع خلال الـ21 سنة الماضية، فالاستحقاق السياسي ملخصه (أننا امام اقتصاد معتمد على الدول المانحة الآن بـ 1.6 مليار دولار وسيبقى معتمداً وقابلاً للارتفاع جراء الإنفاق المستمر، وبالتالي قرارنا المستقل عليه علامات استفهام باتخاذ قرارات في مواجهة دول مانحة وقوى سياسية تضغط علينا).
ويحذر حليله، إن لم يتم تدارك حجم الإنفاق دون مراعاة للمديونية المتصاعدة والتي يجب توقيفها، بخاصة أنه لم يصل السلطة السنة الحالية سوى 600 مليون دولار ما يعني أن الضغط في تزايد، وقال: (لا توجد مسؤولية لأي سلطة تنفق أضعاف ما بحوزتها وإمكاناتها، وهي في صدام مع طرف سياسي معادٍ لها).
سياسة مالية ضرائبية لدفع رواتب تتآكلها الأسعار
ويختلف كذلك د. حداد مع د. عبد الله قليلاً في الأرقام ويتفق أكثر مع حليلة، (فالدكتور عبد الله يتطلع إلى أرقام رسمية ونحن نتطلع إلى مجمل العبء على السلطة، نحن قادرون لكن هناك من لا يريد)، ولكن د. أبو لبدة كان أكثر وضوحاً حينما قال: (إن المشكلة الأساسية التي كنا نعمل فيها أننا كنا نعمل على أساس بناء اقتصاد بينما كان هناك مدرسة ثانية معروفة كانت تعمل على بناء محافظ، وهذا ما جعل تجربة "بكدار" وغيرها تفشل، والسبب وجود مدرستين، الأولى: حاولت تشتغل اقتصاد، والثانية: كانت تشتغل على مكاسب آنية محدودة ولفئة محدودة، ولهذا السبب انتهى المطاف بنا هكذا).
لكن د. حداد، أشار إلى أن السياسة الاقتصادية الفلسطينية حالياً ومنذ سنوات قائمة على مبدأ مالية عامة تقوم على جمع الأموال وسياسة مالية ضرائبية لدفع الرواتب.
وقال: (لا أحد يضع رواتب على إمكانيات غير متوفرة لديه، فمعدل الأسعار يؤثر على معدل الدخل الذي يشكل واحداً من ثلاثة عوامل تتأثر ببعضها البعض هي (معدل الدخل ومعدل الأسعار والمالية العامة)، ولكن في حالتنا فإن سعر البترول عندنا هو ثاني أعلى سعر في كل المنطقة العربية بعد جيبوتي، في حين أن مستوى الأسعار في الضفة وغزة هو نفس مستوى الأسعار في الاقتصاد الإسرائيلي المبني على المالية الاسرئيلية التي حددت الحد الأدنى للدخل بـ 5200 شيكل حتى يستطيع أن يعيش الإسرائيلي بهذه الأسعار، بينما حددت السلطة الحد الأدنى للدخل بـ 1450 شيكلاً لاحتياجات 5200 شيكل.
اقتصادان مختلفان تماماً وفروقات كبيرة ومخيفة في غزة والضفة
ويؤكد حليله، وجود اقتصادين مختلفين تماماً الآن في غزة والضفة، ويحذر من الفروقات التي التي وصفها بالكبيرة والمخيفة والصعبة: (لا يجب التساهل ولا التهاون في هذا الوضع، وندعي أننا غير قادرين على عمل شيء، فالدخل القومي المتاح للفرد الواحد في غزة 970 دولار للفرد مقابل 2300 في الضفة، بفارق 40%، ونسبة الفقر 25% من الأسر في الضفة وغزة، 13% منهم في الضفة مقابل 48% في غزة، والبطالة 27% (16% في الضفة مقابل 74% في غزة).
ويقول حليلة: (ندرك أن هناك الكثير مما يمكن عمله حتى في ظل الحصار، ولكن بحاجة إلى قرار سياسي، ويجب أن يكون هناك مسؤولية سياسية عن الشعب في الضفة وغزة، فالفروقات بين الضفة وغزة وصلت إلى درجة غير مقبولة، والفقر والبطالة لم تنخفض مستوياتها منذ عام 2000 عن 21% وأصبح هو المؤشر الاعتيادي مع أنه في سنة 98 كانت النسبة 11%، ولطالما عشنا بنسب بطالة (9% - 11%)، فهذا يعني أنه يمكننا أن نصل لها ما دام وصلنا في فترة من الفترات إلى نسب نمو( 9% -11% ) فلا يجوز أن نبقي مستوى النمو الاقتصادي (2.9% أو -1% أو أن نعتبر الوضع طبيعياً بالنسب الحالية).
ويتساءل حليلة، إن كان هناك سلطة مهتمة بالوضع الاقتصادي وليس الضريبي؟ أو جهة تضع سياسات في محاولة منها لإنعاش قدر الإمكان حتى نبقي على تحقيق الدخل وجباية الضرائب والعائدات؟
وأشار، إلى أن الغالبية تنظر لموازنة الحكومية بأهمية لأن 23% من قوة العمل تعمل في القطاع الحكومي ولكن هذا الرقم هو 16% في الضفة و42% في غزة غير حماس وقواتها وأجهزتها والذي قد يصل معهم إلى 53% يعملون في مؤسسات حكومية.
سياسات بقاء ورسوم جديدة وإدارة أزمة ونتائج
ويقر د. حداد حينما قال: (غلطنا كثيراً ولكن لسنا سيئين كثيراً)، افترضنا وبنينا جيداً على اتفاق "بروتوكول باريس" وقعناه جيداً بضمانة دولية، إن الأمور ستسير باتجاه إقامة وحدة سياسية اقتصادية فلسطينية في الضفة وغزة مع ترتيب لوضع القدس واللاجئين والمياه وما إلى ذلك).
وفيما يتعلق بتحديد المسؤولية تجاه الضفة وقطاع غزة، يؤكد حداد: ( لم يكن لدينا سياسة اقتصادية منذ اليوم الأول لتاريخه ولم يكن لدينا رؤية لإدارتنا لفلسطين، جميع سياساتنا ليس لها علاقة بموضوع تحرير فلسطين "الضفة الغربية وقطاع غزة" كل سياساتنا هي سياسات بقاء منذ اليوم الأول وحتى اليوم، وهي سياسات إدارة أزمة ونتائج ولم نخلق من أي سياسة نوقشت وأقرت أي واقع، ولم نحاول التأثير على أي واقع، كنا دائماً متلقين).
المديونية هي واحدة من أخطر مظاهر انهيار قدرة السلطة على السلطة
لكن د. أبو لبدة قال: (في ظل غياب السياسات ووجود سياسات معطلة للبيئة الاستثمارية، يجب أن يكون هناك باستمرار تعويض لأن النظام السياسي حساس كثيراً تجاه الرضا المجتمعي، ولهذا السبب هناك 160 ألف موظف وفاتورة الرواتب الشهرية 220 مليون دولار، ودخلنا أقل من ذلك بكثير و67% من الفاتورة الشهرية نجبيها ضرائب وإيرادات ذات علاقة).
وينذر د. أبو لبدة بقوله: (إن القادم أسوأ لأن الدولة لا تأخذ بالاعتبار في سياسة الإيرادات قدرة أبنائها وأفرادها على الرسوم، ويكشف أن ما يطرح على الطاولة ليس رسوم المحاكم فقط، وإنما على الطاولة 192 صفحة من الرسوم الجديدة التي ستقر قريباً منها 1350 رسماً جديداً في وزارة واحدة، والآن العامل العاطل عن العمل إن تقدم للحصول على تصريح عليه أن يدفع 20 شيكلاً، لذلك نقول إذا لم تتغير السياسات، وإن لم تحدث وقفة للإصلاح الإداري والهيكلي، فالمديونية ستزداد حتماً لأن القدرة على الجباية محدودةـ، الآن مجمل الإيرادات حوالي 120 مليون دولار في السنة من هذه الرسوم، والحكومة تتطلع لرفعها إلى 152 مليون دولار من خلال الرسوم الجديدة، وبعد 3 سنوات إن استمرت الحكومة في التعيين والصرف والترقيات فإن فاتورة الرواتب ستزداد).
ويرى د. أبو لبدة: (لهذا السبب إن هذه المديونية هي واحدة من أخطر مظاهر انهيار قدرة السلطة على السلطة في المدى المنظور، وهي واحدة من العوامل الأساسية التي ستحول دون القدرة على التقدم في تحقيق المشروع الوطني وهو قيام الدولة، لأن النظام لن يستطيع أن يضحي بالاستقرار الداخلي الناشئ عن عدم القدرة على تلبية متطلبات داخلية بموقف مبدأي سياساتي في مواجهة المديونية).
اللجنة الفلسطينية المشتركة أصبحت مصدر دخل وتجميع أموال وفساد
ويقر حداد كذلك بقوله: (لم نقرأ أي اتفاق وقعناه، ولم نشكل أي فريق لقراءة ووضع خطة بتنفيذ فلسطيني بما اتفقنا عليه إطلاقاً)، ويعترف: (نحن أدرنا في المرحلة الأولى تصفية حسابات بين الفرق التي أدارت المفاوضات والتي استغرقت التصفية أكثر من سنة إلى حين انتصار الفريق بقيادة أبو عمار الذي قضى وسيطر على الفريق الآخر، وخلال هذه الفترة الاتفاق الاقتصادي لم ينفذ وألغيت اللجنة الفلسطينية المشتركة الخاصة بالاتفاق الاقتصادي، وأصبحت مصدر دخل وتجميع أموال وفساد، والاتفاق الأمني لم ينفذـ والمؤسسة الاقتصادية لم تشكل كما لم يشكل فريق ليدرس الاتفاقيات التي وقعت، وبالتالي ما نتج هو آراء وإفتاءات شخصية حسب الشخص المسؤول وحجم انتمائه الوطني لفلسطين، وعشنا الفترة ورأينا كم كان هناك أناس منتمون وكم كان هناك جاؤوا ليجمعوا النقد، وفاسدون...).
تسهيلات مصرفية استهلاكية وفروقات جغرافية
وبالنظر إلى ودائع البنوك التي تصل 9 مليار دولار، فإن حليلة، يبين أن محافظة رام الله تسهم فيها بـ 3.3 مليار، مقابل مليار لنابلس و600 مليون للخليل، لذلك نجده يركز على وجود مشكلة في الحصول على القروض وأغراض إنفاقها التي جلها استهلاكية حيث تحصل رام الله لوحدها على قروض استهلاكية بقيمة 2.6 مليار دولار (أي أنها تحصل على نصف التسهيلات البنكية بينما تسهم بأكثر من الثلث في الودائع معظمها تنفق على الاستهلاك "سيارات، أثاث..الخ).
ويشير حليلة، إلى ما وصفه بالفارق المهول في الدخل القومي الكلي الذي بلغ 7.5 مليار دولار في 2014 بالأسعار الثابتة منه 5.7 مليار من الضفة مقابل 1.7 من غزة، ما يدلل على حجم صعوبة الوضع الاقتصادي.
لم نعمل ما كان يجب علينا عمله
وتعقيباً على القروض الاستهلاكية أكد د. حداد، منذ 2007 توجهت الحكومة إلى سياسة بناء المؤسسات وبناء الدولة والتحضير للاكتفاء الذاتي والتوسع في الاقتصاد، والنتيجة كانت قروضاً استهلاكية تتراوح ما بين 500 - 700 مليون دولارـ (وهي في تزايد مضطرد لأفراد بالأغلب قسم كبير منهم موظفون في الحكومة، شجعوا ووجهوا ودفعوا وأعيد تأهيلهم حتى يوسعوا مستوى معيشتهم ويقترضوا، وحجم الدخل للمواطن بالكاد يكفيه مجموع الأقساط ما بين هاتف وكهرباء وبيت وزوجة، هذا هو الواقع الناتج عن أننا لم نعمل ما كان يجب علينا عمله).
وأشار حداد، إلى أن معدل الرواتب في السلطة قريب من معدل الرواتب في السوق، وهو أعلى من إمكانيات السلطة بـ1.2 مليار دولار وهو ما يمثل حوالي 40% من العجز البنيوي الدائم في الموازنة يجب سداده من الخارج، مثلما الموظف الذي أصبح يعاني من عجز مالي في دخله الشهري نسبته 60% ليوفر الحد الأدنى من احتياجاته إن احتسبنا بالمتوسط الراتب 2000 شيكل.
المصاريف الجارية لن تؤدي إلى تنمية حقيقية في الاقتصاد
ويستنتج د. حداد، إن المصاريف الجارية لن تؤدي إلى تنمية حقيقية في الاقتصاد، فالإنفاق الحكومي يخلق استهلاكاً ولكن لا يؤدي إلى تراكم ثروة، (لذلك نجد أن هناك من يقول أخذتم 40 مليار دولار، فأين أنفقتموها؟ فنحن نقول أكلنا وشربنا فيها ولم نعمل شيئاً منها).
وقال حداد: (على السلطة أن تقف بشراكة مع القطاع الخاص وتقول هذا الاقتصاد قدراته على تمويل الدخل موجودة، ومن ثم التوجه إلى السياسات المالية الضرائبية، وتحديد معدل ضرائب يمكن أن يحققه الاقتصاد، والحرص على أن يبقى ادخاراً يعاد استثماره، وبناء عليه تظهر لدينا معدلات الأسعار كنتيجة، وبدون نقاش هذا وحسمه سنبقى نقف على أبواب الدنيا نستجدي).
وظيفة السلطة هي الحفاظ على استمرار السلطة
فيما عقب د. أبو لبدة قائلاً: (الدين الذي تم التركيز عليه هو الدين الحكومي، لكننا نتحدث عن بلد بكاملها مديونة وتربت على بيئة وثقافة تفضل أن تستمر بالاستدانة على أن تقوم باستمرار الالتزام بالجانب الوطني في الكيانية الفلسطينية، أعتقد أن وظيفة السلطة هي الحفاظ على استمرار السلطة ليس أكثر من ذلك. فنحن فعلا لم نحسن ممارسة إدارة السلطة آخذين بالاعتبار أننا ما زلنا في مرحلة تحرر وطني ولها التزاماتها وعلينا أن نكون قادرين باستمرار على إدارة ما نمارسه).