الثلاثاء  30 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مسيحيو الشرق... والعهدة العمرية / بقـلم: تيسيـر الزًبري

2015-12-08 10:33:20 AM
مسيحيو الشرق... والعهدة العمرية / بقـلم: تيسيـر الزًبري
تيسير الزبري

منذ فترة ليست قصيرة تراودني فكرة الكتابة عن أسطر من تاريخ المنطقة التي نعيش بها، إدراكاً من أن قسماً كبيراً من أبناء جلدتنا لا يعرفون بها. وقبل أن أقول ما يخالجني من أفكار أسجل إعجابي الشديد بالتطور، ولو كان محدوداً، من الجرأة في تناول صفحات من تاريخنا الشرق أوسطي، وتحديداً تاريخ الأديان السماوية في منطقة الشرق ومن انتعاش روح النقد والمراجعة ورفض التسليم بالمسلّمات التي بنينا عليها أفكارنا منذ مئات السنين دون أن نتفكر بها أو بصحتها ولا حتى بسلامة مقاصدها!

هكذا، ودون أن ندري وقعنا في أسوأ أنواع الصراعات وأكثرها قساوة ودموية في تاريخ البشرية من انتشار حالة القتل على الدين أو الطائفة أو الملّة، وبانتشار القتل بمن ليسوا من أتباع هذه الديانات (السماوية) كما حصل مع الأزيديين في الشمال العراقي، وكما يحصل الآن في سوريا والعراق وليبيا واليمن من مسلمين ومسيحيين!

من الصفحات التي مررنا عليها مرور الكرام، وبفعل "المسلّمات"، هو تاريخ مسيحيي الشرق، والتعامل معهم باعتبارهم خارجين عن تاريخ المنطقة، وهو التاريخ الذي يمتد لأكثر من الفي عام، بل والقفز عن هذا العمق إلى تاريخ حديث نسبياً كتاريخ الغزوة الأوروبية الاستعمارية الأولى، والتي أطلق عليها الحروب الصليبية (ذلك من أجل إعطائها صفة القداسة كما هي كل الفتوحات والحروب الدينية)، وجرى إخفاء مسبباتها الاقتصادية في عهود الإقطاع الأوروبية وحروب أمراء الإقطاع على اقتسام الأرض واستعباد البشر لخدمة طموحاتهم المادية...

لقد مرت على مناطق الشرق العربي شعوب وأقوام مختلفة من الساميين، كما مر عليها دعاة الأديان "السماوية" وأنبياؤها من إبراهيم الخليل إلى النبي موسى واليسع، ومنها وبعد مئات السنين جاء المخلص السيد المسيح لينقذ الناس من ظلم تجار اليهود واستعبادهم للناس... وهي صفحات مليئة بالقصص والخرافات، كما تحتوي على جرائم كبرى إلى ما هنالك من أساليب لا يمكن قبولها في عصرنا الراهن حيث حقوق الإنسان وحرياته في الاختيار الديني والاجتماعي... إلى كل ما هنالك من أساسيات الحضارة الراهنة....

مسيحيو الشرق ومنها بلادنا فلسطين وفي الجوار منها بلاد الشام عامة ومن الغرب أقباط مصر وفي أعماق بلاد الرافدين من الآشوريين والكلدانيين والسريان (الآراميين) وهم من الأقوام السامية ومن القبائل الكنعانية التي هاجرت من الجزيرة العربية بعد سنوات القحط والعطش والجوع (وخاصة بعد انهيار سد مأرب).

مسيحيو الشرق سبقوا المسلمين في البلاد وخضعوا في سنوات ما قبل انتشار الدعوة الإسلامية إلى الحكم الروماني، بل أن أحد أباطرة الرومان كان من سوريا، ونحن نتحدث عن أكثر من ألف وخمسمئة عام لا بد وأن نأخذ عادات حروب تلك الأزمنة وانتشار عادات السبي للنساء وقتل رجال القبائل أو استعبادهم، إلا أن أصحاب الدعوة الأسلامية وأمراءها وبشكل خاص أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قد أحدث تطوراً هاماً وأساسياً في العلاقة ما بين جيشه الفاتح وبين أهل المنطقة وأصحابها من المسيحيين لا تقوم على السبي أو الاستعباد، بل تقوم على منحهم الأمان وعلى كامل حقوقهم وحصولهم على حق ممارسة شعائرهم الدينية وحريتهم في تقبل الدعوة الإسلامية أو رفضها، وقد احترمت تلك العهدة العمرية في العام 638م كل العقائد والحقوق للمسيحيين والأمان، ونصت على أن يكونوا معافين من "الجزية والخفر والواجب، ومسلّمين من كافة البلايا في البر والبحور، وفي دخولهم للقيامة وبقية زيارتهم، لا يؤخذ منهم شيء"... أين نحن الآن من تلك القيم السامية التي وردت في العهدة العمرية أمام ما نشاهده الآن من جرائم بحق أصحاب الديانات أو الطوائف أو الملل في منطقتنا؟!

المسيحيون في هذا الوطن ليسوا رعايا وليسوا أقليات ولا يتمنّن عليهم أحد في وطنهم، ولا يحاول أحد أن يستلب منهم حقوقهم، ولا يجب أن تصاغ أية قوانين تنتقص من حقوقهم، لأن في ذلك ليس عدواناً عليهم فقط، بل تزوير فاضح لتاريخ معروف وموثق وناصع فوق رؤوس الأشهاد، هو أولاً وأخيراً تاريخنا جميعاً.