السبت  18 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

كلنا فلسطينيون/ بقلم: سامي سرحان

2016-02-02 11:41:32 AM
كلنا فلسطينيون/ بقلم: سامي سرحان

لم يعد العالم يتحدث لغة واحدة وهي اللغة الإسرائيلية، التي اعتادت إسرائيل على سماعها منذ نصف القرن الماضي، رغم أننا نجد بين حين وآخر من يتحدث مثل هذه اللغة من السياسيين أو المثقفين لجهل بالوقائع أو لمداهنة للحظة سياسية أو مزاودة على غيره ممن سبقوه في موقعه.

والرئيس أوباما الذي بدأ عهده الأول في البيت الأبيض واحد من هؤلاء الساسة الذين بدأوا رئاستهم بالتركيز على المسألة الفلسطينية- الإسرائيلية، وأظهر اهتماما ًوشبه تصميم أنه قادم من العناية الإلهية لحل هذه القضية المستعصية على الحل على الدوام، فأخذ بالتراجع خطوة خطوة إلى الوراء ولم يسلم من النقد والتجريح الذي كاد يخرج عن طور اللياقة بين الرؤساء والوزراء من نتنياهو شخصياً ووزير دفاعه حتى وصل به الأمر في آخر عام له في البيت الأبيض، وهذا الأسبوع أن يتلفظ بعبارة قالها ذات يوم أحد الجنود الأمريكيين "كلنا يهود".

لا شك أن الرئيس باراك حسين أوباما، واسع الاطلاع وغزير المعرفة بل هو واحد من أفضل رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، الذين يعرفون العالم وديانات شعوبه وقضاياه المتشعبة قبل أن يصل إلى البيت الأبيض، وليس مثل الرؤساء جورج بوش الابن أو رونالد ريغان.

لكن سعة اطلاع أوباما، وغزارة معرفته، لم تسمح له أن يتجنب قول ما قال من باب المزاودة والمبالغة في الولاء والتزلف لإسرائيل وهو على أعتاب البيت الأبيض الخارجية.

أولا: لسنا كلنا يهود، فهنالك المسلم والمسيحي والهندوسي والبوذي والأزيدي..إلخ، وهذا أمر بديهي. وفي حال تجاهله تنطلق الحروب والعداوات بين الشعوب، والتي تلتهم الأخضر واليابس، ولا يعلم احد بما في ذلك أوباما نفسه كيف ومتى ستتوقف.

ثانياً: على مستوى الرئيس أوباما يمكنه أن يقول: "أنا يهودي"، ولكن حتى هذا القول لا يتيح له أن يلتحق بشعب الله المختار ويصبح يهودياً وفق حاخامات إسرائيل الذين يرفضون الاعتراف بيهودية نصف سكان إسرائيل تقريباً منذ موجات هجرة التسعينيات لأنهم ليسوا من أمهات يهوديات، "اللهم إلا إذا كانت والدة الرئيس أوباما يهودية"، فاليهودية ديانة بالوراثة وليست ديانة تبشيرية، ولا يمكن لشخص أن يصبح يهودياً من اتباع الديانات الأخرى إن أراد، كالإسلام والمسيحية، حتى لو كان واسطته رئيس دولة إسرائيل أو رئيس وزرائها.

نعلم وكما قلنا، أن أوباما قال ما قال من باب المبالغة في التماهي مع المناسبة التي أطلق فيها تلك العبارة، وهذه ذكرى المحرقة التي راح ضحيتها ملايين اليهودي على أيدي الغرب وليس العرب أثناء الحرب العالمية الثانية، وخلقت موجة التعاطف العظيم معهم، وكانت أحد الأسباب الرئيسية في تسريع قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين وتشريد شعب هذه الأرض في البراري والصحارى والقفار وطمس هويتهم وشخصيتهم وادعاء عدم وجودهم.

لقد ارتكبت إسرائيل أبشع كارثة منذ اليوم الأول لقيامها عندما بدأت بهدم القرى والمدن الفلسطينية فأزالت من الوجود نحو 500 قرية، بعضها أطلال تبكي أصحابها أين ذهبوا، ولم طال بهم المكث بعيدا ولم يعودوا؟

لا يدرك الكثيرون من الساسة الكبار والمفكرين والمعنيين بحقوق الإنسان أن هناك مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين يتمتعون اليوم بالمواطنة الإسرائيلية، من فلسطيني الداخل، هم مهجرون ولاجئون في وطنهم وممنوعون من العودة إلى أرض قراهم، وثمة كنائس قائمة في بعض القرى لا يسمح فيها بالصلاة إلا على أرواح الموتى من أبناء هذه القرى ليدفنوا في مقبرة القرية.

فبعد 68 سنة على قيام دولة إسرائيل تكشفت كذبة أن إسرائيل واحة الديموقراطية في الشرق الأوسط بدليل أن الأحزاب الدينية المتطرفة تحزر تقدماً على الحركة الصهيونية (التي هي أصلا حركة وصمتها الأممم لمتحدة في يوم من الأيام وفي قرار شهير بأنها حركة عنصرية ولا ينفي عنها تراجع الأمم المتحدة عن قرارها في التسعينيات أنها لم تعد كذلك)،  فممارسات إسرائيل العنصرية ضد عرب الداخل الذين حصلوا على المواطنة منذ قيام الدولة لهم قانون أمني يطبق عليهم وتحل جميع قضاياهم من خلال وزراة الداخلية، إلى حد الذي حدى بهم أن يدعو إلى يوم عالمي للتضامن معهم "مع عرب إسرائيل في أراضي عام 48" لعرض مأساتهم الإنسانية على العالم الذي ما زال بعضه يتحدث عن إسرائيل دولة ديموقراطية.

وإذا كان الأمر كذلك مع فلسطيني الداخل فما بالك بالفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة والقطاع والقدس تحت الاحتلال المباشر وبطشه وقتله اليومي لأبناء هذا الشعب ومصادرة أرضه واقتلاع أشجاره واتلاف مزروعاته وإحراق أطفاله ونسائه أحياء كعائلة دوابشة ومحمد أبو خضير والدرة. سيكون الرئيس أوباما أكثر صدقا لو وقف في يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني وقال "كلنا فلسطينيون".