الثلاثاء  19 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

المانحون ضاقوا ذرعاً من إعادة إعمار غزة

2016-02-05 12:06:41 PM
المانحون ضاقوا ذرعاً من إعادة إعمار غزة
عامل من رفح في مصنع للباطون (صورة لعبد الرحيم الخطيب 2014)

 

الحدث- مصدر الخبر

 

نشرت مجلة جيروسالم ريفيو، مقالاً لميتشل هوخبرغ الباحث في معهد واشنطن والمرشح لنيل شهادة الماجستير في برنامج الدراسات الأمنية في جامعة جورج تاون، بعنوان Donors Growing Weary of Reconstructing Gaza. يخلص الباحث فيه إلى أن الحروب الثلاث التي اندلعت في غزة أدت إلى تدمير مليارات الدولارات، وأن المانحين يخشون صرف المزيد من الاموال ومن ثم تنشب حرب جديدة، لكنهم يعون (المانحون) أن عليه الاستمرار في جهودهم الانسانية.

 

أسفرت الحروب الثلاث التي اندلعت بين إسرائيل و «حماس» خلال السنوات السبع الماضية عن تدمير مليارات الدولارات من البنى التحتية والمساكن في غزة. وقد اعتادت «حماس» إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل لترسيخ سمعتها القائمة على المقاومة العنيفة بنظر جمهورها، فيما كانت إسرائيل تنتقم من جهتها سعياً لإدارة الوضع الأمني غير المقبول. ويشير بعض الإسرائيليين إلى هذه الحروب على أنها جهود ترمي إلى "جز العشب" ومنع تطور البنى التحتية الإرهابية الخاصة بـ «حماس». ولكن بينما كانت إسرائيل "تجز العشب" بانتظام لجهة قدرات «حماس»، فإنها قامت أيضاً بعرقلة الجهود الإنسانية والإنمائية.

 

وعلى الرغم من المخاطر، يعي عدة مانحين ضرورة مواصلة جهودهم لأسباب إنسانية. إلا أنهم يترددون على الأرجح في مواصلة تقديم المعونة نظراً للتوتر المستمر بين «حماس» وإسرائيل والوعد الذي يلوح في الأفق بنشوب نزاع مستقبلي. فأقل ما يقال أن هذه الجماعات المانحة قد تريد ضمانات، من جانب «حماس» وإسرائيل، لتجنب استهداف المشاريع أو استخدامها كتغطية في المستقبل.

 

في أعقاب حرب غزة الأخيرة عام 2014، تعهدت الدول المانحة بتقديم أكثر من 3.5 مليار دولار من المساعدات الإنسانية والإنمائية، ولكن وفقاً لتقرير "البنك الدولي" الصادر في آب/أغسطس 2015، لم يتم تقديم سوى 35% من الأموال الموعودة. فالدول الغربية المانحة، بما فيها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان، قدمت معظم المساعدات والتزمت بتعهداتها بالكامل تقريباً. وفت قطر وتركيا، وكلاهما داعمتان لـ «حماس»، بـ 10% و 29% من تعهداتهما تباعاً، وهي نسب إجمالية كبيرة نوعاً ما. وأخيراً، فإن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت، المتحالفة ضد «حماس» وجماعة «الإخوان المسلمين» على نطاق أوسع، قد وفت كلها بالمقابل بأقل من 13% من تعهداتها. أما مصر من جهتها فلم تتعهد بتقديم المعونة لغزة، بل سعت لتقويض اقتصاد غزة من خلال إغلاق معبر رفح وتدمير أنفاق التهريب على طول الحدود بين مصر وغزة.

وبالنسبة لبلدان الشرق الأوسط، إن قرار إرسال المعونة إلى غزة هو نتيجة للتنافس السياسي. فداعمو «حماس» يساعدون التنظيم بكل حماسة على تحسين الظروف المعيشية في القطاع في محاولة منهم لمساعدة حليفهم وتعزيز شرعيته، في حين تعمد الدول المعارضة، الحذرة من تقوية «حماس»، إلى الحد من الأموال المقدمة وصرفها عن طريق وكلاء ومنظمات دولية على غرار الأمم المتحدة.

وتشكل الهواجس الإنسانية الشغل الشاغل للمانحين الغربيين، الأمر الذي يبرر تقديمها المعونة بشكل سريع وتام، ولكن العديد من البلدان شككت في الحكمة من إنفاق المزيد من الأموال على مشاريع تقوم إسرائيل بتدميرها لاحقاً. وأعرب الدبلوماسيون الأوروبيون على وجه التحديد عن قلقهم من تدمير مشاريعهم في غزة والضفة الغربية، حتى أنهم تباحثوا باحتمال مطالبة إسرائيل بالتعويض عن المشاريع الإنسانية المدمَّرة. ويعتبر المسؤولون الأوروبيون أن التعنت الإسرائيلي هو العائق الأساسي أمام حل النزاع ويخشون احتمال أن تؤدي المعونة الغربية بشكل غير متعمد إلى إطالة فترة الاحتلال الإسرائيلي من خلال تغطيتها تكاليف الاحتلال. وبالنظر إلى أن المفوضية الأوروبية تقدر الخسائر التي سببتها إسرائيل من خلال تدمير مشاريع الاتحاد الأوروبي وتلك الممولة من قبل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة من أيار/مايو 2001 إلى تشرين الأول/أكتوبر 2011 بـ 29.4 مليون يورو، من غير المستغرب أن يأتي دبلوماسي غربي على ذكر "التعب الملحوظ لدى الجهات المانحة" نتيجة "تعرض مشاريع البنى التحتية التي ساهمنا بها" للتدمير.

 

وبالرغم من استمرار تدفق المعونة، أثّر تعب الجهات المانحة على قدرة المنظمات الدولية على مواصلة جمع التبرعات لصالح المشاريع التنموية الكبرى والعمل الإنساني الموسع. ووفقاً لروبرت بايبر، «نائب المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط»، "إن احتمال تعرض المشاريع المنجزة اليوم للتدمير لاحقاً في حال تجدد النزاع... يجعل الحصول على التمويل أكثر تعقيداً، سواء لإعادة إعمار المنازل المدمرة كلياً أو لإنجاز المشاريع الإنمائية الواسعة النطاق".

 

ويقارن بايبر العمل الإنساني المتواصل، كترميم المنازل وتوزيع الطعام والمحافظة على البنى التحتية التعليمية، بالجهود الأكبر مثل بناء منازل جديدة وإنشاء خط كهربائي بقوة 161 كيلو فولت لمحطة لتحلية المياه وتحويل عمل محطة الطاقة في غزة إلى الغاز الطبيعي. وتتخلى الجهات المانحة عن هذه المشاريع الواسعة النطاق التي تهدف إلى الاستثمار في مستقبل غزة، خشية اندلاع نزاع آخر. وأشار بايبر أيضاً إلى أن هؤلاء المانحين بأنفسهم يحدون من هذه المشاريع خشية تمكين «حماس» وتزويد هذا التنظيم الإسلامي بمواد بناء قد تُستخدم لصنع الأسلحة. ومن وجهة نظر بايبر، إن المصالحة الفلسطينية التي تعزز الدور غير العنيف للسلطة الفلسطينية التي تهيمن عليها «فتح»، يمكنها طمأنة المانحين وزيادة المساعدات.

 

إلا أن شبح الحرب المستقبلية قد لا يثبط عزيمة المانحين، بل يدفعهم إلى الاستثمار في تدابير من شأنها تقليص فرص النزاع. ويفيد مايكل هيرتسوغ - عميد متقاعد في جيش الدفاع الإسرائيلي وزميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى - أن المانحين هم "بالأحرى مندفعون لبذل المزيد من الجهود ... من أجل تأخير الجولة التالية من النزاع". بعبارة أخرى، قد تؤدي الهبات التي تحسن نوعية الحياة في غزة إلى تغيير حسابات «حماس» الاستراتيجية من السعي إلى اكتساب شرعية عن طريق النزاع إلى السعي إلى اكتساب شرعية عن طريق الازدهار الاقتصادي.

 

بالإضافة إلى ذلك، أبدت إسرائيل استعدادها للعمل مع الأسرة الدولية على تنمية غزة. ووفقاً لهيرتسوغ، تأخذ إسرائيل بعين الاعتبار وجود الاستثمارات الأجنبية عند اتخاذها قرارات استهداف المواقع، وهي لم تعمد قط إلى قطع إمدادات المياه أو شبكات الكهرباء عن غزة خلال النزاع. وبالتالي، أمام الاستثمارات في محطات تحلية المياه أو شبكات الكهرباء فرصة كبيرة بالصمود خلال النزاع. ويعتبر هيرتسوغ أنه يمكن للمستثمرين العمل مع إسرائيل و «حماس» للحصول على التزامات من قبلهما بعدم استهداف المشاريع أو استخدامها لغايات عسكرية قبل بدء عمليات البناء. ومع ذلك، فإن ضمان سلامة المرافئ الجوية أو البحرية سيكون أكثر صعوبة نظراً للمخاوف الإسرائيلية بشأن استخدامها لتسريب المعدات العسكرية.

 

ولكن من غير المرجح ضمان عدم استهداف أي مشروع من الجانب الإسرائيلي. فحتى لو اتفقت «حماس» وإسرائيل على الالتزام بمنطقة حظر جوي حول محطة لتحلية المياه، يمكن أن تطلق الفصائل الفلسطينية صواريخ بالقرب من موقع المحطة وتولد ردة فعل انتقامية من قبل إسرائيل. كما أن عدم وجود اتفاق سياسي أو حتى وقف إطلاق النار بين إسرائيل و «حماس» يزعزع ثقة المانحين. ففي ظل تعب الجهات المانحة من جهة والأولويات الملحة المتنافسة من جهة أخرى، بما فيها الحرب الأهلية في سوريا، من غير المرجح أن ينجز المانحون الغربيون والمنظمات الدولية الكبرى مشاريع رئيسية.

 

ويستمر المانحون بتمويل إعادة إعمار غزة لأسباب سياسية إنسانية. بيد أن الوعد المتمثل بتجدد النزاع بين إسرائيل و «حماس» يدفع المانحين إلى تجنب تمويل المشاريع الكبرى والمشاريع الجديدة لتطوير المساكن، الضرورية ليس فقط لإدارة الظروف المعيشية في غزة بل لتحسينها أيضاً. ولا يُعزى هذا السلوك إلى تعب الجهات المانحة فحسب، إذ أن غياب المصالحة الفلسطينية والأولويات المتنافسة والسياسات الإقليمية تلعب كلها دوراً بارزاً أيضاً. ولكن في ظل انعدام الأمل بإحراز تقدم ملموس، سيبقى المانحون مترددين حول الاستثمار في مشروع مكتوب له الفشل.