الإثنين  12 أيار 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

دراسة إسرائيلية: لهذه الأسباب تقيم الصين قاعدة في جيبوتي

2016-02-10 09:31:44 PM
دراسة إسرائيلية: لهذه الأسباب تقيم الصين قاعدة في جيبوتي
الرئيس الصيني ونظيره الجيبوتي

 

الحدث- القدس

 

رأت دراسة إسرائيلية أعدها "معهد أبحاث الأمن القومي" أن الصين ترمي ومن خلال الإعلان عن إنشاء قاعدة دعم لوجيستي بجيبوتي إلى تحقيق حزمة من الأهداف الاستراتيجية طويلة المدى.

 

إلى نص الدراسة..


في 26 نوفمبر 2016 نُشر أن الصين وقعت مع حكومة جيبوتي معاهدة لإقامة قاعدة دعم لوجيستي للعمليات العسكرية على أراضيها وتشغيلها على مدى عقد من الزمن. 

 

هذه الخطوة التي فاجأت بعض وسائل الإعلام يمكن تحليلها في سياق واسع، كجزء من توجهات طويلة المدى في الصين، والشرق الأوسط، والساحة الدولية، من بينها: الاستراتيجية الشاملة للصين في العالم، وفي إفريقيا، في البحار وطرق الملاحة، وثقافتها الاستراتيجية، واستراتيجيتها العسكرية، وأدواتها السياسية ومبادراتها الاستراتيجية، وكذلك دلالات كل هذا بالنسبة للدول الكبرى وتركيبة قوتها.

 

كاقتصاد عالمي، تعتمد الصين على أمن الملاحة في العالم، التي تنقل إليها ومنها معظم المواد الخام، والطاقة والمنتجات النهائية. خلال العقد الماضي تزايد تهديد القراصنة أمام السواحل الصومالية وتسبب في ارتباك للملاحة البحرية للصين، إضافة إلى أضرار اقتصادية، والمساس بالسمعة بعد اختطاف سفن صينية وطلب فدية لإطلاقها.

 

في ديسمبر 2008 أرسلت الصين للمرة الأولى قوة بحرية لمنطقة خليج عدن، في إطار مساع دبلوماسية للتصدي للقراصنة، ومنذ ذلك الوقت استخدمت أكثر من 20 قوة عمل تضم أكثر من 60 قطعة بحرية عسكرية، ترافق سفنا تجارية من الصين ودول أخرى.

 

هذه المهمة تسمح للصين بحماية مواطنيها، وسفنها ومصالحها التجارية- الاقتصادية، وكذلك اكتساب خبرة عملياتية قيمة للغاية في المهام البحرية طويلة المدى ومتواصلة بجانب أفضل الأساطيل في العالم.

 

المصلحة الصينية في تأمين ممرات الملاحة تجعل الصين تركز  اهتمامها على المعابر المائية الضرورية مثل مضيق تايوان وملقا وهرمز  وقناة السويس. 

 

لجيبوتي موقع حيوي على مضيق باب المندب، وممرات الملاحة الرئيسية بين البحر المتوسط، عبر قناة السويس والبحر الأحمر وبين المحيط الهندي، إلى الأسواق الأسيوية ومنها.

 

علاوة على ذلك تمنح جيبوتي وصولا سهلا لإفريقيا، كون الصين هي الشريك التجاري الأكبر للقارة السمراء، بمعدل سنوي يصل نحو 300 مليار دولار، وتشمل نشاطاتها في القارة استثمارات، ومشاريع بنى تحتية، وعلاقات سياسية، وتعاملات عسكرية ونشاطات قوات حفظ سلام، كذلك تسمح لها بأن تكون على مقربة كبيرة من شبه الجزيرة العربية، التي يصل منها نحو  نصف النفط الخام الذي تستورده الصين.

 

اشترت الصين في السنوات الماضية نحو ربع ميناء جيبوتي، وهي ضالعة في إقامة بنى تحتية للموانئ، والطاقة والقطارات والصناعة والتجارة الحرة في جيبوتي نفسها وفي الجارة إثيوبيا، بقيمة مليارات الدولارات.

 

توقيع اتفاق المنشأة البحرية لا يشكل مفاجأة في الحقيقة، فقد سبقه زيارات للرئيس الجيبوتي للصين، ومعاهدة دفاعية وأمنية بين الصين وجيبوتي، تم توقيعها على مستوى الوزراء (إبريل 2014)، وتقارير عن تقدم في الاتصالات (مايو 2015)، وزيارة رئيس الأركان الصيني لجيبوتي (مطلع نوفمبر 2015)، والاتفاق على مجموعة متنوعة من المجالات للتعاون العسكري.

 

في جيبوتي هناك قواعد لفرنسا والولايات المتحدة وألمانيا واليابان للتصدي للقراصنة والإرهاب. وفي ظل قوة المصالح الاقتصادية (قوة ناعمة) للصين بالمنطقة، تبرز قلة أدواتها العسكرية (قوة صلبة) ، كالقوات والقواعد عسكرية.

 

يشكل التحاق الصين بتلك القوى الكبرى ثروة فاعلة، تمنحها نفسا طويلا للمهام في البحر والبر، إلى جانب الهيبة السياسية. إضافة إلى ذلك، السيطرة على القسم الغربي للمحيط الهندي تحسن  من مكانة الصين أمام الهند، المنافسة الأسيوية الرئيسية لها، فيما يتعلق بمدى التأثير فيه.

 

هكذا، وعندما تعلن الولايات المتحدة عن "نقل ثقلها" إ`لى أسيا، تشير الصين إلى قدرتها على نقل ثقلها غربا، حتى إن كان ذلك رمزيا فقط في هذه المرحلة.

 

عندما أقامت اليابان في 2010 في جيبوتي قيادة لعملياتها البحرية بالمنطقة، ردت الصين الرسمية بفتور (وكالة شينخوا:”بإقامة القاعدة تدرس حكومة اليابان إلى اي مدى يمكنها  زيادة نفوذها العسكري بالعالم")، وأجلت آنذاك اقتراحا بإنشاء قاعدة خاصة بها وأبقت على ذلك كخيار مستقبلي.

 

الآن، على ما يتضح، أضحت الظروف ملائمة، من وجهة نظر الصين، لتحقيق هذه الخطوة، وأن تبحث بنفسها تكثيف النفوذ العسكري في المنطقة، وفي البحار والعالم، وترد  الإشارات بالمثل لليابان منافستها من الشرق، ولدول كبرى أخرى.

 

لكن، وفيما وراء الأبعاد المحلية والإقليمية تتعلق الخطوة في جيبوتي بتوجهات واسعة وأكثر عمقا للاستراتيجية الصينية.

 

تبدأ وثيقة "الاستراتيجية العسكرية للصين" (مايو 2015) بسعي الصين لـ"تحقيق حلمها في نهضة وطنية كبرى.. من خلال السلام، والتطور والازدهار للصين والعالم".

 

لذلك، تعتمد الصين على استقرار الاقتصاد العالمي وتدفق منتجات الطاقة والمواد الخام  في ممرات ملاحة آمنة. سعي الصين للربط البنيوي والاقتصادي والتجاري بين أسيا وأوربا وإفريقيا يتجلى أيضا في الرؤية الاقتصادية- الاستراتيجية "حزام واحد، طريق واحد "OBOR” الذي تم تدشينه قبل عامين. في الخلفية، استثمارات واسعة للصين في منشآت الموانئ على طول سواحل المحيط الهندي.

 

في نفس الوثيقة جرى التأكيد على أن “العقلية التقليدية” التي تعزي للقارة أهمية تفوق البحر يجب أن يتم التخلي عنها، وبناء عليه يتعين على الصين إنشاء قوة بحرية عصرية، تناسب مصالحها في مجالات الأمن والتنمية الوطنية وتوسع قدرتها من حماية الشواطئ لحماية أعالي البحار، والدفاع عن سيادتها وحقوقها في البحر، وتأمين طرق النقل الاستراتيجية (SLOCs) والمصالح فيما وراء البحار، والمساهمة في التعاون البحري الدولي من أجل دعم بنائها كقوة بحرية عظمى.

 

في هذا السياق يجب النظر لإقامة القاعدة البحرية في جيبوتي كخطوة- ولو متواضعة- في رحلة أطول وأكثر أهمية نحو تحقيق الصين طموحاتها القومية والعالمية والعسكرية.

 

قاعدة عسكرية أم منشأة لوجيستية؟ فيما تطرق مسئولون كبار في الولايات المتحدة وجيبوتي لهذا التطور على أنه "قاعدة عسكرية بحرية" تابعة للصين، حرص المتحدثون الرسميون للصين على وصفه كـ"منشأة دعم لوجيستي" لقواتها العسكرية، المتواجدة في مهام دولية بالمنطقة. وفي ذلك تسليط للضوء على 3 نقاط:-

 

1- تشدد الاستراتيجية العسكرية للصين على "التكامل المدني- العسكري" CMI لدمج الأهداف والجهود والبنى التحتية والمعايير، في إشارة محددة "إقامة بنية عسكرية ومدنية وتفعيلها بشكل مشترك". من هنا يتضح أن التمييز بين المنشآت المدنية ثنائية الاستخدام والعسكرية لا تساعد في فهم منطق العمل الصيني أو الغرض المحدد للمنشآت.

 

2- تسعى الصين للاختلاف عن القوى الكبرى في الماضي، التي اعتمدت سياستها على "التمدد وسياسة القوة"، من خلال قوات عسكرية وقواعد، وبناء على ذلك اختارت الأسلوب "المدني".

 

3- في الفكر العسكري الصيني القديم كان هناك مكان رئيسي للحفاظ على سرية النوايا، بهدف عدم استفزاز الخصوم وإثارة معارضة زائدة للمخططات. بناء عليه، حتى إذا ما كانت الصين سوف تستخدم منشآتها لأغراض عسكرية، فلن تكون معنية بالإعلان عنها رسميا كمنشآت عسكرية. وسوف تكتفي بالفهم الضمني من قبل المتلقيين ذوي الصلة.

 

الدلالات بالنسبة لإسرائيل

 

ليست هناك دلالات بالنسبة لإسرائيل حول إقامة بنية عسكرية بحرية صينية في جيبوتي، وكذلك الحال بالنسبة للآخرين، كونها خطوة واحدة، وليست أولى، في رحلة طويلة. مع ذلك تنطوي تلك التطورات والتوجهات على عدد من نقاط الاهتمام لإسرائيل.

 

التواجد الصيني في إفريقيا على المستوى الاقتصادي- البنيوي يشير إلى مساحة محتملة للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي الثلاثي، الصين- إسرائيل- إفريقيا، في ضوء مجالات الاهتمام والميزة النسبية للأطراف، مثل التكنولوجيا الزراعية.

 

الأواني المستطرقة: الطابع التكاملي والتدريجي للسياسة الخارجية الصينية، التي تمتزج فيها الجهود الاقتصادية والسياسية والبنيوية والعسكرية في حزمة منظومية طويلة المدى، تلزم دولة إسرائيل أيضا بإجراء تحليل متعدد الأبعاد لمخططات الصين في إسرائيل، لاسيما فيما يتعلق بالأبعاد غير الاقتصادية للمشاريع المرتبطة بالبنى التحتية الاستراتيجية الوطنية مثل منشآت المواني، والطاقة والنقل.

 

كتوجه طويل المدى، يمكن توقع ارتفاع تدريجي وصبور للوجود والنشاطات العسكرية للصين في المجال الاستراتيجي لإسرائيل، بالطبع في ممرات الملاحة، لكن أيضا في المحيط الأكثر قربا، وبما يتسق وخارطة المصالح الاقتصادية للصين.

 

هذا الوجود يتوقع أن يحدث بخصائص استراتيجية صينية (بمهام دولية وبمستويات "ناعمة")، كذلك باستمرار الاتصالات عبر القنوات الدبلوماسية العسكرية . من هنا نوصي بتعميق الدراسة في الجيش الإسرائيلي ومنظومة الأمن حول الصين، ثقافتها الاستراتيجية وقواتها المسلحة، وتطوير الاتصالات معها على قاعدة هذه الدراسة.

 

في ضوء القيمة المضافة، التي تستخلصها الصين من العمليات الدولية ضد القراصنة، على الجيش الإسرائيلي الاستمرار في المساهمة في عمليات دولية بحرية أو عمليات إنقاذ في العالم، تفيد سواء في اكتساب سمعة دولية أو في تحسين القدرات العملياتية.