الخميس  28 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

في العدد60| الأسباب وراء فاتورة الأجور الضخمة في السلطة الفلسطينية

والطريق نحو استدامتها ( ترجمة الحدث)

2016-03-29 12:05:09 AM
في العدد60| الأسباب وراء فاتورة الأجور الضخمة في السلطة الفلسطينية
البنك الدولي

 

2015 وثيقة عن البنك الدولي - أبريل

( ترجمة الحدث)

تم إعداد هذه الدراسة وتأليفها من قبل فريق موظفي البنك الدولي: كبير الاقتصاديين أورهان نيكسيك، والخبير الاقتصادي نور ناصر الدين، والمستشار مايكل ستيفنز، بمساعدة الاستشاري سامي معاري الذي شارك فريق البنك في إجراء البحوث وتحليل للتقارير.

وفي التنويه الصادر في بداية الدراسة تُشير إلى أن المعلومات الواردة فيها لا يمكن التوصل إليها دون مساعدة من وزارة المالية الفلسطينية، ووزارة الصحة، ووزارة التربية والتعليم، ومؤسسات أخرى في السلطة الفلسطينية. كما أنها استفادت من التشاور مع جهات مانحة في الاتحاد الأوروبي وUSAID وDFID.

يشار إلى أن "الحدث"، قد حصلت على موافقة البنك الدولي لنشر هذه المادة التي تم إعدادها في شهر أبريل 2015. علماً بأن "الحدث" ستقوم بنشر الدراسة الكاملة عبر موقعها الإلكتروني خلال الأيام القليلة القادمة.

 

الملخص التنفيذي

فاتورة رواتب القطاع الحكومي من الأعلى في العالم

من الناحية النسبية، تعد فاتورة رواتب موظفي القطاع العام في الضفة الغربية وغزة من بين أعلى المعدلات في العالم، فغالبية الدول تشكل فاتورة أجورها ما نسبته 10% فأقل من الناتج المحلي الإجمالي، بينما تصل في السلطة الفلسطينية إلى ما نسبته 17% من الناتج المحلي الإجمالي. 15% هي نسبة فاتورة الرواتب وحدها من الناتج المحلي الإجمالي، وتشكل 55% من النفقات المتكررة و 83% من حجم العائدات. ومن الواضح أن هذه الأرقام لا تشمل تكلفة رواتب موظفي الأمن وموظفي الخدمة المدنية في سلطة الأمر الواقع في غزة، وذلك لعدم وجود أرقام معلومة، ولكنه يعتقد بأن النسبة تتراوح ما بين 3-4% من الناتج المحلي الإجمالي. وبالتالي، فإنه عند إضافة هؤلاء الموظفين على فاتورة رواتب السلطة الفلسطينية فإن تكلفة فاتورة الرواتب سترتفع لتصل في أقل تقدير إلى 18% من الناتج المحلي الإجمالي.

فاتورة الرواتب..المساهم الأكبر في الأزمة المالية الخانقة في السلطة الفلسطينية  

لا تغطي إيرادات السلطة الفلسطينية (2.3 مليار دولار في 2013) ومساعدات المانحين الدوليين (1.4 مليار في عام 2013 ) العجز المالي فالسلطة الفلسطينية التي تعتمد على دفع المتأخرات لسد هذا العجز. وتعد هذه الطريقة ممارسة غير مستدامة تضر بالقطاع الخاص.

ونظراً إلى أن فاتورة الرواتب تمثل ما يقارب نصف النفقات المتكررة للسلطة الفلسطينية، وأخذا بعين الاعتبار حجمها المتضخم، فإن التقليص من فاتورة الأجور يجب أن يكون عنصراً أساسياً في أي جهد يهدف لوضع الوضع المالي للسلطة الفلسطينية على أسس مستدامة. وفي هذا السياق، من المهم أن نلاحظ أن مساهمة قطاعي الأمن والشرطة هي مساهمة محدودة في استدامة الوضع المالي للسلطة الفلسطينية.

 

تمويل موازنة السلطة سيزداد صعوبة في حال ضم رواتب موظفي القطاع، والذي تقوم بدفعها سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة، إلى فاتورة رواتب السلطة كجزء من عملية "المصالحة" في ظل حكومة الوفاق

في الوقت الحالي، فإن المعلومات المتاحة هي فقط عن موظفي الخدمة المدنية الذين عينتهم سلطة الأمر الواقع في غزة. وإذا ما أضيفت فاتورة رواتبهم إلى فاتورة رواتب السلطة، فإن فاتورة الأجور السنوية ستزداد لتصبح ما يقارب الـ389 مليون دولار. وإذا لم تقم السلطة بتقليص ملموس في حجم فاتورة الرواتب  المجتمعة، ولم تقم بزيادة حجم الإيرادات الضريبية المتعلقة بالنشاط الاقتصادي في غزة، وإذا لم تتمكن من الحصول على مصادر تمويل إضافية من قبل الجهات المانحة لتغطية هذه التكاليف الإضافية، فإن السلطة لن تتمكن من تمويل موازنتها ضمن التكاليف الإضافية.

ويقدر البنك الدولي أن تكون الإيرادات الإضافية التي يمكن جمعها من غزة  كافية لتغطية تكاليف رواتب الموظفين. ولكن وفي هذه المرحلة، فإنه سيكون من الصعب التنبؤ بسرعة نمو هذه الإيرادات وبالفترة الزمنية اللازمة لتكون ملائمة لتغطي الزيادة في فاتورة رواتب السلطة في قطاع غزة.

وبعيداً عن حجم هذه العائدات المقدر جمعها من غزة، فإن مسألة توحيد الموظفين سيخلق أو يكشف عن الفائض في الحاجة في "الموظفين"، وهو ما سيستوجب على السلطة معالجته من خلال إصلاح نظام الخدمة المدنية.

على عكس ما يتردد دوماً، فإن فاتورة رواتب الخدمة المدنية الفلسطينية ليست كبيرة جداً وفقا للمعايير الدولية؛ فالمساهم الرئيسي في فاتورة الرواتب المرتفعة هو نسبة ارتفاع الأجور إلى الناتج المحلي الإجمالي المدفوع للموظفين في الحكومة المركزية.

حتى وإن تمت زيادة فاتورة رواتب الموظفين المعينين من قبل حكومة الامر الواقع في غزة، فإن فاتورة أجور السلطة الفلسطينية ستشكل أقل من 5% من مجمل عدد السكان الفلسطينيين، الأمر الذي يبقي الضفة الغربية وقطاع غزة في مرتبة أقل بكثير من العديد من بلدان العالم وعلى مقربة من البلدان ذات الدخل المتوسط والتي تشكل فاتورة رواتبها ما نسبته (5.3%) من مجموع السكان.

وبالنظر إلى الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد، فإن السلطة الفلسطينية تدفع أجوراً عالية جداً ( 3.5 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد)، وهو أعلى بكثير من المتوسط ​​في أي منطقة أخرى في العالم باستثناء أفريقيا.

هنالك عدة عوامل تجعل من رواتب موظفي الحكومة المركزية، في المتوسط، عالية نسبياً مقارنة مع الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني للفرد الواحد

أولاً، في سنة من السنوات قامت السلطة الفلسطينية بمنح جميع الموظفين زيادات كبيرة، الأمر الذي عمل على رفع الرواتب بشكل كبير، وهو ما لم يتناسب مع العثور على مصدر تمويل مستدام لهذه الزيادات.

ثانيا، إن جميع موظفي السلطة الفلسطينية يحصلون على زيادات سنوية تتجاوز التضخم (خصوصاً في قطاع غزة )، و هذه الزيادات لا تأخذ بعين الاعتبار حركة الأجور في القطاع الخاص، وينتج عن ذلك تجاوز رواتب القطاع العام تلك الموجودة في القطاع الخاص إلى حد كبير، خاصة أولئك الموجودين على الدرجة الأدنى في سلم الرواتب.  

ثالثاً، يعد هيكل التدرج الوظيفي- وتحديداً في قطاع الأمن في السلطة الفلسطينية- متضخما، خاصة في وجود عدد كبير من الموظفين في الفئات العليا، والذي يفوق ما هو متعارف عليه في البلدان الأخرى.

وبالنظر إلى هذه العوامل مجتمعة، فإن السبب يبدو أكثر وضوحاً وراء ارتفاع متوسط الأجور الذي تدفعه السلطة لموظفيها.

إلى جانب ذلك، وبينما عملية التوظيف بشكل مجمل في السلطة الفلسطينية ليست مرتفعة، فهنالك شواغر في بعض القطاعات والمؤسسات

يبلغ عدد الموظفين الحكوميين التابعين لقطاع الأمن ما يقارب 65,000 موظفاً، وهو ليس بالعدد الكبير مقارنة بمقاييس الدول في الشرق الأوسط. لكنه يعد كبيراً جداً وفقا للمعايير العالمية، خاصة بالنظر إلى العدد الكبير من الضباط.

علاوة على ذلك، فإن كلا قطاعي التعليم والصحة، يضمان عددا أكبر من الموظفين مقارنة بالبلدان الأخرى في المنطقة أو تلك المشابهة في مستويات التنمية.

 وتظهر التجارب الدولية أنه من الممكن الحصول على جودة أعلى في خدمات التعليم والصحة بعدد أقل من الموظفين نسبة إلى عدد السكان في كل قطاع . فإذا ما تم تخفيض العدد النسبي للموظفين في قطاعي الصحة والتعليم من خلال تجميد سياسة التوظيف المؤقت، فإنه يمكن للسلطة أن توفر الكثير، وبالتلي تستخدم ما توفره في مدخلات أكثر أهمية لتطوير أداء هذين القطاعين.

 

من أجل تحسين استدامة الموازنة العامة ولتزيد من الهامش المالي لاستثمارت حكومية أكثر إنتاجية فإن حجم فاتور الرواتب (وبعد إضافة ودمج موظفي غزة) يجب أن تنخفض بخمس نقاط مئوية في أقل تقدير على المدى المتوسط

ودرجة التخفيض النسبية هذه في فاتورة الرواتب هي طموحة، ولكن فيما لو تم تطبيقها، فإن فاتورة الرواتب في السلطة الفلسطينية ستبقى مرتفعة وفقا للمعايير الدولية.

وهذا المستوى المقترح من التخفيض، مع تثبيت العوامل الأخرى، من شأنه أن يمكن السلطة الفلسطينية من تمويل ميزانيتها دون الحاجة إلى مراكمة متأخرات القطاع الخاص عليها، كما هو الحال الآن.

من حيث المبدأ، فإن مزيداً من الانخفاض مرغوبٌ فيه، ولكن هذه النسبة منه لن تكون قابلة للتخفيض والتحقق قبل 4-5 سنوات قادمة.

 

وللوصول إلى فاتورة الرواتب المرجوة، على السلطة الفلسطينية أن تتبع سياسيات احتواء الزيادة في التوظيف والرواتب

  1. علما بأن، 50% من موظفي السلطة والذين هم على أدنى السلم الوظيفي رواتبهم أعلى من رواتب نظرائم في القطاع الخاص، فإن على السلطة الفلسطينية إجراء تقييم يشرح أسباب تلك الفروقات في الرواتب، وإذا لم تتمكن من إيجاد مبررات اقتصادية، فإن عليها  أن تنظر في تطبيق تجميد مؤقت في نمو الأجور أو على الأقل تحديد هذا النمو لهذه الفئة من الموظفين. على سبيل المثال، إذا تم تنفيذ تجميد النمو في جدول الأجور لـ(خمسين في المئة) لمدة خمس سنوات، فإن فاتورة الرواتب في السلطة ستنخفض بما يقارب نقطتين مئويتين من الناتج المحلي الإجمالي، ومع ذلك فإن أجور هذه الفئة من الموظفين ستظل أعلى مما يدفع في القطاع الخاص لشغل وظائف مماثلة، وبمؤهلات مماثلة. وفي الحقيقة، عادة ما ينصح أن تكون الرواتب في القطاع العام أقل من تلك التي في القطاع الخاص، نظراً إلى أن خطر فقدان الوظيفة في القطاع العام أقل من الخاص. وعلى السلطة أيضاً أن تدمج معظم "البدلات" في الراتب الأساسي، فقد أثبتت التجربة أن نسباً عالية من البدلات في أجور القطاع العام هي في غالب الأحيان السبب وراء تضخم فاتورة الأجور.

2. يتعين على السلطة الفلسطينية أن تحدد الوحدات الحكومية التي يمكن من خلالها تحقيق مكاسب في الكفاءة من حيث عدد الموظفين، خاصة بعد الدمج المتوقع للموظفين الذين عينتهم "سلطة الأمر الواقع في غزة"، ومن خلال تطبيق سياسة "التوظيف الصفري" (المترجم: أي أن يكون نمو الموظفين في تلك الوحدات الحكومية صفراً)، وأن تحد من نسبة النمو في الوحدات الحكومية إلى الحد الأقصى المتناسب مع نمو السكان (أي ثلاثة في المئة ).  ويقدر البنك الدولي أن حوالي 450 مليون دولار أو 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي يمكن توفيره عن طريق خفض عدد الموظفين المتواجدين في "المراتب العليا" في قطاع الأمن. وعلى السلطة أن توقف الزيادة في عدد موظفي قطاع التعليم على مدى السنوات الخمس القادمة لإغلاق الفجوة من حيث (نسبة الطالب / المعلم)، مع مدارس وكالة الغوث، والذي من شأنه أن يقلل فاتورة الأجور بنسبة 0.75 نقطة مئوية في غضون خمس سنوات. وإن تطبيق تدابير مماثلة في مؤسسات السلطة الفلسطينية خارج قطاعي الصحة والتعليم من شأنه أن يوفر 0.5 نقطة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي.

 

 

3. وأخيرا ، يجب أن تلعب وزارة المالية الفلسطينية دوراً أقوى في عملية التخطيط لفاتورة الرواتب. وعلى السلطة الفلسطينية أن توسع ممن صلاحيات وزارة المالية لتتمكن من تحديد سقف للأجور ومن منح الموافقة على التعيينات الجديدة وفقاً لهذا السقف.  وهذه الضوابط لا يجب أن يتم تطبيقها فقط على الموظفيين العموميين بل أيضا على موظفي العقود المؤقتة.

وللوصول إلى التخفيض المرجو في فاتورة الرواتب، فإن على السلطة إدخال تعديلات على التوظيف في قطاعي الخدمة المدنية والأمن، لإزالة أي درجة وظيفية غير مستحقة ومنع ازدواجية المواقع الوظيفية، وخاصة في قطاع الأمن.

وبالتالي، إذا تم إصلاح القطاع الأمني ​عبر الحد من عدد الموظفين في الدرجات العليا وتحقق "التسلسل الوظيفي" ليكون أكثر اتساقا مع المعايير الدولية، فإنه من المؤكد أن تنخفض فاتورة الأجور بنسبة تصل إلى ثلاث نقاط مئوية مقارنة بخط الأساس.

مع ذلك، وفي حال لم يتم تسريع النمو الاقتصادي المناسب فإن السلطة الفلسطينة لن تكون فاعلة في الوصول إلى الهدف المقترح في في فاتورة الرواتب على المدى المتوسط. 

وحتى لو حاولت السلطة تطبيق برنامج طموح نسبياً لتطبيق ضوابط فاتورة الرواتب، فإن التخفيض بالنسبة للناتج الإجمالي المحلي سيكون له تأثير هامشي. لتخفيض فاتورة الرواتب بما نسبته 5 نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، فإن هذا الأمر سيحتاج إلى جانب الجهود المبذولة من قبل السلطة نموا اقتصاديا قويا نسبيا متوسطه 6% سنويا.

ولغايات التوضيح، إذا كان النمو في الناتج المحلي الإجمالي كان سيزيد لمستوى ما تنبأ به صندوق النقد الدولي في حال إحراز اختراق في عملية السلام، فإن فاتورة الرواتب كانت ستنخفض بأكثر من 5 نقاط مئوية، من جهة النمو الاقتصادي في حال بقاء الظروف ثابتة.

بالتالي، فإن فاتورة رواتب منخفضة ومصادر تمويل مستدامة، بالإضافة إلى جهود السلطة الفلسطينية، فإنها تتطلب إرخاء "إسرائيل" للقيود المفروضة على النشاط الاقتصادي. وكما أكد البنك الدولي ومؤسساته في تقارير سابقة، فإن نظام القيود المتعددة على النشاط الاقتصادي في الضفة الغربية وغزة، والذي تم فرضه من قبل الحكومة الإسرائيلية، هو العائق الذي يحول دون تحقيق نمو اقتصادي متوسطه 6% سنوياً. وهذا ما لا يمكن تحقيقه دون إرخاء القيود بحيث يسمح بالتبادل التجاري بين الضفة الغربية وقطاع غزة ومع أطراف ثالثة بحرية وبطريقة فعالة من حيث التكلفة، وتسهيل عملية الاستثمار في الضفة الغربية في المناطق "ج" الغنية بالموارد. 

فمن أجل تحقيق نمو اقتصادي متوسطه 6% سنوياً، يتطلب تداولاً للبضائع بين الضفة الغربية وقطاع غزة ومع أطراف ثالثة بحرية بطريقة فعالة من حيث التكلفة، وتسهيل عملية الاستثمار عبر إمكانية الاستفادة من الموارد الغنية الموجودة في المناطق المصنفة "ج" في الضفة الغربية.