السبت  27 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

من يخشى العودة إلى التاريخ؟ بقلم: تيسير الزّبري

صريح العبـارة

2016-04-11 10:08:57 PM
من يخشى العودة إلى التاريخ؟ بقلم: تيسير الزّبري

تصريحات الحاخام اليهودي "يتسحاق يوسف" قبل أيام، والتي دعا بها إلى طرد العرب الفلسطينيين تحقيقاً "لتعاليم نوح" من أراضي إسرائيل، كما يدعي، هي تصريحات تفتح كل الأبواب للعنصرية وتشيع المزيد من الكراهية وتعطي تصاريح بالقتل وسفك دماء الفلسطينيين، وهو، على أية حال، ما يجري ونشاهده على أبواب المدن والقرى الفلسطينية، والمثل الأقرب علينا، حتى كتابة هذا المقال، هو حال الشهيد "الشريف" في الخليل.

لقد تأخرنا كثيراً في تحديد أشكال المواجهة مع الغزو الصهيوني إلى فلسطين، وفي الغالب وضعنا عامل الصراع السياسي الحديث في المواجهة، بل إن أغلب التحليلات السياسية ذهبت باتجاه الهجرات اليهودية على أبواب القرن العشرين وما تبع ذلك من وعد بلفور والانتداب البريطاني...، ومع صحة تلك الوقائع إلا أننا أغفلنا أساساً أيديولوجياً توراتياً اعتمدت عليه الحركة الصهيونية الحديثة (من هرتسيل وبدء التفكير الصهيوني الحديث المرتبط بالاستعمار اللاهث وراء وراثة الدولة العثمانية...).

التمدد الصهيوني، ومن ضمن ما اعتمد عليه في حركتة، ادعاءات تاريخية توراتية ملخصها أن هذه الأرض الفلسطينية (وبعض امتداداتها المجاورة مثل الأردن) هي أرض الميعاد اليهودي، وقد استندوا بتلك الادعاءات على شذرات من التاريخ القديم بطريقة انتقائية لا علاقة لها في تتبع التاريخ القديم المسجل من 4000 سنة قبل الميلاد!! لقد اعتمد اليمين الديني، وما زال، على هذه الادعاءات المخالفة للتاريخ، وهناك شهادات مؤرخين مشهورين مثل المؤرخ الفرنسي "غوستاف لوبون" في كتابه المشهور (اليهود في تاريخ الحضارات الأولى)، وكذلك المؤرخ د. رولف رايخارت، وغيرهم من المؤرخين العرب ومنهم عالم الآثار والفلسفة العلامة العراقي د. أحمد سوسة في كتابه المشهور (العرب واليهود في التاريخ)، وجميعها تدحض وبالروايات الموثقة زيف الادعاءات التوراتية ومن يتسلحون بها من أقطاب السياسة الإسرائيلية.

الثقافة والتعليم في إسرائيل، وخاصة في المدارس الدينية، تفتح الأبواب أمام بعض ما يجري من جرائم، بل وتشكل غطاء له، ذلك أن دراسة التاريخ في هذه المدارس تبدأ بالتزييف والقفز عن الحقائق والكذب والادعاء بأن بدايات وجود الشعوب في بلاد الشرق قد انحصرت باليهود القدماء (أجداد اليهود الحاليين)، وبأن العرب، والفلسطينيون منهم، هم الطارئون وهم الغزاة لأرض إسرائيل، وعليهم العودة من حيث أتوا!! ولا نستغرب دعوة الحاخام الإسرائيلى السابق ذكر اسمه.

ماذا تقدم مناهجنا الدراسية مقابل أعمال تزييف التاريخ. هل من تعليم يقدم الحقائق كما هي، سوى أن تاريخنا قد بدأ منذ 1400 عام، أي منذ الدعوة إلى الإسلام؟ وما كان يحيط بتلك الفترة من جوانب صراعية مع البيزنطيين شمالاً والفرس شرقاً أو ما يشير إلى بعض القبائل العربية من الغساسنة والمناذرة (أي من القرن السادس الميلادي وما بعده؟)

الصراع مع التمدد الصهيوني له جوانب متعددة، منها ما هو سياسي بكل تلاوينه ومنه ما هو عسكري ومنه ما هو أيديولوجي، وهو بهذا يختلف عن الاستعمار الغربي منذ القرن الثامن عشر الذي طغت عليه جواب أخرى اقتصادية أو أمنية. ثقافتنا العامة والممنهجة تعاملت مع التمدد الصهيوني كما هو الحال مع الاستعمار الغربي الحديث، وهذا ما يجب تصحيحة، وقد أغفلت قراءة التاريخ قراءة صحيحة تفند بها كل أعمال التزييف المتواصلة.

رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو مثلاً، استند في كتابه (مكان تحت الشمس) على أقاويل توراتية، بالرغم من أن المذكور لا ينتمي إلى الفكر الديني التوراتي، ولكنه ومن أجل خدمة أطماعه التوسعية في رفض الانسحاب من الضفة الغربية، ادعى بأن الانسحاب من "يهودا والسامرة" غير ممكن لأسباب توراتية!

تاريخ المنطقة واسع وغني ومليء بالأحداث والثقافات والحضارات التي سبقت الأديان التوحيدية   (مثل الديانات اليهودية والمسيحية والإسلامية) أو تجاورت معها مثل حضارة الرومان والفرس وحضارة الفراعنة الرائعة.

باختصار، نحن لا ننكر أن لليهود وبني إسرائيل تاريخ في هذه المنطقة، وأن جذورهم من العرق السامي وأن كلمة "عبراني" مشتقة من كلمة عربي، ولكن ما لا يرغب اليهود التوراتيون في رؤيته أو سماعه هو الإقرار بأن هناك من سبقهم من الاقوام السامية الأخرى من الكنعانيين والبابليين والآشوريين والكلدانيين وما تبعهم من ممالك عربية (الأنباط والتدمريين) وما تركوه من حضارات ما زالت شواهدها حاضرة، ذلك أن الإقرار بتواصل التاريخ وتتابع ممالك ودول الممنطقة إنما يعيد وضع التاريخ على قدميه بدلاً من وضعه منحرفاً أو على رأسه، وبهذا، ربما، نجد تفسيراً (حتى في الاحتكام إلى التاريخ) لهذا الصراع الدامي والذي تدفع به شعوبنا من دم أبنائها الكثير.