الثلاثاء  30 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

في العدد 61 | صناعة منتجات الألبان في قطاع غزة تُكافح من أجل البقاء

2016-04-12 12:09:32 AM
في العدد 61 | صناعة منتجات الألبان في قطاع غزة تُكافح من أجل البقاء
صناعة منتجات الألبان في قطاع غزة

 

طاهر حمد: منذ بدء الحصار.. صناعة منتجات الألبان في قطاع غزة تُراوح مكانها

طارق لبد: الصناعات الفلسطينية تُعاني ضغوطاً كبيرة واستهدافاً متكرراً من الاحتلال الإسرائيلي

أصحاب مصانع: سياسات الاحتلال الإسرائيلي تحرمنا من تطوير صناعاتنا وتحقيق التنافسية في الجودة

مربو أبقار: مزارعنا مُهددة بالتدمير في كل اعتداء إسرائيلي على القطاع وتواجه نقصاً في كميات الحليب الطازج

غزة- محاسن أُصرف

 

تُعد صناعة منتجات الألبان من الصناعات القديمة التي قام عليها اقتصاد الأسرة الفلسطينية في الأربعينيات من القرن الماضي، لكنها ما لبثت أن لحقت بركب التطور التكنولوجي فظهرت في السبعينيات وحدات إنتاجية صغيرة ساهمت في إيجاد أصناف من الأجبان والألبان المُختلفة، ومن ثمَّ تزايدات أعدادها، وتطورت أدواتها لتلبية احتياجات السوق المحلي والأسواق المجاورة.

 

وحسب بيانات وزارة الاقتصاد في قطاع غزة، فإن عدد مصانع الألبان ومشتقاتها يتراوح بين (9-15) مصنعاً، أربعة منها فقط تتمتع بقدرة إنتاجية عالية ومنافسة في السوق المحلي، فيما البقية تُعد وحدات إنتاجية صغيرة تعتمد على تصنيع الجبن البلدي واللبنة واللبن أب فقط.

 

لكن منذ الحصار الذي ضرب أطنابه على القطاع منتصف يونيو 2007، عانت هذه المصانع ويلات التدمير من قبل الاحتلال الإسرائيلي، أملاً في إبقاء قطاع غزة سوقاً استهلاكياً لمنتجاته، ويؤكد مختصون أجرت مراسلة "الحدث" مقابلات منفصلة معهم، أن الاحتلال ساهم في إضعاف هذه الصناعات وأعجزها عن اللحاق بطرق الإنتاج القائمة على التقنية والتكنولوجيا الحديثة بمنعه إدخال الأدوات والمعدات التي تُحسن إنتاجها وترتقي به إلى مستوى المصانع الكبيرة.

 

فيما أشار أصحاب مصانع إلى ضعف الاهتمام الرسمي بمصانعهم وعدم تقديم الدعم اللازم الذي يؤهلهم لتطوير إنتاجهم والوصول به إلى مرحلة يُنافس بها منتجات الضفة وإسرائيل أو المنتجات العربية من الألبان.

 

تدمير ممنهج

 

يشكو مأمون دلول، صاحب مصنع دلول للألبان بغزة، من سياسة الاحتلال في الاستهداف الممنهج لصناعة منتجات الألبان ومشتقاته في قطاع غزة بغية إبقاء القطاع سوقاً استهلاكياً لمنتجاته من الألبان، وقال دلول، الذي ينشط مصنعه في إنتاج (الجبنة البيضاء، واللبنة، واللبن أب) منذ عام 1998: "إن الاحتلال الإسرائيلي يستهدف الصناعات الفلسطينية بشكل عام وصناعة الألبان على وجه الخصوص"، وأضاف أن مصنعه تعرض للتدمير خلال منذ بداية إنشائه حتى عام 2014 خمس مرات، أثرت سلباً على قدرته على الاستمرار في الإنتاج، وبيّن أن خسائره جاوزت الـثلاثة ملايين دولار لم يُعوض منها إلا (50) ألف دولار من قبل الاتحاد الأوروبي، و15 ألف دولار أخرى من حكومة غزة، وأكد أن هذا التعويض لم يُسعفه في تطوير منتجاته.

 

عقبات فنية

 

وفيما يتعلق بالعقبات الفنية التي تحول دون تطوير صناعة منتجات الألبان ومشتقاتها في قطاع غزة، أكد دلول أنها لا تعدو مشاكل الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي بالإضافة إلى منافسة منتجات الألبان الواردة من الضفة الغربية أو إسرائيل، بالتزامن مع عدم سماح الاحتلال بتصدير منتجات القطاع إلى الخارج، وفرضه قيوداً على تطويرها بعدم السماح بإدخال مُعدات الإنتاج المتطورة أو إدخال قطع الغيار اللازمة لخطوط الإنتاج الموجودة.

 

ونبّه دلول أنه لم يستسلم للقيود الإسرائيلية على تطوير صناعة الألبان ومشتقاتها في قطاع، وبدأ بما لديه من خبرات يعمد إلى تطوير عملية الإنتاج لديه عبر مراقبة إنتاج حليب الأبقار في المزارع من خلال رفد أصحاب المزارع بالتدريب اللازم في تربية الأبقار الحلوب وآلية تغذيتها من أجل الحصول على أوفر إنتاج من الحليب وبجودة تُضاهي المنتج المنافس في الضفة أو إسرائيل، وأضاف أنه للوصول إلى أعلى درجة من الجودة في إنتاج الأجبان واللبنة واللبن أب يعمد إلى استخدام الحليب الطازج بنسبة 50% وذات النسبة من الحليب البوردة  المستورد من إسرائيل، يقول: "إنتاجنا يُضاهي الصناعات الأخرى لكنه يُعاني من أزمات التسويق والانتشار في الأسواق الخارجية، ما يُؤثر سلباً على قيمة الأرباح ويُهدد استمرارية الإنتاج".

 

ويُطالب دلول، الجهات الرسمية في جناحي الوطن الفلسطيني بضرورة توحيد جهودهم للارتقاء بصناعة الألبان وتطويرها في القطاع، ورفد المصانع العاملة في القطاع بالأموال والمُعدات التي تضمن إنتاج بجودة عالية وفق المواصفات العالمية، كما دعا إلى ضرورة التعريف بالمنتج المحلي الغزي وفتح أفاق لتسويقه في مدن الضفة الغربية أسوةً بسماح تسويق منتجات مصانع الضفة في القطاع، وقال: "إن وجود أصناف متنوعة وبأسعار منافسة جداً تُقلل من إقبال السكان على المنتج الغزي لصالح المنتجات الأخرى".

 

زيادة تكاليف الإنتاج

 

ومن جهته؛ تحدث سيف الدين أبو عيطة صاحب مصنع أبو عيطة للألبان، عن عقبة زيادة تكاليف الإنتاج التي يتحملها أصحاب مصانع منتجات الألبان ومشتقاتها، مشيراً إلى أنها تتمثل في توفير بدائل للكهرباء التي لا تصل المصنع أكثر من ثماني ساعات يومياً، يقول: "نضطر إلى إنفاق قرابة 15 ألف شيكل من أجل تشغيل المولدات الكهربائية لإتمام عملية الصناعة والتخزين"، وأضاف أنه خلال الحرب الأخيرة على غزة صيف 2014 تعرض لخسائر كبيرة نتيجة تلف منتجات الألبان التي قد أعدها مع حلول رمضان آنذاك، لافتاً إلى أن افتقار وزراة الاقتصاد والزراعة في قطاع غزة للإمكانات المادية حرمته من الحصول على التعويضات التي تُعينه على استمرار عمله، إلا أنه بدأ ينهض رويداً رويداً، كونه لا يعلم سبيلاً للعمل إلا في إنتاج الألبان ومشتقاتها.

 

وكان أبو عيطة يعتمد على مزرعة الأبقار الحلوب الخاصة به لتوريد الحليب الطازج إلى مصنعه مما يُقلل تكلفة الإنتاج لديه ويحقق له نسبة أرباح مُرضية، إلا أنه لم يعد يعتمد عليها بعد أن تم تدميرها من قبل الاحتلال خلال الحرب ونفوق الأبقار جميعها، ويُشير إلى أن ذلك رفع من تكاليف الإنتاج لديه، وجعله يُعاني أكثر أثناء تسويق منتجاته في السوق المحلية إذ يعمد إلى تسويقها بهامش ربح بسيط جداً في ظل توافر البدائل المنافسة من منتجات الألبان الواردة من الضفة الغربية أو إسرائيل.

 

نقص في كميات الحليب الطازج

 

ويُعاني مربو الأبقار في قطاع غزة من نقص حاد في كميات الحليب الطازج التي تعتمد عليها صناعة الأجبان ومشتقات الألبان، وفي هذا السياق يؤكد المزارع عزات ورش أغا صاحب إحدى مزارع الأبقار على الحدود الشرقية لبلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، أن إنتاج الحليب الطازج من الأبقار تراجع كثيراً بسبب تدمير الاحتلال للعديد من المزارع خلال الحرب، بالإضافة إلى اختلاف أنواع الأعلاف المستخدمة لتغذية أبقار الحليب، وقال: "جودة الأعلاف تنعكس إيجابياً على كمية الحليب وجودته وبالتالي تُؤثر على مدى قدرة المنتج على المنافسة في السوق المحلي أمام صناعات الألبان الواردة من الضفة الغربية أو إسرائيل".

 

وتعرضت المزرعة التي يعتاش منها المزارع ورش أغا، إلى القصف بطائرات الاحتلال ما أدى إلى نفوق ( 65) بقرة حلوب من أصل (100) بقرة، وقُدرت قيمة خسائره المادية بحوالي (11) ألف دولار لم يُعوض منها إلا القليل، وفق قوله، ما اضطره إلى الاستغناء عن نصف العاملين لديه، خاصة في ظل ثبات سعر لتر الحليب المورد لمصانع إنتاج الألبان حيث أنه لا يزيد عن شيكل وثماني أغورات، في حين تبلغ تكلفته على مربي الأبقار الحلوب شيكل وستة أغورات، يقول ورش أغا: "نتجة لعدم جدوى إنتاج الحليب يعمد المزارعون إلى بيع الأبقار أو ذبحها، داعياً الجهات المعنية إلى تبني سياسات لتحسين واقع مزارع أبقار الحليب في القطاع باعتبارها مورداً أساسياً لعملية التصنيع".

 

صناعة الألبان تُراوح مكانها

 

بدوره يؤكد طاهر أبو حمد مدير دائرة الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة بغزة، أن صناعة الألبان في قطاع غزة ما زالت تُراوح مكانها، ولم تشهد تطوراً من شأنه أن يُعزز وجودها التنافسي في السوق المحلي، مُرجعاً أسباب ذلك إلى حالة الحصار التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، والتي قضت بمنع الأخير إدخال سلالات جيدة من الأبقار الخاصة بإنتاج الحليب، بالإضافة إلى منع وصول الآليات اللازمة لتطوير مصانع منتجات الألبان في القطاع بما يتوافق مع التكنولوجيا الحديثة.

 

ويوضح حمد أن ما يوجد في قطاع غزة ما يُقارب من (2500) رأس من أبقار إنتاج الحليب، ويبلغ متوسط إنتاج الرأس الواحد منها في اليوم (20-22) لتر يومياً، فيما يحتاج القطاع إلى قرابة (18) ألف رأس بمعدل إنتاج يومي (30-35) لتر يومياً ليتمكن من تطوير صناعات منتجات الألبان بشكل يُضاهي الصناعة المحلية في الضفة الغربية والمنتجات الإسرائيلية، مُبيناً أن ما يتم إنتاجه من كميات حليب الأبقار المتوافرة في القطاع لا تزيد عن (15%) فقط من احتياجات القطاع فيما يتم استيراد  الـ (85%) من الأسواق الخارجية.

 

وفي سياقٍ متصل شدد حمد على دعم وزارته لأصحاب مصانع منتجات الألبان ومشتقاتها في القطاع من حيث تقديم التعويضات لهم عن الخسائر التي يتعرضون لها بفعل الحروب المتكررة على القطاع، مستدركاً أن عدم توفر الأموال من الجهات المانحة يُعيق تسديد مستحقات الأضرار كاملة لكافة المتضررين، كما يُعيق عملية تطوير صناعات الألبان، وأضاف: "نعمد من جهة أُخرى إلى مطالبة الاحتلال بإدخال أنواع سلالات من أبقار الحليب ذات إنتاجية عالية بما يضمن تحسين جودة المنتج في المصانع"، وقال: "الاحتلال يقف حجر عثرة أمام وصول تلك السلالات، مؤكداً أن أسبابه لا تعدو إبقاء قطاع غزة سوقاً استهلاكياً لمنتجات الألبان الخاصة به".

 

وأدت الحرب الأخيرة على قطاع غزة صيف 2014 إلى تدمير غالبية مزار تربية الأبقار في قطاع غزة، نظراً لقربها من الحدود الشرقية للقطاع، وحسب إحصاءات وزارة الزراعة فقد بلغ عدد مزارع الأبقار المتضررة من الحرب (142)، وتراجعت أعداد أبقار الحليب فيها إلى النصف تقريباً حيث بلغت (2500) رأس بعد أن كانت تربو على (5000) رأس قبل الحرب.

 

استهداف مستمر

 

ويُعقب طارق لُبّد مدير العلاقات العامة والإعلام بوزارة الاقتصاد الوطني بغزة، قائلاً: "إن كافة الصناعات الفلسطينية تُعاني من ضغوط كبيرة واستهداف متكرر ومستمر من قبل الاحتلال الإسرائيلي بهدف إضعاف البنية التحتية للاقتصاد الفلسطيني"، وتابع أنه خلال الحرب الأخيرة على غزة دمر الاحتلال أكثر من 400 مصنع كلياً وما يربو على 1000 مصنع جزئياً لم تتمكن من العمل والإنتاج.

 

وأضاف: "فيما يتعلق بصناعة منتجات الألبان ومشتقاتها يعمد الاحتلال إلى منع لإدخال اللآليات اللازمة لتطوير عمليات الإنتاج في المصانع، بالإضافة إلى منعه إدخال المواد الخام"، موضحاً أن وزارته بالتنسيق مع الاتحادات التخصصية تعمد إلى ابتكار الحلول المناسبة للخروج من الأزمات التي يفتعلها الاحتلال.

 

وكانت وزارة الاقتصاد دعت في دراسة إلى ضرورة تكاثف الجهود الرسمية والأهلية من أجل إنشاء مصنع متطور للألبان في قطاع غزة، من شأنه أن يُقدم منتجاً منافساً في السوق المحلية ويُمكن تصديره إلى الخارج بما يُحقق رافعة للاقتصاد الفلسطيني المتهالك على مر سنوات الحصار العشر الماضية.

 

وفي هذا السياق شدد لُبّد، على أن وزارته تواصلت مع كافة الأطراف للعمل على تشجيع الاستثمار في مجال صناعة الألبان وإيجاد مصانع متطورة، إلا أن عثرات الاحتلال تُعيق جهودها.