ترجمة – بسام عباس
المصدر – ناشيونال إنترست
انهار اتفاق وقف الأعمال العدائية الذي خفف من حدة القتال بين نظام الأسد والمعارضة المسلحة في سوريا، والأسئلة الكبرى المطروحة الآن تدور حول المسار المستقبلي للسياسة الأمريكية تجاه سوريا. وتزداد هذه الأسئلة، أكثر وأكثر، في ظل محاولة تنظيم القاعدة وحلفاؤه بناء شبه دولة لهم في شمال سوريا، والتي سيكون لها عواقب وخيمة على مستقبل الشرق الأوسط والأمن الدولي.
وأكد تقرير صدر مؤخرًا عن مركز الأمن الأمريكي الجديد أنه من أجل هزيمة تنظيم القاعدة ومناصريه، فينبغي على الولايات المتحدة دعم المعارضة السورية في بناء مؤسسات الأمن والحكم في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في البلاد. وبعيدًا عن الحملة ضد داعش، فهناك أيضا حملة وقائية لمكافحة الإرهاب لا بد من أن تنطلق في مناطق أخرى من البلاد، خاصة وأن تنظيم القاعدة والعوامل المساعدة له في المعارضة السورية المسلحة يسعون إلى بناء دولة الشريعة القائمة على تعاليم منظري الجهاد العالمي.
إن أحد أقوى الانتقادات ضد السياسة الأمريكية الحالية في سوريا هو أنها بحاجة للقيام بشيؤ أكثر من مجرد محاربة داعش، وأنها تحتاج للقيام بعمل أفضل لدعم المعارضة السورية. وإن أحدث الحلقات المفرغة من حرب الحصار والتجويع التي يقوم بها النظام، وقصف المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في دمشق وحلب أهم مدن سوريا، هو أمر يتطلب بالتأكيد عمل دولي أقوى لفرض وقف الأعمال العدائية. ويبحث العديد من منتقدي النهج الأمريكي الحالي عن استراتيجية تتجاوز العملية السياسية الحالية ومنتجها الهش الذي اخترق كثيرًا.
إنهم يبحثون عن استراتيجية تحمي المدنيين السوريين، ووقف تدفق اللاجئين من سوريا والذي يتسبب في زعزعة استقرار جيرانها بالإضافة إلى أوروبا، وتعمل تلك الاستراتيجية على الضغط العسكري على النظام لإرغامه على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. وهناك نقاش مفتوح داخل الولايات المتحدة وشركائها الإقليميين حول العمل وفقًا “للخطة ب”: استراتيجية المساعدات العسكرية التي توفر منظومات الدفاع الجوي المحمولة المتقدمة مباشرة إلى جماعات المعارضة، وفرض منطقة آمنة على المناطق التي تحكمها المعارضة، لا سيما في الشمال على طول الحدود السورية التركية.
وفي حين تستحق خطوط العمل هذه وضعها في عين الاعتبار، فهناك خطر كبير من أن يكون السعي إليها الآن له عواقب سلبية طويلة الأجل على الأمن السوري والإقليمي والدولي.
والسبب الواضح على أرض الواقع هو أن الحرس الثوري الإيراني وكلائه وروسيا عززوا حكم الأسد ورسخوه على دويلة في غرب سوريا، لا سيما في اللاذقية وطرطوس وحمص ودمشق وما حولها، وبدأت في توسيع نطاق هذه القاعدة الإقليمية شرقا إلى تدمر. ولكن بقدر ما يدعي نظام الأسد وحلفاءه في أنهم تمكنوا من السيطرة على جميع الأراضي التي سقطت تحت سيطرة المعارضة، بما في ذلك دولة داعش المزعومة في شرق سوريا، إلا أنه لم ينجز هذه المهمة. والحقيقة هي أن سوريا ما بعد الأسد موجودة في جميع أنحاء البلاد، و لا يوجد شيء قادر على تغيير ذلك أكثر من التدخل العسكري الأجنبي.
وبالنسبة للحرب الأهلية الدائرة في سوريا، فقد تركز النقاش حول المستوى المناسب من الدعم الأمريكي للمعارضة السورية المعتدلة على إسقاط نظام الأسد، ولا سيما بعد سجله الواسع سيئ السمعة المليء بارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم ضد الإنسانية. ولئن كان مفهوما أن هناك قدرا كبيرا من التعاطف لإزاحة بشار الأسد وأعوانه من سوريا، بما في ذلك روسيا وفيلق الحرس الثوري الإسلامي ووكلائه، فإن من غير المرجح أن يحدث هذا السيناريو في المستقبل المنظور. لجميع النوايا والمقاصد وسوريا في عملية التقسيم الذي يترك مساحة واسعة من البلاد المفتوحة إلى هياكل الحكم بديلة لنظام الأسد.
في المناطق ذات الأغلبية السنية التي تقع تحت سيطرة المعارضة، تلوح في الأفق حربٌ – داخل الحرب – بين منظمات المعارضة المعتدلة أيديولوجيًّا وبين الأطراف المتطرفة عقائديًّا، والتي سيكون لها تأثير كبير على شكل سوريا التي ستخرج من الصراع. إن الجماعات المتطرفة مثل جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة السوري وحليفها الرئيسي أحرار الشام، هي جزء لا يتجزأ من حركة المعارضة المسلحة في شمال سوريا، وهم طليعة متقدمة وقوية في الحرب ضد الأسد. وهما التنظيمان الموازيان اللذين أنشأهما تنظيم القاعدة في سوريا، وبعد التوجيهات الاستراتيجية للمنظرين الجهاديين لخوض حرب عصابات، ويسعى التنظيمان ليكونا في طليعة الثورة الشعبية ضد نظام الأسد.
إن العمل مع حلفاء آخرين في المعارضة المسلحة، مثل تنظيم القاعدة والتنظيمات التابعة له، يضع حجر الأساس لتأسيس دولة الشريعة وبناء غطاء مجتمعي محلي في سوريا لشبكة الجهادية العالمية. ومن الجدير بالذكر أنه في بداية حملة مكافحة داعش، قصفت طائرات أمريكية اهدافًا في شمال سوريا تسيطر عليها جبهة النصرة وأحرار الشام التي يشتبه في استضافتها عناصر جهادية دولية في نوفمبر 2014. كما أظهرت الضجة التي أثارتها المعارضة السورية المسلحة ضد الضربات الأمريكية التي استهدفت جماعات غير داعش، قوة الجماعات المتطرفة الأيديولوجية وسيطرتها الكبيرة داخل حركة المعارضة السورية.
وحقيقة الأمر أنه بالرغم من أن الولايات المتحدة قدمت مساعدات عسكرية إلى جماعات مسلحة فردية من المعارضة السورية يقودها “قادة ثقات” منذ عام 2012، من خلال وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، إلا أنها لم تبذل ما يكفي من الجهد للاستفادة من نفوذها داخل حركة المعارضة المسلحة لمنع تنظيم القاعدة من تأسيس دولته في شمال سوريا.
ومما يبعث على القلق، أن هذا الوضع يؤدي إلى إمكانية سعي الجهات المتطرفة داخل المعارضة السورية المسلحة للاستفادة من خطوط “الخطة ب” الأكثر عدوانية ليحصدوا منافع كبيرة لهم. حيث تسعى هذه الجهات المتطرفة إلى امتلاك نظم الدفاع الجوي المحمولة لاستخدامها الخاص، أو لأهداف المنظمات الجهادية العابرة للحدود. وكذلك من المحتمل أن المنطقة الآمنة التي أقامتها الولايات المتحدة في شمال سوريا تمكن تنظيم القاعدة وأتباعه لمزيد من ترسيخ أنفسهم في مجتمعات المعارضة المحلية.
وإدراكًا لهذا الواقع فإن الاستراتيجية الأمريكية الواقعية والمسئولة في سوريا بحاجة إلى التركيز أكثر على التهديدات التي تتطور داخل المعارضة السورية المسلحة تحت أعين الولايات المتحدة وشركائها الإقليميين. كما ينبغي أن تركز جهود الولايات المتحدة في المستقبل على الضغط، ومن ثم الدعم المادي، لتمكين جماعات المعارضة المسلحة من التجمع سويًّا لبناء مؤسسات معارضة مسلحة أقوى. وستحتاج مؤسسات المعارضة المسلحة المعتدلة أن تصبح جيوشًا حقيقية، تدعم هياكل إدارة محلية قوية. وذلك مع الدعم الأمريكي المتواصل ماليًّا وعسكريًّا، كما ستحتاج هذه المؤسسات الوليدة لمواجهة التهديدات الأمنية التي تميلها الجماعات المتطرفة في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في سوريا. ومع مرور الوقت، فإن هذه المؤسسات ستقاتل أيضًا نظام الأسد وحلفائه في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، ومن ثم ستتفاوض مع خليفة نظام الأسد والقوات الموالية له حول العمل من أجل التوصل إلى حل سياسي طويل المدى لوقف الحرب الأهلية السورية.
إذا أرادت الولايات المتحدة أن يكون لها تأثير على نتائج الحرب الأهلية السورية وتداعياتها، فعليها الإعداد للمشاركة في وضع استراتيجية شاملة تبني مؤسسات المعارضة المعتدلة فكريا لتكون أقوى الفاعلين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة. ومن المؤكد أن هذه الجهود لن تكون سهلة ولا أن تحدث في المدى القصير. وإذا نفذت هذه الاستراتيجية باستخدام منهج البصمة الخفيفة التي تؤكد على المهمة الأمريكية في المشورة والتدريب والدعم، فمن المرجح أن تؤتي ثمارها في فترة زمنية تصل إلى عشر سنوات أو أكثر. وبدلا من السعي لإسقاط نظام الأسد، ينبغي بناء هذه الاستراتيجية من خلال نفوذ الولايات المتحدة الموجود بالفعل داخل المعارضة السورية المعتدلة، ودعهما لكي تصبح الجيش المتفوق والقوة اجتماعية الأبرز في المجتمعات المحلية السورية.