الحدث- القدس
نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية يوم أمس الجمعة 3 حزيران 2016 مقالاً لباراك رابيد حول طبيعة السلام الذي تريده إسرائيل
وهذا نصه:
على مدى فترة طويلة فضلت إسرائيل تجاهل مبادرة السلام الفرنسية. فعندما أعلنها أول مرة وزير الخارجية الفرنسي السابق لوران فابيوس في نهاية كانون الثاني (يناير)، قبل بضعة اسابيع من مغادرته لمنصبه، لم يأخذ أحد ذلك على محمل الجد. وكان التقدير في القدس في حينه أن المبادرة سيلقى بها في سلة مهملات التاريخ في اليوم الذي يخرج فيه فابيوس من مكتب وزير الخارجية.
كلما مرّ الوقت تبين أن الفرنسيين يواصلون بكل القوة دفعها إلى الأمام. ورويدا رويدا جندوا المزيد فالمزيد من الدول للمشاركة في المبادرة بهذا الشكل أو ذاك. قسم كبير من الدول التي ستشارك في الحدث الذي يبدأ هذا الصباح لا تتحمس للخطوة الفرنسية على اقل تقدير. ولكن في النهاية يأتون جميعهم وجميعهم يتعاونون.
السبب الاساس لذلك هو أن في هذه اللحظة على الاقل ليس لدى أي أحد آخر فكرة افضل. فالرئيس الأميركي براك اوباما لن يتخذ خطوة ذات مغزى في الموضوع الإسرائيلي الفلسطيني قبل الانتخابات للرئاسة الأميركية في تشرين الثاني، هذا اذا اتخذها على الاطلاق. وسيصل وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى لقاء اليوم كمن تملكه الشيطان. فهو لا يحب الخطوة الفرنسية ولكنه من جهة أخرى لم يعمل لمنعها. وما ينقص فقط هو ان يعلن الأميركيون بأن في هذه الحالة أيضا قرروا بأن يقودوا من الخلف. في مثل هذا الوضع، فإن مبادرة السلام الفرنسية هي المباراة الوحيدة في المدينة.
ترمز المبادرة الفرنسية أكثر من أي شيء آخر إلى يأس الأسرة الدولية من القيادة الإسرائيلية ومن القيادة الفلسطينية، التي بدلا من التقدم إلى حل النزاع تتخذ سياسة تجعل حل الدولتين متعذرا. ونتيجة هذا اليأس هي ما هو كفيل بأن يتبين كنهاية عصر المفاوضات الثنائية والمباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين. وتصبح الأسرة الدولية مشاركة في النزاع أكثر من أي وقت آخر، تتجاهل الخطوات التي قام بفعلها الطرفان اللذان تشعر باحتقار لهما وببساطة تتقدم إلى الأمام.
هذا الأسبوع فقط فهمت القدس أن المبادرة الفرنسية لن تختفي بهذه السرعة. وقبل ثلاثة أيام تشكل فريق سياسي خاص في وزارة الخارجية للموضوع. لقد كانت السياسة التي اختارتها إسرائيل هي الرفض التام للمبادرة الفرنسية في ظل استخدام حجة أن انعقاد مؤتمر دولي سيخرّب على مسيرة السلام، أو يمنع المفاوضات مع الفلسطينيين. ودبلوماسيون ووزراء خارجية غربيون ممن سمعوا هذا من نتنياهو ومن مسؤولي وزارة الخارجية لم يعرفوا اذا كانوا سيضحكون أن يبكون. وكأن السلام يوشك على الاندلاع في كل لحظة، وذلك فقط اذا لم يعرقله الفرنسيون.
الفلسطينيون هم أيضا لا يحبون كل تفصيل من تفاصيل المبادرة الفرنسية، ولكنهم اجابوا عليها
بـ "نعم، لكن". وبالمقابل، كان السلوك الإسرائيلي في موضوع مبادرة السلام الفرنسية مشابها جدا لسلوكها في موضوع محادثات النووي بين ايران والقوى العظمى.
ومثلما في الحالة الايرانية، رفضت إسرائيل رفضا باتا كل حل وسط ورفضت ابداء أي مرونة. ومثلما في الحالة الايرانية، عزلت إسرائيل نفسها وعلقت في وضع لا تكون فيه تماما في الصورة وكفت عن أن تكون ذات صلة بقرارات الأسرة الدولية وبشأنها. وكأنهم في باريس سيتحدثون عن الحرب الاهلية في سورية أو في ليبيا وليس عن المسائل المتعلقة بحياة كل إسرائيلي.
من المشروع الاعتراض على المبادرة الفرنسية، ولكن ليس واضحا كيف يدعون في القدس على مدى أسابيع بانها ليست مهمة وعندها في لحظة واحدة يشبهونها بإحدى الخطوات السياسية التاريخية والأكثر دراماتيكية في الشرق الاوسط في المائة سنة الأخيرة.
من الصعب أن نعرف إلى أين ستسير مبادرة السلام الفرنسية واذا كان لقاء وزراء الخارجية في باريس سينتج مؤتمر سلام دولي حتى نهاية هذا العام. ولهذا السبب بالذات ليس واضحا أي جدوى ستكون لإسرائيل من انها تلعب مرة أخرى دور الممانع. لم تنجح إسرائيل في ان توقف حتى الان المبادرة الفرنسية. واذا كان كل ما فعلته هو تكرار صفحات الرسائل الممجوجة فإنها لن تنجح أيضا. فمنع المبادرة الفرنسية يستدعي من نتنياهو عرض بديل.
في محاولة لعمل هذا صب رئيس الوزراء كل حماسته على الرئيس المصري السيسي، على رئيس الحكومة البريطانية الاسبق طوني بلير وعلى المبادرة الاقليمية التي يدفعانها إلى الأمام. كما ان هذه هي احدى الرسائل التي رفعها نتنياهو في المكالمة الهاتفية أمس مع بعض وزراء الخارجية الغربيين. لا للمبادرة الفرنسية، نعم للمبادرة المصرية. غير أن أحد الشروط المركزية للصيغة التي وضعها بلير والسيسي مع جهات دولية أخرى كان ضم يتسحاق هيرتسوغ، تسيبي لفني والمعسكر الصهيوني إلى الحكومة. يحاول نتنياهو نسخ تلك الصيغة إلى الحكومة التي يكون فيها أفيغدور ليبرمان هو وزير الأمن ويواصل محاولة ادخال المعسكر الصهيوني إلى الحكومة. اذا نجح في اقناع الرئيس المصري بأنه يوجد مع من يمكن الحديث وما يمكن الحديث بشأنه، فإنه سيتخذ خطوة كبيرة في الطريق إلى صد المبادرة الفرنسية، أو إلى تغييرها بشكل يخدم المصلحة الإسرائيلية.