الأحد  28 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

عَبّود.. عازف العود/ بقلم: سامي عيساوي

2016-07-24 03:42:02 PM
عَبّود.. عازف العود/ بقلم: سامي عيساوي
سامي عيساوي

 

عَبّود إبن أختي لما زارني في عمّان، كانت معه وحده أجنبيه مثل فلقة القمر، أنا عيني ما رأت بجمالها جمال، ومش بس هيك، أخلاق وتعليم، وتبين كمان إنها بنت عيلة مهمة في إيطاليا وجدها لأمها مليونير.

أنا أول شيء خطر في بالي وحكيته لإبن أختي وما استحيت منه، قلت له:

_ولك شو اللي ضربها على عينها وتعرفت على واحد هامل مثلك؟

هو ضحك، ضحك من كل قلبه، وما زعل منّي لأني أنا وايّاه نولدنا بنفس السنه، طبعا بعضكم رح يحكي الأم والبنت كانوا يحبلو ويولدوا مع بعض!

 

نرجع لإبن اختي وملكة الجمال الإيطاليه مرته.

_بجد عَبّود احكيلي، يعني ما في زلام في إيطاليا، والسنيوره هاي ما لقيت غيرك تحبه وتعطيه كل هالجمال يتمتع فيه، وكمان الرقة والنعومة والجاه والمال، والله لو إنك ابن رئيس الوزاره ما حصلت على وحده مثلها هون في الأردن.

 

عَبّود سافر على إيطاليا هجرة، هذا بعد ما عمل طوشة في جامعة بيت لحم وانطرد منها، وحلف لو بظل جاهل العمر لكه ما بتعّلم في جامعة عربية.

إبن أختي هذا عقله كان مغلبه، أبوه كان بعتبره غلطة عمره اللي عملها هو وأختي في ليلة كان ما فيها ضو قمر، هو ما كان عاجبه إشي، من لمّا كان في الروضه وفي المدرسة وهو مشاكل وطوشات مع الأساتذة والمدير، رغم أنه تقريباً تنقل بين أربعة  مدارس، وكل مرة يطلع من المدرسة بطوشه،  يفوت المدرسة الثانية بعد مية رجا وبوسة لحية.

هو على فكره مش هامل مثل ما أبوه كان يحكي، ولا صايع مثل ما الناس شايفته، ولا تاع مشاكل مثل سته اللي هيّ  إمي ما كانت تقول عنه، هو كان ينقصه المرونة اللاّزمة لتقبل الواقع الغلط، يعني عقله شقفة وحدة،  وما بستحي ولا بتردد في إنّه يحكي لأكبر شنب في العيلة إنّه كلامك غلط، أو سلوكك مش صحيح.

رغم إنّه الجميع كان عارف إنه كلامه صحيح بس أسلوبه مش صحيح، وكمان وقتنا بدّه تعمل حالك مش شايف علشان تمشّي حالك، وعلشان هيك الدنيا صايره كلها مصالح، والغلط فيها أكثر من الأكسجين اللي في الجو.

بس هو ما كان قادر يتكيف مع هذا العالم الكذاب، ومرات كان يحرج أبوه وإمّه لما يحكوا أو يتصفوا بأشياء عكس اللي بعرفه عنهم، وهو بعد هيك يقعد يضحك على خيبتهم، بس كمان صار عبئ كبير عليهم.

 

مرّة كانوا معزومين عنا في رمضان على الفطور، أبو العبد جوز أختي رفض العزومة؛ لأنه كان متزاعل هو وعديله اللي هو جوز أختي لميس، ولمّا أمي سألت عنه ليش ما أجا، أختي أم العبد قالت إنه معزوم في الموفمبيك على فطور جماعي للشركة، بس المحروس نزار مال على ستّه والجميع جالسين على السفرة، وقال بصوت سمعه جميع الحاضرين:

_ستي إوعي تصدقي هذا الحكي، أبوي هيّه في الدار أمي طبختله مقلوبة، ولا هو في الموفمبيك ولا على دوّار المنارة، أبوي ما بده يشوف أبو عدي جوز خالتي لميس علشان هيك ما أجا.

طبعا أختي أم العبد صارت بنص أواعيها، سبت عليه وقامت عن الفطور وهي تعيط، كثير من الحاضرين ضحكوا حتى فلسوا، ومنهم أبو عدي، إمي أنا سبت عليه وضربته بقفا إيدها.

 

طبعا أفلام عَبّود ما كان إلها نهاية، وممكن ينعمل منها قصص زي ألف ليلة وليلة، المهم آخر قصة من قصصه كانت في جامعة بيت لحم على أثرها كان في سين وجيم ومجلس ضبط، بس هو ولا هون، بالعكس كان ممكن الموضوع يتلملم. في لجنة التحقيق حكى كلام صحيح وما عجب الإدارة وكان قرار اللجنة حرمانه من الدراسة فصلين، بس هو حلف عمره ما برجع على الجامعة، وحلف إنه ما بدرس في كل جامعات الوطن لو بدهم يدرسوه فيها ببلاش.

لمّا سافر على إيطاليا، الجميع تنفس الصعداء إنه هذا البلوه حل عنهم، وبطّل يعمل أزمات للعيله بين بعضهم، سيمّا إنّه إحنا عيلة ما حدا عاجبه حدا والجميع بنتقد الثاني، والجميع نفسه الثاني يفشل علشان يثبت لحاله وللمحيطين أنه هو ناجح، يعني عيله فاسدة بجداره، وهذا كان رأي عَبّود، ولمّا كنا نحكي مع بعض في الموضوع كان يحكي وبدون خوف أو تردد، يقول:

_أمّك السبب اللي هيّ سته.

أقول له كيف..

يقول:

_ستي عامله مثل بريطانيا، عقيدتها قائمة على استراتيجية استخدمتها بريطانيا في السيطرة على شعوب الدول اللي احتلتها وهي سياسة "فرق تسد".

أنا بداخلي كنت متأكد من هذا الحكي، بس ما بقدر أظهر مواقفي لأنه واحد مثل عبّود مش لازم تعطيه في إيده أي دليل على أي شيء؛ لأنه رح يستخدمه ضدك في يوم من الأيام.

أهز راسي وبس..

يكمل هو..

_شوفها كيف بتعمل،  كيف تتعامل مع الصغير والكبير، كأنها في الليل بتقعد مع حالها تحط خطط وتكتيكات للتفريق بين الجميع، لأنها ببساطة بتعتقد إنه أي اتفاق بين الأخوة أو الخوات الثمن رح تدفعه ستي ومش حدا ثاني، وحتى بنات بناتها وأولاد بناتها ولا حدا بحب الثاني وكلهم بكذبوا على بعض، في المقابل هي ما كانت سيئه لهذه الدرجة، كان عندها أساليب جهنميّة تخلي الجميع يظل مرتبط فيها، وللأسف كانت بدها تدير المرحلة اللي هي عايشه فيها وما كان هاممها علاقة الأخوة والخوات بعد ما الله يقبض روحها.

 

عَبّود كان الإستثناء الوحيد، وهي ما كانت تحبه بس ما كانت بتقدر تصدّه لأنه لسانه سليط وما بستحي من حدا علشان هيك لما سافر على إيطاليا الجميع تعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وحمد الله في سفره.

 

عَبّود في إيطاليا غير عَبّود هون، لأنه هناك ارتدلته  روحه.

عَبّود كان عازف عود من الدرجه الأولى، بس أبوه كان مانع عنه الموسيقى والعود؛ لأنه كله حرام على رأيه، حتى لمّا خَلّص ثانوية كان بده يدرس موسيقى، أبوه حلف طلاق بالثلاثة من إمه ما بتعَرَّف عليه ولا على إمّه، وهيك المسكين رضخ ودرس تجارة في بيت لحم اللي ما كانت داخله عقله نهائي.

عَبّود في إيطاليا، ما كان بحاجة لتعلم اللغة علشان يحكي مع الطليان، أو علشان الطليان يفهموه  ويحبوه، كان يمسك العود في الشارع  قدام السوبرماركت، على الكورنيش، على الرصيف في الساحات والنوادي العامة، ويلعب بأوتاره، وهيك الناس تلتم عليه وتفهم اللي نفسه يحيكه من زمان وما كان حدا في المخيم سائل عنه ولاّ معتبره بني آدم بستاهل الحياة، عَبّود كان عازف عود بامتياز، طبعا طول هاي السنوات كان يتعلم ومن ورا أبوه، وانضم لمعهد إدوارد سعيد في رام الله، وتعلم العود على أصوله ومش بس هيك صار أمهر وأشطر من المدرسين اللي اعترفوا بعبقريته، وكان صار لازمه  فرصة يستحقها وتناسبه.

 

إيطاليا كانت الجنه الموعودة، المصاري اللي كانت أعز من الأصدقاء في فلسطين صارت بين إيديه على بعد خطوتين في الشارع، يمسك العود وما يشوف إلا الناس بتجمع مصاري تقديراً لمهاراته، طبعا هو مخه انفتل، مصدق مش مصدق، الناس هون بتفهم، الناس هون بتحترم بعض، بقدّروا بعض، يقول لحاله، طيب أنا شو صرلي 21 سنه قاعد هناك، ليش المعاناة الرخيصة اللي عانيتها مع أبوي وإمي وستي واخوالي وخالاتي وشيخ الجامع، وساعي البريد وجابي الكهرباء وتاع الفلافل وسائق الفورد، وطبعا صار يتذكر كل تفاصيل حياته السابقه ويتحسر.

 

لكن كان على قناعة إنه هاي الحوادث صارت من الماضي، والمستقبل هو اللي بستحق إنه ينظر باتجاهه.

عَبّود تغيّر وصار إنسان ثاني، تغيرت طريقة لبسه، قصة شعره، نزقه، حيرته، كره للدنيا وللعالم وصار عنده جواب للسؤال الأزلي اللي كان عامله وجع راس:

_ليش الله خلقنا؟

وكان دايما الجواب على راس لسانه..

"أكيد عشان يعذبنا في الدنيا، وفي الأخره يكمّل علينا".

بس اليوم هو عارف تماماً ليش الله خلقنا، وصار متأكد إنّه الله خلقنا علشان يسعدنا في الدنيا، وفي الآخره يغمرنا بكرمه وجنته ونعيمه.

 

عَبّود تغيّر 360 درجة، إيطاليا غيّرت الـ 21 سنة الماضية، في أقل من 4 سنوات، صار بني آدم إيجابي، بحب الخير وبزرعه وين ما راح وحل، عَبّود اليوم فنان كبير ومهم في إيطاليا. واللي طالبينه للعزف أو إحياء الحفلات الموسيقية بستنوا على الدور.

 

أما السنيورة ملكة الجمال بنت الحسب والنسب والمصاري بالملايين، أعجبت فيه، وصارت الجيرل فرند تاعته، هو صحيح طول عمره بايعها إلا في موضوع الحرام والحلال، كان صريح معها، هو بقول إنها هي طلبته للزواج، والمليونير سيدها بنفسه خطبه إلها، وهو اليوم عايش في إيطاليا حياة تعتبر أجواء ألف ليلة وليلة تفاهات بالنسبة إلها، طبعا ما نسي أهله بالمصاري، ولمّا أجا على الأردن كان حاجز في الرجنسي، وسبب زيارته للأردن تلبية لدعوة من شركة إنتاج للتعاقد معه على حفلات في الصيف، وبالمرة كانت السنيورة ملكة الجمال والرقة والعذوبة الإيطالية مرته حابة تزور البترا. وعلشان هيك هو أجا وزار بيت خاله، اللي هو أنا، وكانت الصدمة الحقيقية اللّي انصدمتها السنيورة ملكة الجمال الإيطالية مرته لما عرفت إني أنا خاله، His  Uncle     طبعا في اعتقادي بدها سنة إلى أربع سنوات حتى تفهم هيك معادلة.

 

لمّا سافر ترك على الطاولة مغلف بداخله شيك بـ 5000 دولار، لخاله اللي هو أنا.

ما كان في بينا أي رسميات وكانوا في وقتهم، من كل قلبي شكرته، وتمنيت إنه ربنا يديم عليه اللي هو فيه لأنه بستاهل.

 

ما بدّي أحكيلكم في المقابل شو صار معي، أو مع إخوته وخواته، أو حتى مع أبوه وإمه، أو بنات خالته لميس أو إخوتي وخواتي أنا.

إحنا كلنا بقينا مثل ما تركنا، بس ديونا زادت، همومنا تراكمت، مثلنا مثل الملايين العايشه في البلد حاسة إنها مظلومة، بتمارس الكذب والنفاق والذل بشكل يومي، بكرهوا بعض على  المسبحة، بعتقدوا إنه الله رح يعوضهم في الآخرة، بنظروا لبعض بحسد شديد وما حدا عاجبه الثاني، آخر مكان شافوه نابلس، أو حديقة الحيوانات في قلقيلية، طبعاً القدس ممنوعة على أشكالنا، أنا اختصرت وجيت على الأردن بشتغل في مصنع  وضعي زي الزفت، وبدعي الله صباح مساء بس بدون خشوع إنّه يفرجها علينا.