الجمعة  10 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

من التفجيرية إلى الاعتيادية اقتحامُ الأقصى بات يومي

2014-09-29 12:57:31 PM
من التفجيرية إلى الاعتيادية
اقتحامُ الأقصى بات يومي
صورة ارشيفية

 الحدث: أحمد البديري

كان صباحاً خريفياً عادياً، في أواخر شهر أيلول الذي يتشاءم منه كل من درس تاريخ فلسطين المعاصر. السلطة الفلسطينية كانت على علاقة معتدلة بإسرائيل، متمثلة بالتعاون الاقتصادي والأمني. إلا أن الرئيس الراحل ياسر عرفات، عاد من كامب ديفيد دون التوصل إلى اتفاق نهائي مع حكومة أيهود باراك العمّالية. الأجواء في تلك الأيام كانت اعتيادية، والعمال الفلسطينيون كانوا في أشغالهم في المصانع الإسرائيلية، وكذلك العمال اليهود يجتهدون في بناء المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة.

النخبة السياسية الفلسطينية علمت أن أفق الدولة الفلسطينية والتسوية السياسية غير ممكنة بسبب التعنت الإسرائيلي، وعامة الشعب كانت تتجاهل بسبب قوت يومها، وقسم آخر يطالب بانتفاضة شكلية لثني الإسرائيلين عن تعنتهم. فالتسعينات كانت فترة ازدهار اقتصادي ونمو سريع للمجتمع الفلسطيني، رغم أنه لا يزال تحت الاحتلال.

شارون كان زعيم المعارضة في الكنيست الإسرائيلي كونه زعيم الليكود، وصمم على المشي داخل المسجد الأقصى، معتبراً أن ذلك من حقه، ليس كمواطن يهودي بل كونه عضو كنيست. الشرطة الإسرائيلية وافقت على الطلب، معتبرة أن زيارة المسؤولين الإسرائيلين لنظرائهم الفلسطينيين في غزة ورام الله، كان أمراً عادياً مع متابعة الشاباك لأمنهم.

فيصل الحسيني المرابط الأول

هناك من قرأ ما يجري بشكل مختلف، ففيصل الحسيني الذي كان مسؤول ملف القدس، اعتبر اقتحام شارون أمراً خطيراً، فجمع عدداً من شبان القدس ليتصدى بنفسه إلى شارون. يوم الخميس صباحاً رافقت الشرطة الإسرائيلية شارون الذي سلك طريقه من باب المغاربة، وهو نفس الباب الذي يدخل منه المستوطنون الآن لاقتحام الأقصى، ومن الباب نفسه يقتحم جنود الاحتلال البيت المقدس لقمع الفلسطينيين. عدد من أعضاء الكنيست العرب أيضاً اعترضوا وشاركوا في التصدي لشارون. اشتبكت الشرطة الإسرائيلية مع الحسيني وعدد من مرافقيه وشبان القدس، وأصيب عدد منهم، بمن فيهم الراحل فيصل، الذي توفي بعدها بعام في الكويت. شارون، وكأنه اطّلع على الأوضاع والمعالم التاريخية، وكان يلبس نظارة سوداء كسائح، ولكنه في الوقت نفسه كان يضمر مشروعاً آخر في نفسه.

جامعة بيرزيت تلبي النداء

في شوارع رام الله وغزة، كانت الحياة تسير بشكل روتيني، وحتى خبر شارون لم يلق أي اهتمام. أما طلاب جامعة بيرزيت، وصلتهم أخبار القدس، ولأن بيرزيت في ذلك الوقت كانت أكثر اندفعاً نحو المواجهة مع الاحتلال خلال السنوات التي سبقت، فقد اعتبر مجلس الطلبة الفرصة سانحة لمواجهة جديدة. عدة حافلات وصلت الجامعة لنقل الطلاب الثوريين، وحتى الطالبات المؤيدات لهم. اجتهد مجلس الطلبة بإقناع الطلاب بخطورة ما جرى في القدس، إلا أن معظمهم لم يقتنع.

أحد الطلاب المقدسين كان على اتصال بصديقه الذي أبلغه بالاشتباكات بالأيدي في القدس، وبالفعل، التقط مايكروفون السماعات الضخمة من أحد قادة الكتلة الطلابية الذي لم يحسن إقناع أحد بالتحرك، وبدأ الطالب بالحديث أو بالصراخ. انتبه الطلاب المارون، وبدأ هو بسرد التفاصيل كما وصلته من القدس، وبعد عشر دقائق تجمهر الطلاب قبالة مقر المجلس للاستماع. بعدها بنصف ساعة، كانت ساحة جامعة بيرزيت شبه خالية، فقد انطلقوا بالحافلات.

الاشتباك الأول

ذهب الطلاب إلى المكان المفضل لهم، وهو حاجز بيت إيل، وبشكل مباغت ودون أن يفهم الجنود ما يجري ولماذا هذا الغضب، ظناً منهم لربما أن الطلاب كانوا في طريقهم إلى رحلة استكشافية، بل لربما إلى الشواطئ للاستجمام. الطلاب انهالوا على الجنود بالحجارة فأدموا عدداً منهم. طلب الجنود التعزيزات التي وصلت.

لأربع ساعات استمرت المواجهات وبعدد قليل من الإصابات والاختناق بالغاز. قرر الطلاب إنهاء المواجهة والذهاب إلى البيوت، لأنه كان يوم خميس، ومعظم الطلاب من خارج رام الله، ويريدون العودة إلى مدنهم وقراهم خلال إجازة نهاية الأسبوع.

انتهى الخميس الأخير

نشرات الأخبار تناولت القصة بسطحية واعتبار اقتحام شارون أمراً مستفزاً إلا أنه تمت مواجهته في القدس وفي شوارع رام الله من قبل طلاب بيرزيت. عدد من المسؤولين الفلسطينيين اكتفوا بتصريحات إنشائية وانتهت القصة. في صباح الجمعة الذي كان هادئاً، دون أي مظاهر استعداد ذهب الفلسطينيون لأداء صلاة الجمعة، وحتى خطب الجمعة تطرقت للأمر من باب الإعلام والتنبيه في المساجد. أما في الأقصى فكانت الخطبة قوية ومتشددة باعتبار ما جرى أمراً خطيراً ولا يجب السكوت عنه، ثم دعا الخطيب وصلى الجمعة.

شهداء الأقصى

انطلقت مظاهرة داخل ساحات المسجد، وبعد رمي الحجارة اقتحم مئات الجنود المسجد وانتشر القناصة على جدران المسجد، وتم إطلاق الرصاص الحي على المصلين فاستشهد خمسة عشر فلسطينياً، الأمر الذي شكل تصعيداً كبيراً لم يكن متوقعاً، خاصة وأن التسعينات، باستثناء انتفاضة النفق القصيرة، شهدت استخدام الرصاص الحي.

حسب الرواية الإسرائيلية، فإن الضابط المسؤول عن الأقصى أصيب، وتم إخلاؤه إلى إحدى المستشفيات، الأمر الذي أدى إلى حالة فوضى بين صفوف الجنود الذين أطلقوا الرصاص الحي، إما بسبب أوامر بقمع التظاهرة داخل الأقصى بكل حزم، وإما غياب القائد الميداني، وفي كلتا الحالتين الخسائر البشرية كانت فادحة. الرواية تقول إن الضابط الثاني في إدارة الجنود كان متهوراً وصادَق على إطلاق النار بذريعة الدفاع عن النفس، رغم أن الجنود كانوا على الأسطح.

سمع الفلسطينيون من رفح وحتى الناصرة الخبر الصادم، وخلال ساعات كانت قد امتلأت الشوارع بالمتظاهرين الغاضبين الذين توجهوا إلى نقاط الاحتكاك. القدس اشتعلت أيضاً وتحديداً جبل الطور، حيث بقي لساعات الليل ساحة اشتباك، وسقط عدد من الجرحى، ومرة أخرى بالرصاص الحي.

يوم السبت كان يوماً مختلفاً، فالاشتباكات انتشرت في كل فلسطين، وما هي إلا بضعة أيام حتى كان معدل الشهداء الفلسطينيين قرابة الأربعين، يومياً. بضعة أشهر وانضمت مجموعات فلسطينية مسلحة إلى الصراع، وبدأت العمليات العسكرية. بعد مرور أربع عشرة سنة، بدى واضحاً أن الاشتباك الفلسطيني الإسرائيلي تغير، ومعه المعادلة السياسية والتوجهات الدولية نحو الصراع الدامي، ولكن ليس لمصلحة الفلسطينيين الذين تبدد حلمهم بالدولة، والتي شعروا في أواخر التسعينات أنها قاب قوسين أو أدنى. وبدل أن يفجر خبر اقتحام شارون المنطقة، أصبح اقتحام فيجلين وأهارونوفيتش وأوري، خبراً عادياً.