الثلاثاء  07 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

في العدد 67| هل تسحب المولات التجارية في غزة البساط من الأسواق التقليدية؟

2016-08-02 12:01:59 AM
في العدد 67| هل تسحب المولات التجارية في غزة البساط من الأسواق التقليدية؟
كير فور مول غزة

 

 

مواطنون: الأوضاع الاقتصادية المتردية تُبقينا على صلة بالبقالات والمحال الصغيرة

اقتصاديون: المولات التجارية نافعة للاقتصاد لكنها لا تعكس نموًا حقيقًا

 

غزة- محاسن أُصرف

 

لم يمنع الحصار الإسرائيلي الضارب أطنابه على قطاع غزة منذ عام 2007، رجال الأعمال الفلسطينيين من افتتاح مشاريعهم الاستثمارية كـ "المولات التجارية" لتلبي حاجة المواطنين بإيجاد أماكن للتسوق والترفيه معاً في ظل إغلاق المعابر والحرمان من السفر، وبدأت ظاهرة المولات التجارية، تطرق الأسواق الفلسطينية في قطاع غزة عام 2010، في محاولة لعودة جانب من النشاط الاقتصادي للقطاع الخاص الذي أرهقته ممارسات التضييق والخنق الإسرائيلية.

وكان "غزة مول" أول تجربة عملية لمسها المواطن الغزي على الأرض بعد أن كان يُشاهدها عبر الفضائيات- وإن كانت متواضعة جدًا مقارنًة بما يُشاهد من مولات الخليج ومصر- فغالبية ما يحتاجه وأسرته من المأكولات كـالمواد الغذائية والتموينية، وحتى الوجبات السريعة، بالإضافة إلى الملابس والعطور والأحذية والأدوات المنزلية والإكسسوارات وغيرها من قرطاسية وأدوات مكتبية موجودة بين طبقات المول، وعلى الرغم من حداثة التجربة إلا أن المواطنين انقسموا إلى رأيين فيها أحدهم يؤيد ويرى أنها تواكب التطور الحضاري في مجال التجارة كما أنها تُحقق ربحًا جيدًا للمستثمر وتوفر فرص عمل للمتعطلين، بينما الفريق الآخر يرى بأنها تسحب البساط من الأسواق التقليدية وتضر بفئات المجتمع ذات الدخول المحدودة وتعزز الفروق الطبقية.

"الحدث" ارتأت أن تتحقق من فرضية المعارضين، وسألت مواطنين وخبراء في الشأن الاقتصادي وخرجت بالتقرير التالي:

متعة التسوق

لقد وجد "سامي أبو الْطَّيف" (45) عامًا من حي الشجاعية شرق مدينة غزة، في المولات التجارية سبيلًا للمتعة والترفيه والتسوق ، يقول: "أعفتني من عناء التنقل في الشعبي وأنا أحمل أكياسًا ثقيلة من كل بائع لحين الانتهاء من كافة مستلزماتي"، وتابع: "الشراء من مكان واحد يمنحني شعورًا بالراحة"، أسأله عن الأسعار فيتبسم مؤكدًا:  "أنها ترتفع بشيكل أو اثنين عن سعر السوق العادي". ويُفسر ذلك بالتكاليف التشغيلية التي يُنفقها أصحاب المولات في إطار تقديم خدمة منافسة للمستهلك.

ولا تختلف عنه "لمى أبو شعبان" (33) عامًا التي تؤكد على أهمية المول في المناطق السكنية النائية بحيث يعمل على إنعاشها ويفتح شهية المواطنين على التسوق خاصة إذا ما وجدوا بعضًا من مظاهر التسلية والترفيه بإيجاد كوفي شوب، أو مخبز للمعجنات والحلويات، تقول: "إن وجود المولات يُضيف لقطاع غزة بعض الحياة التي سلبها منه الاحتلال".

وأضافت أنها توفر فرص عمل لعدد كبير من الشباب، خاصة في المولات الضخمة والتي تتفرع بعدة طوابق في مبنى واحد أو بسلسلة محال في مناطق مختلفة بحيث تُعزز عمليات التشبيك بين الشركات المحلية.

لا تُهدد السوق الشعبي

بدوره نفى رفعت الحايك، مدير مول "ستبس" بمدينة غزة أن تكون المولات التجارية أداة لسحب البساط من السوق الشعبي، مُعللًا ذلك بالحالة الاقتصادية المُضنية التي يُعانيها الغزيون وخاصة الموظفون الذين يتلقون رواتبهم بشكل غير منتظم وعبر فترات متباعدة، وقال: "تلك الحالة تفرض على المواطن الغزي الشراء بالدفع المؤجل لحين الراتب في غالبية الأحيان"، مؤكدًا أن المواطن يكون مُعروفا لدى البقالة في الحي الذي يقطنه؛ وبالتالي يتمكن من الشراء بالدين بعكس ما يحدث في المولات من دفع فوري وكذلك استنزاف لجيبه في سلع مُغرية من حيث الجودة وضمها لقائمة العروض والتنزيلات، يقول: "هذه المغريات تجره إلى حالة من التسوق المفتوح التي يفرضها المول أو الهايبر ماركت، ليُفاجأ بعدها بالفاتورة التي لم تكن بالحسبان"، وشدد أن البقالات الصغيرة تبقى ملاذاً لأصحاب الدخول المحدودة ولا يُمكن أن تُنهيها المولات التجارية.

أما تامر الخضري، مدير المبيعات في مول "كير فور" الذي افتتح قبل أشهر غرب مدينة غزة، فأوضح أن وجود المولات في القطاع أحدث نوعًا من المنافسة بين أصحاب رأس المال؛ لتقديم خدمة مميزة ومتكاملة للمستهلك الذي يُعاني من الحصار، ويُتابع أنهم في إدارة  مول "كير فور" يسعون إلى عرض المنتجات الأعلى جودة بأقل سعر ممكن أن يُحقق لهم هامش من الربح، وذلك من أجل التخفيف من الأعباء الملقاة على كاهل المواطنين من ذوي الدخل المحدود.

وبيَّن أن ذلك يؤدي إلى حالة من التنافسية بعيدًا عن الإقصاء، رافضًا الآراء التي تُشير إلى أن التنزيلات والعروض التي تُطلقها المولات التجارية لسحب المستهلكين إليها، وتغيير وجهتهم عن الأسواق الشعبية والبقالات الصغيرة في الأحياء، وقال: "كل مشروع له جمهور ينتقع من خدماته، ولا يُلغي ذلك وجود أي مشروع آخر".

خداع المستهلك

وأشار عدد من أصحاب البقالات الصغيرة والمحال التجارية في الأسواق الشعبية الذين التقتهم "الحدث"، إلى أن المولات الكبيرة، بما تُعلن عنه من عروض وتنزيلات خلال المواسم والأعياد، ينعكس سلبًا عليهم ويُغير وجهة المتسوقين عنهم إليها، وأكدوا أن ذلك يُخلف لهم خسائر كبيرة تُضاف إلى جملة الخسائر التي يعانونها بسبب الحصار، وقال أشرف حسونة صاحب بقالة في حي تل الهوا غرب مدينة غزة، أنه تكبد خسارة كبيرة خلال شهر رمضان الماضي وعيد الفطر؛ إذ لم يتمكن من تصريف بضاعته للمستهلكين الذين جذبتهم العروضات وحملات التخفيض التي نفذتها بشكل كبير المولات التجارية والهايبر ماركت المنتشرة في قطاع غزة.

من جانبه شدد البائع مؤمن بلبل 25 عامًا والذي يُدير دكانًا صغيرًا في سوق الزاوية– السوق الأقدم في قطاع غزة- أن المزايا والعروض التي يُقدمها أصحاب المولات الحديثة تستقطب المتسوقين، وتُغير وجهتهم لها بعيدًا عن الأسواق التقليدية في الأحياء الشعبية، وبيَّن أن طبيعة المستهلك ورغبته في الحصول على أصناف جديدة من السلع تدفعه إلى المولات خاصة تعرض أنواعًا كثيرة للصنف الواحد كالمعكرونة مثلًا – كما يقول- ويُضيف أن المحال الصغيرة لا تستطيع أن تفعل ذلك لأنها تعتمد على الزبائن محدودي الدخل، كما أنها لا تملك المساحة الكافية لعرض البضائع المتنوعة فقط الضرورية والتي تواجه طلبًا كثيفًا من المتسوقين.

نافعة للاقتصاد

وعلى الرغم من تباين الآراء حول ما أحدثته المولات التجارية من تغيير لأنماط التسوق لدى المستهلكين ما أضر بأصحاب البقالات والسوبرماركت، إلا أن خبراء الاقتصاد يُؤكدون نفعها للاقتصاد الفلسطيني بالحد من البطالة عبر استيعاب أعداد كبيرة من الأيدي العاملة.

ويقول د. معين رجب الخبير في الشأن الاقتصادي لـ "الحدث": "إن اتجاه أصحاب رؤوس الأموال إلى الاستثمار في المولات التجارية من شأنه أن يزيد نسب التشغيل بين الشباب"، وأضاف أن حالة التنافسية في العروض والتنزيلات التي تُقدمها المولات خاصة في المواسم والأعياد تعود بالنفع الكبير على المستهلك إذ يحصل على أفضل خدمة بأقل سعر يُناسب جيبه المأزوم بفعل التنافر السياسي وما أثمره من عدم حصول عدد كبير من الموظفين على رواتبهم الشهرية، بيَّن أن ضخ الأموال في مشاريع جديدة من شأنه أن يُبقي عجلة الإنتاج مستمرة كما يُمكن الحكومة من تحقيق عوائد مالية تساعدها في توفير رواتب القطاع العام، من خلال الضرائب والرسوم التي تحصل عليها من الاستثمار، مُشددًا على أن تكون الخدمات التي يُقدمها المشروع في متناول فئات المجتمع المختلفة من حيث النوعية وكذلك الأسعار.

وبسؤاله عن إمكانية أن تسحب تلك المشاريع "المولات التجارية" البساط من تحت أقدام محال البقالة والسوبرماكت، نفى ذلك موضحًا أن الظروف الاقتصادية التي يُعانيها القطاع واستمرار الحصار بوتيرة أعلى على مدار عشر سنوات انعكس على دخل المواطن وبات بالكاد يستطيع أن يلبي احتياجاته، الأمر الذي يجعل المنافسة متوازنة بعض الشيء في إقبال المواطنين على المولات التجارية أو البقالات والمحال الصغيرة وفقًا لما يمتلكون من أموال.

لا تعكس نموًا حقيقيًا

وعلى الرغم من إقرار "سمير أبو مدللة" المُختص بالشأن الاقتصادي بدور المولات التجارية في إيجاد فرص عمل وإعادة تدوير رأس المال في الاقتصاد المحلي وإيجاد حالة من التنافسية في الأسعار؛ إلا أنه يُجزم بعدم جدواها في تحقيق حالة من النمو الحقيقي سواء على مستوى الاقتصاد أو على مستوى القطاع الخاص الذي يُنشيء تلك المشاريع، وأضاف بالقول:"فقط قد تُحقق نموًا لقطاع التجارة في القطاع الخاص".

وحول الأسباب التي تُعيق من جدواها، أكد "مدللة" أنها لا تبعد عن خصائص المجتمع الفلسطيني كونه مجتمع استهلاكي، بالإضافة إلى عدم قدرة الغالبية من المواطنين الولوج إليها واقتناء مستلزماتها منها وفقًا لحالة الفقر التي يُعانونها وتأخر رواتب الموظفين في قطاع غزة، وقال:"إن الحركة الشرائية ستتأثر وبالتالي ستنعكس على قيمة الربح لدى المستثمر".

ويرى "مدللة" أن كثافة المولات التجارية التي افتتحت مؤخرًا في قطاع غزة تخلق حالة من التنافس تفوق الحجم المطلوب مما يعود بالخسارة على المستثمرين، داعيًا إلى ضرورة إتباع الأسس العلمية بإعداد دراسة جدوى دقيقة عن المشروع قبل البدء به لتجنب أي خسائر أو مخاطر.