السبت  11 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

كُتبٌ وشخْصيَّات أثَّرتْ في مسارِ التَّاريخ/ بقلم: رائد دحبور

2016-08-16 10:07:55 AM
كُتبٌ وشخْصيَّات أثَّرتْ في مسارِ التَّاريخ/ بقلم: رائد دحبور
رائد دحبور

 

ستكونُ أحد العبارات التي وردت في كتاب (الأمير) لـ (نيكول ميكافيللِّي) وهي مجموعةٌ من الرَّسائل كان قد وجهها ميكافيللي لأمير فلورنسا، مدخلنا للإشارةِ الى كتاب كفاحي لـ (أدولف هتلر) فقد ورد في أحدِ فصولِ كتاب "الأمير" العبارة التالية حول حظوظ الأقوياء والضُّعفاء:

 

"أيُّها الأمير: أنا لستُ مع القائلين بأنَّ الحظ - السَّيء أو الجيِّد - هو من يرسم مسار الحياة بشكلٍ كامل؛ كما أنَّني لستُ مع القائلين بعدَمِ تأثير الحظ بتاتاً في حياة البشر؛ لكنني مع ذلك أقول: إنَّ الحظَّ هو كتيَّارِ نهرٍ جارفٍ جارٍ بقوَّة يأخذُ في طريقه الضُّعفاء والمترددين، ونحن لا يمكننا حرفه عن مساره ولا يمكننا إعاقته بالكامل؛ ولكننا يمكننا التحالف معه، والتحايل عليه باستخدام بعض العوارض والعوائق التي تخفف من تأثير اندفاعه علينا. إنَّ الحظَّ أيُّها الأمير كالمراًةِ لا تعشَقُ ولا يستثيرُ إعجابها ويتملَّكُ قلبَها إلاَّ الشَّاب القوي، إنَّهُ لا يُحالِفُ إلَّا الأقوياء".

 

كتبَ (هتلر)  كتابه مابين أعوام 1929- 1932، وقد أصبح بما تضمَّنه من سيرة شخصيَّة وشرحٍ لأسباب هزيمة ألمانيا في الحرب العالميَّة الأولى، وتقديمِهِ رؤىً جديدة في الفلسفة العنصريَّة وفي الحكم والسياسة أحد أهم مصادر الإلهام لدى جمهور ونُخَب الحزب القومي العنصري الاشتراكي الألماني– الحزب النَّازي.

 

يتحدَّثُ (هتلر) في الفصل الأوَّل من كتابه عن طفولته وعن الحظِّ الذي لم يُحالفه لا في طفولته ولا في شبابه، وعن يُتْمِهِ وهو ابنُ أربعة عشر سنة؛ حيث توفي والده الذي كان يعملُ موظَّفاً، وكيف غرِق هو ووالدته في الفقر والبؤس والحرمان، ويتحدث عن موهبته في الرَّسم، وكيف أنَّ والده ومعلِّمه في المدرسة قد حاولا قتل تلك المهارة لديه، وصرفه عنها بكلِّ السُبُل؛ ليجعلا منه في المستقبل– وهو ابنُ الرِّيف البافاري الألماني -موظفاً في دوائر الحكومة الألمانيَّة في ميونخ كوالده - وإذْ كان يكره العمل كموظف لأنَّه يكره عمل والده، ويكره العمل بالتِّجارة لأنَّه لا يرى في نفسه المهارة لذلك، وبأنَّ ابنُ الرِّيف عبثاً يُحاولُ مزاحمة أهل المدينة في أعمالهم وحِرَفِهِم؛ ولقناعته بأنَّ التجارة في ألمانيا يستحوذ عليها ويحتكرها اليهود، وأنْ لا سبيل للنجاح فيها إذا لم يكن المرء ينتمي لى طبقة التُّجار– فقد انصرف بعد وفاة والده إلى الاهتمام بالرَّسم مجدداً، لكنَّه أخفق في تسويق لوحاته، أو في جذب الاهتمام لها على نحوٍ يُعيله ويعيل والدته، فانصرف إلى العمل كعامل بناءٍ ودَهَّانْ في مدينة ميونخ، إلى أنْ اشتعلت الحرب العالميَّة الأولى فانضم إلى الجيشِ الألماني الذي كان يُقاتل في النَّمسا.

 

يُبالغُ (هتلر) في الفصول التالية من كتابه، في الحديث عن شجاعته وإقدامه في الجبهة، وفي الحديث عن بسالة أصدقائه من أبناء فرقته -تحديداً- من فرق الجيش الألماني التي قاتلت طوال أيَّام الحرب على الجبهتين الشرقية والغربية، حيث حققت انتصاراتٍ باهرة، كان يتمُّ طمسها وتوريتها في الصُّحف -اليساريَّة والبرجوازيَّة على حدٍّ سواء- وعدم استثمارها من قِبَل الحكومة الألمانيَّة؛ نزولاً عند رغبةِ  مُحْتَرفي السِّياسةِ وكتَّاب الرأي الإنتهازيين، والَّذين كانوا يخضعون لتأثير البلاشفة واليهود –على حدِّ تعبيره - ويتحدَّث عن الهزيمة التي مُنِيَت بها ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، ليس بفعلِ ضعف الجيش الألماني بمقدارِ ما هي بفعل تأثير دعاية الحلفاء، وبفعل التآمر الدَّاخلي على الرَّايخ (غليوم الثَّاني)، وبفعل الدِّعاية الإنجليزيَّة والفرنسيَّة واليهوديَّة التي كانت تُحرِّض البافاريين الألمان في أوساط الجيش والمجتمع البافاري على (بروسيا)؛ بدعوى أنَّها هي التي تسببت بالحرب بفعلِ النزاع حول النَّمسا بينها وبين وفرنسا في الدَّرجة الأولى ومن ثمَّ روسيا.

 

يشرحُ (هتلر) أثر مجريات ونتائج الحرب على تولُّدِ فكرته العنصريَّة، وهو بالمناسبة من يُسَمِّيها في كتابه، وبكُلِّ زُهوٍّ وفخار، بالفكرة العنصريَّة، ويشرح كيف أنَّ ذلك أثّرَ في توجهه نحو دراسة المناهج الفلسفيَّة وطرائق تفكير النُّخب في المجتمع الألماني والأوروبي والأمريكي، وكيف أنَّ ذلك أخذه نحو دراسة فكرة الدَّولة الاستعماريَّة، وإلى دراسة سلوك القوى الاستعماريَّة، وهو لا يتوانى عن كيلِ المديح لنجاح "إنجلترا "، ومن ثمَّ  "فرنسا" في هذا المجال، ولا يُخفي إعجابه بعنصريَّة الولايات المتَّحدة تجاه الزُّنوج والملونين كضرورةٍ وكرافعةٍ من روافع نهضتها الَّلافتة، كما يُصَرِّح.

 

لكنَّهُ يخلُصُ إلى أنَّ كل صور الاستعمار التقليديَّة لا تلائم ألمانيا، فألمانيا كما يقول هي بين ثلاث خياراتٍ إستعماريَّة لكي يتحقق رفاه الشعب الألماني، الآخذ بالازدياد، والجدير بالحياة عل حساب الجميع، كونه الشَّعب الذي تمَّ انتخابه طبيعيَّاً نتيجة نقاوة عرقه البيولوجي؛ ونقاء وصفاء دمائه الآريَّة التي لم تختلط بدماءِ الشُّعوب الأخرى، من الزُّنوج أو الملونين، أو الشُّعوب السَّاميَّة.

 

يقول: "إنَّنا أمام أربع صور من صور الاستعمار كي تزدهر ألمانيا دائماً بالحياة الرَّغيدة التي تستحقُّها، فإمَّا الاكتفاء بغزو العالم صناعيَّاً، من خلال الصناعات والتكنولوجيا الألمانيَّة المُمَيَّزة، أو التَّحول إلى صور الاستعمار التقليدي كما فعلت القوى الأوروبيَّة، أو الاستعمار الدَّاخلي – أيْ بالتركيز على استغلال الجغرافيا الألمانيَّة بأقصى طاقة– وهذا لن يكون كافياً أمام الزِّيادة المُضّْطَرِدة في أعداد السُّكَّان، أو بالُّلجوءِ الى شكلٍ جديد من أشكال الإستعمار الجدير بالعرقِ الآري، وهو التَّوسُّع في الجغرافيا الأوروبيَّة القريبة والبعيدة، كحقٍّ تمنحه الطبيعة بالانتخاب والانتقاء العرقي، والتي تحقق مشيئة الله وحكمته - كما يزعم - في سيادة القوي السليم على الضعيف المريض، وفي أحقيَّة العرق النَّقي بالاستحواذ على خيرات الأرض؛ كونه الأجدر بها والأقدر على استثمارها تحقيقاً للحكمة الإلهيَّة، التي تُقصي الضُّعفاء ثمَّ تفنيهم لحساب الأقوياء!!

 

لذا؛ يُصرِّحُ (هتلر) في كتابه، بأنَّ الحظ  كان يجب أنْ يكون حليف ألمانيا والجيش الألماني، لولا الضَّعف الذي اعترى السياسيين والأحزاب القائمة، ولولا التأثير السَّايكولوجي للدِّعاية المناهضة للرَّايخ ولوحدة المقاطعات الألمانيَّة والشَّعب الآري.

 

يشرح نظريات مختلف الأحزاب التي كانت قائمة في ألمانيا، كالحزب المسيحي الاشتراكي، والحزب القومي الألماني، والحزب الديمقراطي، ويعيبُ عليها عدم وضوح الأهداف وقصور الوسائل، وأكثر ما يعيبُ عليها عدم تبنِّيها للفكرة العنصريَّة بكل قوَّة.

 

ومن هذا المدخل يشرح نظرياته السِّياسيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة، ويمعِنُ في شرح نظرية حزبه، الَّذي يُسمِّيه (الحزب القومي العنصري الاشتراكي الجرماني– الحزب النَّازي) وسرد تفاصيل مراحل تشَكُّل الحزب، الّذي ابتدأ نشاطه بالاجتماعات السِّريَّة الخاصَّة، ثمَّ بالاجتماعات العلنيَّة المُتَحَدِيَة للسلطات البوليس الألماني ما بين عامي 1921- 1922، ثمَّ بالاجتماعات الجماهيريَّة الحاشدة، ويشرح دور الخطابة والكلمات الحماسيَّة، والشِّعارات العنصريَّة، والعقائد والأفكار الايديولوجيَّة والمحاضرات والأنشطة المختلفة وأثر اتِباع تكتيكات الصِّدامات العنيفة -التي اضَّطَلَعَ بها الحرس الخاص للحزب النَّازي من مفتولي العضلات والمحاربين القدامى في الجيش الألماني- في السَّاحاتِ والميادين مع الأحزاب الماركسيَّة والبرجوازيَّة في مسيرة تطور الحزب النَّازي، وفي إبهارِ الجماهير، وفرض هيبة الحزب.

 

كما يشرح نظريته الخاصَّة بالدَّولة - صابَّاً جامَ غضبِه على الحكومات البرلمانيَّة - ومعتبِراً البرلمانيين إنتهازيين يعيشون على حساب الشَّعب ويخدعونه بالوعود الكاذبة، وهم يُوفِّرون غطاءَ الأكثريَّة الوهميَّة للحكومات الفاسدة، كما يَصُبُّ نقمته على - مُحترفي السِّياسة - بلا مباديء عقائديَّة، موضحاً أنَّ الدَّولة يجبُ أنْ تقومَ على التأييد الشعبي، وعل مؤسستي الجيش وموظَّفي الإدارة الحكوميَّة، يُضافُ إليها في ألمانيا الإيمان بـ(الرَّايخ ستاغ – الإمبراطور أو القيصر) كموحِّدٍ لأراضي ولتطلُّعات وأهداف العرق الآراي الخالص والنَّقي من أيِّ دماءٍ غير آريَّة.

 

ويشرح نظرياته الإقتصاديَّة على أساس أهميَّة استقلال اقتصاد الشعب الألماني عن الاقتصاد الدَّولي الّذي يعتبره مدخلاً لاستغلال الشعب الألماني والعالم. ويشرح نظريَّاته الاجتماعيَّة القائمة على أساس النَّفخ بالرُّوح القوميَّة والعنصريَّة وقداسة الدَّم الآري، وفي الوقت نفسه محاربة البغاء ومظاهر التَّهَتُّك والإباحيَّة، التي يُرادُ منها تدمير المجتمع الألماني من خلال العلاقات الإباحيَّة التي تؤدِّي الى اختلاط الدَّم الآري بغيره من الدَّماء الأخرى.

 

يُوضِحُ في الفصل الأخير دور المفكِّر في الإلهام بالفكرة، لكنَّهُ يعتبر أنَّ المُفكِّر لا ينبغي له أنْ يضطلع بعملية قيادة الأنشطة والتنظيم داخل الحزب وفي أوساط الجماهير، الَّا إذا توفَّرتْ فيه صفة (الفوهرور) وهي تلك الصِّفة النَّادرة التي تجمع في الشَّخص الواحد بين السِّمات القياديَّة والرِّياديَّة والإقدام والشَّجاعة وروح المبادرة والمغامرة والدَّهاء السِّياسي والقدرة على إبداع الأفكار وشرحها. ويُومِؤُ بأنَّ هذه الصِّفة قد توفَّرتْ لديه بحكمِ ما يسوقه من وقائع وتجارب شخصيَّة وحزبيَّة، وأدلَّة تُثْبِتُ بأنَّهُ هو (الفوهرور) الجدير بالقيادة، وهذا ما كان له في النِّهاية، حيث رسَمَ ذلك الطُّموح الشَّخصي لهتلر أخدوداً عميقاً في ذاكرةِ العالم وسيرورةِ التَّاريخ المعاصر، على نحوٍ ما!!