الحدث- باريس
أطلق اليمين الفرنسي حملة جديدة في فرنسا تتعلق بإجبار الأطفال على أكل لحم الخنزير في المدارس، وهو الأمر الذي يتعارض مع المعتقدات الإسلامية واليهودية على حد سواء. وأثارت الحملة العديد من التساؤلات والاحتجاجات وردات الفعل المتباينة داخل المجتمع الفرنسي بين مؤيد ومعارض لهذا الإجراء الذي بدأت بعض البلديات بتطبيقه، ويقول مناصروها إن الحملة تهدف إلى تعزيز الهوية الفرنسية، فيما يقول مناهضوها إنها تقتل العلمانية.
وأفردت صحيفة «الغارديان» في عددها أمس تقريرا حول الإجراءات التي تتخذها فرنسا لإجبار الأطفال في المدارس على تناول لحم الخنزير، ضاربة بعرض الحائط كافة المعتقدات الدينية وحرية الاختيار خصوصا للمسلمين واليهود على حد سواء، مع تزايد إشارات «الإسلاموفوبيا» في البلاد.
ونقلت الصحيفة عن عائشة والتي تعمل ممرضة، أنها فوجئت حينما ذهبت الى المدرسة لملء الاستمارات الخاصة بأطفالها، باختفاء المربع الخاص بعدم تقديم لحم الخنزير لأطفالها في استمارة المدرسة. ونقلت «الغارديان» عنها أنها قامت بالاتصال بمسؤولين في البلدية، فأخبروها «أن الأمر سيكون على هذا النحو من الآن فصاعدا، لحم الخنزير او لا شيء».
وقد أثار إلغاء الوجبات المدرسية الخالية من لحم الخنزير موجة غضب في فرنسا، بعد أن قام عدد من رؤساء البلديات اليمينيين وبدعم من الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، بحملة احتجاجات وعرائض في فرنسا.
وقد حذر جان لوي بيانكو الذي يرأس الهيئة الاستشارية الوطنية لرصد العلمانية من أن إلغاء الوجبات الخالية من لحم الخنزير هو مثال حي على أن العلمانية تستخدم لأغراض سياسية، متسائلا عن السبب في خلق مشكلة من لا شيء.فيما يقول زوبر، وهو مؤرخ الأديان والعلاقات الدولية في المدرسة التطبيقية للدراسات العليا في باريس، إن العلمانية لا تعني أن يقوم الناس بأكل الطعام نفسه، او ارتداء الملابس نفسها او احتساء المشروبات نفسها. واعتبر هذا تشويها لمبدأ العلمانية، وقال إنها تستخدم الآن في فرنسا كمبدأ استعباد لمنع الفرنسيين بطريقة او بأخرى من الاختلاط الثقافي، وهو أمر غير مقبول على الاطلاق.
وتقول الصحيفة إن ساركوزي يحاول العودة الى سدة الحكم في فرنسا عام 2017 من خلال مساندة الحملة التي ستجبر التلاميذ المسلمين على أكل لحم الخنزير في المدارس. وقد قال ساركوزي على شاشة التلفزيون الفرنسي «إذا أردتم لأطفالكم أن يتناولوا الطعام على أسس دينية فقوموا بنقلهم إلى مدارس دينية خاصة»، فيما شجبت رشيدة داتي وهي أول امرأة مسلمة تشغل منصبا حكوميا رفيعا في فرنسا الأمر قائلة «إن هذا الخلاف قد يُحدث شرخا في المجتمع الفرنسي»، كما قال عضو البرلمان اليميني فرنسوا غروسديدير والذي يُعتبر من المناهضين لهذه الحملة «إنه من غير المنطق حرمان الأطفال من وجباتهم المدرسية لأسباب سياسية».
وتقول الصحيفة إن موضوع التضييق على الأديان والمعتقدات الأخرى في فرنسا بدأ في عام 2010، حين قامت جماعات يمينية متطرفة بالتخطيط لعمل حفلات لشرب الخمر وأكل لحم الخنزير والعديد من السلوكيات المتعارضة مع الإسلام، بالقرب من المساجد، قبل أن تمنعهم السلطات من القيام بذلك، فيما قامت مجموعات أخرى بأنشطة في وسط باريس ضد اللحم الحلال معللين ذلك بالدفاع عن العلمانية.
فيما قام رئيس بلدية فرنسية يدعى فابيان انغلمان بالتقاط صور لنفسه خلال عيد الأضحى الفائت وهو يداعب الغنم قائلا إنه قام بإنقاذ هذه الحيوانات الأليفة والبريئة من أيدي المسلمين خلال احتفالهم بعيد الأضحى في المدينة.
وقدم رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس دعمه لرؤساء بلديات حظروا لباس البحر الإسلامي «البوركيني» الذي يغطي كل أنحاء الجسد، في قضية تثير جدلا في البلاد بين أنصار تطبيق العلمانية في الأماكن العامة والمدافعين عن حرية التعبير.
وحظر عدد من رؤساء البلديات في فرنسا خلال الأسابيع الأخيرة السباحة بلباس البحر الاسلامي وكذلك فعل رئيس بلدية سيسكو في كورسيكا، الجزيرة الفرنسية في البحر الأبيض المتوسط، بعد شجار عنيف وقع السبت بين شبان وعائلات من أصول مغاربية.
وقال مسؤول محلي إن الشرطة أوقفت عشر مسلمات يرتدين زي السباحة الإسلامي (البوركيني) في مدينة كان في جنوب فرنسا على مدى ثلاثة أسابيع منذ فرض حظر مؤقت على ارتداء الزي الذي يخفي جسم المرأة.
وكانت واحدة من ثلاث بلديات حظرت البوركيني قائلة إنه يخالف القوانين الفرنسية المتعلقة بالعلمانية وسط توترات بعد هجوم شنه متشددون إسلاميون في نيس المجاورة قتل فيه 85 شخصا يوم عيد الباستيل في 14 يوليو تموز.
وأثارت خطوة حظر الزي جدلا عاما كثيفا فوصفتها الجماعات المسلمة بأنها غير دستورية ومثيرة للانقسامات وتعبر عن فزع من الإسلام.
ومن المقرر أن يصدر مجلس الدولة وهو أعلى جهة قضائية فرنسية حكما بشأن مدى قانونية حظر البوركيني في الأيام المقبلة.
وقال رئيس وزراء فرنسا مانويل فالس في مقابلة نشرت أمس الاربعاء بأنه يتفهم القرارات الصادرة عن رؤساء البلديات المحلية لحظر «البوركيني» أو ما يعرف بـ»لباس البحر الشرعي الإسلامي»، لكنه أضاف أنه لن يكون هناك أي تشريع وطني.
وفي حديثه إلى صحيفة «لا بروفنس»، والتي تصدر في جنوب فرنسا، حيث بدأ سريان معظم عمليات الحظر، قال فالس إن «الشواطئ، وكذلك جميع الاماكن العامة، يتعين أن تكون خالية من المزاعم الدينية».
وأكد فالس، الذي رفض مزاعم بأن الحظر يمنع حرية المرأة في اختيار لباسها، أن الحرية الوحيدة التي محل الخطر هي «الحرية في قهر المرأة».
وأضاف فالس أن « وضع نظام عام بخصوص متطلبات اللباس لا يمكن أن يكون حلا» مشيرا إلى أنه يتفهم قرار العمد في حظر البوركيني من أجل النظام العام.
وفرنسا لديها بالفعل قوانين سارية تحظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة أو الحجاب في المدارس الابتدائية أو الثانوية الحكومية.
وكانت سلسلة من القوانين المحلية بمنع البوركيني على الشواطئ قد بدأ تطبيقها في مدينة كان، حيث علل عمدتها السبب في التوقيع على أمر بسريان الحظر من أواخر تموز/يوليو إلى نهاية آب/أغسطس، بتهديدات إرهابية.
وقال فالس في المقابلة إنه يرفض «رؤية عفا عليها الزمن» وراء البوركيني قائلا إن جميع الأديان يجب أن «تقبل ببعض حرية التصرف عندما تعلن بشكل علني عن المعتقدات الدينية، مكررا الدعوات لان يكون الإسلام في فرنسا متماشيا مع قيم وحريات الدول.
وأضاف فالس «العلمانية ليست نفيا للدين. إنها حماية لحرية الجميع في الإيمان وأيضا عدم الإيمان»
المصدر: القدس العربي, وكالات