الإثنين  06 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ظلال

أحمد جابر

2016-10-11 12:52:34 PM
ظلال
أحمد جابر

لم يتوقع أومبريه أنه سيخرج من محل الخردة بهذا الكنز، فقد دخله مستطلعاً لا أكثر، إلا أنه لم يتوانَ في دفع ثمن نظارة غريبة تتيح لمن يلبسها فرصة التعرف على ما يفكر به من حوله، ولكن الأمر يتطلب ضوءاً، إذ يتشكل ما يفكرون به في ظلالهم.

 

بلا نظارة، يرى الظل على ما هو عليه، متشكلاً كما صاحبه، من رأسه حتى قدميه، لكن ما إن ينظر من خلالها حتى يرى ظلال الآخرين بأشكال مختلفة، رأى رجلاً بظل امرأة، طفلة بظل دمية، عصا بظل عجوز، بيتاً قديماً بظل بندقية، ديوان شعر بظل نيرودا، قطة بظل قطة أصغر، شرطياً بظل بقعة سوداء رجّح أن تكون بقعة دمٍ، سيارة بظل أشبه ما يمكن بخارطة ألمانيا.

 

استكمل مشيته بلا نظارة، أحس أن في ذلك تعدياً لخصوصيتهم. لم يخطر في باله أن الأجسام غير البشرية تفكر بأشياء أيضاً، ولم يتوقع أن يلاقي هذا الكم من الظلال غير الحقيقية لأصحابها، إذ لم يجد ظلاً واحداً يتطابق مع الجسم المرافق له.

 

أخرجها من جيبه بسرعة بعد أن فكر في شكل ظله، نظر إلى أسفله، فصار المكان كله أسود، بظل كبير، أو بوصف أدق، ظلال كثيرة تختلط فيما بينها. دقّق فيها فوجد نساءً ورجالاً وأجسامَ أخرى، رأى ظلالاً قد لاحظها من قبل، ثم توقف نظره عند ظل غريب الشكل، الغرابة فيه أنه يشبه أومبريه نفسه، بأذنيه الكبيرتين، وطوله القصير، وعرض كتفيه، وشعره المجعد، ورأسه المربع تقريباً، وهذا يعني أن أحداً ما في المكان يفكّر فيه.

 

نزع نظارته، وتفحص المارّين حوله، لم ينتبه لأي شخص يحدق إليه، وبعد أن يأس، أعاد النظارة إلى ما فوق أنفه، وبدأ يحرك نظره من اليمين حتى اليسار، ليرى أيهم يفكر فيه، أي واحد ممن حوله له ظل أومبريه، ثم أخفض نظره إلى مواضع الأقدام، فرأى ظله يخرج من قدميه، كانت هناك نملة قد وطئ عليها بالخطأ، وقتها تحول ظله إلى ظل نملة.

 

أعجبه ما حدث، وبقي على ذات المنوال أسبوعاً، كان من أكثر أيام حياته غرابة ومغامرة، لكنه وبعد نهاية الأسبوع، حطم النظارة وجعل كل جزء منها في مكان، إذ بينما هو عائد من عمله، رأى فتاة على مقعد بلا ظل، وهو الذي اعتاد على الظلال، والتي تعني أن كل الأجسام تراودها خيالات وأفكار، وقد وصل إلى فرضية أنه لا يستطيع أحد ما ألا يفكر في شيء، حتى إذا قرر عدم التفكير، فإنه في تلك اللحظة يفكر في العدمية ذاتها، لكن الفتاة منزوعة الظل أوقفت جل تفكيره مرة واحدة، نزع النظارة وتقدم إليها ليسألها، وبعد محاولتين فاشلتين لم ترد عليه خلالهما، اكتشف أنها لن تسمعه، ولم تبصره حتى. الفتاة بلا ظل، كانت ميتة، والمقعد له ظل يشبه الفتاة.