السبت  19 تموز 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

العدد 72| المحاكم العمالية المتخصصة ضرورة مُلِحة والانقسام وقلة الإمكانات يعرقل إنشاءها في قطاع غزة

2016-10-25 11:44:15 AM
العدد 72| المحاكم العمالية المتخصصة ضرورة مُلِحة والانقسام وقلة الإمكانات يعرقل إنشاءها في قطاع غزة

 

سامي العمصي: عدم تفعيل باب العقوبات في قانون العمل من قبل وزارة العمل سببا رئيسيا في استهتار أصحاب العمل بحقوق  العاملين لديهم

 

إسماعيل العويطي: قانون العمل الفلسطيني نظم الحقوق العمالية كاملة لكنه أغفل تحديد فترة البت في قضايا النزاعات العمالية

 

غزة- محاسن أُصرف

           

عشرُ سنوات أمضاها أبو إياد حندوقة 45 عاما، عاملا لدى إحدى شركات القطاع الخاص في خان يونس جنوب قطاع غزة، لم يكن فيها امتثاله لقوانين العمل والتزامه بأخلاقيات المهنة؛ شفيعًا له حين اضطر صاحب عمله لإغلاق شركته وتسريحه إضافًة إلى خمسة موظفين آخرين كلٌ منهم يعول أسرة ولا يملك مصدر دخل سوى ما كان يتقاضاه من راتب لا يتجاوز الـ 800 شيكل.

 

يؤكد الرجل لـ"الحدث" أن تنكر صاحب العمل لحقوقه دفعه لرفع دعوى قضائية ضده منذ مايو 2015 الماضي لكنها لم تؤتي ثمارها حتى الآن، ويُضيف أنه على مدار عام كامل تعرض للعديد من محاولات الابتزاز من قبل صاحب  العمل لإسقاط الدعوى والرضا بما حدده له من تعويض.

 

وفي ظل ارتفاع نسبة تهميش أصحاب العمل للعاملين وعدم وفائهم بالمستحقات المالية المترتبة على تسريحهم أو فصلهم التعسفي أو إصابتهم أثناء العمل؛ دعا الاتحاد العام لنقابات العمال الفلسطينيين في قطاع غزة إلى تحريك قضيتهم بإنشاء محاكم عمالية مُتخصصة تتولى عملية البت والفصل في قضاياهم بأسرع وقت ممكن ليتمكن العامل من استكمال مسيرته في العطاء والبناء، وتكون قوة رداعة لأصحاب العمل الذي يُحاولون الإفلات من قبضة القانون بالحلول الودية تارة والابتزاز تارًة أخرى.

 

وفي هذا السياق أكد مختصون على أن إنشاء محاكم عمالية مُتخصصة في قطاع غزة من شأنها أن تُسريع عملية البت والفصل في قضايا العمال، وبيّنوا في أحايث منفصلة مع "الحدث" أن تأخر إنشاء هذه المحاكم في قطاع غزة عائد إلى الانقسام السياسي وعدم تمكن وزارة العمل في حكومة التوافق الوطني بغزة من القيام بدورها، داعين أولًا إلى إنهاء الانقسام ومن ثمَّ البدء فعليا بحل المشاكل التي يُعاني منها قطاع العمال وهو الشريحة الأكبر في المجتمع الفلسطيني، فيما يشكو العمال من غياب تطبيق قانون العمل رقم 7 لعام 2000، والذي يُلزم أصحاب العمل بالالتزام بدفع مستحقات العمال المالية سواء بعد نهاية الخدمة أو الفصل التعسفي أو الإصابة، واستغلالهم عدم تحديد القانون فترة سداد تلك المستحقات، مؤكدين أن كثيرا منهم يتعرض للابتزاز من أجل التخلي عن القضايا في المحاكم والرضا بالتعويض الذي يُقره صاحب العمل بعيدا عن الحكم القضائي.

 

مازالت مُعلقة

ويشكو غالبية العمال من طول مدة البت في قضايا حقوقهم بعد أن تنصل منها أرباب العمل بحجة الأوضاع الصعبة وانهيار المنظومة الاقتصادية، وأفاد العامل "إسماعيل النقلة" 35 عاما أنه ينتظر بفارغ الصبر أن يُقر له القاضي حقوقه المالية بعد أن تنكر له رب العمل بعد إصابته في قدمه أثناء عمله في ورشة الحدادة.

 

وكان "النقلة" رفع الدعوى أمام القضاء في قطاع غزة قبل أربع سنوات، لكنه حتى الآن لم يُحصل أيا من حقوقه المالية التي حددتها لجنة طبية متخصصة، وعند سؤاله عن سبب طول مدة الانتظار قال بسخرية: "قلة القُضاة في محاكم غزة"، وأضاف أن تأخر حصوله على حقوقه أثر على مدى التزامه بتوفير احتياجات أسرته الأساسية، داعيا إلى إيجاد محاكم متخصصة في قضايا العمال مما يُسهل عملية البت والفصل في القضايا ويمنحهم حقوقهم بأسرع وقت خاصة وأن آلية التعويضات مُحددة وفق القانون.

 

الدفع بالتقسيط

وبعد أن يُنهي العامل جولة الصراع على حقه أمام القضاء لصالحه، تبدأ المعاناة الأكبر باستيفاء قيمة التعويض فغالبا ما تكون على شكل قسط شهري بقيمة مالية ضئيلة لا تُسمن ولا تُغني من جوع، يقول العامل أبو مالك الحرازين والذي كان يعمل لدى إحدى شركات المقاولات في غزة وتعرض أثناء العمل لإصابة أدت إلى بتر أصابع يده اليمنى: "إن الحصول على الحكم القضائي بتقسيط المبلغ المحكوم به لصالحي كان مشكلة أكبر من مشكلة طول انتظار البت في قضيتي"، وأضاف أنه بعد انتظار 5 سنوات ورفضه للحل الودي الذي كان يُسوّقه صاحب العمل، إلا أنه اضطر للقبول به نهاية والسبب أن المبلغ الذي حُكم له به كان مُقسطا على أشهر تستمر لسنوات طويلة، بالإضافة إلى ضعف قيمة القسط، وعدم تلبيتها لاحتياجاته من أدوية واحتياجات أسرته الأساسية، يقول: "نصحني المحامي الوكيل بقبول الحل الودي والحصول على التعويض دفعة واحدة"، مؤكدًا أن قيمته كانت أقل بكثير مما قضت به المحكمة، وأشار إلى أنه خاض عملية التسوية مع صاحب  العمل وحقق أكبر مبلغ ممكن أن يحصل عليه دون انتظار القضاء كونه كان مُضطرا لإعالة أسرته المكونة من 22 فردا.

 

إنصاف غير مُفعل

بعد الاعتراض الذي توجه به قانون الضمان الاجتماعي فيما يتعلق بنسبة مشاركة العامل في صندوق الضمان الاجتماعي جاء التعديل مُنصفًا بنسبة 50% للعامل الفلسطيني الذي يُعد الطبقة الأضعف في حلقة الإنتاج، لكن ذلك الإنصاف لم يحصل عليه العامل الفلسطيني في قطاع غزة والسبب وفق ما أورد "نافذ أبو وطفة" مسؤول منظمة التعاون العمالية في غزة، الانقسام السياسي بين شقي الوطن الفلسطيني، وأضاف في مقابلة مع "الحدث" أن العامل الذي يُسرح من عمله تحت أي ظرف وفق قانون التضامن الاجتماعي الجديد يُرصد له ادخار من قبل الجهات الممولة للصندوق، وهي السلطة الفلسطينية وأرباب العمل فيما العامل والذي كان يُشارك بنسبة معينة من راتبه يبقى يحصل على راتبه كاملا، مؤكدا أن ذلك يُحسن ظروف العمال المعيشية وينصفهم قليلا.

 

 وذكر أن تلك الميزات لا يُخص بها العامل في قطاع غزة، نظرا للظروف الاستثنائية التي يعيشها القطاع بدءا من الانقسام وليس انتهاءا بالحصار، الذي أنهى مظاهر الحياة الاقتصادية في القطاع، ويُشير أبو وطفة إلى أن ما يزيد الطين بلة لواقع العمال في قطاع غزة انتهاك حقوقهم المالية على كافة الصعد سواء في تدني معدلات الأجور، أو افتقارهم لبيئة عمل آمنة تتحقق فيها آليات السلامة المهنية تحت ذريعة الانقسام والحصار، وأضاف أنهم رغم ذلك يُصرون على العمل  بأجر زهيد يتراوح يوميًا بين 20-25 شيكلا، بمعدل شهري 600-800 شيكل ففط من أجل إطعام صغارهم، وتوفير قوت يومهم في ظل ارتفاع معدلات الفقر إلى أرقام غير مسبوقة خاصة بعد الحرب الأخيرة على القطاع وما تلاها من إجراءات أمنية مُشددة على الحدود الجنوبية للقطاع مع مصر أدت إلى هدم الأنفاق هناك وتعطيل آلاف العاملين، يقول "أبو وطفة": في ظل هذه الظروف هناك ضرورة مُلحة لإيجاد محاكم عمالية مُتخصصة لتسريع البت والفصل في قضايا العمال خاصة وأنها القضايا الأسهل والأوضح بين القضايا.

 

يتمنى "أبو وطفة" أن يغيب الانقسام أبدا، وقال: "إن غياب الانقسام بين الضفة وغزة سيمنح العمال الفلسطينيين حقوقهم كاملة، وسيضمن للعمال في القطاع إنشاء محاكم عمالية متخصصة على غرار التي أُنشأت بقرار من الرئيس الفلسطيني محمود عباس هناك"، وأضاف أن ذلك سينعكس على واقع الحقوق العمالية في القطاع.

 

مشاكل تواجه الدعاوى العمالية

من جانبه يُشير "إسماعيل العويطي" المحامي المختص بقضايا النزاعات العمالية، إلى أن أهم الإشكاليات التي تواجه الدعاوى العمالية  التي تُرفع أمام المحاكم في قطاع غزة تتمثل في عدم تحديد قانون العمل الفلسطيني رقم 7 لعام 2000 لفترة البت والفصل في القضايا العمالية التي تُرفع أماl القضاء، وقال لـ"الحدث": "إن هذا النقص في التشريع يُلحق ضررا بالغا بالعامل إذ يضطر للعيش في ظروف قاسية دون مورد دخل بانتظار الحكم"، لافتا إلى أن الإطار الزمني لصدور الحكم في الدعاوي العمالية أمام المحكمة يتراوح بين سنة وعشر سنوات وفقًا لطبيعة القضية ومدى الضرر الذي لحق بالعامل، وبيّن أن عدم السرعة في إنجاز الأحكام وتطبيقها على أرض الواقع عائد إلى عدم وجود محاكم متخصصة في قضايا العمال بالإضافة إلى تضخم أعداد الدعاوى أمام المحاكم التي تُعاني أصلا من تضاؤل كادر القضاة فيها وعدم تمكنه مع ضعف الإمكانيات، من سرعة البت في القضايا العمالية، مُطالبا بضرورة العمل على تخصيص محاكم عمالية للنظر في قضايا العمال والبت فيها خلال فترة لا تتجاوز 6 أشهر لدى محاكم.

 

وفيما يتعلق بأهم الدعاوى العمالية التي يصعب البت فيها وتأخذ وقتا كبيرا في أروقة المحاكم، أوضح أنها قضايا التعويضات عن الإصابة، لافتا إلى أن عدم وجود محاكم عمالية مُتخصصة تُعرض هذه الفئة للابتزاز والمساومة من قبل أرباب العمل خاصة وأن قيمة التعويض وفقا للإصابة تكون كبيرة جدا؛ ما يجعل رب العمل يلتف على القانون ويُحاول بشتى الطرق الوصول إلى حل ودي مع العامل بعيدا عن الحل القانوني.

 

مقترحات للحل

أما سامي العمصي رئيس اتحاد النقابات العمالية بغزة، فلفت إلى أن عدم تفعيل باب العقوبات في قانون العمل من قبل وزارة العمل، سبب رئيسي في استهتار أصحاب العمل بحقوق  العاملين لديهم، مطالبا بضرورة تطبيقه من أجل تحقيق قوة الردع وبالتالي التخفيف من حجم  القضايا العمالية التي ترفع لدى المحاكم.

 

وشدد على ضرورة العمل سريعا على تشكيل محاكم عمالية خاصة بالعمال، تضمن البت في الدعاوى العمالية خلال مدة أقصاها شهر، بالإضافة إلى تشــــكيل "سلطة أجور" للنظر في قضايا الأجرة مما يشكل حماية حقوق العمال كما أوصى العمصي بضرورة توعية العمال أولا بحقوقهم، بالإضافة إلى تفعيل دور التفتيش وتوفير الإمكانيات اللازمة، ناهيك عن العمل على تسريع إنشاء المحاكم العمالية وإدراج نص في القانون يمنح القضايا العمالية الصفة المستعجلة للنظر فيها، وفي السياق ذاته شدد على أهمية زيادة أعداد العاملين في قضايا التبليغ وإيجاد وسائل سريعة لتبليغ أصحاب الدعاوى العملية.

 

من ناحية أخرى وفي إطار الخطوات العملية أكد على أن الاتحاد تواصل مع مجلس القضاء الأعلى في قطاع غزة للبدء في إنشاء المحاكم العمالية المتخصصة، إلا أن الأخير لم يقدم وعدا صريحا بالبدء فورا في تشكيل المحاكم؛ بسبب أوضاع الانقسام وعدم توفر الإمكانات المطلوبة، وأضاف: "تلقينا وعدا من المجلس الأعلى للقضاء بالتسريع في البت في القضايا العمالية وإعطائها الأولوية".

 

القضاء لا نملك الإمكانيات

وعمدت "الحدث" إلى استيضاح الأمر أكثر من قبل رئيس مجلس القضاء الأعلى "عبد الرؤوف الحلبي" الذي قال: "إن إنشاء محاكم عمالية مُتخصصة ضرورة مُلحة في ظل ما يُعانيه العامل من أوضاع صعبة"، وأضاف أن محدودية الإمكانيات المتوفرة لدى مجلس القضاء بالإضافة إلى قلة عدد القضاة في القطاع تسببا مع الانقسام في عدم وجود محاكم عمالية متُخصصة إلى الآن في القطاع، وبيّن أن المعضلة الأكبر التي يُواجهها المجلس أمام القضايا العمالية هي قلة عدد القضاة في القطاع، وعدم وجود قضاة متخصصين بالنظر في القضايا العمالية، وأضاف أن محاكم القطاع تحوي فقط 44 قاضيا يُتابعون القضايا المدنية لكل سكان القطاع الذين تجاوز عددهم المليونين، الأمر الذي يُثقل كاهلهم ويُطيل سنوات البت في القضايا إلى سنوات، واستكمل قائلًا: "لا بد من توافر الإمكانيات التي تُساعد على إنشاء محاكم متخصصة أو قضاة متخصصين".

 

وفي إطار الحلول الممكنة نوه إلى أن المجلس أوعز للقضاة بسرعة البت في القضايا العمالية ووضعها على سلم أجندات أعمالهم.