الأربعاء  01 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

العدد 73 | شركات في القطاع الخاص تلقت مساعدات مالية ارتبطت بأجندات سياسية كرست التبعية الاقتصادية لإسرائيل

2016-11-08 05:27:14 AM
العدد 73 | شركات في القطاع الخاص تلقت مساعدات مالية ارتبطت بأجندات سياسية كرست التبعية الاقتصادية لإسرائيل
محطة تنقية المياه العادم في البيرة

 

يستحوذ خبراء المانحين على أكثر من ربع حجم تمويل المشاريع الفلسطينية

مشاريع بنية تحتية فلسطينية تنفذ وفق أجندات المانحين وإملاءاتهم ويستفيد منها المستوطنون

 

خاص الحدث

 

كشف باحثون واقتصاديون عن تلقي العديد من شركات القطاع الخاص مساعدات مالية مباشرة من مؤسسات ودول مانحة ارتبطت بأجندات سياسية كرست اعتماد وتبعية الاقتصاد الفلسطيني على نظيره الإسرائيلي، ليس هذا فحسب وإنما أجمعوا على أن العديد من مشاريع البنية التحتية التي نفذت وفق تلك الأجندات استفاد منها المستوطنون، حيث كان هذا الدعم يخضع لإملاءات المانحين الذين يستحوذ خبراؤهم على أكثر من ربع حجم تمويل المشاريع، إضاقة إلى احتساب رواتب موظفي بعض الجهات المانحة في تل أبيب، وحتى الماء الذي يشربونه، ضمن أموال الدعم المقدمة لفلسطين، ما يدلل عى أن هذه الأموال ليست مجانية. بينما لم تعد أموال الدعم هذه على إنتاج تلك الشركات والمؤسسات والمجتمع الفلسطيني بفوائد، في الوقت الذي يحتدم فيه التنافس بين مؤسسات القطاع الخاص للحصول على تلك المساعدات حتى بعد أن تبين أن خبراء المانحين يستحوذون على أكثر من ربع تلك المساعدات والمعونات المالية.

 

ويبلغ حجم أموال الدعم التي قدمها المانحون للقطاع الخاص الفلسطيني خلال الفترة 2002-2014 وفقا لما كشف عنه د. سمير عبد الله- الباحث في معهد أبحاث السياسات الاقتصادية (ماس)  نحو 1,230 مليار دولار، بمعدل 95 مليون دولار سنويا، وتقدر نسبتها بـ 5.2% من مجمل المساعدات، وشكلت أقل من 3% من مجمل القيمة المضافة للقطاع الخاص خلال نفس الفترة. مبينا أن الولايات المتحدة الأمريكية قدمت أكبر دعم للقطاع الخاص بواقع 542.7 مليون دولار، وجاءت النرويج في المركز الثاني بواقع 86.4 مليون دولار، تلتها هولندا 85.5 مليون دولار، ومن ثم إسبانيا 70.9 مليون دولار.

 

فيما أكد رجل الأعمال عميد المصري، أن كل الملايين التي صرفت في فلسطين كأنها لم تصرف، وقال: "المشكلة ليست من المانحين وإنما أساسها عندن،ا حيث ينبغي علينا معرفة كيف وأين ننفق الأموال التي تأتينا من المانحين، بصرف النظر عن قيمتها".

 

وضع مأساوي ناجم عن التمويل المرتبط بأجندات سياسية

 

وتصف سيدة الأعمال أمل ضراغمة المصري هذا الوضع بالمأساوي؛ لأن خبراء المانحين يستحوذون على  28% من التمويل المقدم للقطاع الخاص الذي تكبد خسائر بقيمة 7 مليارات دولار جراء ممارسات الاحتلال وإجراءاته التعسفية.

 

وترى ضراغمة/المصري، أن هذا التمويل مرتبط بأجندات سياسية، حيث كرست المعونات الإغاثية اعتماد الاقتصاد الفلسطيني على الإسرائيلي، وساهمت إلى حد كبير في استمرار الاحتلال بشكل مقصود أو غير مقصود، في ظل غياب رؤية تنموية وتنافس كبير بين مؤسسات المؤسسات الأهلية للحصول على هذا الدعم.

 

وتؤكد ضراغمة/المصري أن الهدف الحقيقي من التمويل غير واضح وماذا يقف وراءه؟ وتتساءل عن الأثمان التي دفعت مقابل الحصول عليه، وقالت: "كان من الجدير الربط بين المشاريع المدعومة والأسباب الكامنة خلفها، والربط ما بين المساعدات الخارجية والتي ترتبط بالقطاع الخاص واستعمالها أيضا من قبل مستوطنين، وسنكتشف في بعض الأحيان أننا لسنا المستفيدين لوحدنا من الكثير من هذه المساعدات، وليست الشركات الصغيرة، وإنما كانت المستفيدة كبرى الشركات التي كان يشترط المانحون على أغليها دفع نصف قيمة المشروع، وبعضها كانت تلتف على ذلك وتتفق مع بعض الموردين لبيعهم سلعهم بقيمة مضاعفة".

 

وترى، أن طريقة إعداد المشاريع الموجهة للقطاع الخاص كانت أحيانا تستلزم استفادة نوع معين من الشركات، ولا تستبعد أن يكون ذلك بهدف تغيير بعض موازين القوى، وإظهار بعض القطاعات على حساب قطاعات أخرى.

 

 وتشدد ضراغمة/المصري على أن مثل هذا التطلع والتوجه في الأغلب ليست أجندتنا كفلسطينيين، وتقول: "يبدو أنه كانت هناك تحذيرات رسمية في السلطة ومن القطاع الأهلي، من النتائج التي تظهر ولا تتناسب مع احتياجاتنا"، متساءلة عن أسباب استمرار الجهات المانحة في سياستها دون أن يوقفها أحد ويساءلها عن تقديمها لنا أموالا لا نستفيد منها حسب حاجتنا لها"، لذلك نجدها تطالب وزارة الاقتصاد الوطني بتعيين خبراء مؤهلين قادرين على أن يكتشفوا الثغرات في المشاريع المقدمة، وبتغيير القوانين فيما يخص النساء والاشتمال المالي والاستمرار في إنقاذ حقوق المرأة الاقتصادية، وتقول: "يبدو أن عدم تغيير تلك القوانين يتم تحت غطاء شرعي".

 

ولكن عزمي عبد الرحمن - مدير عام السياسات الاقتصادية في وزارة الاقتصاد- لا يعتقد أن الشركات أو المشاريع الصغيرة التي تقدر نسبتها بنحو 97% من المؤسسات هي التي استفادت من تمويل ودعم الدول والجهات المانحة، ولكنه أكد أن جزءا من المشاريع التي تنفذها الحكومة لصالح القطاع الخاص يستهدف المشاريع الصغيرة، بينما التمويل والدعم الذي تتلقاه مباشرة مؤسسات القطاع الخاص لا يشمل المشاريع الصغيرة لأنها غير قادرة على تلبية شروط المانحين.

 

وهنا يوضح المصري ويقول: "دخلت في مشاريع زراعية كثيرة، كانوا يفرضون علينا فرضا أن هذا الشيء يجب أن يطبق بالطريقة هذه أو تلك، وفي كل الأحوال لم تفز شركة الاستشارات الزراعية خاصتي بأي من مشاريع إحدى أكبر الدول المانحة ما اضطررني إلى إغلاقها، وحينما أقول لهم أن هذا لا يمكن تطبيقه في الأغوار فإنهم يتجاهلون شركتي، لذلك فهم يريدون تطبيق ما يريدونه ليدفعوا عشرات الملايين في مدة لا تقل عن أربع سنوات؛ ليحظى بعد ذلك مشروعهم كله بالفشل".

 

أما حنان طه - مدير عام مركز التجارة الفلسطيني (بال تريد) فلا تستبعد وجود تأثير إيجابي يعود على جزء من مؤسسات القطاع الخاص،  ولكنها أكدت أن الفائدة العائدة على هذه الشركات لم تسهم في بناء اقتصاد فلسطيني، وقالت: "لدينا مشكلة في وجود المانحين والممولين بأجندات معينة، ومن المؤسف وجود بيئة خصبة لتنفيذ هذه الأجندات في ظل غياب رؤية وطنية واضحة تحدد مسارنا واتجاهنا".

 

فيما يعتقد سمير سمارة - وزارة الزراعة، أن المانحين يعرفون وجع ومشاكل الشعب الفلسطيني (والثغرات ونقاط الضعف التي نعاني منها)، ففي كثير من الدول المانحة تعرف أين المشاكل حتى بين الوزارات، ويستغلون هذه الأمور كما يستغلون أن هناك الكثير من الشركات تذهب وتتقدم لهم خفية وسرا في الليل، ليحصلوا على مشاريع وينفذوها بعيدا عن أجندة وأولويات الوزارة.

 

غياب مؤشر لقياس الفساد

 

وفي الوقت الذي تؤكد فيه ضراغمة/المصري، أننا نعاني من مشكلة غياب مؤشر لقياس الفساد الموجود حتى في داخل المؤسسات المانحة، وأحيانا في المؤسسات التي تنفذ المساعدات القادمة، تكشف ضراغمة/ المصري بكل صراحة ووضوح عن حالة فساد تعرضت لها حينما قالت: "طلبت مني رشوة في (مشروع توعية) لمؤسسة مانحة ما في فلسطين كانت قيمته تبلغ 2 مليون دولار، وتحدثت عن الموضوع ولكن دونما جدوى لذلك فإن وجود مؤشر لقياس الفساد مهم جدا لأنهم يستعملونه ضدنا".

 

 وتكشف ضراغمة/المصري إن بعض المؤسسات المانحة تقوم باحتساب رواتب موظفيها في تل أبيب علينا، حتى أنهم يحتسبون الماء الذي يشربونه، يحتسب ضمن الأموال المقدمة لفلسطين، ما يدل على أن هذه الأموال ليست مجانية".

 

تأثير التمويل وعبر هيئات حكومية على شركات القطاع الخاص

 

وانتقدت ضراغمة/المصري بشدة قيام وزارة المالية بتنظيم حملة توعية بدعم من الاتحاد الأوروبي، لدفع الناس للحصول على فواتير، الأمر الذي يكشف أيضا عن تأثير التمويل والدعم عبر هيئات حكومية على شركات ومؤسسات القطاع الخاص بصورة غير مباشرة، وتساءلت هل وزارة المالية بحاجة إلى داعم أوروبي كي يطلب منها تنفيذ مثل هذه الحملة؟

 

وترى، أن أموال الحملة ليست في محلها، لأن هذا جهد يمكن القيام به ذاتيا، ولكنها قالت: "من اطلاع غير مباشر على المبالغ الخيالية التي صرفت على هذه الحملة، فجزء كبير منها كان من نصيب الخبراء، وجزء منها لمستشارين يراقبون الخبراء، ومستشارين أيضا لإنشاء دائرة علاقات عامة في وزارة المالية، فهل نحن بحاجة إلى أموال داعمة لإنشاء دائرة علاقات عامة في وزارة المالية لتقوم بحملات لها علاقة بالقطاع الخاص دون النظر للخدمات المقدمة؟".

 

ويرى د. عبدالله، أنه من الصعب تحديد الأثر الكلي للمساعدات الخارجية على آداء القطاع الخاص بشكل عام بسبب نقص المعلومات الخاصة بدعم القطاع الخاص ضمن سلسلة زمنية كافية للتحليل، منوها إلى أن الدعم الخارجي ساعد في رفع قدرة الشركات والمؤسسات الإنتاجية، وتحسين كفاءة وخبرة العاملين فيها، وساهم في تحسين القدرة والكفاءة في إدارة العمليات والتخطيط. كما ساعد في تحسين جودة المنتج، وفي الانتشار بشكل أوسع في الأسواق المحلية والخارجية. كما ساهم في زيادة التنوع والتوسع في الإنتاج، وعكست تلك التحسينات نفسها في مؤشرات  دخل وربحية الشركات وساعد في نموها.

 

ولكن عبد الرحمن، لم يتردد في الإقرار بأن معظم المشاريع التي يمولها المانحون ليست هي الأولوية، ولا تصب في مشاريع الأولوية، وهو ما يبرر جزءا من الإخفاق الذي يقع فيه القطاع الخاص، الذي درجة استجابته لاستراتيجيات التنمية المتوسطة ضعيفة، لذلك نخرج باستراتيجية قريبة للنظرية اكثر منها للتطبيق في ظل ضعف التكامل والمتابعة من قبل مؤسسات القطاع الخاص مع الحكومة لوضع الاستراتيجية والمشاريع، وما يصل عن طريق الوزارة من دعم ضئيل، لذلك تظهر عدم الاستفادة الحقيقية من المانحين.

 

فيما تحمل طه، مسؤولية  تنفيذ بعض المشاريع من مؤسسات لا أحد يعرف ويعلم عنها، للجهة التي يمكنها أن تراقب وتصدر قرارات وتوزع المهام، وتعتقد أن 60% من التمويل الذي يأتي باسم الشعب الفلسطيني يذهب لصالح الشركات الأجنبية ومصالح مستشاريها، دون أن  يدرس العائد والفائدة الراجعة منها على المجتمع.

 

أما سمارة ، فأـكد على الخطة الوطنية الشاملة وأولوياتها، لكنه بين أنه في في السنوات الأربع الأخيرة قدمت 300 مليون دولار لمؤسسات ومشاريع في جميع القطاعات الزراعية، ولتمويل مشاريع لا تعلم ولا تعرف الوزارة ولا المزارعين عنها شيئا دون أن يلمس لها أثر حقيقي.

 

مياه مجاري مستوطنات في محطة تنقية البيرة

 

وتكشف ضراغمة /المصري، وهي عضو مجلس اقتصادي في بلدية البيرة، عن العلاقة بين مشاريع البنية التحتية التي تنفذ وتستفيد منها المستوطنات (مثل محطة تنقية البيرة على حد وصفها)، حيث أن جزءا من محطة التنقية يخصص لتنقية مجاري المستوطنات، متساءلة كيف تتم الموافقة عليه؟ وهنا أكدت أن البلدية أجبرت على ذلك وبينما تدفع الحكومة الفلسطينية مقابل كل كوب من مياه المجاري تدخل إسرائيل فإن المستوطنين لا يدفعون فواتير تنقية المياه في محطة البيرة.

 

وهنا يشير د. عبد الله الذي سبق وأن األن نتائج دراسته حول (تقييم تأثير الدعم الخارجي المباشر للقطاع الخاص الفلسطيني)، إلى وجود وجهات نظر تقول: "بأن المساعدات الدولية المقدمة لفلسطين هي عمليا تؤدي إلى تمويل الاحتلال، وهي عبارة عن أعمال وأشغال لإسرائيل، وهناك خيارات مطروحة لجعل الناس بدون دعم، لأن جزءا من المعونة يتسرب لإسرائيل)، ويقول عبد الله: "البعض يضعون هذا كمبرر؛ لأنهم يرفضون تقديم الدعم، وبعض الدول تقول لا نريد الدفع لأن فلسطين عبارة عن بئر لا قاع له لذلك لا يؤثر فيه الدعم، وإلى أن يصبح هناك أفق لحل سنقوم بالتمويل".

 

ولكن المصري، يتساءل عن أسباب إنشاء محطة التنقية في البيرة، وقال: "إن مشكلتنا تكمن في أننا لا نقوم بدراسة المشروع وفوائده، وهذا يتجلى بوضوح في مشروع التنقية الذي تم إنجازه لاستغلال المياه العادمة والتي يجري هدرها في الأودية منذ 13 سنة، وحينما كانت هناك محاولة لاستغلالها والاستفادة منها في العوجا وفصايل والأغوار الشمالية، اشترطت إسرائيل على الفلسطينيين أن يتم ربط شبكة مجاري مستوطنة بيسيغوت بمحطة تنقية البيرة مقابل منحهم ترخيص خط مياه المحطة للأغوار الشمالية".

 

ويضيف، نفس المشكلة ظهرت في نابلس ونحن أساسها، حيث جاء دعم لمحطتين تنفية، وبعد نقاش طويل فشلنا في إقناع المسؤولين، في تغير موقع محطة التنقية غرب نابلس حيث لا فائدة منها؛ لذا ينبغي نقلها إلى شرق المدينة، لذلك فنحن ندفع حاليا 2,5 شيكل لكل كوب مياه مجاري تدخل إسرائيل.

 

في حين طالب د. عبد الله، بتحديد القطاعات الأولى بالدعم، وتجنيد المزيد من الدعم لها، وضمان التوزيع العادل للمعونات وإعطاء فرص متكافئة للشركات، مع التركيز على دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة في القطاعات الإنتاجية، والتنسيق المستمر بين أجهزة السلطة الوطنية ذات العلاقة وبين مجالس إدارة مؤسسات القطاع الخاص التمثيلية لدراسة البرامج الممولة من الخارج من حيث التزامها بالأولويات، ومعايير الفعالية، والشفافية.

 

أما سمارة، فطالب بإصدار قرار سيادي يمنع أي دولة أو مؤسسة مانحة بغض النظر عن هويتها من تقديم أي تمويل أو دعم أي نشاط بدون موافقة الجهة الرسمية على المشروع، ووقف عمل هذه الدول والمؤسسات الداعمة؛ لأنها تريد أن تشتغل بعيدا عن الوزارات لتحتوي المؤسسات الأهلية.

 

وطالب أيضا هيئة تشجيع الاستثمار بتفعيل دورها بشكل قوي؛ لمنع الاستثمار المحلي والخارجي في فلسطين بدون الرجوع لها، وتحويله على وزارات الاختصاص التي عليها أن توصي برفضها أو قبولها للمشروع.