الإثنين  06 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

المشهد الفلسطيني والامتحان التاريخي/ بقلم: نور عودة

2016-11-08 09:23:21 AM
المشهد الفلسطيني والامتحان التاريخي/ بقلم: نور عودة
نور عودة

 

المشهد الفلسطيني هو مزيج سريالي من العناد والتحدي والإصرار رغم ضجيج اليأس وضبابية الرؤى. فيه من الإلهام ما يفرض على أي عاقل التفاؤل ويتخلله أيضاً من التفاصيل ما يزرع اليأس ويؤسس للفشل. حالة ملتبسة يمد فيها المواطن الفلسطيني المشهد بالضوء والأمل بينما يتلقى الخيبات والألم. وبهذا يكون المواطن العادي الذي ينحت تفاصيل حياته وأحلامه في صخر القهر هو الملهم والبوصلة في وقت يصر فيه البعض على تشتيت الجهود وتفتيت الصفوف وضياع الأمل في سبيل الوصول إلى شاطئ النصر الوهم تحت عنوان التغيير والغد المفعم بالأمل.

 

في هذا العام، فازت المعلمة إيمان الحروب بجائزة أفضل معلمة على مستوى العالم؛ لابتكارها منهجاً تعليمياً يساعد الأطفال على تجاوز الآثار السلبية التي تنتج عن قمع وإرهاب قوات الاحتلال، لتستبدل الخوف والقلق الذان يعاني منهما أطفال فلسطين بالأمل والطموح. ومنذ ثلاثة أشهر تقريباً، دخل المحامي فؤاد شحادة البالغ من العمر 91 عاماً، موسوعة غينيس لكونه أقدم محام لا يزال يمارس مهنته، ليكرس القانون وسيادته بالرغم من اختلال ميزان العدالة في تاريخ شعبه المعاصر، ويعزز الأمل بغدٍ أفضل يحكمه القانون وتسوده العدالة. ومن أيقونات الأمل في الشعب الفلسطيني طفل لم يتجاوز من العمر سنواته الست. ففي بداية العام الدراسي، بدأ أحمد دوابشة عامه الدراسي الأول ببسمة رغم ما يكابده من آلام نتجت عن جريمة بشعة تمثلت في قيام عصابة مسلحة من المستوطنين الإسرائيليين بإحراقه وعائلته وهم نيام في بيتهم. أحمد فقد أباه وأمه وأخاه الرضيع علي، ولا زال الطريق نحو شفائه طويلاً جراء ما يعانيه من حروق. لكن أحمد ما زال يتسلح بالأمل والابتسامة، منتصراً بهما لكرامته وحقه.

 

في قطاع غزة، سيدة تتحدى الظروف والحصار لتصنع طوبا من رماد الحرب تبني به أفقاً لغد أفضل، بينما تتشبث حركة حماس بحكمها على قطاع غزة الذي بات يصفه أبناؤه الشباب بسجن الطاقات ومقبرة الأحلام.  وفي باقي الوطن، النخب هائمون على وجوههم وتائهون، يتصارعون حول ملكية الرماد بينما يكمل الشعب مسيرة البقاء والعناد والحرية، يزرعون أملا في الصخر، ويشقون طرقا رغم جدران اليأس التي تقطع الطريق هذا الواقع له تبعات تتخطى حدود الألم الفلسطيني والجغرافيا المتآكلة، حيث تقف القيادة الفلسطينية عاجزة عن مساعدة أكثر من نصف مليون فلسطيني في سوريا ومثلهم في لبنان وغيرهما من أماكن اللجوء في المنطقة التي تعاني أزمات عنيفة ودامية منذ سنوات. الآلاف من أبناء شعبنا يهربون من الموت ليقابلهم الموت في قاع البحر بدل أن تعانقهم الحرية في وطنهم، ويطلبون اللجوء الثاني أو الثالث في دول بعيدة، بدل أن يمارسوا حقهم الطبيعي في العودة.

 

الخطر الداهم اليوم الذي يواجه هذا الشعب الأيقونة ليس خارجيا فحسب، ولا ينحصر في تكالب القوى على حقوقنا وخذلان الأشقاء لقضيتنا. الخطر الأكبر يكمن فيما نعيشه اليوم، حيث النخب في الوطن بعيدة عن تضاريس وجعه وملامح رسالته، فهي منشغلة في التناحر، وتناقش تفاصيل المشهد وصغائره بينما تتجاهل هول حقيقته الشاملة – ظلم وقهر ويأس وأفق تسده حناجر المتصارعين على وهم السيطرة.

 

الوقت ليس وقت شعارات والمنعطف التاريخي أمامنا كشعب وقضية لا يحتمل المزايدة فلا أحد يملك أن يزايد على قهر أم فقدت فلذة كبدها أو ابن حُرم من حنان أبيه الذي ضحى بحريته ليمد الوطن بحرية سلبها المحتل. في فلسطين، الشعب أكبر وأعظم من أن يُسيّر أو يُقاد مكرها نحو أتون العبثية وهو كان أفشل من قبل عديد المحاولات لخطفه ومصادرة إرادته من قبل مهووسين ظنوا أنهم أكبر من هذا الشعب، وعادوا صاغرين منكسرين. 

 

الامتحان اليوم هو للنخبة السياسية والاجتماعية في الوطن، وعلى رأسهم حركة فتح التي قادت النضال على مدى عقود من الزمن لأنها طوعت نفسها لعظمة شعبها، إدراكا منها أنها في حضرة شعب يقود ولا يُقاد. لا يكفي أن ينعقد مؤتمر فتح السابع بل الأهم ما سينتج عنه وكيف ستترجم نتائجه في المؤتمر الوطني الذي يجب أن يُعقد دون تأخير. الوقت يسرق الجميع والتاريخ لا يرحم.