بلغت 125 مليون شيقل في عام 2015 ولكن إسرائيل اقتطعت فعليا 219 مليون شيقل
استمرار تدخلات بعض كبار المسؤولين في السلطة للحصول على خدمة التحويل للمستشفيات الإسرائيلية
خاص الحدث
كشف الفريق الأهلي لدعم شفافية الموازنة العامة عن سرقة إسرائيل عشرات ملايين الشواقل من الخزينة الفلسطينية بفواتير حكومية وبتوقيعها ومصادقتها؛ لتغطية تكلفة التحويلات الطبية التي تحولها وزارة الصحة الفلسطينية للمستشفيات الإسرائيلية. ما يستدعي تشديد رقابة وزارتي المالية والصحة على المقاصة، التي تحتاج إلى إعادة النظر في آلياتها. مؤكدا على ضعف شفافية إجراء التحويل المتمثلة في غياب معايير محدثة وذات خصوصية.
وكشف الفريق الأهلي أيضا عن استمرار تدخلات بعض كبار المسؤولين في السلطة؛ للحصول على الخدمة والتي تسبب الإحراجات وأحيانا "الضغوط" على العاملين في الدائرة الخاصة لطلب البعض منهم التحويل للمستشفيات الإسرائيلية، ومطالبة العديد من المواطنين التحويل إلى المستشفيات الإسرائيلية بشكل متكرر، على الرغم من وجود هذا العلاج في المستشفيات المحلية سواء في الضفة الغربية أو شرقي القدس.
ومع أن الفريق الأهلي الذي عقد مؤخرا المؤتمر النصف سنوي للموازنة العامة الفلسطينية 2016، يرى أن تدقيق فواتير المستشفيات في السنوات الأخيرة تحسن، لكنه يؤكد أنه لم يتم التدقيق على ما كان قبل عام 2013، مشددا على وجوب إخضاع الخدمات الطبية العسكرية للمراجعة وللتدقيق، إذ إنها متعاقدة مع المستشفيات المحلية وفي الخارج، ولا يوجد لديها القدرة على التعاقد مع مستشفيات في إسرائيل، وبالتالي فإنها تتم من خلال وزارة الصحة.
ووصف عضو الفريق الأهلي وليد أبو راس، التحويلات للمستشفيات الإسرائيلية بالسرقة المفوترة، وقال: "إنها سرقة بفواتير رسمية، ونحن في الحكومة الفلسطينية نوقع ونصادق عليها وندفعها، واستنادا إلى إحصائيات وزارة الصحة الفلسطينية صحيح أن التحويلات للمستشفيات الإسرائيلية انخفضت في العام الماضي بعددها، ومع ذلك فقد وصلت نسبة التحويلات لها حوالي 12%من إجمالي التحويلات، وهي تستنزف من فاتورة التحويلات الطبية، والتي بلغت في العام الماضي اكثر من 560 مليون شيكل، 22%".
وقال: "أهمية التحويلات الطبية مكتسبة من حجم استهلاكها من الموازنة العامة، حيث أنها تستهلك 32% من ميزانية وزارة الصحة، وهي ثاني أعلى مصروف بعد الرواتب فيها، إضافة إلى اهمية التحويلات الطبية؛ لأنها تمس حياة المواطنين، وقد يكون التوقيع على تحويلة طبية سببا في نجاة أو شفاء أحد المرضى، وقد يكون عدم التوقيع أو التأخر فيها سببا في الوفاة".
وهذا الوضع يثيره ويطرحه الباحث جهاد حرب بأرقام التكلفة الحقيقية واقتطاعات السرقة التي تقوم بها إسرائيل، حينما يقول: "بالنظر للمبالغ التي صرفت على التحويلات الطبية، فإن إسرائيل تقتطع من الفلسطينيين مبالغ أكثر بكثير من التكلفة الحقيقية للخدمة والتحويلات الطبية، والتي بلغت 125 مليون شيكل في عام 2015، ولكن إسرائيل فعليا اقتطعت 219 مليون شيكل، والفارق بين المبلغ المستحق والمسروق 94 مليون شيكل، وفي العام السابق 2014 كان الاقتطاع أكبر، حيث كانت الزيادة في الاقتطاع 161 مليون شيكل".
الرقابة المالية على التحويلات وإسرائيل تستولي على الأموال الفلسطينية
ويؤكد حرب، أن عمليات التدقيق التي بدأت في العام 2013 على فواتير العلاج الصادرة من المستشفيات الإسرائيلية أظهرت وجود تلاعب بالفواتير التي تصل منها، ووجود فروقات ما بين المبالغ المطلوبة والمبالغ التي تم اقتصاصها من حساب وزارة الصحة، والتي وصلت لملايين الشواكل، مبينا أن تقارير وزارة الصحة للسنوات الثلاث الأخيرة تظهر أن إسرائيل تقوم بالتحصيل من أموال المقاصة مباشرة، وأن هذا الاقتصاص أكبر من المبلغ المقرر في فواتير التحويلات، أو إنفاق الوزارة في بند التحويلات إلى داخل الخط الأخضر.
وقال: "على الرغم من الجهد المبذول من وزارة الصحة لمتابعة وتدقيق فواتير المستشفيات الإسرائيلية، إلا أن الجانب الإسرائيلي ما زال يقتطع مبالغ أعلى بكثير من المبالغ المستحقة على الجانب الفلسطيني في بند العلاج في الخارج من خلال"المقاصة"، والتي تقدر للأعوام الثلاث الأخيرة بحوالي 284 مليون شيكل، الأمر الذي يتطلب وضع خطة فلسطينية لتحسين التفاوض مع الجانب الإسرائيلي، فهذه المعلومات تشير إلى توفر فرصة لسرقة أموال السلطة دون مبرر من قبل المستشفيات الإسرائيلية التي تتعامل مع الخدمة باعتبارها استثمارا ماليا أساسا".
من جانب آخر، قال حرب: "لم يتم التدقيق على فواتير المستشفيات الإسرائيلية أو تدقيق فاتورة العلاج في إسرائيل، والتي تخصم مباشرة من قبل الجانب الإسرائيلي شهريا عبر المقاصة، حيث لم تتم المطالبة بفواتير المستشفيات الإسرائيلية من قبل وزارة الصحة للفترة الممتدة ما بين العام 1994 إلى بداية العام 2013، كما لم تدقق الوزارة المبالغ المدفوعة للمستشفيات الإسرائيلية، والتي تقدر بحوالي 600 مليون شيكل لفاتورة العلاج ما بين 2003 – 2012".
وفي ضوء ذلك يطالب حرب، وزارتي المالية والصحة بتشديد الرقابة على المقاصة التي تحتاج إلى إعادة النظر، وأضاف: "إنه وبالنظر إلى عدد التحويلات خلال السنوات من 96 ولغاية اليوم، فإنها تضاعفت من 6 آلاف إلى 87 ألف تحويلة عام 2015، وبالنظر إلى آخر 3 سنوات، نجد أن هناك زيادة 13 ألف تحويلة في السنتين الأخيرتين، ففي سنة 2015 كانت 87 ألف تحويلة، وفي العام 2014 كانت 74 ألف وفي 2013 كانت 61 ألف تحويلة، أي أن هناك زيادة مضطردة في التحويلات الطبية، ما يعني تكلفة أكبر".
ويعتبر أبو راس، التحويلات للمستشفيات الإسرائيلية فرصة استثمارية، ففواتير المستشفيات لم تدقق إلا حديثا، ولكن لغاية 2013 لم يوجد تدقيق على الفواتير، وحسب إحصائيات وزارة الصحة لما دققت الفواتير وجدت هناك فوارق بحدود 5 ملايين شيكل شهريا، بين الفواتير التي قدمت وبين ما يتم خصمه من أموال الضريبة.
وهنا يتساءل أبو راس، هل مزيد من التدقيق على الفواتير ومقارنتها بالتحويلات، سيوفر مبالغ إضافية لخزينة السلطة ولموازنة الوزارة؟ خاصة وأن العديد من المطالبات والفواتير لا توجد بها تحويلات، فهناك فواتير لا يوجد فيها تحويلات من وزارة الصحة أو من دائرة شراء الخدمة!
ويقر وكيل وزارة الصحة د. أسعد الرملاوي، بصحة الأرقام المالية المتعلقة بالتحويلات، وتزايد أعدادها التي قدمها الباحث حرب؛ لأنها حسب قوله مأخوذة من الوزارة، وقال: "لا يوجد ما نخفيه، ولكن علينا أن نعلل لماذا تزايدت التحويلات، مريض السرطان والقلب قبل عشر سنوات لم يكن يعالج، أما الآن فهو يحصل على التحويل والعلاج، وبالتالي حينما نتحدث عن 84 لكل 100 ألف فلسطيني يصابون بالسرطان، فقد كان المعدل قبل 10 سنوات 32 لكل 100 ألف، وبعد الـ 10 سنوات سيصبح العدد 150 لكل 100 ألف، وذلك بسبب تغير نظام الحياة كلها، وليس نتيجة تقصير مهني أو طبي، وبالتالي ما دام المريض على قيد الحياة(عايش) فإن الوزارة ستصرف عليه".
ويؤكد د. الرملاوي، أن أحد الحلول كان توطين الخدمة سواء في الضفة أو في غزة، ومن هنا جاء قرار الرئيس السياسي عندما سأل وزارة الصحة عن التحويلات الأكثر، وقيل أن 50% من تحويلاتنا هي للسرطان، فكان قراره بإنشاء المركز الوطني لمرضى السرطان، في نفس الوقت كانت هناك احتجاجات لماذا ننشيء مركزا وطنيا في ظل وجود مستشفيات تتعامل مع السرطان، ولكن وجود المركز الوطني لا يعني أنه سيتسبب في إغلاق مستشفيات النجاح أو المطلع أو بيت جالا أو أي مستشفى يتعامل مع السرطان؛ لأن المرض حاليا في تزايد مستمر، والأدوية والعلاجات تتزايد باستمرار بنسبة 70%، وبالتالي بعد 5 سنوات المرض سيزداد، وهذه تقديرات منظمة الصحة العالمية، حيث أظهرت أن الشرق الأوسط خلال 10 سنوات ستزداد فيه نسبة مرضى السرطان لتصل لـ 200%؛ نتيجة للظروف التي نعيشها.
أما د. ياسر أبو صفية رئيس اتحاد المستشفيات الخاصة، فيؤكد أن تكلفة العلاج في إسرائيل تبلغ 3 أضعاف فاتورة الضفة الغربية، فالقلب المفتوح في مستشفيات الميزان والنجاح وغيرها يكلف 25 ألف شيكل في أحسن الأحوال، يستقطع منها ضريبة مضافة وضريبة دخل لصالح الدولة، ولكن تكلفة نفس العملية في إسرائيل تكلف ما بين 75 - 100 ألف شيكل، أي ثلاثة أضعاف التكلفة في المستشفيات المحلية، ولا تدفع إسرائيل لا ضريبة القيمة المضافة ولا الدخل، وبمعنى آخر فمن مصلحة السلطة أن تحول هذه الحالات إلى القطاعين الأهلي والخاص؛ لأن التكلفة أقل، ونفس هذه المستشفيات تدفع ضريبة دخل ومضافة عن هذه الفواتير.
ويرى د. أبو صفية، أنه لا بد من ربط المستشفيات كلها بنظام صحي محوسب واحد؛ لتعرف دائرة التحويلات ماذا يحدث لمريضها ساعة بساعة، ولماذا ارتفعت تكلفة العلاج، وإن لم ترتبط المستشفيات بنظام محوسب ووزارة الصحة فإنه من الصعب ضبط المصروفات التي تتم في هذه المستشفيات.
عدد المزودين للخدمة المتعاقدة الكبير يزيد الأعباء
ويرى الباحث حرب، أن عدد المزودين للخدمة الذين تتعاقد معهم دائرة شراء الخدمة "العلاج" يصل لـ 79، وهو عدد كبير مقارنة بعدد السكان، الأمر الذي يزيد من الأعباء على الدائرة، وتعقيد عملية متابعة فروق الأسعار وتقويض قدرة وزارة الصحة على التفاوض من أجل الحصول على تخفيضات من مزودي الخدمة، وإعاقة جهودها من متابعة جودة الخدمات المقدمة.
وذكر حرب، أن السلطة قامت من خلال وزارة الصحة خلال الأعوام 1996 – 2015 بتحويل 677,832 مريض، أو تحويلة خارج المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية، فيما بلغت تكلفة 646,088 تحويلة أو مريض، حوالي 4,412 مليار شيكل في الفترة الواقعة ما بين 2003 – 2015
.
وأكد حرب، تضاعف ارتفاع نسبة المرضى المحالين إلى المستشفيات الفلسطينية التابعة للقطاعين الخاص والأهلي في الضفة والقدس الشرقية من 53% في العام 2005 لـ 82% في العام 2012/2013، ووصل إلى 86% في العامين 2014/2015. في الوقت الذي انخفضت فيه نسبة المحالين إلى المستشفيات الإسرائيلية من 19% في العام 2007 إلى حوالي 12% في العام 2015، وكذلك انخفضت نسبة المحالين إلى المستشفيات في كل من الأردن ومصر من 38% في العام 2003 إلى 2% في العام 2015، ما يشير إلى نجاح الوزارة في توطين الخدمات الطبية وفقا للسياسة المعلنة من قبل الحكومة، والاعتماد على العلاج في المستشفيات المحلية؛ ما يسهم في توفير الموارد المالية التي تمنح فرصا لتطوير إمكانياتها ودعم الكفاءات المحلية.
أما د. ابو صفية فطالب وزارة الصحة مراعاة العدالة في توزيع التحويلات، واحترام المناطقية، واعتماد التنافس بين المستشفيات, وقال: "إنها الطريقة المثلى لتنمية القطاعين الصحي الأهلي والخاص، حيث لا بد من إيجاد جسم طبي قادر على إعطاء الاعتماد الذي يجب أن يكون أولا وطنيا، ومن ثم الانتقال إلى الاعتماد الدولي، فلغاية الآن يوجد الاعتماد الدولي فقط، وعلى الوزارة مطالبة المستشفيات الأهلية والخاصة بأن تحصل على اعتماد محلي أو دولي، حيث نخلق التنافسية في جودة الخدمة عن طريق إيجاد أجسام اعتماد سواء دولية أو وطنية".
تزايد حالات العلاج في الخارج سنويا
وأكد حرب، على تزايد عدد حالات العلاج في الخارج سنويا والذي بدأ بحوالي 6 آلاف حالة في العام 1996 إلى 87,620 حالة في العام 2015. ما أدى إلى تضاعف تكلفة العلاج خارج الوزارة سنويا، حيث بلغت في العام 2003 ما يقارب 150 مليون شيكل، وارتفعت إلى أكثر من نصف مليار شيكل سنويا في الأعوام الثلاثة الأخيرة.
وأشار إلى أن متوسط تكلفة كل تحويلة صادرة عن دائرة الشراء في الخارج تبلغ حوالي 6,401 شيكل لمجمل التحويلات في العام 2015، بينما تنخفض التكلفة في المستشفيات المحلية إلى 5,727 شيكلا، بينما يبلغ متوسط تكلفة كل تحويلة إلى إسرائيل حوالي 12,118 شيكلا.
وقال الباحث حرب: "على الرغم من ارتفاع عدد التحويلات للعلاج خارج مؤسسات وزارة الصحة بحوالي 13 ألف، إلا أن التكلفة انخفضت بحوالي 8 مليون شيكل، ما يشير إلى متابعة أفضل من قبل دائرة شراء الخدمة لفواتير العلاج المقدمة من المستشفيات المختلفة المحلية والخارجية، وتخفيض واضح في تكلفة الخدمة، رغم ذلك تشكل المستشفيات الإسرائيلية عبئا من حيث التكلفة مقارنة بعدد المرضى الذين تعالجهم، ففي العام 2015 حصلت المستشفيات الإسرائيلية على 12% من مجموع مرضى التحويلات الطبية، إلا أن هذه النسبة من المرضى شكلت 22% من الإنفاق".
وأفاد الباحث، أن نسبة الأموال المخصصة لبند التحويلات الطبية للعلاج خارج مؤسسات الوزارة بلغت 37% من الموازنة المقدرة للعام 2015، وهي تمثل نسبة عالية تثقل كاهل موازنة وزارة الصحة، وكذلك الخزينة العامة من جهة، وتستحوذ على النصيب الأكبر من الانفاق بعد الرواتب على حساب الموازنة التشغيلية والرأسمالية للوزارة أي على حساب الخدمات المقدمة في مؤسسات الوزارة ذاتها، وكذلك على حساب إمكانية تطوير أو تحسين الخدمات الصحية في الوزارة من جهة ثانية.
وأكد حرب، أن نسبة الإنفاق الفعلي على شراء الخدمة بلغت حوالي 32% من إجمالي الإنفاق الفعلي للعام 2015، وبنفس النسبة من إجمالي المتأخرات على الوزارة، الأمر الذي يتطلب من الوزارة العمل على وضع خطة تطويرية لقطاع الصحة الحكومي؛ لتقليل الاعتماد على التحويلات الطبية أو شراء الخدمة من خارج مؤسسات الوزارة.
ولكن د. الرملاوي، يحاول تبرير تزايد التحويلات لأن سلة الخدمات الأساسية للأدوية المتوفرة لدينا، لا تكفي ولا تغطي احتياجات المرضى المهددين بالموت، (وفي حال عدم توفر الدواء والعلاج نضطر إلى التحويل، وأتوقع أنه لا يوجد أحد إلا توسط لتحويل حالة مرضية. لهذا السبب فالمسؤولية عامة وشاملة وليست مسؤولية المسؤول؛ لأن المشكلة مشكلة مرض وحينما يكون واجبنا الوطني والمهني أن نوفر العلاج يجب أن نوفره مهما كلفنا الأمر).
ويتحدث د.الرملاوي، عن زيادة التحويلات، وعدد الحالات التي كانوا يزرعون لها كبد قبل 10 سنوات، وقال: "لم نكن نزرع الكبد، وحاليا توجد زراعة للكبد، وإن لم نزرع فسيموت المريض، وإن مات نصبح مجرمين، وكم حالة كنا نزرع فيها كلى في المجمع الطبي برام الله، وفي العديد من الحالات تتحول هنا وهناك، وكذلك الحال بالنسبة لزراعة النخاع، فكل حالة نخاع تكلفنا 165 ألف شيكل، ومن ثم متابعة المريض بالأدوية ما دام على قيد الحياة".
وقال الرملاوي: "الحالات التي تحول، هي الحالات التي لا نستطيع علاجها لا في وزارة الصحة ولا في داخل الوطن، وحاليا لا يمكن التحويل إلا إذا جاء كتاب من المستشفى المحول له في الوطن يفيد بأن هذا لا يمكن التدخل الطبي في الداخل وبالتالي نضطر التحويل لإسرائيل".
ويتابع قائلا: "حتى على مستوى إسرائيل فإن أكثر من 70% من التحويلات تحول إلى إسرائيل، وبالذات إلى مستشفى هداسا فقط؛ لأنه الوحيد الذي تجاوب على العقود معنا، وعلى أن يكون لنا تسعيرة كما هي في المستشفيات غير الحكومية في الوطن، وإن كانت الخدمة للحالة المرضية غير متوفرة في هداسا نضطر إلى تحويلها للخارج".
أما د. ابو صفية، فقال: "علينا البدء بالعمل على تحويل فاتورة التحويلات إلى صفر، والخدمات الثلاثية التي يقدمها القطاعان الخاص والأهلي، وجزء من القطاع العام يجب أن توفر وتشغل من القطاعين الأهلي والخاص".
تحويلات الخدمات الطبية العسكرية
ويوضح حرب، أن دائرة شراء الخدمة في وزارة الصحة تعتبر وسيطا ما بين الخدمات الطبية العسكرية والمستشفيات الإسرائيلية، ولكن دون أن يكون للدائرة صلاحية التدقيق والمراجعة لمدى الحاجة الطبية لهذا التحويل، أو توفر هذه الخدمة في المؤسسات الصحية الفلسطينية سواء كانت في الوزارة أو في القطاعين الأهلي والخاص.
وذكر، أن المعطيات تشير إلى أن تكلفة التحويلات الطبية من الخدمات الطبية العسكرية إلى المستشفيات الإسرائيلية يتم خصمها من موازنة الصحة الفلسطينية، علما أن موازنة الخدمات الطبية العسكرية هي ضمن موازنة المؤسسة الأمنية .
الرشوة في التحويلات في قطاع غزة
ويشير الباحث حرب، إلى أن نتائج استطلاع للرأي الذي أجراه الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "أمان" في قطاع غزة، حول المجال الأكثر تعرضا لحصول رشوة، أظهرت أن 22,5% من أفراد العينة ممن يرون بأن المجال الأكثر هو تحويلات العلاج بالخارج ، وهي تأتي بعد ترتيبات السفر عبر معبر رفح وخدمات الهيئة العامة للشؤون المدنية.
كما أظهرت عدة تقارير شراء الخدمة في المحافظات الجنوبية خلال العامين السابقين، وتلقي رشاوي صغيرة سواء مباشرة أو عن طريق السماسرة، منوها إلى أن د. أميرة الهندي سبق وأقرت أنه وردها معلومات "عن أطباء يكتبون تقارير طبية للذين يسهلون هذه الأمور" .
كما أشارت نتائج الاستطلاع إلى أن بعض المسؤولين في محاولة للهروب من النتائج المترتبة على الرشوة، فتحوا الباب للوسطاء والسماسرة ليوعزوا للمواطنين بضرورة دفع الرشاوي على الأقل؛ لتسريع الحصول على الخدمة، ويتركون لهم مهمة التفاوض على المبلغ وآليات الدفع، مما زاد من تفشي ظاهرة الرشوة الصغيرة في الخدمات الحكومية، حيث لعب الانقسام دورا في ذلك لعدم السيطرة على المستشفيات أو التنسيق بين الوزارات المختلفة، ما أفضى إلى انفلات كبير في المستشفيات والتحويل، حيث تم اكتشاف عدد كبير من التحويلات غير القانونية والتي تم إيقافها.
بينما يؤكد أبو راس، أهمية العمل بالتحويلات الطبية باعتباره ملفا رئيسيا وأساسيا، والعمل فيه مسؤولية وطنية ومهنية وأخلاقية (على حد وصفه)، لكنه تساءل هل هناك شفافية في التحويلات؟ وهل توجد محسوبية ورشوة فيها، ويجيب أنه يقال بأن المحسوبية والرشوة هي أساس التحويلات الطبية في قطاع غزة، ولكن هل الضفة بعيدة عن ذلك؟ وهل تتحقق العدالة والإنصاف بين المواطنين في الاستفادة من التحويلات الطبية؟ هل كل من يستحق التحويلة يحصل عليها، أم أن آخرين يحصلون عليها وهم لا يستحقونها؟
ولكن د. الرملاوي لم ينف وجود الرشوة وقال: "نعم صحيح يمكن أن تكون هناك رشوة، لا أحد يقول أننا أنبياء، لكن هل نقدر على التدخل في غزة؟ وزير الصحة أعلن أكثر من مرة وقال لا أستطيع أن أحرك مراسلا من مكان إلى آخر في غزة، وبالتالي إذا كان هذا الوضع فلا تحاسبونا عن مالية وناس وسمسرة في وضع لا نقدر على مراقبته".
أما فيما يتعلق بالتهرب من تقديم الخدمة فقال وكيل وزارة الصحة: "نحن نعمل عمل مؤسسات، وكل واحد يتحمل مسؤوليته، فالطبيب الذي يحول لا يعرف نظام التحويل، والممرض الذي يحول لا يعرف النظام، والدكتور ومدير الصحة لا يعرف الموازنة، وبالتالي حينما يقول أحدهم ليس لدي صلاحيات فهو صادق، وعلى هذا الأساس على المريض أن يطلب الخدمة من رأس الهرم حتى يعرف إلى أين يذهب؟".
التأمين الصحي غير عادل
ويرى الباحث حرب، أن نظام التأمين الصحي الفلسطيني المعمول به حاليا يسمح بدخول سهل لكل واحد يريد استخدامه، بمعنى أن أي شخص غير منظم ويريد دخول المستشفى، بإمكانه أن يفتح تأمينا صحيا جديدا، ويدفع 960 شيكل، ولكن بالمقابل فإنه قد يكلف الخزينة 100 ألف أو نصف مليون شيكل، أو أكثر أو أقل، وحينما ينتهي من العلاج فهو غير مضطر لأن يجدد تأمينه الصحي، وبالتالي فإنه غير مضطر للاستمرار في دفع اشتراكات التأمين، وبالتالي يحرم التأمين الصحي من هذه الاشتراكات ويخفض من قدرة وزارة الصحة والخزينة العامة على سداد تكلفة العلاج .
وقال حرب: "بالنظر للعام 2015 حيث كانت الاشتراكات في التأمين الصحي 165 مليون شيكل حصلت عليها من الاشتراكات المختلفة من الإجباري والاختياري، وهي تشكل تقريبا 30% من تكلفة التحويلات لعام 2015 التي كلفت السلطة الوطنية 561 مليون شيكل، وهي أيضا تشكل تقريبا أقل بقليل من 10% من ميزانية وزارة الصحة لعام 2015، وهذا يرهق الوزارة والخدمات التي تقدمها أو يحصل عليها المواطن خاصة فيما يتعلق بالجانب المالي، في حين أن نظام التأمين لا يوفر استمرارية تقديم الاشتراكات من قبل المستفيدين من الخدمات الصحية التي تقدمها وزارة الصحة.
ولكن د. الرملاوي يرى أن نظام التأمين الصحي أمر معقد جدا؛ لأنه أمر سياسي، وقال: "المشكلة هي مشكلة المخيمات وهي لم تحل حتى نضمها إلى النظام الصحي، وبالتالي ننهي دور "الاونروا"، التي حاولت أن تبيعنا وتسلمنا مستشفى طولكرم بكل الطرق ونحن رفضنا، حاليا يوجد شغل على نظام التأمين الصحي مع البنك الدولي والوكالة الأمريكية للتنمية؛ ليكون لدينا نظام صحي يتلائم مع الواقع".
ويؤكد وكيل وزارة الصحة بقوله: "إن التأمين الصحي في أي بلد يقيم بالمعايير الصحية، والفلسطينية هي الأفضل في الإقليم، وهذا لا يعني أننا أبطال، نحن نتحدث عن عمل تكاملي منذ 25 سنة، استطعنا أن نحسن المعايير الصحية، ونأمل في المستقبل أن نستطيع تقديم الافضل".
أما د. ابو صفية، فيقول: "الكل يجمع أن التأمين الصحي غير عادل، بمعنى أن موظف القطاع العام الملتزم بدفع فاتورته وتستقطع من راتبه وعنه وعن زوجته وأولاده، فقد لا يمرض، ولكن تستقطع منه اشتركات تأمين صحي مدة 20 عاما، وعندما يمرض قد لا يجد التحويل، وفعلا يوجد مرضى لا يملكون تأمينا صحيا، ويفكرون قبل ما يمرضون أو بعد مرضهم بساعة الذهاب لإصدار تأمين صحي، وقد يجري عملية قلب مفتوح في هداسا تستنزف خزينة الوزارة التي يدفعها المواطن المؤمن ومن يدفعون الضرائب".
وهنا طالب د. أبو صفية، بخلق نظام صحي شامل يحمل فيه الغني الفقير، والصحيح يحمل العليل، وقال: "بدون تحقيق هذه المعادلة لن يكون هناك عدالة في التأمين الصحي وهذا ينطبق على العسكريين".
ويختلف د. أبو صفية، مع وكيل وزارة الصحة بقوله: "لا يوجد مكان في العالم الثالث يؤمن كل الشعب تأمينا شاملا بهذه الصورة وجزء منه (مليونين) معفيين، ونحن نعرف أن الوضع صعب جدا في غزة، ولكن هذا النظام أرهق الخزينة ووزارة الصحة".