تحريض "إسرائيلي" عنيف ضد المفاحم
إزالة المفاحم يعني انضمام أكثر من 2000 شخص إلى جيش العاطلين عن العمل
الحجة الحفاظ على البيئة والحقيقة توفير السلامة والأمان للمستوطنين بهدف الاستقرار في مستوطنة قيد التحويل إلى مدينة يهودية
صناعة الفحم موجودة منذ زمن الأتراك، والاحتلال يسعى بقوة لضرب الاقتصاد الفلسطيني
الحدث – رائد أبو بكر
مخاوف الانضمام إلى جيش العاطلين عن العمل، والدخول إلى عالم الفقر والحاجة أصبحت تشكل مصدر قلق بشكل جدي لدى أكثر من 2000 عامل، يعملون في إنتاج الفحم النباتي في بلدة يعبد جنوب غرب مدينة جنين، بالإضافة إلى قراها الأحد عشر، وخاصة بعد أن نفذ جيش الاحتلال صباح الخميس السابع عشر من الشهر الجاري، قرار حكومة الاحتلال بإزالة منشآت الفحم في البلدة، وبدأ التنفيذ بمصادرة ما يقارب 200 طن من الحطب، وعشرات المعدات والآليات المستخدمة في الصناعة.
جيش الاحتلال، وخلال عمليته الأخيرة، أعطى أصحاب منشآت الفحم مهلة لإزالة ما تبقى من الورش وعددها 30، وإلا جرافات الجيش ستكون لهم بالمرصاد، بإزاحة الأخضر واليابس، وهذا القرار الأخير من شأنه أن يهدد مهنة توارثتها الأجيال عبر عقود من الزمن، وتشكل مصدر رزق أساسي لأهالي يعبد وقراها، ورافدا مهما لهذه البلدة، التي تعتبر عاصمة المفاحم في فلسطين بدون منازع.

المعاناة بدأت قبل 6 سنوات
يقول كايد أبوبكر، ممثل أصحاب المفاحم في منطقة يعبد، لـ"الحدث": "مشاحر يعبد – كما أحب أن يطلق عليها ومعروفة بهذا الاسم- تئن تحت وطأة الاستهداف الإسرائيلي منذ 6 سنوات، عندما منع الاحتلال إدخال الحطب من الأراضي المحتلة عام 48، تنفيذا لقرار سلطة البيئة الإسرائيلية التي ادعت أن هذه المفاحم تؤثر على البيئة سلبا، وكل من يتم ضبطه يدفع غرامة مالية مقدارها 7500 شيكل، بالإضافة إلى احتجاز الشاحنة لأيام وربما أشهر ويسدد ثمن "أرضية" احتجازها والتي تصل إلى آلاف الشواكل، وبالتالي دب هذا العقاب الرعب في قلوب ناقلي الحطب من الداخل إلى يعبد، إلا إذا تمت رشوة ضابط في جيش الاحتلال لإدخال الشاحنة".
وأضاف: "لم يتوقف الأمر عند منع نقل الحطب، بل قام الاحتلال بهدم منشآت فحم في قرية برطعة الشرقية الواقعة خلف جدار الضم والتوسع العنصري، ومنشآت أخرى في سهل يعبد، وطرد العمال من المنطقة، في ذلك الوقت تكبد "المشحرجية" خسائر مادية كبيرة قدرت بملايين الشواكل"، وتابع يقول: "انتقلت كافة المنشآت إلى غرب البلدة على الطريق الواصل بين يعبد وقرية زبدة، لكن بسبب الوارد من الداخل المحتل أُغلقت عدد من الورش، وتوجه عدد من العاملين إلى زراعة التبغ، وآخرون إلى العمل في المستوطنات، ومنهم إلى استيراد الفحم من مصر، ليصبح عدد الورشات العاملة فقط ما بين 25 إلى 30 ورشة وضعها غير مستقر بسبب قلة الحطب".
أما بالنسبة لاستيراد الفحم المصري، أشار أبو بكر، أن هذه المهنة ستتوقف نهاية الشهر الجاري بعد أن أوقفت الحكومة المصرية مئات المنشآت في مصر، والحجة المحافظة على البيئة من التلوث، وبالتالي مهنة المفاحم ستنقرض في يعبد وتحتضر في مصر، مؤكدا، أن دراسات كثيرة قامت بها مؤسسات علمية ومن بينها جامعة النجاح الوطنية أشارت إلى أن المفاحم لا تلوث البيئة، بل تؤثر بشكل بسيط على الأرض بزيادة نسبة الملوحة فيها، مما يؤثر على انخفاض إنتاج الثمار، حسب ما قال أبوبكر .

تحريض إسرائيلي
وأوضح كايد، أن سبب استهداف الاحتلال المفاحم في يعبد جاء بعد شكاوى قدمها مستوطنون قاطنون في مستوطنات جاثمة على أراضي يعبد وبرطعه الشرقية لحكومة الاحتلال، مفادها، أنهم متضايقون من الدخان الناتج من المفاحم، ولا يعيشون بسلام.
تلا ذلك حملة تحريض قادها المنسق الإسرائيلي "يؤاف مردخاي" ضد صناعة الفحم حيث قال عبر صفحته في وسائل التواصل الاجتماعي تحت عنوان "مجزرة بيئية وصحية" إنه تم اليوم، ولأول مرة، اتخاذ الإجراءات اللازمة وتطبيق القانون ضد المشاحر غير القانونية.
وردا على ماتحدث به، قال صالح عمارنه رئيس مجلس قروي زبدة: "مردخاي نسي التلوث الذي تسببه حكومته وجيشه بمصادرة مئات آلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات عليها، وسكب مياه الصرف الصحي في الوديان وعلى التجمعات السكانية الفلسطينية القريبة، عدا عن رمي النفايات الإسرائيلية الخطرة التي يتم التخلص منها بإلقائها في مناطق الضفة الغربية، ناهيك عن إقامة مناطق صناعية في الضفة الغربية، حيث يوجد لا يقل عن 7 مناطق في المستوطنات، تحتوي على 300 مصنع، معظمها ينتج صناعات شديدة الخطورة على البيئة والصحة، بالإضافة إلى قطع الأشجار، وتخريب المستوطنين أراضي الفلسطينيين الزراعية".
المفاحم في أروقة الكنيست الإسرائيلي
تداول الإعلام العبري، في الآونة الأخيرة، تصريحات نواب يهود خلال مناقشتهم قضية المفاحم وشكاوى المستوطنين في أروقة الكنيست، حيث صرح رئيس لجنة الداخلية وحماية البيئة في الكنيست دفيدي عمسالم، أنه ينوي المضي قدما حتى يتخلص من موضوع المفاحم الفلسطينية العاملة في شمال الضفة الغربية، والتي تتسبب بالمرض والموت للإسرائيليين حسب تعبيره.
وكتب على صفحته في تويتر حسب ما قاله الإعلام العبري: "لن أتراجع حتى يتنفس حوالي 200 ألف شخص الهواء النقي في الخضيرة، وبرديس حنا، وكركور، والمستوطنون في السامرة وبقية المنطقة، لكي يتنفسوا الهواء النقي كما نتنفس الآن في الكنيست وفي القدس”.
وتابع يقول: "مع الأسف، نحن من يقوم بتمويل من يقومون بخنق مدن كاملة، ويلوثون أجواء نصف الدولة، والسؤال الذي يطرح نفسه، كم من الأطفال مرضوا ونحن نناقش هذا الموضوع؟".
القناة السابعة الإسرائيلية تقول، أن النائب عمسالم يحمل حقدا كبيرا على المفاحم بسبب وفاة زوجته قبل ست سنوات بسرطان الرئة الناتج عن تلوث البيئة.
وأشار الإعلام العبري، أن اللجنة الداخلية وحماية البيئة في الكنيست تعملان على إقرار قانون يمنع بموجبه استيراد الفحم من مناطق السلطة الفلسطينية إلى داخل فلسطين المحتلة عام 48، كما أقرت اللجنة منع نقل الأشجار لمناطق السلطة لغايات استخدامها للحرق وإنتاج الفحم، معلنة عن غرامة مالية غير مسبوقة تصل إلى 7500 شيكل عن كل شجرة تستخدم بشكل مخالف للتعليمات، ونوه الإعلام العبري قائلا: "ما نود التنويه له في هذا الموضوع، في الوقت الذي تعمل فيه دولة الاحتلال على محاربة المفاحم في الضفة بحجة تلويث البيئة، لا تقوم أيضا في ذات الوقت بأية خطوة ضد التلوث البيئي في مدينة حيفا بسبب المنطقة الصناعية فيها وشركات تكرير النفط"، متطرقة إلى دراسة إسرائيلية، والتي أظهرت أن نسبة إمكانية الإصابة بسرطان الرئة في منطقة حيفا تزيد عن بقية المناطق ب 9%، وسرطان البروستاتا المرتبط بالتلوث ب 26%.
من جانبه قال فهد عطاطرة أحد أصحاب منشات الفحم: "إن الإجراءات الإسرائيلية، بذريعة التلوث البيئي في المنطقة، ما هي إلا حجة لإبعادهم عن المكان، وأن دولة الاحتلال تسعى إلى تحويل مستوطنة حريش الواقعة في وادي عاره بالداخل المحتل إلى مدينة يهودية في قلب التجمع السكاني العربي، تتسع لمئات الآلاف من الإسرائيليين"، ويرى عطاطرة، أن خطوتهم الأخيرة هدفها حرف الأنظار عن التلوث المخيف الذي تسببه المصانع الإسرائيلية، لافتا، إلى مظاهرات نظمت مؤخرا في "إسرائيل" احتجاجا على الخطر الذي تشكله المصانع، خاصة تلك التي في حيفا.
من جهته، أكد رئيس بلدية يعبد الدكتور سامر أبوبكر، إن صناعة الفحم إحدى معالم اقتصاد منطقة يعبد وذرائع الاحتلال واهية، مشيرا، إلى أن المواطنين يعملون في أراضيهم المملوكة لهم، وهناك استهداف إسرائيلي للبلدة في جميع الحالات، مطالبا الجهات المسؤولة حماية البلدة من اعتداءات الاحتلال المتكررة، وتعزيز صمود سكانها، سيما وأن وجود مستوطنة دوتان يشكل مصدر تهديد مستمر للبلدة.
يشار إلى أنه لم يُعرف تماما متى بدء العمل في إنتاج الفحم النباتي في يعبد، لكن الأجيال تناقلت المهنة من أجدادهم منذ عشرات السنوات، حيث أوضح أهل البلدة أن هذه الصناعة، والتي تساهم بما يزيد عن 30% من مصدر دخلها واقتصادها، استمدت عراقتها منذ بدايات القرن الماضي في عهد الخلافة العثمانية، للدور الذي لعبته بلدة يعبد في تزويد خط قطار الحجاز من نقطته في حيفا بالفحم التشغيلي، ومع مرور الزمن، أصبحت هذه الصناعة مصدرًا رئيسًا، إلى جانب زراعة التبغ العربي وقطف ثمار الزيتون، تعتمد عليها مئات العائلات في يعبد وقراها المجاورة، وإزالة هذه المهنة يعني انقطاع أكثر من 2000 عامل عن العمل، وانضمامهم إلى قائمة البطالة، عدا عن المستفيدين منها من أصحاب صهاريج المياه وبائعي القش وغيرهم، وجميعهم مسؤولون عن أكثر من 10 آلاف شخص من عائلاتهم.
