الخميس  02 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ملامح وجودية في ديوان " حيـــــــــــــــــــــن تنزلق المعارج.. إلى فيها!" للشاعرة الجزائرية حليمة قطّاي

يأس وقلق... ثورة وإيمان

2016-12-07 09:52:03 AM
ملامح وجودية في ديوان
غلاف الكتاب

ترفرف الوجودية في أجواء الديوان، فالشاعرة من خلال شعرها صورت يأسها وقلقها  من ما يعتمل في ذاتها، وما يحيط بها، يقول رائد الوجودية كير كجور: إنه لا يوجد إنسان على وجه الأرض يخلو من اليأس، فلا يوجد إنسان ليس بحالة يأس بطريقة أو بأخرى، "ولا يوجد موجود بشري تخلو نفسه تماما من كل أثر للتمزق أو الازعاج أو الضجر أو اليأس أو الجزع أو أي صورة من صور التمزق الباطني". (1) ، وكما إن الإنسان يمضي قدما في حياته الاعتيادية وهو يحمل جرثمة المرض البدني في داخله، فهكذا اليأس مرض الروح،  وقد تبدو هذه النظرة عند الكثير من الناس، نظرة مبالغ فيها وقاتمة وكئيبة ومتشائمة، ولكنها ليس كذلك، فهي "تحاول أن تلقي الضوء على موضوع يترك عادة في غموض وظلام. وهي ليس كئيبة...هي نظرة علو وتسام ما دام تنظر إلى كل إنسان من زاوية أعلى مطلب فيه وهو المطلب الروحي". (2) أما القلق فخاصيته الأساسية أنه أنطولوجي، "لا يمكن أن تشتق من شيء آخر بل هو يعبر عن نسيج الوجود الإنساني نفسه". (3) وهو بذلك كما اليأس لا يمكن أن يهرب منه إنسان، وهو دائم الحضور، حتى أن كيركجور يقول: "إن غياب القلق هو علامة على القلق. وإذا ما ظن إنسان ما أنه قد تحرر من القلق فليكن على ثقة تامة أنه يخفي القلق في أعماقه، يخفيه عن نفسه من خلال قلقه على القلق! فليس ثمة حالة يغيب فيها القلق". (4) ويرتبط القلق بالمستقبل وامكانيات الذات وحرية الذات، لذا دائما ما كان كيركجور يركز على أحد هذه الموضوعات في تعريفه للقلق، يقول: "ما القلق..؟ إنه اليوم المقبل". (5) أما العلاقة التي تربط القلق بالامكان، يقول: "إن القلق هو الامكان المتوجس للوجود الممكن". (6)

 

وركز كيركجور على ارتباط القلق الوثيق بحرية الذات، يقول: "القلق هو إمكان الحرية. –ويقول أيضا- إمكان الحرية يعبر عن نفسه في حالة القلق". (7)

 

وهذا يعني إن المستقبل والامكان والحرية مفاهيم ترتبط مع بعضها البعض ارتباطا لا فكاك منه.

 

وأجمل تعبير عن القلق، ويوضح حالة الإنسان وعلاقته مع وطنه، قول كيركجور عنه إنه "نفور مع تعاطف، وتعاطف مع نفور". (8) وهذا يشبه ما قالته الشاعرة في قصيدة "هل أتى على الإنسانِ.. حينٌ!"، تقول:

"...

 

أُشـْفـِقُ من عـُمري على عـُمري وأتـْلـو:

 

هل سيـكفي

أنني

أهربُ مـني!". (9)

 

واليأس والقلق يؤديان إلى الاغتراب، الذي ينتج عنه الرفض والتمرد على التخلف الحضاري العربي، وضياع الهوية القومية والوطنية وتلاشيها في ظل صراع العالم العربي فيه ضعيف وهش ولا حول له ولا قوة. تقول الشاعرة في قصيدة "جسدٌ تورّم... فـاستـــبيحْ" متحدثة إنها قد خارت قوها، وأصبحت كالجميع في الوطن بلا هوية أو كيان، تقول:

" أنا مــثلكم ..

لا لحــنَ لي

لا صــوتَ لي

لا عـــمرَ لي". (10)

فأيامها المزهرة التي سقتها بألها ودمها اندثرت، وتقول بنفس القصيدة:

"ســـــقيتُها

بدمٍ من الجسدِ القــريحْ!

 بدم تورّم فاستبيح !". (11)

ونرى خسارة العمر في قصيدة "هل أتى على الإنسانِ.. حينٌ!"، تقول:

"وصهيلُ الليـلةِ السَّوداءِ في جـفني َّ يـُغـنـّي
عمـرَه الهاربَ مـني
قد دنـا، حـتى تدلىّ
طـالبا عمرا تــولىّ

.......

......
غـَيـْرَ أنـِّي ..
واحــدٌ في الحـبِّ
والحــزنُ كثيــرٌ". (12)

 

لا شيء مفرح يبقى، والحزن فائض، ويثقل على النفس ويخنقها، ويذهب بالشاعرة إلى التشاؤم من الغد تقول في قصيدة "واستعارتْ ... قدما للانحناءْ!":

" انتظرتْ عاما ..ولكن ..

غادر الدهر المكان

لم يعد ينتظرها

ذلك الشفق الشقي

غادر الصبح الزمان!". (13)

 

إن اليأس والقلق والحزن عوامل سلبية، قد تصبح إيجابية إذا الإنسان وعى آليات التخلص منها، لأن ذلك يمنحه دافعا قويا للبحث عن حياة جديدة تولد من رحم المعاناة.

تقول في قصيدة " بعثُ الدُّجيلْ.. "

 

"تتحسسين مواضع اليأس الذي يؤويني

تتعمدين اللهو بي  

تتعمدين الرفق بي

أنا .. من أنا.. في راحتيك ؟!" . (14)

 

تحس الشاعرة بالجرح والضياع، والرؤية غير واضحة المعالم حتى أنها تتسأل "من أنا"، تشعر بالوحدة والخسارة والخيبة والخوف والآسى، تقول في قصيدة " يا هذه الذّاتُ التي ... عينها كآخر" [1]

"تمرُّ بي ساعاتي

كأن ليلي لحظةٌ

أقضي بها حياتي ..

كأنني – غــَريرةً– أرصد قمع ذاتي ..". (15)

 

فما هو الحل للقلق واليأس والهواجس، أهو الرحيل عن الوطن، تقول في قصيدة " و اسجدْ له ... لا تقتربْ!":          

" الجوع أعمى .. و الغضبْ ..

و حالكٌ مثل الضّبــابْ ..

و منعشٌ، إن تعتزمْ

سفرا بعيـدا

 لا وصْبَ فيه  و لا نصبْ ..".  (16)

 

ولكن السفر ليس سهلا، كما أنه لن يحل الشعور بالقلق واليأس تقول في قصيدة " يأسٌ تربَّى... في خُشوعْ":

"إني المســافرُ

يمتطيني الجوع ُ و الحبُّ الهــجيرْ  !

و أنينُ أنــثى

كابرتْ حتى انتهتْ

سفرا  بلا ورقٍ قَشـيبْ !

سفرا يحـرقه سعيرْ ". (17)

 

أم عليها أن ترضى بالأمر الواقع، مع رفضه داخليا، وما يؤدي ذلك من إحباط وقهر:

تقول في قصيدة " بعثُ الدُّجيلْ..":

"فلتتركي روحي

و تنصرفي برفق أو بعنف

ما عاد هذا الآن .. يعنيني

و يعني الخارطات

 .. فكلها مبنيةٌ

من دمع أمي .. و صبرها

من كل ما ذرفت ضفائرها

أعلى النموذج

من  كُحلهـــا

أنا ميِّــتٌ... من حضرموت

         إلى جنيــن

أنا ميتٌ .. و الجرح خاوٍ ..

      هل تشبعينْ   !!!". (18)

 

وعندما تفشل تلجأ إلى الثورة لتغيير الوضع القائم، الثورة عن وعي للتصدي للواقع المسكون بالظلم، الواقع العبثي الذي يقود غلى الجحيم. تقول في قصيدة "و اسجدْ له ... لا تقتربْ!":

"هل يكفي أن أشفي غليلي

بثــــورةٍ". (19)

 

تحاول الشاعرة بكل السبل الوصول إلى بر الأمان، ولكن دون جدوى، حتى الثورة انحرفت عن مسارها ولم تؤد إلى شيء، يدفعها الألم والخسارة إلى تجريب الإيمان، تقول في قصيدتها السابقة:          

 "هل يكفي يا هذي الجريئة

أن أصلي ركعتين،

 وأن أصارع مكرها،

شهوات عمري المغتصب!". (20)

 

لا شيء يعيد الوعي المفقود إلى الوطن، ومسألة العدالة التي شغلت تفكيرها لا تتحقق. وتشعر الشاعرة  بعدمية ذاتية وموضوعية نتيجة تحطم الأحلام، وعجز الوطن على الوقوف على رجليه والتقدم إلى الأمام...فهي تسلم نفسها للموت طائعة.

 

تقول فدوى طوقان: "الشك والارتياب في حكمة ما يحدث لنا، حقائق الحياة وحوادثها التي تدحض القول بوجود العدالة، ثم هذا الحنين الأبدي في النفس إلى الاستسلام المطلق، كل هذا يبعث فينا إحساسا دراميا داخليا، ويثير فينا صراعا لا ينتهي بين الشك القلق الحائر وبين النزوع إلى اليقين والتشبث بالإيمان الضائع". (21)  وتصل الشاعرة في النهاية في قصيدة "وطناً .. نعيش بجوفها الـــــــــــزلاّت!" إلى الحل الأمثل للنهوض بالوطن، تقول:

"وأنـــا علــىّ

تمــردي.. وتوحّدي..

وأنا عَلـَـيّ

تـَوبـَـتي..وصـــلاتي!". (22)

 

بالإيمان والثورة، يمكن فعل الصواب، وتحقيق المراد، هذا ما تصل إليه الشاعرة، وتنطلق الشاعرة إلى الفعل، وتبدأ بالتفتيش في دمها عن الوطن الضائع. تقول في قصيدة "لازلــــت أبحث عن وطن!":

"لازلتُ أبحثُ في دَمــي

عن عدّة الوطن الذي سوف يوما يـشبهك!". (23)

 

فالشاعرة على وعي كامل بذلك "الترابط الوثيق بين الهزيمة والعدمية إلا أنها مع ذلك، كانت تعي أيضا مدى الشقاء الذي يمده اللايقين أمام الإنسان". (24)

 

لذلك وحتى تضع حدا نهائيا للتمزق والضياع والألم، فأنها "تتخذ من (الإيمان بالضرورة) حلا عمليا". (25) متماثلة مع كيركيجور.

 

إذا كان القلق هو علاج القلق، واليأس علاج اليأس كما يقول كيركجور، فأن الإنسان الميت في نفسه وعقله، "يصبح القلق الروح المنقذة التي تقود الإنسان إلى حيث يريد..". (26) قلق يطهر النفس والأجواء، قلق لا متناهي لا يزول إلا بإيمان لا متناهي، إيمان سيعطينا الرجاء كل ضد رجاء.

 

وكأني بالشاعرة تقول لنا في ديوانها الشعري كما قال كيركيجور: "اندلعت النيران في شيء لا يمكن أن يحترق،...اندلعت داخل نفسي...!". (27)

 

إن الشاعرة في تنقيبها في ذاتها خرجت من جزئيتها واستحالت إلى نفس كلية، وتبنت فلسفتها القائمة على الدعوة للاستيقاظ من عالم النيام، "أن عملية التنقيب في النفس في حد ذاتها إثراء للنفس لأن التنقيب أولى الخطوات لاكتشاف أغوارها وحدودها". (28) كما يقول الفيلسوف هيرقليطس.