الثلاثاء  07 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

لا للجمباز السياسي! بقلم: نور عودة

وعَلامةُ رَفْعِهِ الفِكْرَة

2016-12-20 12:51:29 AM
لا للجمباز السياسي!
بقلم: نور عودة
نور عودة

في الساحة الفلسطينية، تنتشر فنون الجمباز السياسي وسيلة للتنافس والمماحكة أحياناً، وطريقةً للترويج وتبرئة الذات أحياناً أخرى. هذه الفنون متعددة ومثيرة، منها مثلاً الجكر، والذي يتطلب إتقان فن المناورة والمراوغة. هناك أيضاً فنون الدجل والهيلمة الإعلامية ورياضة القفز عن المواقف على سبيل المثال لا الحصر!

 

على سبيل المثال، يُستعمل الجكر في سياق التنافس السياسي، فترى قائداً سياسياً يتبنى موقفاً ما، لا لشيء سوى غيظ خصومه ودونما اكتراثٍ لعواقب الموقف المعلن، الذي غالباً ما يمثل إعلاناً باطنياً للابتزاز السياسي أو محاولةً للتفاوض على النهايات لضمان قبول البدايات.

 

 واللافت أن مطلقي المواقف المناكفة هذه من شخصيات قيادية أو فصائل سياسية لا يعيرون بالاً لتأثير جكرهم العلني هذا على الرأي العام، ولا يبدو أنهم يدركون أن تلك المواقف تُترجم نقاشاً ومواقف في الشارع الفلسطيني،رغم أنها لا تعكس حقيقة النقاش الدائر في أروقة السياسة.وينتج عن هذا الفن حالة الانفصام ما بين واقع سياسي خالٍ من النقاش السياسي ورأي عام يعاني من الاستقطاب تحت عناوين سياسية مفتعلة. 
 

مثالٌ واضحٌ على الجكر، هو موقف الرفاق في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الذين أعلنوا مؤخراً وقوفهم ضد عقد المجلس الوطني لمنظمة التحرير على أرض الوطن، ووعدوا بإفشال الجهود الرامية إلى ذلك وطالبوا بعقد المؤتمر في دولة عربية.

 

الذريعة في هذا السياق هي أن عقد المؤتمر الوطني في فلسطين رضوخٌ للاحتلال وقبولٌ بشروطه! الموقف هذا يتنافى مع تأكيدات الجبهة الشعبية وكل الفصائل أن الأسرى أحرارٌ رغم القيود، وأن لهم الحق في الترشح للانتخابات التشريعية وغيرها، ولهم الثقل الكافي لطرح مبادرة الوفاق الوطني عام 2006، والتي ما زالت محطّ إجماع الكل الفلسطيني!

 

كيف للأسرى أن يمتلكوا قرارهم بينما موقف الجبهة الشعبية يفترض أن من هم خارج الأسر لن يكون بمقدورهم مواجهة الضغوط الإسرائيلية إذا عُقد المجلس الوطني في فلسطين؟! وكيف لهذه الضغوط أن تبطل إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن عدداً كبيراً من أعضاء المجلس الوطني سيعودون لأرض الوطن بعد انعقاده في الخارج كما يطرح الرفاق؟ المفارقة الكبرى في هذا الموقف هي معرفة كل قيادات الجبهة الشعبية أن ما من دولة عربية مستعدةٌ لاستضافة المجلس الوطني، وأن هناك ضغوطات حقيقية من بعض الدول العربية فيما يتعلق بالملف السياسي! كيف تستقيم هذه المعرفة مع هذا الموقف؟!

 

في فنالدجل السياسي والهيلمة الإعلامية، المتطلب الأبرز هوالتعامل مع الرأي العام الفلسطيني على أنه سربٌ من السمك يفتقر لأي نوع من الذاكرة والقدرة على ربط المواقف والمعطيات بعضها ببعض.

 

الأمثلة فيفنون الدجل كثيرة، لكن بعضها مزعجٌ أكثر من غيره، كأن تحتفل حماس بذكرى انطلاقتها التاسع والعشرين بفيديو كليب ومواد إعلانية تنسب لنفسها أول الرصاص وأول العمليات عن طريق البحر، وأول كل شيء وآخره في نضال شعبٍ ثائرٍ منذ حوالي مئة عام، أي أكثر من ثلاثة أضعاف عمر الحركة الفتية.

 

احتفالٌ ينكر على آلاف الشهداء تضحياتهم وعلى فصائل العمل الوطني نضالها وتصدرها لساحة المواجهة لعقود سبقت انطلاقة الفرع الفلسطيني من تنظيم الإخوان المسلمين. احتفالٌ يمتهن الدجل بحق جيل أو يزيد ممن لم يعاصروا سوى مرحلة الحصار والفصيل الأوحد.

 

أما عن تجليات فنون الهيلمة، فتصريح القيادي الحمساوي فتحي حماد مثالٌ صارخ. قال حماد مؤخراً إن حركته تفوقت على العالم العربي كله في صناعة الصواريخ، ومستعدة أن تبيع جيوش العرب من صواريخها شريطة أن يطلقوها على إسرائيل لا أن يتصارعوا بها.

 

التصريح المتلفز،الذي آثار ردود أفعالٍ ساخرة في العالم الافتراضي على نطاق واسع، يتجاهل دولاً عربية تمتلك صناعاتٍ حربية عريقة مثل مصر، ويتجاهل أيضا أن الصواريخ المؤثرة التي تطلقها حماس وغيرها من الفصائل في غزة هي في الحقيقة مستوردة أو مصنعة بقطع أساسية أتت من الخارج!

 

أما القفز عن المواقف،فله مستويات عدة، أكثرها تقدماً جاء مؤخراً على لسان القيادي في حركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي، الذي أعرب عن قلقه مما يحدث في حلب، ووصف ما تعيشه المدينة من مجازر وجرائم إبادة بأنه: "تراجع حقيقي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني"، وهي لغة ما اعتدنا على سماعها من هذا الفصيل، لكنها تبدوالصيغة الملتوية الوحيدة للقفز عنالحديث حول دور إيران وحزب الله، وهما الحليفان الاستراتيجيان للجهاد،في الجرائم التي تُرتكب الآن بحق أهل حلب العزّل، كالتهجير والإعدامات الميدانية وغيرها من جرائم الحرب.

 

رياضة الجمباز السياسي في فلسطين ليست بحميدة، ولا يُنصح بممارستها نظراً لخطر الإدمان الشديد، ومن أعراضه الانفصام والوهن والاستعانة بالصراخ للتغطية على غياب الطرح السياسي. المطلوب من الفصائل السياسية تبرير وجودها بطرح مواقف حقيقية وسياسات تعبر عن فكر وتوجهات اجتماعية وسياسية، والكف عن حركات وفنون الجمباز المخادعة. يكفينا ما نحن فيه من وهن. يكفينا ما يحيط بنا من عبث!