الثلاثاء  07 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الحدث الاقتصادي | الشغل مش عيب

2016-12-29 07:21:13 AM
الحدث الاقتصادي | الشغل مش عيب
تاجر على بسطة لبيع الموز (تصوير: الحدث)

 

الحدث- علاء صبيحات

 

"لو كان الفقر رجلا لقتلته" هذا ما قاله الفاروق عمر بن الخطاب قبل زهاء 1400 عام، واليوم ما زال الفقر يقض مضاجع الشبان.

 

الشهادة الأولى

 

"شهادتك حصنك"، هذا ما قاله حامل دبلوم اللغة العربية محمود يعقوب (52 عاما)، الذي انتهى به المطاف واقفا خلف "بسطة الخضار" يسترزق منذ عشرين عاما.

 

تتراوح رجحات السوق بين طلب وقلة طلب في فصول الصيف والربيع، لكن المربح كاف لقوت العيال كما يقول يعقوب، الذي أضاف أن مشاريعي تؤجل غالبا لفترة الربيع التي يكون فيها الطلب على الخضار مشتعلا والمرابح عالية، قائلا "نبع نزّازّ ولا بحر فايض".

 

وهو مثل يُقصد منه قليل دائم خير من كثير متقطع، فالرزق وعد من الله، كما يقول، ومرردفا مثلا شعبيا آخر "ما عيب إلا العيب"، ويقصد به أن العمل على "بسطة الخضار" رغم حمله لشهادة أكاديمية ليس عيبا فالعيب أن لا تسعى للرزق.

 

يقول ابن الخمسة عقود إن قوت أبنائه الأربعة اعتمد على غلة البسطة ما يعتبرها كثيرون عملا "دونيا"، أو دون المستوى.

 

وقال يعقوب إن ابنه البكر درس في جامعة الاستقلال وهو موظف الآن، وابنته تكمل دراستها في جامعة القدس المفتوحة ويسعى يعقوب جاهدا لتدريس ابنيه الأخيرين.

 

الشهادة الثانية

 

أما قصي قصراوي (25 عاما) وخريج جامعة خضوري بتخصص تكييف وتبريد يقول إنه عمل بشركة اشترطت عليه أن يداوم لثلاث شهور بدون أجر وأخرى اشترطت ست شهور.

 

بعد هذا أضاف قصراوي حاولت أن ابدأ عملا خاصا بي في مجال تخصصي لكن لأبدأه كنت احتاج لخمسة وثلاثين ألف شيقل وهو مبلغ ضخم لمن هو في وضعي آنذاك.

 

فارتأيت لأن أعمل على بسطة نثريات أجمع فيها أموالي وأن أتابع دراستي بتخصص التسويق في جامعة القدس المفتوحة نظرا "لعشقه للتجارة" كما يقول.

 

مؤكدا أن "الشغل مش عيب"، بحيث لو أن قطاع الزراعة قوي لعملت فيه لكن لا خيارات أمامي،  مضيفا أن المجتمع بطبيعته يستعيب العمل على البسطة.

 

يرجح قصراوي أن سبب ثقافة العيب هو أن مجتمعنا يركز أكثر من اللازم على القشور ولا يغوص في داخل الشخص.

 

فتجربة قصراوي الشخصية تؤكد تخلي أصدقائه الموظفين عنه لأنه "صاحب بسطة"، ويضيف في بادئ عملي كنت أخجل لكن مع مرور الوقت ولأنني أحب التجارة صرت جريئا وناجحا.

 

ذلك النجاح الذي يصفه قصرواي بأنه "ما سيأسس لي حياة حقيقية"، فباستطاعتي أن أبني وأتزوج وأسافر من هذه "البسطة".

 

لكن الفرحة لا تتم غالبا فقد أزيلت بسطة قصراوي من قبل بلدية جنين ولا حديث عن بديل كما يقول، بل لا قوائم كتبت لتحديد من أزيلت بسطته.

 

بل إن البلدية تعد بإعطاء اولويات لا تعرف هي نفسها من هم أصحابها، كما أضاف قصرواي، فالمتاهات في أروقة مبنى البلدية كثيرة وكل شخص أستفسر عنده عن حقي ينقلي لشخص آخر فاتحا أمامي متاهة أخرى.

 

الشهادة الثالثة

 

(سد) 41 سنة دبلوم تحاليل طبية وحصلت على الشامل سنة 1997، كان الثالث على الكلية، وعمل أشهر متقطعة مع الجهاز المركزي للإحصاء، ويعمل الآن مع رفاق الدرب في "الحسبة".

 

يضيف (سد) "لو انعرضت عليي وظيفة الآن بقبلهاش"، فالخير من الله كما يقول "والبسطة ممكن تعملك مستقبل وتشتريلك بيت".

 

"ثمانية عشر عاما هن سنوات الخبرة في بيع تفاح النخب الأول، وكل سكان جنين وضواحيها أصدقائي، ولا زلت أستذكر الحرج الذي شعرت فيه أول يوم عمل لي هنا" كما يقول (سد).

 

"لكن جيراني في العمل دعموني وقتها ومن خلالهم صرت ابن السوق، فالناس هنا تحترم المحترم، وتبغض المقيت، فالفاشل في البيع على بسطة فاشل في وظيفة على مكتب".

 

أضاف (سد) أن "البيت شحّاد" وهو بحاجة لمصروف لكن نقلتي النوعية كانت عام 2010 عندما استثمرت أموالي لشراء منزل في حيينا.

 

الشاهد الرابع

 

سنوات خبرته في التصوير التلفزيوني مع تلفزيون خاص تعدت الأربع أعوام، بعد أن اضطر مالك التلفزيون لإغلاقه أصبح سعيد السعدي ابن الستة والثلاثين عاما بلا عمل.

 

بعد ذلك عمل داخل الخط الاخضر، رغم البهدلة والتشتت وفراق أبنائي كما يقول، عدت ذات يوم للمنزل بعد غياب لأجد طفلي مصابا جرّاء حادث سير.

 

اضطرتني هذه الظروف لأعمل على "بسطة" نثريات لأن سنوات خبرتي لم تفدني ولم أحصل على وظيفة أخرى.

 

الخجل كان بداية مسيرة العمل ثم ما لبث ان خرج مني شيئا فشيئا، ونظرة الناس لي تحسنت، لكن بسطتي ازيلت الآن ولا بديل.