الأربعاء  14 أيار 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

خاص "الحدث"| في بيتنا مناضل ما زال اسمه.. خالد

2016-12-29 03:34:30 PM
خاص
صورة للأسير خالد شبانة من داخل السجن

 

الحدث- محمد غفري

قبل ساعات الفجر الأولى، تصحو الحاجة أم جمال باكراً من غفوتها، وفي بعض الأحيان تبقى مستيقظة طوال الليل، تنتظر رحلتها الطولية، تحضر مؤنتها، تصلي الفجر، وتدعو الله في ركعتها الثانية، أن يفرج عن نجلها خالد، المعتقل في سجون الاحتلال الإسرائيلي.

 

تمضي أم جمال في دربها الطويل، تحملها حافلة الصليب الأحمر، ومن على زجاج الحافلة، تبدو في الخارج ملامح إشراقة اليوم الجديد، وفي ذات المشهد تنعكس خطوط تجاعيد وجهها على النافذة، إلا أنها لا ترى من كل ذلك إلا ثغره الباسم، حينما تقابله بعد ساعات هناك في سجن "نفحة" الإسرائيلي، حيث يمضي حكماً بالسجن الأبدي، أو ما يسمى بـ المؤبد.

 

ساعات الشوق الطويلة التي لملمتها أم جمال منذ انتهاء الزيارة الأخيرة، تذوب في لحظة اللقاء الجديد مع خالد، ومن خلف الزجاج الصامت، لا تقوم بشيء سوى محاولة الصمود أمامه، وما أصعب ذلك على حاجة تجاوزت من العمر 70 عاماً، أن تحبس دموعها عنه طوال الأربعين دقيقة.

 

يدق الجرس وينهي سجانو المحتل غصباً هذا اللقاء الدافئ في منتصف برد ديسمبر، تحمل نفسها أم جمال وتعود أدراجها إلى قريتها سنجل شمال رام الله، وتبقى صامة، لأن الصمت في حضرة من قدموا حريتهم فداء لنا، أبلغ من ألف حكاية وحكاية، وإن قالت شيئاً، لا تقول إلا: الله يفك أسرك يما يا خالد. 

 

 

خالد ورفاقه أصل الحكاية

في مخبز سنجل، كان لقاؤنا بأسرة المناضل خالد عبد الرحمن شبانة (38 عاما)، المعتقل في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ 29 كانون الأول 2000، ويدخل اليوم الخميس في عامه السابع عشر في الأسر.

 

يقول أبو محمد، إن شقيقه خالد ومجموته من "قوات 17"، كانوا أول من نفذوا عملية إطلاق نار فدائية، إبان إنطلاق انتفاضة الأقصى عام 2000، ومن ثم نفذوا سلسلة عمليات باسم كتائب شهداء الأقصى، أسفرت عن مقتل وجرح عدد من المستوطنين، ومن من هذه المجموعة من رحل إلى ربه شهيداً كما هو "أبو حلاوة" و "أبو غندور"، ومنهم من يقبع حتى الآن خلف أسوار سجون المحتل، ولا يقل حكم أحد منهم عن المؤبد.

 

 

سمير شبانة (أبو محمد) في لقائه مع "الحدث"، قدم لنا أصل الحكاية، وأخذ يروي التالي: "خالد طول عمره كان وطني ومن نشطاء فتح، تزوج قبل الانتفاضة بمدة قليلة، ولكن بعد اندلاع الانتفاضة تحول إلى مطارد، بعد تنفيذ عدة عمليات إطلاق نار على المستوطنين، واشتباك مسلح مع جنود الاحتلال عند حاجز "قوات 17" غرب البلدة".

 

وأكد أبو محمد، أن رفاق خالد هم أول من نفذوا عملية إطلاق نار خلال انتفاضة الأقصى، وكانت على حافلة للمستوطنين عند مفرق "عيون الحرامية" الشهير شمال رام الله، قتل وأصيب بها عدد من المستوطنين، ولكن خالد لم يكن معهم، إلا أنه اتهم بالمشاركة بها، إلى جانب اتهامه بالعمليات الفدائية الأخرى التي نفذتها "الخلية".

 

 

كيف تم اعتقال خالد؟

الشقيق الأصغر ماجد، قال إن اعتقال خالد تم في يوم ماطر شتاء عام 2000، حيث حاصر عدد كبير من جنود الاحتلال وآلياتهم المنزل وسط البلدة، ثم اقتحموا المنزل وشرعوا بالتفيش والتدمير، بعد أن قيدونا جميعا ًخارج المنزل "في بيت الجيران".

 

وأكد ماجد (34 عاماً) لـ"الحدث"، أن خالد لم يكن في ذلك الوقت في المنزل بل كان في بيت عمه (والد زوجته)، ومن هناك تم اعتقاله.

 

هنا تدخل أبو محمد وقاطعنا، "عندما حاصر الجنود منزل نسايبه، حاول خالد الهرب إلى جبل التل، ولكن عمه أبو أسامه أخبره أن المنزل محاصر بالكامل، وأنه في حال جرب الهروب سوف يستشهد".

 

رحلة الاعتقال والحكم

مرحلة جديدة بدأها خالد في صراعه الطويل مع المحتل، بداية هذه المرحلة امتدت لأكثر من 70 يوماً في زنازين التحقيق في المسكوبية، ذاق خلالها ما ذاق من ويلات التحقيق وعذابه، إلا أنه قدم صمود أسطوري جعل عناصر المخابرات في حيرة من أمره.

 

وبعد أكثر من عامين جاء يوم النطق بالحكم على خالد، وكان 39 عاماً و6 شهور، إلا أن هذا الحكم لم يشفي غليل وحقد الاحتلال، فقام أبناء المستوطن الهالك "ابن كاهانا" بطلب الاستئناف من المحكمة، ليعود ويحاكم من جديد بالسجن المؤبد.

 

 

ومنذ تاريخ اعتقاله يوم 29 ديسمبر/ كانون الأول 2000، عاش خالد حياة الأسير الفلسطيني بكل ما تحمل تفاصيلها من ألوان العذاب والقهر، حيث استشهد عدد من أفراد مجموته في كتائب شهداء الأقصى وهو بالأسر، إلا أن الفراق الأكبر كان باستشهاد شقيه محمود شبانة، ومن ثم وفاة والده.

 

أما على الصعيد الأسري وبعد صدور الحكم عليه بنحو عامين، طلب خالد من زوجته أن يطلقها رغم رفضها القاطع لهذا الطلب، واستعدادها لانتظاره مدى الحياة، إلا أنه أصر على ذلك كي لا تبقى أسيرة لأسير، وكان له ما أراد.

 

مصير خالد

اليوم ومع دخوله عاماً جديداً في الأسر، يقبع خالد صامداً في سجن "نفحة" الإسرائيلي، ويعتبر من قيادات الصف الأول في الحركة الفلسطينية الأسيرة.

 

وفي كل شهر يرافق أمه في زيراته ضيفاً متجدد من الأسرة، باستثناء شقيقة سمير شبانة "أبو محمد" المحروم من الزيارة.

 

سمير الذي أجرى معنا هذا الحوار بدا واثقاً أن ساعة الفرج باتت قريبة، وأن خالد حتماً سوف ينال حريته مهما طال الزمن، أما شقيقه الأصغر ماجد فأوجز يقول لنا: خالد مش راح يضل في السجن.

 

أما شقيقه محمود فرحل إلى السماء بعد أن استشهد خلال انتفاضة الأقصى دون أن يودع خالد، والأخ الأكبر جمال فهو مغترب منذ عشرات السنين إلى أمريكيا.

 

لم يبق منهم سوى النشيط كمال، الذي ينوب عن خالد حضور كافة المناسبات الوطنية، من فعاليات للأسرى واعتصامات ومهرجنات، تجده دوماً حاضراً وفي يمينه صورة لخالد، وفي كل مرة يتنفس أسير جديد عبير الحرية، يسارع كمال إلى زيارته للإطمئنان على خالد.

 

مسكين هو كمال!!، يطمئن على خالد، ويعرف في ذات الوقت بأن لديه خلف الأسر شقيق تصارع هامته السحاب، وأن لقاءه مع كافة الأسماء المذكوره أعلاه بات أقرب من أي وقت مضى، قبلة على جبين الوالدة أم جمال، وحضن واسع لأشقائه، وقراءة الفاتحة على قبر محمود ووالده، كفيلة بأن تمحي سنين العذاب.

 

صور منوعة للأسير خالد شبانة داخل السجن: