الأحد  05 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

هل "الغنج اللبناني" ظاهرة في الإعلام الفلسطيني؟

2014-05-13 00:00:00
هل
صورة ارشيفية

ردود أفعال متباينة أثارتها مقالة "مذيعات فلسطينيات يتغنجن باللبناني!"

 

الحدث - رام الله – الواثق طه

“منذ فترة طويلة، تجتاح اللهجة اللبنانية الإذاعات الفلسطينية. صرعة التحدّث بهذه اللهجة التي توصف بـ«الناعمة»، ضربت ثلة من المذيعات الفلسطينيات اللواتي وجدن أنّ لهجتهن الأصلية تنافي أنوثتهن وشخصيتهن الإعلامية! هكذا، لذن بالفرار من اللهجة التي يعمد الاحتلال الإسرائيلي إلى طمسها، وطرقن باب لهجة أخرى وجدن فيها مساحة معقولة لـ(الدلع) والغنج.” 

بهذه الفقرة استهلت الكاتبة “عروبة عثمان” مقالتها التي نُشرت في جريدة الأخبار اللبنانية يوم الجمعة 9-5-2014  بعنوان “ مذيعات فلسطينيات يتغنجن باللبناني!” مثيرة العديد من ردود الأفعال المؤيدة والمعارضة لوجهة نظرها.

فالكاتبة في معرض انتقادها لما وصفته بالظاهرة، تتناول مذيعات وصفتهن بمتقمصات دور المصلحات الاجتماعيات اللاتي يمكن “غفران” ذنب التصنع لديهن وهن يقدمن برامجهن التجارية والترفيهية، إلا أنها استنكرت انتقال هذا السلوك إلى الفضائيات الفلسطينية، مستشهدة في ذلك ببرنامج تعرضه الإعلامية “سمر الدبس” عبر فضائية “مكس” معا، التي تجدر الإشارة هنا إلى أنها رفضت التعليق على المقالة قائلة: “لا تستحق الرد”.

واعتبرت “عثمان” في مقالها أن استخدام لهجات غير اللهجة الفلسطينية يصب بشكل غير مباشر في خدمة الاحتلال الذي يعمد إلى طمسها.

أما على صعيد ردود الأفعال التي أثيرت حول المقالة، أجمع عدد من المعلقين على أن استخدام الإعلاميات الفلسطينيات للهجة اللبنانية نوع من السطحية وإنكار الذات، إلا أن آخرين في غالبيتهم من الإعلاميين والصحافيين كان لهم رأي آخر.

ففيما تعتقد الصحافية “شيماء أبو فرحه” أن استخدام اللهجة اللبنانية في الإعلام المحلي الفلسطيني ظاهرة، إلا أنها تعتبر المقال موجها بشكل شخصي للمذيعة “سمر الدبس” وفضائية معا أكثر منه محاولة لانتقاد الظاهرة التي ترفضها – بحسب تعبيرها.

ليست ظاهرة، ودعوة لحماية الفصحى

تصف الإعلامية وفاء عبد الرحمن المقال بغير الموفق، فاستخدام اللهجة اللبنانية في الإعلام الفلسطيني لا يشكل ظاهرة لدى المذيعات الفلسطينيات. وإن وجدت الكاتبة واحدة تفعل ذلك فلا يمكن تسميتها بالظاهرة – تقول عبد الرحمن.

وفي سياق إبدائها عدم الاقتناع بما ورد في مقالة الكاتبة عثمان، تستنكر عبد الرحمن ربط الموضوع بالاحتلال فتقول : “ما علاقة اللهجة والاحتلال؟ ولماذا نطلق هذه الأحكام مرتبطة بالاحتلال؟ وبدلا من الدعوة للمحافظة على اللهجة الفلسطينية التي لا أعرف كيف يمكن تعريفها، من الأولى الدعوة للعودة إلى اللغة العربية الفصحى – لغتنا الأم”.

من جانبه يتفق الصحافي “حمدي أبو ضهير” مع الرأي القائل بأن استخدام اللهجة اللبنانية ليس ظاهرة في فلسطين معتبرا المقال إساءة للإعلام الفلسطيني.

أما الصحافي “عبادي يحيى” فعلق عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك بقوله “ أفهم التحذير من ضياع الفصحى إذاعيا. أما هذا الهوس بالعامية الفلسطينية فمضحك”.

وأضاف: “بصراحة لأول مرة اسمع ان الاحتلال يهاجم اللهجة المحلية ناهيك عن الحديث وكأن لنا لهجة محلية واحدة”.

بدورها تشير الإعلامية “ريم العمري” التي تعمل مذيعة في إحدى المحطات الإذاعية الفلسطينية، إلى أن استخدام كلمة “يتغنجن” غير لائق ومسيئ وتم توظيفها لجذب القارئ، رافضة وصف المقال لاستخدام اللهجة اللبنانية بالظاهرة.

وتقول العمري: “على سبيل المثال هنالك مذيعان يتحدثان باللهجة الأردنية في إحدى الإذاعات ولم يعلق عليهما أحد”.

وتوضح العمري أيضا: “راجعت تسجيلا للمذيعة المذكورة في المقال، ولم أجدها تتحدث باللهجة اللبنانية، بل باللهجة المدنية الفلسطينية الأقرب للشامية”.

وتضيف: “كوني مذيعة أرى أن المذيع يتعين عليه من وجهة نظري أن يتحدث باللغة العربية الفصحى حتى لا تفقد اللغة قيمتها”.

التغريب والإنكار

بينما يعتبر “أمير داود” الموظف في إحدى الوزارات الفلسطينية أن لا مشكلة في موضوع اللهجات ولا تشكل اعتداء على الذائقة العامة أو على حقوق فنية محفوظة، وأن اللهجة اللبنانية لهجة لطيفة، لم تلم الكاتبة “نداء يونس” المذيعات اللواتي يستخدمن اللهجة اللبنانية ولم تقلل من انتمائهن لكل ما يخص فلسطين والعروبة في تعليقها على الموضوع عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.

وكتبت يونس: “ ألسنا نعتبر أنفسنا مثقفين إن قرأنا كل الآداب وتجاهلنا إنتاجنا المحلي.. ألسنا نحن من لا نفخر بتراثنا سوى لزينة وبما ننتج سوى لضرورة ادعاء الوطنية لغرض ما .. أو لسنا من نهرب من كل ما يميزنا بينما يحتفي به الآخر ويحرص عليه، أو لسنا من ينكر مبدعه وقائده وزميله ويتنازل عن مظاهر فلسطينيته بشكل متعمد في كل مجال”.

وتضيف يونس في تعليقها” إن كانت حالة التغريب التي تطال المجتمع الفلسطيني مظهرا، والإنكار جريمة، وعدم التفاخر بقوميتنا حدثا يوميا، فلن يكون تقليد الآخرين غريبا، وهو نتيجة لانحسار المد الوطني” – بحسب تعبيرها.

رؤساء التحرير مسؤولون

بدوره ينفي عضو الأمانة العامة لنقابة الصحافيين الفلسطينيين “عمر نزال” أن كان صادف مذيعة تستخدم اللهجة اللبنانية بدل اللهجة الفلسطينية خلال متابعته للإذاعات المحلية، إلا أنه يعتبر ذلك إن حدث ضحالة في الثقافة والمعرفة بأهمية التمسك باللهجات الفلسطينية الغنية والمتنوعة والأكثر جمالا وقربا من اللغة العربية الفصحى – من وجهة نظره.

ويعزو نزال توظيف اللهجة اللبنانية لدى البعض نابعا من اعتقاد سائد بأنها الأكثر جمالا وقربا للمستمع، داعيا في ذات السياق مدراء ورؤساء التحرير إلى التنبه إلى مثل هذه المسائل وأن يعملوا على معالجتها وضمان عدم حدوثها.

ويختتم نزال بقوله: ينبغي ألا نذهب بهذه المسألة إلى أبعد من ذلك”.

تغاض عن تنوع اللهجات، وتهجم وتشهير

يصف الإعلامي ورسام الكاريكاتير “رمزي الطويل” المقال بالتهجم العنصري، مستندا إلى أن كلمات مثل “تتغنج” دليل على الشخصنة المقصودة والهجوم المتعمد.

ويوضح الطويل: “الكاتبة تغاضت أن الشهيد أبو عمار كان يتحدث اللهجة المصرية وهو زعيم الشعب الفلسطيني وقائده، وتجاهلت أن لهجات أهل شمال فلسطين من نابلس حتى رأس الناقورة تتشابه كلما اقتربنا من الجنوب اللبناني”.

ويضيف: “تتجاهل الكاتبة أن الإعلام اللبناني مدرسة الإعلام الأولى في العالم العربي والمذيعات اللبنانيات والفلسطينيات اللواتي يستخدمن اللهجة المدنية لا تعيبهن هذه اللهجة”.

ويستنكر الطويل أن تكون للفلسطينيين لهجة واحدة، وهو اللبناني المولد واللهجة نظرا لظروف الشتات التي عاشها في مخيمات لبنان وهو ما يعتبره غير معيبا لوطنيته فيقول: “ أنا من مواليد لبنان وأمي لبنانية ولهجتي لبنانية وهذا لا يضير انتمائي لفلسطين بشيء، وهل لهجة الكاتبة الغزية هي اللهجة الفلسطينية الرسمية؟ أم أن لهجة الخليل هي اللهجة الرسمية؟ أم لهجة رام الله أم قرية أبو ديس أم الناصرة أم حيفا أم يافا أم ماذا؟”.

من جانبه رفض الصحافي أمجد العرابيد اتهام الصحافيات الفلسطينيات بأنهن يقدمن خدمة للاحتلال، معتبرا أن النقد حق إلا أن التشهير والذم واضح في المقال من وجهة نظره، متمنيا في ذات السياق لو أن الكاتبة ذكرت دور الإعلاميات الفلسطينيات في خدمة القضية الفلسطينية.

ويتفق العرابيد مع الرأي الرافض لتعميم الحالة ووصفها بالظاهرة، وحصرها في حالات فردية لا تذكر.

ويشير العرابيد إلى أن لهجات أخرى تستخدم أحيانا في الإعلام المحلي الفلسطيني بقوله : “ البعض يستخدم اللهجة المصرية في قطاع غزة على سبيل المثال، وفي الضفة تتأثر اللهجة بالأردنية أيضا لدى بعض الزملاء، علاوة على تنوع اللهجات الفلسطينية”.

ويضيف : “اللهجة جزء من حياة المذيع وانطباعاته وممارساته الشخصية وأحيانا لها دور في تقديم المادة الإعلامية، إلا أنني أفضل استخدام اللهجة المدنية الفلسطينية”.  

"برستيج" إعلامي

حول الموضوع المثار في المقال، تقول الإعلامية اللبنانية رحاب ضاهر: “ مع بداية البث الفضائي احتلت المذيعات اللبنانيات الشاشات العربية وكن رمزا للدلع والإغراء وما يوصف بأنه أنوثة، إذ يعتبر الكثيرون أن اللهجة اللبنانية لهجة فيها فائض من الأنوثة، فكانت الفضائيات العربية تتسابق لاستقطاب المذيعات اللبنانيات بحثا عن إثارة المشاهدين”.

وتضيف ضاهر: “كرست الفضائيات نماذج كمثل أعلى للغنج والدلع والميوعة التي باتت الصفة الأبرز في تلك الحقبة مثل رانيا برغوت ورزان مغربي إذ شكلت النموذج الأقوى في تلك الحقبة، لتكر المسبحة ويصبح ما يسمى أنوثة وغنجا ودلعا أهم مطلب لتوظيف المذيعة في أي محطة، وأصبحت اللهجة اللبنانية رمزا لتلك الصفات، وباتت كثير من المذيعات يتكلمن بها وحتى الخليجيات مثل حليمة بولند الكويتية، وربما من باب جذب المشاهدين تلجأ المذيعة الفلسطينية للتحدث باللهجة اللبنانية كنوع من (البرستيج) الإعلامي”.

وتعتقد رحاب ضاهر أن انزعاج البعض من لجوء مذيعة تعمل في تلفزيون محلي للتحدث بلهجة غير لهجتها بالأمر الطبيعي لكنها تعتقد أن الأفضل هو سؤال المذيعة عن السبب الرئيس الذي يدفعها لذلك.

 

وحول قضية ما يوصف بـ (الغنج اللبناني) تقول ضاهر: “ بغض النظر إذا كنت أنا مع أو ضد، هذا هو الواقع، وهذه هي النظرة التي رسخت في الأذهان، وبكل الاحوال الغنج ضمن الإطار الطبيعي والعفوي ليس بالأمر السيء، ولكن عندما يصبح تصنعا وتكلفا فهنا الكارثة”.