السبت  04 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

وعَلامَةُ رَفْعِهِ الفِكْرَةْ.... يكفينا ارتجال!/ بقلم: نور عودة

2017-01-24 09:44:17 AM
وعَلامَةُ رَفْعِهِ الفِكْرَةْ.... يكفينا ارتجال!/ بقلم: نور عودة
نور عودة

 

عاد الراحل ياسر عرفات بعد محادثات كامب ديفيد في العام 2000 لأرض الوطن واستقبل استقبال الأبطال لأنه رفض التنازل عن ثوابت وحقوق الشعب الفلسطيني وفي مقدمتها درة الوطن، القدس. أدركت القيادة أن للموقف القوي هذا تبعات سياسية كبيرة لن يطول انتظارها لكنها أخفقت في تقدير أهمية التواصل مع الرأي العام الدولي وتوضيح الرواية الفلسطينية، حيث استبقت إدارة بيل كلينتون والحكومة الإسرائيلية أي تحرك فلسطيني وقدمتا روايتهما المتناغمتين عما جرى في كامب ديفيد، ليرسما معاً ما بات حقيقة راسخة في الرأي العام الأمريكي خاصة والدولي إلى حد كبير بأن الفلسطينيين نجحوا كما هي عادتهم في تضييع فرصة تاريخية للسلام بسبب تعنتهم.

 

ورغم طلب كثير من الصحافيين الفلسطينيين الاطلاع على مجريات كامب ديفيد وتقديم رواية فلسطينية، إلا أن هذا الانفتاح جاء متأخراً بحوالي عام أو يزيد ولم يحدث أي تأثير يذكر في النقاش على المستوى العالمي لأن حدود النقاش كانت قد رسمت بعناية ودراية ومهنية عالية. الأمر لم يتوقف هنا، فقد شرع أرييل شارون في البناء على ما تشكل من رأي عام حول الموقف الفلسطيني واستثماره في شيطنة الفلسطينيين وقيادتهم خاصة بعد هجوم الحادي عشر من أيلول عام 2001 على الولايات المتحدة وسياسات الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن بعدها.

 

ماذا فعلنا في المقابل؟ تمترسنا في مربع الدفاع عن النفس واتسم أداؤنا الإعلامي بالركاكة وعدم إدراك المتغيرات وانعدام تام لأي استراتيجية جدية ومهنية للتواصل مع العالم، بحيث انحصر أداؤنا في زاوية الارتجال وردود الأفعال– حتى أننا فشلنا في معالجة الصورة النمطية والعنصرية للعربي في ذهن المشاهد الأمريكي بل عززناها في معظم الأحيان لأننا ببساطة لم نخطط لما نقول وكيف، ومن قبل من.

 

عالم التواصل تحول بشكل جذري منذ ذلك الحين بحيث أصبح التواصل الآن مباشراً وآنياً مع ملايين البشر وهناك قدرة على إحداث تغيير في سياق المجريات أو على الأقل في صلب النقاشات حول أي موضوع. لكننا ومنذ ذلك التاريخ لم نغير من أدائنا الإعلامي ولم نحسن من تواصلنا مع العالم لأننا ببساطة لم نتبنَّ نهجاً علمياً لتحقيق أهدافنا في هذا السياق وما زلنا نفرح لإضاءات فردية يحققها أشخاص هنا أو هناك، غير مدركين أن هذه الإضاءات لا تغير في الأمر شيئاً طالما أنها نتاج اجتهاد فردي أو موهبة لغوية وخطابية غير مستغلة في إطار شامل.

 

ما زلنا نعتمد الارتجال. ما زلنا نراهن على "الفهلوة" التي لا ينتج عنها سوى أمثلة إضافية لما هو غير مجد وغير مفيد، بل مضرٌ تماماً. في الوقت الذي تنتج فيه إسرائيل عشرات الصفحات من التلفيق والكذب وبعدة لغات بما فيها العربية على مستوى عالي من الدقة اللغوية والدراسة والحرفية، نرى اجتهادات مستمرة من وزارة الإعلام الفلسطينية الثابت فيها هو الأخطاء اللغوية (تحديداً بالإنجليزية) والافتقار لرسالة واضحة، ناهيك عن انعدام التأثير على المستوى الإعلامي في الساحات الخارجية. وفي الوقت الذي تقدم فيه إسرائيل ناطقين رسميين يتحدثون بلغات عدة وبلغة سليمة، حكومتنا تفتقر لناطق يتحدث باسمها مع العالم، والصحافيون يجاهدون لاقتسام وقت العدد الضئيل من القيادات الذين يتحدثون الإنجليزية، مدركين ألا تنسيق بينهم وأن لكل منهم طريقته وأسلوبه ورسالته أحياناً فيما تغيب رسالة فلسطين عن النقاش، بينما تعمل ماكينة ضخمة في إسرائيل على تزويد كل من ينطق باسمها أو لصالحها بنقاط ومرافعات تضمن توحيد رسالتها أينما تقدمت في العالم. وفي هذه الأثناء تصدر وزارة الخارجية بيانات صحافية مبنية على المجهول ومنسلخة عن الواقع وتحركات الوزير وجهود القيادة، كأن تٌصدر بياناً يطالب إدارة ترامب التدخل لمنع إسرائيل من المضي في تبني قرارات لضم المستوطنات في الوقت الذي يتحرك فيه الرئيس مع قيادات العالم للتصدي لترامب وبعد يومين من مشاركة وزير الخارجية في اجتماع طارئ للمؤتمر الإسلامي أفضى إلى تبني الدول موقفاً حازماً من مواقف ترامب تجاه فلسطين وخططه لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس!

 

لكننا وفي حال الرياء الذي يحتل فضاءنا نبارك للوزارتين وغيرهما جهودهم رغم إدراكنا أن الأخطاء التي تعتريها مخجلة أحياناً وضارة أحياناً أكثر. نهدر طاقاتنا وإبداع القادرين على التأثير في الرأي العام لأنهم لا يعملون ضمن استراتيجية واضحة ولأنهم يمضون الكثير من الجهد والطاقة في تصحيح ما خربه الارتجال غير العلمي والفهلوة الإعلامية ضيقة الأفق.

 

يوم السبت الماضي، خرج ما يقارب ثلاثة ملايين امرأة ورجل في عديد المدن حول الولايات المتحدة للتعبير عن رفضهم لسياسات الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب والتي تتسم بالعنصرية والعداء للآخر والجهل والعدوانية تجاه فلسطين والإسلام. هذا التحرك البشري المهول وجد مئات الآلاف ممن آزروه حول العالم في مظاهرات رفعت ذات الشعارات وذات الرسائل، بما في ذلك شعارات المناصرة للشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية في الحرية والاستقلال بينما غاب المجتمع المدني الفلسطيني عن الحدث. المشهد المهيب الذي تابعه العالم يوم السبت انطلق من تغريدة واحدة لسيدة في هاواي اقترحت تنظيم مسيرات نسائية رافضة لسياسات ترامب الرجعية ضد النساء والأقليات وغيرهم من الفئات الاجتماعية وتحولت إلى حدث عالمي بكل ما تحمل الكلمة من معنى وأنتجت أكبر تظاهرة ضد الانتخابات في تاريخ الولايات المتحدة.

 

أمام هذا المشهد الذي فرض حقائق جديدة في عالم الإعلام والتواصل، علينا أن نراجع أداءنا دونما رياء أو مواربة. نحن في القاع الإعلامي وعلينا الصعود سريعاً. الطريق نحو التغيير شاقة وطويلة لكن وجب البدء بها لأننا في عالم تكثر فيه الأحداث المتداخلة ومن يغيبُ أو يُغَيَّب عنها فلا وجود له ولا بصمة. هذه حقيقة لا علاج لها بالارتجال أو الفهلوة.