الأربعاء  14 أيار 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

خاص الحدث | الشيف الذي أصيب بـ 11 رصاصة إسرائيلية ولم يعاود الطبخ

2017-01-25 05:37:50 PM
 خاص الحدث | الشيف الذي أصيب بـ 11 رصاصة إسرائيلية ولم يعاود الطبخ
يحيى حجازي (تصوير الحدث)

 

 

الحدث- ريم أبو لبن 

 

11 رصاصة، لم تصب سوى أماكن متفرقة من الجسد، ولكن الروح هي حية ترزق، بعد أن توقف الوقت عند لحظة الإصابة، وغابت الرؤية ولم يسمع سوى صوت الشهادة، وأقدام الجنود الإسرائيليين المتكالبة لرؤية هوية من أطلق عليه النار بحجة الاشتباه به وقيامه بـفعل "الطعن" بحسب الادعاءات الإسرائيلية المستمرة، وهو في واقع الأمر يوسم بـ طباخ "شيف" ماهر، استيقظ صباحاً ليمرعبر مخيم شعفاط العسكري القريب من مدينة القدس، وصولاً إلى مكان عمله في الاراضي المحتلة عام 1948.

 

14/7/2016، لم يسجل تاريخ الحادثة منفرداً في مذكرة الشاب يحيى صالح حجازي (25) عاماً بل تبعه 11 رصاصة متتالية، ولم يكن وقع الرصاص في الذاكرة أقوى من تأثيرها الجسدي والنفسي على حجازي، فقد حرم بفعل الإصابة الموجهة إلى قدميه من عدم القدرة على تحمل أعباء الوقوف لساعات لتجهيز وليمة داخل مطبخه الخاص.

 

 

من هنا بدأت الحكاية

 

"شعرت بالموت، فطلبت الشهادة" هكذا بدأ الشاب حجازي والذي يقطن في قرية عناتا الواقعة إلى الشمال الشرقي لمدينة القدس وصفه لـ "الحدث" للحظة الموت التي استيقظ منها فيما بعد، وبعد أن أصيب بـ 11 رصاصة من قبل جنود إسرائيليين وعدد من المستعربين وبجانب كتيبة الكوماندوز، والتي وصفها حجازي بأنها كتيبة لا ترحم من أمامها.

 

بالعودة قليلاً إلى الساعة 8:30 من يوم الخميس الموافق 14/7/2016، قال حجازي : "في صباح هذا اليوم كنت خارجا للعمل، وأنا أعمل طباخا في أحد المطاعم داخل الأراضي المحتلة عام 1948، وكالعادة ركنت السيارة إلى جانب حاجز مخيم شعفاط، وفي تلك اللحظة كنت أشاهد أناسا يركضون ولم أكن أعلم ما هي المشكلة".

 

أضاف: "وفي لحظات، رأيت أبا يركض باتجاهي ويطلب النجدة لإيقاف ابنه الذي يحمل السكين بيده، حيث بلغت بعد وقوع الحادثة بأن الأب قد كان في وقت سابق قد بلغ عن نية والده القيام بعملية الطعن وعلى حاجز مخيم شعفاط".

 

واستكمل حديثه: "حاولت المساعدة، وأمسكت بيد الشاب وحاولت سحب السكين من يده، ولم أكن أدرك حينها بأن الشاب ملاحق ومراقب من قبل الجنود الإسرائيلين، وعندها وقعت الواقعة".

 

 

"وابل من الرصاص وجه إلى جسدي" هذا ما حدث بعد أن حاول حجازي تقديم المساعدة وسحب السكين من يد الشاب حسب ما ذكر لـ "الحدث" وهو في طبيعة الحال كان عابر سبيل ليس أكثر، ولم يكن يعلم ما يحدث حينها.

 

وقال: "في اللحظة التي قمت بسحب السكين من يد الشاب، التفت حولي وإذا بسيارة كـ "ترانزيت" تحمل 16 راكباً من كتيبة الكوماندوز والـ ( السيفيل)، وحينها صمت ونظرت إلى السائق وهو يرتدي القناع، وفي تلك اللحظة لم تغفل عيناي، فقد كان يجلس بجانب السائق المقنع جندي قام فجأة بإطلاق وابل من الرصاص على جسدي، وارتميت أرضاً".

 

ولم يتتوقف المشهد هنا، وقال حجازي مستذكراً تلك اللحظة التي تركت بصمة في حياته: "أطلق النار عبر اللوح الزجاجي الأمامي للمركبة الخاصة بالكوماندوز والـسيفيل، لتصل إلى جسدي المتهالك على الأرض، وفي بداية الأمر لم أشعر بألم الرصاصات التي اخترقت صدري وقدماي بشكل متتال، ولكن عندما وجهت رصاصة إلى منطقة الصدر تحديداً حينها شعرت بالوجع وبالموت في آن واحد".

 

وفي الحديث عن أماكن الاصابة ذكر حجازي بأن الرصاصات قد وجهت موزعة برصاصة من نوع ام 16 للقدم اليمني، والقدم اليسرى كان  نصيبها بـ 7 رصاصات، وإضافة إلى ذلك رصاصتين في منطقة الفخد من ذات القدم، ورصاصة قد اخترقت منطقة الصدر وبجانب القلب.

 

الشهيد الذي لم يمت

 

قال حجازي: "أصابوا الصدر وعندها تشاهدت ورأيت روح بيضاء تلتف حولي، ولكن ما زالت على قيد الحياة".

 

أضاف: "أطلقت الرصاصة باتجاه عظمة الصدر فاخترقتها، وخرجت من منطقة قريبة من القلب وبهذا فقد تركت فجوة عانيت منها كثيرا فيما بعد".

 

 

 

قد لا ندرك لحظة الموت، ولكن كيف نشاهد الموت ونحتفظ بجبروتنا، حينها قال حجازي: "عندما اخترقت الرصاصة منطقة الصدر كنت أرتدي السترة البيضاء، ووضعت يدي على منطقة الإصابة واذا بيدي تتلطخ بالدماء، ولم أبكي حينها..."

 

ما أوجع حجازي عندما سأل الجندي وبلحظات قليلة قد تسبق حالة فقدان الوعي، "لماذا وجهت سلاحك تجاهي، لم أفعل شيء.. أجاب الجندي: " أغلق فمك، أنا مجرم".

 

لم يكتف الجنود بهذا القدر من الإساءة، وابل من الرصاص يقابله وابل من الشتائم.

 

واكمل حديثه : "أمسكوا بقدمي اليمنى المصابة برصاصة ام 16 وبطريقة همجية حتى تأذيت، حتى أن عظمة القدم قد تعرضت للتفتت، وقد تلقيت العلاج على مدار شهر ونصف في مستشفى "شعاري تسيدك" في القدس المحتلة، وقد كانت هذه الاصابة الأصعب بالنسبة لي".

 

  

 

وعند السؤال عن المساعدة التي قدمت له بعد الاصابة قال لـ "الحدث": في البداية لم يقدم لي الاسعاف اللازم ولكن عندما عرف الجنود بأنني بريء وليست لدي أي علاقة في حالة الطعن التي كانت ستحدث، تم نقلي بواسطة الجيب العسكري إلى منطقة الحاجز، ومن ثم نقلت بواسطة الاسعاف إلى مستشفى "شعاري تسيدك" في القدس المحتلة.

 

استذكر تلك اللحظة: "عندما دخلت الاسعاف كنت رجلاً ميت، واستيقظت في المستشفى على الصدمات الكهربائية، ووجدت نفسي مكبلاُ بالسرير داخل المستشفى وقد وضع في يدي اليمين 3 سلاسل حديدية، بينما يدي الأخرى احتفظت بسلسلتين من الحديد ذاته، وقدمي مكبلات أيضاً، وانا لم أكن اعي ما يحدث فقط كنت أشعر بالألم".

 

وأكمل حديثه لـ "الحدث": "قال لي الضابط الإسرائيلي حينها بأنني قد ارتكبت فعلاً مخالف للقانون وبأنني مشاغب ويجب أن يتم اعتقالي، وبالمقابل تكبدت عناء تفسير وشرح تلك اللحظة واقناعه بعدم تورطي بأي شيء حينها وما قمت به فقط المساعدة، وفيما بعد ايقن الاحتلال ما حدث وافرج عني".

 

وفي اشارة للاسئلة التي وجهت من الضابط إلى حجازي، قال حجازي: "اذكر أنه وجه سؤالا لي مفاده عندما ستغادر المستشفى ماذا ستفعل فيما تبقى من حياتك؟ وقلت:  سأعمل وسأجتهد .. ولم تعجبه طريقة الرد واختصر الحديث وجمع المعلومات ورحل، وبعدها اطلق سراحي".

 

 العودة إلى الحياة مجدداً

 

"راودني شعور جميل عند العودة للحياة مجدداً، ولكن بعض الأمور قد تغيرت وها انا اتأقلم مع حياتي الجديدة". هكذا وصف الشاب يحيى صالح حجازي لـ "الحدث" حياته التي قد تغيرت بعد أن أصيب بـ 11 رصاصة في الصدر والقدمين، وهو بذلك عجز عن العمل في مهنة قد اتقنها منذ طفولته فلم يكف عن الشواء أو عمل السلطات في الرحلات المدرسية، وهو الان قد حرم من الوقوف وصنع الأطعمة المميزة.

 

قد يسابقنا القدر، فالسكين ذاتها التي تقتطع الحلويات اللذيذة، هي ذاتها قد توقع أحدهم بالخطر حتى لو لم يرتكب أي فعل، وها هي أوقعت الشاب حجازي دون أي سابق انذار.

 

"مهنة الطبخ تحتاج إلى الوقوف لساعات طويلة في المطبخ، ولم أعد اقوى على ذلك مثل السابق بسبب الاصابة بقدمي، غير أنني أمارس الزحف للوصول إلى منزلي، فأنا احتاج للصعود إلى الطابق الرابع مشياً على الأقدام، وهذا شيء مؤلم".

 

وبجانب الطبخ، قال حجازي: "في عام 2006 بدأت بلعب رياضة التايكوندو، وكنت من اللاعبين المميزين، وقد شاركت في بطولات محلية ودولية، فالرياضة بالنسبة لي هي غذاء الروح، وانا الان لم أعد قادر على لعب التايكوندو، وانما امارس بعض الحركات التي تساعدني في اعادة تأهيل جسدي من جديد".

 

ماذا عن حقوقك؟

 

قال حجازي: " لقد رفعت قضية ضد وزارة جيش الاحتلال الإسرائيلي وما حل بي، وقد طالب المحامي المترافع بالقضية الحصول على 12 مليون شيقل من الجانب الإسرائيلي تعويضاً عن الاصابة، ونحن ننتظر القرار".

 

وفي ذات السياق أكد حجازي، ووفق ما ذكر لـ " الحدث" بأن الجانب الإسرائيلي قد عرض عليه مبلغاً يقدر بـ 20 مليون شيقل مقابل أن يسلم هويتك الشخصية وان يغادر البلاد بلا عودة، ولكن حجازي رفض وفضل البقاء في بلاده وأن يكمل حلمه، ويعاود الوقوف مجدداً أمام علب السكاكين والملاعق والأطباق اللذيذة.