السبت  04 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

قضاؤنا في خطر/ بقلم: غسان مساد

2017-01-29 04:11:27 PM
قضاؤنا في خطر/ بقلم: غسان مساد
غسان مساد

 

إن منصب القاضي هو مثال واقعي يجمع العدالة والأخلاق الكريمة، والقاضي ليس منصباً حكومياً يصل إليه من يصل "بالواسطة والمحسوبية". إن ســلطات القاضي واســعة ولا تعلوه ســلطة فيما يخص الاحتكام للعدالة والقانون، وذلك كي لا يتعرض القاضي إلى التهديد أو التضييق من المتنفذين في أجهزة الدولة.

 

إلا أنني أجد أنه بدأ هذا المبدأ بالانحدار والترهل والسقوط، وهذا ينبئ بسقوط مدوٍ للنظام القانوني والسياسي، وغياب السلطة التشريعية بالضرورة سيؤدي إلى فساد في القضاء، وإضعاف القضاة ســيؤدي بالضرورة عاجلاً أم آجلاً إلى انهيار البناء المجتمعي.

 

بالتأكيد من أهم أسباب الفسـاد القضائي فســاد المعيار الأخلاقي لدى الجمهور، كون المعايير الأخلاقية لدى المجتمع تحكمها الأموال والنفوذ بالإضافة إلى أن تأثر القاضي بالحزبية السياسية والفئوية الضيقة يؤدي إلى اهتزاز ثقة العامة بالقضاء ويضعف شــعور المواطنة العام.

 

إن معايير اختيار القضاة يجب أن تكون شــديدة وليست مربوطة بالمواصفات التي تفصل في أروقة أصبحت ظاهرة للعيان، والتي مبررها خلق جيل شاب من القضاة يقومون بإخضاعهم لعدة دورات قضائية (وفق ما يقولون) ويحصل على ورقة حسن ســلوك من الجهات الأمنية دون أي مبرر لرفض البعض وقبول البعض الآخر.

 

إن معايير اختيار القاضي تتعدى مسألة العلم بالتشريعات القانونية وحفظها إلى صفات ذلك القاضي الإنسان الذي سيمثل هذا الصرح الذي يبحث في روح القانون، لا في النص الجامد، وذلك الإنسان الذي يبني ويجسد القيم والأخلاق المجتمعية ويربي الأجيال القادمة ويحمي الحقوق والحريات العامة وليس القاضي الذي يسعى إلى شرعنة انتهاك تلك الحريات.

 

فيجب أن يكون من يتولى هذا المنصب كما وصف في زمن تعتبرونه غابراً (أن يكون عَلِيماً... حكيماً... حكيماً... حكيماً) وأن يتوحد في شخصه الصبر والحكمة المشــهودة والهدوء والشجاعة، كي لا يتاثر بأي ضغوط.

 

أرى أن المجتمع لا يمكن بناء قيمه الأخلاقية في ظل قضاء ضعيف لا يمكن أصحاب الحقوق ويحمي حريات الأفراد.

 

إن القضاة النزيهين أنفســهم يعانون من تردي القدرة في الوصول إلى العدالة الناجزة المؤثرة في اســتصدار أحكام تتماشى مع العدالة القضائية, وبناء المجتمع وفق ضوابط وأخلاقيات هذا الشعب غير المشوهة.

 

إن الحالة العشوائية في كل شيء، والتي نعيشها هذه الأيام، وأخطرها حالة السلطة القضائية التي هي الملاذ في حالة اللاتشريع، هي الخطر الأكبر الذي لم نشهده على مدار الحالة القضائية في فلسطين والتي تعاقبتها عدة دول.

 

لا شك في أن حالة الانقسام وتعطل المجلس التشريعي ساهما في ترهل مؤسسات كثيرة، ومنها القضائية لابتعاد أصحاب القرار عن المعايير الأساسية والحقيقية ومبادئ خلق قضاء مستقل.

 

 ولذلك فإننا نوصي بالآتي:

أولاً: يجب ألا يتعين في القضاء إلا من أمضى خبرة قانونية في المحاماة لا تقل عن 10 سنوات ميلادية، بالإضافة إلى خبراته العلمية.

 

ثانياً: يجب ألا يتعين في النيابة العامة أيضاً إلا كل من أمضى 10 سنوات من الخبرة القانونية في مجال المحاماة بالإضافة أيضاً إلى خبراته العلمية.

 

ثالثاً: يجب أن تكون الخبرة والدرجات العلمية، هي الشروط الأولية للقبول بالعمل في القضاء أو النيابة العامة بعد الخضوع لامتحانات عميقة من قبل لجنة متخصصة.

 

رابعاً: يجب أن يبادر مجلس القضاء الأعلى بفرض آلية رقابة داخلية قوية من قضاة مشهود لهم بالنزاهة والمصداقية لإعادة تقييم القضاة والوقوف على مدى مهنيتهم واحترافهم في ظل المعطيات المستجدة.

 

خامساً: السماح لكل من يشتكي على قاضٍ لأي سبب، أن يعلم ما تم في شكواه لا أن تموت في أدراج أقسام الشكاوى في مجلس القضاء، وأن يتم اتخاذ إجراءات صارمة بحق من يثبت بحقه أي شيء مما ادعي عليه، ويجب إشراك نقابة المحامين في آليات الرقابة تلك.

 

سادساً: العمل وبجدية مع نقابة المحامين لرفد الجهاز القضائي بكوادر مهنية متميزة من أصحاب الخبرة العملية كقضاة وموظفين.

 

سابعاً: العمل على جعل درجات التقاضي في الدعاوى الإدارية على درجات، أسوة بالدول المجاورة مثل مصر وسوريا، لما أنتجه نظام الدرجة الواحدة من مشاكل كلنا نعلمها، خاصة مع عدم تغيير الهيئة القضائية وتدويرها أسوة بباقي المحاكم، وليس أدل على ذلك من الإرباك الذي تعيشه هذه المحكمة وآخرها قرارها حول براءة الذمة والإحالة للتقاعد المبكر وقضية شركات الباصات.

 

لا بد من وقفة تأمل لكل ما يجري في القضاء وعدم الانتظار كثيراً في إصلاح هذه السلطة التي تعتبر أهم السلطات الثلاث، ويجب النأي بالقضاة والقضاء عن تدخلات كل من يريد لقضائنا الضعف كي يبقى مستمراً في غيّه ونفوذه.

 

إلى كل أصحاب القرار، أنتم مسؤولون أمام الله وأمام شعبكم العظيم عن وقف الانهيار، فلتكن قراراتكم جريئة بحجم ما وصلنا إليه.

 

نعم لاستقلال القضاء