الخميس  02 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

جريمة في رام الله بقلم: سامح خضر

2017-02-07 06:58:06 PM
جريمة في رام الله 
بقلم: سامح خضر
سامح خضر

 

 أكتب هذا المقال اليوم اختباراً للفقرة قبل الأخيرة التي وردت في بيان النائب العام الذي يشدد فيه على صون حرية التعبير عن الرأي وكفالة القانون للمواطن بحرية النشر والتعليق. قد يتسرع قارئ المقال ويهرول نحو استخلاص مفاده أن هذا المقال لنقد وتحليل رواية الروائي الفلسطيني عبّاد اليحيى، وهذا جزئياً صحيح. لم أقرأ العمل بعد، لكن العنوان الذي استخدمه اليوم هنا هو للإشارة إلى حقيقة ملاحقة الرواية لا تحليل الرواية نفسها. بادئ ذي بدء، لا تتعدى علاقتي بالكاتب اليحيى حدود تبادل الأحاديث القصيرة في المناسبات الثقافية التي قد تجمعنا في أرجاء المدينة، وسبق وقرأت له عملين هما "رام الله الشقراء" و"هاتف عمومي"، وعرضت عليه قبل أسابيع استضافة في متحف محمود درويش لمناقشة الرواية لكنه اعتذر بلطف لعدم توفر نسخ كافية من الرواية في حينه. ورغم رغبتي الشديدة في متابعة وقراءة رواية عبّاد الجديدة إلا أنني لم أنجح حتى الآن في الحصول على نسختي ويبدو أن هذا لن يحدث في القريب بعد مصادرة الكتب من قبل الشرطة الفلسطينية بدءً من أمس. وحدث أن التقيت قبل أيام في أحد المناسبات الاجتماعية بصديق يعمل في الصحافة وسألني عن رواية عباد اليحيى ورأيي في الصخب الدائر حولها. الصديق الذي أخذ على عاتقه شرح ما عرضته الرواية من "بذاءات" وقف كالصنم حين سألته: وهل قرأت أنت الرواية؟ قال لا، قلت: وكيف تحكم على عمل دون أن تقرأه؟ فأجاب: الناس يقولون كذا وكذا...

 

لست هنا للدفاع عن عمل لم أقرأه بعد، بل للحديث عن قرار النائب العام الذي جاء في بيان رسمي صدر عن مكتبه ظهر أمس، وأوضح فيه حيثيات قراره بمنع بيع وتداول الرواية واستدعاء الكاتب والناشر والموزع للتحقيق. لكن على النائب العام أن يجيب المواطن عن بعض الأسئلة بوضوح: ألم ينتهي عملياً منع ومصادرة الكتب خصوصاً أن الشبكة العنكبوتية "الانترنت" قد أباحت وأتاحت كل ما هو ممنوع بشكل يستحيل على أي سلطة كانت فرض رقابة عليه أو مصادرته؟ ألا يعلم عطوفته أن هذه القرارات بالملاحقة والمصادرة كانت لتنجح قبل عشرين عاماً من اليوم، لا في عصر الفضائيات والمواقع الالكترونية ومواقع التحميل المجاني للكتب والأفلام العربية والأجنبية؟ لقد حظيت رواية "الخبز الحافي" للروائي المغربي محمد شكري بما لم تحظ به أية رواية عربية من حيث نسبة القراءة - رغم ركاكتها الفنية - لا لشئ سوى لأنها منعت من قبل السلطات في أكثر من بلد عربي. وأخيراً، هل تحرك النائب العام بموجب شكوى ما؟ أم أن تحركه جاء انطلاقاً من ذائقته الشخصية وأحكامه على العمل الذي كان يمكن من خلال فتح مساحات معينة للنقاش حول الرواية ومع الكاتب تبيان مقاصده من بعض ما ورد فيها؟

 

لقد عمد البعض إلى اجترار بعض المقاطع النصية من العمل والترويج لها على أنها فسق وفجور وحض على الرذيلة وهو أمر لا ينطبق هنا على عباد اليحيى وحده، وإنما قد ينطبق أيضاً على كل كاتب وشاعر أصبح نصه اليوم معرضاً للاجترار والاستقطاع والتأويل. إن هذه هي معركة المثقف الكبرى، معركة كنا نتمنى أن نخوضها على مضمار مواجهة الاحتلال لصد محاولات تنكيله بهويتنا الوطنية والثقافية، لا معركة تدار هنا في البيت حيث يصبح فيها المثقف كيس ملاكمة للقوانين ويصبح هو وما يكتب عرضة للتشهير والمساءلة.

 

 إن المساس بالكتاب والفنانين الفلسطينيين يجب أن يؤخذ على محمل الجد، فما دام القانون الفلسطيني قادر على منع كتب واستدعاء كتاب وتقديمهم للمحاكمة فإننا اليوم نقف أمام الحقوق الدستورية للكاتب الفلسطيني بعيون تملؤها الريبة. لقد دفع أبو سلمى وعبد الرحيم محمود وإبراهيم طوقان ثمناً لما كتبوا إبان الانتداب البريطاني، وماجد أبو شرار وغسان كنفاني وناجي العلي وغيرهم الكثيرون دفعوا أيضاً أثماناً باهظة لإيصال صوتهم وللتعبير عن الحالة الفلسطينية ونقل هموم شعبنا بالأدب والفن.

 

إن محاكمة الإبداع تأتي عبر النقاش الموضوعي والنقد لا عبر المنع والمصادرة. فسمة الأدب هو نجاحه في خلق مساحات واسعة من النقاش داخل المجتمع وقدرته على استيعاب مختلف وجهات النظر ومنحها الهامش للتعبير عن نفسها سواء بالتأييد أو المعارضة.

 

وأخيراً، فليستميحنا عطوفة النائب العام عذراً، فرغم علمي ويقيني بحرصه الشديد على مسألة الحريات وحقوق المواطن وإعلاءه لكلمة القانون إلا أن قراره مسألة تحتاج إلى مراجعة. لو كان للجسم القضائي الفلسطيني من دور في الأدب والفن هنا فينبغي أن يقتصر على صياغة قوانين تحترم الابداع وتشجع عليه، وتحفظ الملكية الفكرية وتصونها في ظل غياب قوانين عصرية تحترم الكاتب والكتاب وتحفظ حقوقهما. فقانون الملكية الفكرية المعمول به فلسطينياً اليوم، هو قانون العام 1924 البريطاني والذي بات لا يتماشى مع روح العصر والتطور التكنولوجي والرقمي الذي تطورت عبره مختلف الفنون والآداب. إنتصر القانون وخسرت الثقافة.