الحدث- محمد غفري
"في اليوم الأول أنهيت عملي عند الساعة 2:00 ظهراً، وطلبت من المستوطن "زوهر" أخذ استراحة لأقوم خلالها بشرب القهوة، إلا أن المستوطن هو من حضّر لي القهوة، واقترب مني ووضع يده على كتفي ثم...."
دفعت ظروف الحياة الاقتصادية الصعبة، عشرات الآلاف من العمال الفلسطينيين للاتجاه نحو سوق العمل الإسرائيلي، سواء داخل الخط الأخضر أو في المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية والقدس المحتلة.
هذه الحاجة الجامحة للعمل عند الفلسطينيين من كلا الجنسين، وجد بها المحتل فرصة شرهة لتحقيق أهداف تتعدى حدود علاقة العامل مع المشغل، من حرمان للحقوق العمالية المعروفة، ومحاولات لإسقاط العمال في وحل الخيانة، حتى الاستغلال الجنسي للعاملات الفلسطينيات، كما هو حاصل بشكل خاص في مستوطنات الأغوار الزراعية، وتجمع مستوطنات معاليه أدوميم، الممتدة من شرق القدس المحتلة، حتى حدود البحر الميت.
على أراضي الأغوار الفلسطينية شيد الاحتلال الإسرائيلي 38 مستوطنة، منها 32 مستوطنة زراعية، ويعمل في تلك المستوطنات الزراعية 4,000 عامل فلسطيني، من هذا الرقم هناك ما نسبته 30% من النساء و10% من الأطفال، ويصل هذا الرقم في موسمي قطف التمور والعنب إلى 10,000 عامل فلسطيني تقريباً.
أولئك العمال محرومون من الحماية والإسناد القانوني من قبل السلطة الفلسطينية، ولا تتابع الحكومة حالاتهم، لأنها تتعامل مع الأمر من منظور سياسي لعدم الاعتراف بشرعية الاستيطان، محملة العامل كل المسؤولية عن كل ما يتعرض له من هدر لحقوقه، ومن استغلال اقتصادي أو جنسي بسبب العمل في المستوطنات، وهو العمل الذي يجرمه أيضاً القانون الفلسطيني.
كيف يحدث الاستغلال الجنسي؟
عند ساعات الفجر الأولى تتجهز العاملات الفلسطينيات وتتسمر أمام منازلها بانتظار سيارة "السمسار"، من يتولى نقلهن إلى موقع العمل داخل المستوطنات، ليبدأ العمل عند الساعة السادسة صباحاً، وينتهي ما بعد ساعات الظهيرة.
والسمسار، هو فلسطيني يتولى مهمة البحث عن العاملين لتشغيلهم في المستوطنات، ويقوم يومياً بنقلهم إلى موقع العمل، ويعتبر حلقة الوصل بين العامل ورب العمل، ويتقاضى مقابل ذلك جزءاً من أجر العامل اليومي، عدا عن مرتبه الثابت.
تروي السيدة فاتن (اسم مستعار) ما حصل معها في إحدى مواسم فصل الشتاء عندما قل العمل في الزراعة لدى مشغلها، فهي تعمل بنظام الساعة، وانحسار وقت العمل يعني انخفاض مرتبها اليومي، وعدم مقدرتها على سد حاجات منزلها، لما كانت تعاني منه من فقر شديد في ذلك الوقت بعد وفاة زوجها.
فاتن قالت لـ"الحدث"، إنها بدأت بالبحث عن عمل إضافي، فقام أحد السماسرة بتشغيلها لدى مستوطن كبير السن اسمه "زوهر" يملك فندقاً بنظام شقق، في مستوطنة "فيرد يريحو".
وتابعت: "في اليوم الأول أنهيت عملي عند الساعة 2:00 ظهراً، وطلبت من المستوطن أخذ استراحة لأقوم خلالها بشرب القهوة".
المفاجئة كانت أن المستوطن هو من حضّر لها القهوة، واقترب منها ووضع يده على كتفها، وتمادى في حركة يده إلى الأسفل.
وأضافت: "في ذلك الوقت أبلغته أنني أنهيت عملي ويجب أن أعود إلى المنزل، وكان الاتفاق أن يدفع لي 100 شيقل مقابل عملي في التنظيف، إلا أنه صرف لي ورقة شيك بقيمة 150 شيقل".
بعد هذه الحادثة الصادمة لفاتن، اكتشفت أن الجميع يعلم عما يقوم به "زوهر" مع الفتيات الفلسطينيات، بما في ذلك السمسار، فهو مستوطن يدعي أنه بحاجة لعاملات تنظيف، ولكنه في الحقيقة بحاجة فقط لفتاة تقوم "بتدليله"، حسب ما نقلت فاتن شهادتها عن أخريات عملن معه.
فاتن التي بدأت العمل في تنظيف المنازل منذ العام 2001 عند الفلسطينيين، كانت تتقاضى على الساعة 10 شواقل، ولكن عندما انتقلت للعمل في نفس المجال في المستوطنات بدأت تتقاضى 50 شيقلاً وأكثر لقاء ساعة العمل الواحدة.
وخلال سنوات عملها الطويلة، تكرر نفس المشهد مع فاتن أثناء سيرها على الشارع العام في منطقة "الخان الأحمر" الاستيطانية، أن يوقف مستوطن سيارته جانباً أو يواصل السير جانبها ببطء، ويطلب منها أن تصعد معه في السيارة، وسوف يدفع لها 200 شيقل وأكثر في حال وافقت.
وخلال لقائها مع "الحدث"، أشارت فاتن إلى قصة مشهورة في منطقة الأغوار، عن علاقة جمعت "سمسارة" فلسطينية (ا. ك) مع مستوطن في منطقة الخان الأحمر، وكان المطلوب منها أن تقوم بإحضار فتيات بحجة العمل في المستوطنات، ولكن في الحقيقة كان الأمر غير ذلك.
في الطريق إلى أريحا، كان لنا لقاء مع شاب فلسطيني يعمل في مغسلة للسيارات على الشارع الرئيسي في بلدة حزما، والذي أكد بدوره حول ما يجري من استغلال جنسي للفلسطينيات العاملات في تنظيف المنازل في مستوطنة "معاليه أدوميم" القريبة منه.
الشاب (ع.غ) أكد أن بعض المستوطنين زبائن المغسلة تفاخروا أمامه مراراً في وصف مفاتن عاملات التنظيف الفلسطينيات.
وفي السياق المتصل بعاملات تنظيف المنازل، تبين أنه في بعض الحالات، تبدأ العاملة الفلسطينية عملها في تنظيف البيوت وهو أمر شائع في مستوطنة "معاليه أدوميم"، ثم يقوم المستوطن باغتصابها، والاعتداء جنسياً عليها، وعادة ما تكون هناك كاميرات في المنزل تصور كل شيء.
بعد ذلك يعرض المستوطن التسجيل على العاملة ويهددها بفضح ذلك إذا لم تواصل ممارسة الجنس معه في الوقت والمكان الذي يريده، وبسبب خوفها من الفضيحة توافق.
الاستغلال الجنسي للعاملات في الزراعة
تقول (ر) في الأربعينيات من عمرها وتعمل وعملت في أكثر من مستوطنة زراعية، أن الأمر يبدأ بجس نبض الفتاة من قبل "مناهيل" بالعبرية كما لفظتها أي "المعلم" والذي هو في الأغلب فلسطيني مثلها، سمسار ليست لديه أية مشكلة في تقديمها على طبق رخيص لرب عمله المستوطن مقابل شواقل معدودة لا تتجاوز 200 شيقل، يحصل هو على 60% منها أي 120 شيقلاً، لتحصل هي على 80 شيقلاً.
وفي بعض حالات الاستغلال، كما نقل لنا الشهود، يتابع ويراقب المستوطن الموجود بالقرب من العمل، قد تعجبه إحدى الفتيات العاملات في الزراعة أو في قطف محصول ما أو في قسم التعبئة، فيقوم بالاتفاق مع السمسار بإبلاغها أن المستوطن غير راضٍ عن عملها، فيطردها.
عند محاولتها الاتصال بالسمسار ثانيةً، يحاول هذا الأخير ابتزازها بالطريقة التي يجدها مناسبة كي تمارس الجنس مع المستوطن، مستغلاً حاجتها المادية، إن وافقت فإنها تنال حظوة عند مشغلها المستوطن ويرفع من مياومتها.
أو قد تلحظ مشهداً آخر، كما روى شاهدُ عيان رأى الأمر بنفسه، تركب العاملة إلى جانب المستوطن على الجرار، وقد يختفيان في آخر الحقل، أو في إحدى زوايا أقسام التعبئة، يضيف، "ما بحط بذمتي شو بيصير، بس الأمر واضح."
شاهد آخر، وهو شاب يافع بدأ حديثاً العمل في قطف الثمار داخل المستوطنات الزراعية القريبة من قرية الجفتلك، قال إن المعلم العربي أو اليهودي يطلب من "السمسارة" أن تحضر له فتيات للعمل، وتقوم هي بدورها باختيار أجمل الفتيات، لأنها تحصل لقاء ذلك على ربح مالي أعلى.
وأضاف، تلك الفتاة الجميلة التي يعجب بها المعلم، لا تعمل طوال النهار أكثر من ساعة، إلا في الحالات التي يمر بها المستوطن صاحب العمل، وتأخذ من المعلم العربي "يومية" أعلى من الجميع حتى من الشباب، وقد يصل أجرها إلى 120 شيقل لأن المعلم معجب بجمالها، وهو ما يضع علامات استفهام حول نية المعلم تجاه هذه الفتاة، التي لا ذنب لها سوى أنها جميلة.
تجدر الإشارة إلى أن أجر العاملات الفلسطينيات في الزراعة داخل مستوطنات الأغوار، يتراوح يومياً بين 50- 75 شيقلاً، في حين تتقاضى "السمسارة" أجراً يصل إلى 100 شيقل.
رفض فكرة العمل في المستوطنات
داخل أحد المنازل في مدينة أريحا كان لنا لقاء مع السيدة تمام (اسم مستعار) وثلاث فتيات عاملات من أصل 30 عاملة تتولى هي مسؤولية تشغيلهن.
تمام (30 عاماً) بدأت حديثاً العمل في مصنع عربي لتعبئة التمور، إلا أنها جربت سابقاً العمل في مستوطنات الاحتلال سواء في قطف الثمار أو المصانع أو المنتجعات السياحية على شاطئ البحر الميت.
وأكدت تمام في لقاء مع "الحدث"، أنه من الصعب على المستوطن أو المعلم الفلسطيني أن يتحرش بفتاة فلسطينية تعمل داخل مصنع، بسبب كثافة العمال الموجودين.
إلا أن تمام ألمحت إلى وجود مضايقات جنسية سواء لفظية أو جسدية تتعرض لها الفلسطينيات في بعض الأحيان داخل المصانع.
وعند سؤالها عن عدم تجربتها العمل في تنظيف المنازل، أشارت إلى ما تتعرض له العاملات من استغلال جنسي، وهو ما دفعها بالمجمل إلى ترك العمل في المستوطنات.
أما السيد أبو سليم مواطن فلسطيني من قرية فصايل، تفاخر أن بلدته ترفض بشكل قاطع عمل الإناث في مستوطنات الاحتلال.
وأكد أبو سليم، أن سبب هذا الرفض هو معرفة ما يجري داخل تلك المستوطنات من استغلال للعاملات، لذلك تعمل إناث البلدة داخل مزارعهم الخاصة.
وأضاف لـ"الحدث"، في حال تعرضت عائلة من البلدة لضائقة مالية، ولم يكن أمامها من خيار سوى عمل فتاة داخل المستوطنات، يقدم الجميع مساعدة مالية لهذه العائلة على ألا تذهب فتاة للعمل في المستوطنة.
وفي حالة مشابهة إلى الشمال من قرية فصايل كان لنا لقاء مع السيدة (ا, ن) داخل أحد حقول المزارعين الفلسطينيين، والتي جربت لسنوات طويلة العمل داخل المستوطنات الزراعية.
تلك السيدة رفضت بشكل قاطع أن تعمل إحدى بناتها مستقبلاً داخل مستوطنات الأغوار الزراعية لما كانت تلحظه من استغلال جنسي تجاه العاملات الفلسطينيات.
إذاً لماذا يوافق البعض على عمل المرأة في هذه الظروف؟
يقول أمين عام اتحاد نقابات عمال فلسطين في منطقة أريحا والأغوار وائل نظيف إن الفلسطينية العاملة في المستوطنة من الممكن أن تكون هي معيلة الأسرة، أو أرملة، أو زوجها مريض، أو يكون لدى زوجها مشاكل أمنية لا يستطيع الحصول على تصريح عمل في المستوطنات أو الداخل، أو أن عدد أفراد أسرتها كبير، وبالتالي تضطر للعمل.
وأشار نظيف، إلى أن هناك أربع قطاعات تعمل بها الفلسطينيات في مستوطنات الأغوار، الزراعة وهو القطاع الأكبر، والعمالة في المصانع، وتنظيف المنازل، وهناك عاملات في المطاعم والمنتجعات على شاطئ البحر الميت.
وأكد، أن الفلسطينية تعمل في ظل أجور متدنية، وظروف عمل صعبة، وبدون حماية ولا حقوق، وبدون أي أوراق ثبوتية تثبت علاقتها مع المشغل، وهذا ما يؤدي إلى ضياع الحقوق، والسبب الرئيسي في كل ذلك هو الظروف الاقتصادية الصعبة.
رلى أبو دحو محاضرة دراسات المرأة في جامعة بيرزيت، ترى أن لقمة العيش هي السبب الرئيسي الذي يوصل المرأة إلى هذه الحالة.
وأضافت أبو دحو لـ"الحدث"، أن النساء تاريخيا تبيع جسدها بسبب لقمة العيش، وفي حالة الاستغلال الجنسي في المستوطنات، يتم ذلك بسبب الظروف القاسية في الأغوار، والوضع الاقتصادي السيء هناك، ولأن من يقوم بالتسهيل هم سماسرة فلسطينيين.
وبحسب أبو دحو، في بعض الحالات تكون النساء غير متعلمات، وحجم الوعي لديهن محدود، بالإضافة إلى الضغط الذي تواجهه النساء والابتزاز، وكلها أسباب تساعد على الاستغلال الجنسي للنساء.
الخبيرة في دراسات المرأة، قالت إن المرأة لا تقبل بما تتعرض له، إلا أنها تمر بسلسلة من الابتزازات التي تبدء عند السمسار الفلسطيني، وتنتهي عند المستوطن الصهيوني، وبالتالي تجد المرأة نفسها قد وقعت في هذا الوحل دون أن تعرف كيف.
الجانب الرسمي والأهلي يعرف حقيقة ما يجري
"الحدث" توجهت إلى كافة الجهات الرسمية والأهلية ذات العلاقة من أجل التأكد من صحة هذه الشهادات وحقيقة تعرض بعض العاملات الفلسطينيات للاستغلال الجنسي داخل المستوطنات.
عطوفة محافظ أريحا والأغوار ماجد الفتياني، قال إن المحافظة كمؤسسة رسمية لم تصل إليها شهادات من عاملات فلسطينيات أن هذا الأمر حدث معهن، ولا توجد لديهم شكاوى رسمية بذلك.
ولكن الفتياني في حوار خاص مع "الحدث"، أقر أن: "هناك أقوال تتناثر ومشاهدات بين العاملين والعاملات تروى، ولكن لم نتحقق منها، لأنه لا توجد لدينا اعترافات موثقة في هذا الجانب من أي امراة تعرضت لهذه المضايقات".
وأضاف الفتياني، أن اتحاد العمال في أريحا والأغوار هو من يتابع هذا الملف ولديه شهادات موثقة من قبل العاملات.
"الحدث" توجهت إلى السيد وائل نظيف أمين عام اتحاد نقابات عمال فلسطين في منطقة أريحا والأغوار، الذي أقر أيضاً بوجود مضايقات جنسية للعاملات الفلسطينيات داخل مستوطنات الاحتلال.
وأكد نظيف أن لديه شهادات موثقة من عاملات فلسطينيات تعرضن للتحرش الجنسي، ووصلت إليهم في الاتحاد عشرات الشكاوى حول هذه القضية، وفي عام 2016 وصلت إليهم بحدود 15 شكوى، إلا أن العدد الأكبر من العاملات يرفضن الإفصاح بسبب الخوف.
وأشار إلى ترك عدد من العاملات العمل في المستوطنات بسبب هذه الظاهرة، وأن هناك عاملات يواصلن حتى اليوم العمل تحت التهديد والمضايقات.
وفي السياق، أكد وكيل وزارة العمل ناصر قطامي على علم وزارة العمل بوجود مثل هذه الظواهر عندما قال: "من وقت إلى أخر يصل إلينا معلومات أنه يتم استغلال بشع بحق العاملين والعاملات وبشكل محدد الإناث والأطفال في داخل المستوطنات، ولكن لا يرد إلينا شكاوى رسمية، حتى نتمكن من فتح تحقيق ومتابعتها ومن أجل اتخاذ الإجاراءات المناسبة بهذا الصدد"، مضيفاً: "ما يصل إلينا حول قضايا الجنس هو مجرد وشوشات وحديث غير رسمي".
أين هو الدور الرسمي؟
وكيل وزارة العمل نفسه أكد أن الوزارة: "لا تستطيع اتخاذ الإجراءات المناسبة بهذا الصدد، أو أن تبني عليه أي تدخل قانوني، لأن غالبيتها تتعلق بالعمل في المستوطنات خارج نطاق عمل الوزارة والسلطة".
وأضاف قطامي لـ"الحدث"، أن دور وزراة العمل هو دور قانوني بحت، حيث تقوم بالرصد والتوثيق، وأكثر من تسليط الضوء على هذه الظاهرة وفضحها أمام الجهات الدولية والتحويل للجهات ذات الاختصاص، لا تستطيع، لأنها مقيدة سياسياً.
وتفسيراً للتقييد السياسي، أوضح قطامي أن موضوع العمل في المستوطنات هو موضوع سياسي بامتياز، ولا يمكن الاقتراب منه، لأن الموقف الرسمي الفلسطيني لا يعترف بالمستوطنات، وأي تدخل في هذا الجانب يعني اعترافاً ضمنياً بشرعيتها.
لذلك ما تقوم به وزارة العمل أنها تلجأ لإثارة هذا الموضوع من خلال القنوات الرسمية والدولية، وسنوياً يتم تسليط الضوء بشكل كبير أمام بعثة الأمين العام لمنظمة العمل الدولية على هذه الانتهاكات التي تتم ومنها الاستغلال الجنسي.
وأوضح قطامي أكثر، أن وزارة العمل كواجهة الحكومة في هذا الموضوع لديها وسيلتين للعمل، الوسيلة الأولى في حال وصول شكوى من قبل من تعرضن للاستغلال أن قمن بإلابلاغ، وهذا لم يحدث ولم تقيد لديهم أي شكوى نظراً لحساسية الموضوع، أما الوسيلة الثانية ما يصل إليهم من "وشوشات" وتم تحويلها للنائب العام.
وأكد قطامي، أنه نظراً لحساسية القضية لجأت الوزارة إلى مستويات أمنية، وشكلت لجنة برئاسة محافظ أريحا، وعضوية كافة الجهات المتدخلة، وتم تزويدهم بكافة المعلومات المتوفرة لديهم أن هناك عمليات استغلال تتم، وأن هناك سماسرة يقومون بالتسهيل.
وتابع: "قمنا بالإبلاغ عن الحالات التي تم رصدها ومتابعتها، وتم تحويل 3 سماسرة إلى جهات الاختصاص، وعرضهم على القضاء، ولكن للأسف الشديد القضاء إخرجهم بكفالات، لأنه لم يتم إثبات وجود استغلال جنسي، ولا دليل لديهم، ولا توجد شكاوى بذلك، وإنما تم عرضهم على المحكمة في قضايا انتهاك حقوق العمال بشكل عام".
أمين عام اتحاد نقابات عمال فلسطين في منطقة أريحا والأغوار وائل نظيف، أكد على صعوبة حل هذه القضايا كما ذكر قطامي.
وقال نظيف: "عندما تصل إلينا شكاوى نقوم بالتواصل مع الجهات الرسمية والأجهزة الأمنية أحياناً، ولكن للأسف لم تحل أي قضية، فإما أن تواصل الفتاة العمل دون حماية، أو تضطر لترك العمل".
وحمل نظيف المسؤولية على عاتق القطاع الحكومي والقطاع الخاص، من أجل توفير فرص عمل بديلة للعاملات في المستوطنات.
اعتراف رسمي بالتقصير
وكيل وزارة العمل ناصر قطامي اعترف أن هناك تقصيراً رسمياً في التعامل مع هذا الملف، وأن جزءاً من المسؤولية يقع على عاتق الحكومة والقطاع الخاص في توفير البدائل، لأن عدد العاملات ليس كبيراً، وبالإمكان التفكير بشكل جدي في تقديم مشاريع لاستيعاب العاملات خصوصاً أن قطاع الزراعة من أكثر القطاعات حيوية وبالإمكان الاستفادة منه، كذلك بالإمكان توفير البدائل للعاملات في المنازل.
وصرح قطامي أن وزارة العمل مستعدة بعد هذا التحقيق الصحفي، أن تقوم بإجراءات أكبر للتأكد من صحة الأمر، وقد تكون مضرة لاتخاذ إجراءات أكبر قد تصل إلى حد منع العمل، في حال ثبت لديهم أن هذا الأمر ممنهج.
كما وطالب قطامي بعودة الوازع الوطني الذي أصبح مفقوداً، ويجب أن يكون هناك دور للأحزاب في رفع الوعي الوطني الموفقود، وليس فقط دور على السلطة.
أما عطوفة محافظ أريحا والأغوار ماجد الفتياني، فأكد أن هناك قراراً رسمياً بمقاطعة العمل في المستوطنات الإسرائيلية، إلا أن هناك من يعمل داخل المستوطنات الإسرائيلية.
وحول سبب عدم التزام العمال بالقرار، قال الفتياني: "نحن نجلب المياه ولكن لا نستطيع أن نجبر أحد على شرب المياه، وهناك مجالات للعمل في المزارع الفلسطينية والمنشآت الفلسطينية وفي مزارعنا الخاصة، ولكن هناك سلوك غير مفهوم من بعض العاملين والعاملات في العمل داخل المستوطنات الإسرائيلية، رغم أن هناك فرص عمل وربما رواتب أفضل من الرواتب التي تعطى في بعض المستوطنات، لأن الراتب في المستوطنات يذهب بين العامل وبين السمسار".
وطالما لم يلتزم العمال بقرار منع العمل في المستوطنات، لماذا لا تمنع السلطة العمل بشكل رسمي؟ هذا السؤال أجاب عليه الفتياني: "لا نستطيع العمل رسمياً على منع العمل في المستوطنات، بل نحذر، ونراقب، ونرشد، وندلل على وظائف وفرص عمل أخرى كبدائل للعاملين والعاملات في المستوطنات، ولا أعتقد أن هناك من يستطيع أن يمنع العمل في المستوطنات، لأن المستوطنات والمنشآت الزراعية والصناعية هي في مناطق C ولا سطرة أمنية واجتماعية لدينا".
واعترف الفتياني أن معدل البطالة نتيجة الظروف السياسة والاجتماعية والاقتصادية في ازدياد، إلا أن الدولة هي جهة التشغيل الأساسية ولا تستطيع أن تستوعب كل هذه الطلبات، وهناك حاجة لجهود أكبر لمعالجة مشكلة البطالة في صفوف أبناء شعبنا.
وفي ذات السياق، أكد المتحدث الرسمي باسم الأجهزة الأمنية الفلسطينية عدنان الضميري، أنه لا دور للأجهزة الأمنية في هذا الموضوع، وفقط تستطيع التدخل في حال ورد شكوى عن العمل في المستوطنات إلى الأجهزة الأمنية تتعلق بقضايا الأمن والخيانة وبيع الأراضي.
الجدير بالذكر أن السلطة الوطنية الفلسطينية أطلقت خلال السنوات السابقة حملات عدة لوقف العمل في المستوطنات الإسرائيلية لأنها غير شرعية ومقامة على أراضٍ فلسطينية محتلة، وقد صدر قرار بقانون عام 2010 من قبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، يُجرّم من يعمل في المستوطنات، لكن عدم قدرة السلطة على توفير فرص عمل بديلة لهم في مشروعات اقتصادية فلسطينية حال دون تنفيذه.
ما هو الحل؟
تشير البيانات الرسمية إلى أن نسبة العاطلين عن العمل من بين المشاركين في القوى العاملة في فلسطين عام 2016 بلغت نحو 26.6%، بواقع 18.0% في الضفة الغربية و41.2% في قطاع غزة.
كما وصلت نسبة البطالة في فلسطين بين الإناث المشاركات في القوى العاملة إلى 42.8% مقابل 22.3% بين الذكور.
وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، تبلغ نسبة البطالة للإناث من 15 سنة فأكثر في منطقة أريحا والاغوار 22.7%، وذلك في العام 2015.
بناء على ما وثق من شهادات من قبل العاملات، وما اعترف به المسؤولون الفلسطينيون، وما تشير إليه الأرقام الرسمية، يبدو أن الحاجة الملحة للعمل وفارق الأجور هي من دفعت العاملات الفلسطينيات للعمل داخل المستوطنات رغم كافة التحديات الصعبة.
لذلك يجب على القطاع الرسمي والخاص تحمل مسؤوليته، وتوفير فرص عمل كريمة لتلك العاملات، وقضية خلق مشاريع عمل تعوض الفلسطينيات عن العمل في مستوطنات الأغوار ومعاليه أدوميم ليست بالتحدي الصعب، طالما كانت القضية بهذا الحجم من الخطورة.
وحتى إيجاد تلك المشاريع، يجب على الجهات المسؤولة وبشكل خاص الأجهزة الأمنية الفلسطينية أن تقوم بدور رقابي وتحري أكبر لمنع أي استغلال جنسي للفلسطينيات، لا أن تنتظر وجود شكاوى رسمية لتبدأ العمل.