بدون وجود دليل حسابات موحد
60% من المشاريع الريادية تواجه الفشل من بين ما يتم إنفاقه على الإقراض الصغير والبالغ 200 مليون دولار سنوياً
التناقص التدريجي في الموازنات التطويرية يظهر عدم جدية الحكومة بتحقيق أهداف سياساتها المعلنة
ارتفاع نسب البطالة ومعدلات الفقر والفقر المدقع يؤهل لانفجارات لا يقدر القطاع الخاص تحملها من جيوبه
خاص الحدث
يكشف القطاع الخاص الفلسطيني أن ما قدمه للموازنات التطويرية منذ عام 2004 حتى الآن يقدر بحوالي 23 مليار دولار مقارنة مع 2 مليار قدمتها الحكومات المتعاقبة معظمها بتمويل دولي وليس من إيراداتها. ويصف ممثلوه رصد أقل من 1,4% من الدخل القومي للموازنة التطويرية "ببيع كلام فارغ" لا يمكنه أن ينعش اقتصاداً ولا يسهم في تطوير البنية التحتية.
ووجه خبراء المال والاقتصاد من أكاديميين وباحثين ورجال أعمال انتقادات لاذعة لوزارة المالية ووزيرها لعدم مبالاتهم وتجاهلهم مكونات المجتمع وفعالياته وتفردهم في صياغة وإقرار الموازنة العامة ومحاولة فرضها وإسقاطها عليهم من فوق، دون مشاركتهم فيها أو حتى استشارتهم في بعض ما يعنيهم مباشرة منها.
ولم يتوقف سيل الانتقادات اللاذعة لوزير المالية ووزارته المغلقة (أمام مكونات المجتمع) إلى هذا الحد، وإنما طالت الانتقادات امتناع الوزير ووزارته عن استجابتهم للدعوات التي توجه لهم للمشاركة في المؤتمرات والأنشطة المتعددة التي تنظمها المراكز البحثية ومؤسسات المجتمع المدني واتحاداته الشعبية، لا سيما تلك التي تركز محاورها على الموازنة العامة والتهرب الضريبي والجمركي والإيرادات والجبايات ...الخ من قضايا مالية.
تغيب وزارة المالية وامتناعها
وبينما يعتقد بسام ولويل رئيس الاتحاد العام للصناعات الفلسطينية، أمين سر المجلس التنسيقي لمؤسسات القطاع الخاص، أن المشكلة في تغيب وزارة المالية وامتناعها عن المشاركة في مثل هذه الفعاليات ما يجعلها منعزلة عن المجتمع الذي تخطط له موازناته وسياساته المالية إن وجدت.
موازنة مائعة وغير واضحة
فإن د. عبد الفتاح أبو الشكر عميد كلية الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنية، قال: (إن بقيت الموازنة بهذا الشكل مائعة وغير واضحة، وتعد كل سنة بنفس الطريقة، أعتقد أننا لا نسير بالطريق الصحيح والمشاكل الاقتصادية تتراكم، وفي يوم من الأيام بالفعل ستحدث انفجاراً اجتماعياً).
لكن الدكتور نبيل قسيس مدير عام معهد أبحاث السياسات الاقتصادية (ماس)، أكد دعوة وزارة المالية للمشاركة في جلسة الطاولة المستديرة حول (الموازنة العامة 2017: المنطلقات والمستجدات) التي تغييبت عنها الوزارة ووزيرها، ليس لتدافع عن نفسها وإنما ليشرح ممثلوها للجميع النقاط الخلافية في الموازنة وإعدادها، لذلك يجب إيجاد منبر في غياب المجلس التشريعي لمناقشة الموازنة قبل إقرارها وتحديد أولوياتها، وقال: (ممكن نحلم ونضع تصورات غير قابلة للتحقيق ولكن ليس من الخطأ أن نسمع لبعض قبل إقرار الموازنة على أساس أن يكون هناك حسبة بامتلاك الموازنة من قبل الجهات التي نعتمد أكثر عليهم، وهذا للأسف غير حاصل).
ومع ذلك كان هناك إجماع من المشاركين فيها على ضعف وزارة المالية منفردة في إعداد الموازنة وفي قدرتها على ربط الأهداف والأولويات مع الوزارات والاحتياجات الأخرى، بسبب غياب السياسات الموجهة.
أما فيروز درويش ﺍﻟﻤﺤﺎﺿﺮﺓ ﻓﻲ ﻗﺴﻢ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﻤﺎﻟﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺼﺮﻓﻴﺔ ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺑﻴﺮﺯﻳﺖ ، فترى أنه لو كانت وزارة المالية على صواب من موازنتها لما تغيب ممثلها للدفاع عنه، (ولكن ليس لديهم شيئ يدلفعون عنه، وكلنا نعرف أن هناك شخصاً واحداً يتحكم في وزارة المالية وبكل الوزارات الأخرى، وإن بقينا نجامل في المواقف فلن يكون هناك لا صحة ولا تعليم ولا تنمية ولا إصلاح، فقط ستبقى تحظى الأجهزة الأمنية بالأولوية في أية موازنة).
غياب الآلية الرسمية للتحضير للموازنة ومراجعتها ومتابعتها
وانتقد سمير حليلة، الرئيس التنفيذي لمجموعة باديكو القابضة، غياب الآلية الرسمية للتحضير للموازنة ومراجعتها ومتابعتها وتصويبها خصوصاً في غياب التشريعي لـ 10 سنوات على الأقل، كما انتقد غياب دور الحكومة في إقرار أو تعديل الموازنة وتفردها وحصر هذا الدور بوزارة المالية، مؤكداً خروج الحكومة خلال السنوات الأخيرة الماضية عن الموازنات وأهدافها.
وأكد أن تحسن الإيرادات عن السنوات السابقة مكن وزارة المالية من صرف نفقات أعلى من التي كانت مخصصة في الموازنة، ولكن كان كل هذا بموافقة المجلس التشريعي بعد نقاش مستفيض لها، وبرؤية اقتصادية بعيدة المدى.
ولكن حليلة، يرى أنه من أجل إحداث تعديل في البطالة، فهذا يحتاج إلى خطة طويلة المدى يقرها التشريعي بحيث لا تنحصر برؤية وزارة المالية وتجاهل باقي الوزارات والمؤسسات الحكومة التي انحصر دورها في تنفيذ الجزء المتعلق بها من الموازنة، في حين تنصب وزارة المالية ووزيرها كجهاز تشريعي ورقابي وتوجيهي على كافة الوزارات والمؤسسات الحكومية وباقي مكونات المجتمع على الأقل عند إعدادها وإقرارها للموازنة.
لذلك قال حليلة: (إن إقرار السياسات يضعنا أمام إطار مرجعي لمحاسبة الحكومة على الأداء واتجاهاتها، وللمشاركة معها في هذه العملية برؤية واحدة).
ويعتقد حليلة، أننا أمام مرحلة تاريخية مهمة في اقتصادنا وفي حياة شعبنا عكسته السياسات لتعزيز مناعة الاقتصاد والمجتمع، ما يتطلب سياسات تختلف عما كانت مستخدمة سابقاً، بحشد القوى الاجتماعية لمجابهة الاحتلال والاستيطان، والاهتمام بشكل أوسع بالكثير من قضايا الفقر والبطالة، ولا يمكن تحقيق ذلك من خلال ما تتبعه وزارة المالية حالياً في علاقاتها مع باقي مكونات المجتمع.
وعليه يطالب حليلة، الحكومة بتحقيق مجموعة أهداف منها توحيد السوق وتوسيعه، لا سيما أنه سوق مقسم لـثلاث جهات، ويقول: (فبدلاً من توسعته نقوم بتصغيره وتجزئته ونضع معيقات كثيرة داخله، وتزايد حدة التقلبات الاقتصادية، لذا لا نقدر على السير بأي تنمية دون آليات سياسية ومالية تمكننا من تخفيف أثر هذه التقلبات على الاقتصاد والاستثمار، وتحفيز التشغيل والاستثمار خاصة في البنية التحتية، وتعزيز الحماية الاجتماعية وحماية من هم تحت خط الفقر، وتعزيز المنافسة ومراقبة أسواق العمل وتشجيع الصادرات وتطوير القطاع التمويلي وتنمية متوازنة ما بين الأقاليم والمناطق).
وقال حليلة: (بغض النظر عن ماذا قررت الحكومة ضمن أولوياتها في الموازنة، فإن قراءة القطاع الخاص للموازنة تتركز على ما تخصصه الحكومة للبعد الاجتماعي البطالة والفقر بالتحديد وللاستثمار في البنية التحتية، وهو ما يمكن أن ينتج عنه خلق فرص عمل. وهو ما دفعه للمطالبة بآليات دعم تكون الحكومة على اطلاع بها كمتطلب أساسي لتمكينها من حل المشاكل الجوهرية).
فيما يرى ولويل، أن أجندة السياسات الوطنية: (مرحلة مهمة في حياتنا ونريد أن نتحاسب نحن والحكومة عليها، وأعتقد أن كل الخطط بما فيها الموازنة العامة باعتبارها خطة مالية للحكومة يفترض أن تنسجم انسجاماً تاماً مع أجندة السياسات الوطنية القضاء على البطالة والفقر، وبالتالي علينا محاكمة الموازنة من الآن فصاعداً على قاعدة مدى انسجامها مع أجندة السياسات الوطنية).
ولم يلمس د. أبو الشكر، فرقاً بين موازنة عام 2017 والموازنات السابقة منذ العام 94، حيث يتم إعدادها بطريقة محاسبية وبمعزل تام عما يحدث في الاقتصاد الفلسطيني.
ويرى أبو الشكر، أن الاقتصاد الفلسطيني يعاني مشاكل كثيرة، منها أن الموازنة وكانه لا يعنيها الاقتصاد بشيء، (والذين يعدون الموازنة وكأنهم لا يطلعون على هذه المؤشرات الإحصائية الاقتصادية ولا يعنيهم ذلك بشيء، ولا أتفق مع القول القائل إنه ليس لدينا موارد اقتصادية، فكانت قيمة أول موازنة عام 94 (400) مليون دولار، وحالياً فإنها تزايدت لتصل 5 مليارات، ما يؤكد وجود موارد لا مكان توجيهها بطريقة لتحقيق الأداء الاقتصادي).
ولكن أبو الشكر يقول: (المفارقة لدينا أنه لا يوجد عندنا نمو اقتصادي مستدام والبطالة الفقر في تزايد، ولا أتوقع من الموازنة أن تصل في 2017 إلى مستوى التشغيل ولكن يمكن أن تضع هدفاً بأن ترفع معدل النمو 2% أو 5% أو تخفيض معدل البطالة إلى 20%، هذه الأمور التي يجب أن تكون واضحة.
بينما قال د. قسيس: (ما يهمنا توجيه السياسات المالية وسياسات الإقراض باتجاه يخدم التنمية الاقتصادية، واعتماد سياسات مالية محفزة للنمو، سيحل العديد من المشاكل الاقتصادية الاجتماعية ولا بد من العمل على تحديد الأولويات في السياسات المالية الكفيلة لمعالجة المشكلة التطويرية والتنموية في الوزارات ومراكز المسؤولية الأخرى).
ليس للموازنات أدوار واضحة
ولتقييم أي موازنة يرى د. نضال صبري عضو الهيئة الأكاديمية في دائرة المحاسبة في جامعة بير زيت، أنه إما أن يتم تقييمها حسب أهدافها الاقتصادية والسياسة العامة ونسب البطالة، ولم يكن للموازنات أدوار واضحة بعد كل هذه الفترة.
ويؤكد د. صبري، ما تعانيه الموازنة من مشاكل عند تقييمها ومقارنتها بسنوات سابقة وفي جانب زيادة النفقات والإيرادات، ويقول: (من يطلع على الموزنات من 95 إلى 2017 التي لم تصدر بعد، نجد تغيير مستمر في بنود النفقات، ويغيب عن السلطة حتى الآن دليل حسابات الذي تسترشد به الدول في إعداد موازناتها، في حين يتم عندنا تغيير مراكز المسؤولية، وبنود النفقات، الأهداف والمسميات..الخ. وليس لديها سقوف حول متى تبدأ وتنتهي).
ويقول: (إن هدف تخصيص وتوزيع النفقات بناء على الإيرادات، لن يصلح ما لم يكن لدينا دليل حسابات موحد دون تغييره سنوياً أو يومياً. إضافة إلى عدم ثبات التصنيفات الواردة خلال 10 سنوات الأخيرة ضمن موازنة السلطة، وتنقل وزارات ومؤسسات رسمية لمراكز المسؤولية، فحجم التغيرات هذه يفقد عملياً أي معنى لقياس الأداء بناء على الاتجاهات والمقارنة).
الإيرادات أقل بكثير من تقديرات النفقات
وينتقد د. سعيد هيفا أستاذ الاقتصاد في جامعة بير زيت التكرار في زيادة تقدير الإيرادات وانخفاض النفقات، لكن فعلياً: (تأتي الإيرادات أقل بكثير من التقديرات، وذلك بسبب الفجوة التمويلية التي تخلق أوضاعاً اقتصادية الصعبة، ومن المؤسف أن السياسات المالية والاقتصادية عكس ما نأمله هنا).
ويصف د. هيفا، الإنفاق في بلد يعاني من ركود اقتصادي بالكارثة، حيث يتم تمويل الاقتراض من البنوك ضمن المتأخرات: (وإذا أضفنا توقعات بأن تزيد إيراداتنا 31% فهذه سياسات تقشفية لبلد يعاني من البطالة والفقر، وبالنتيجة ليس من الممكن تخفيض البطالة في ظل هذه الظروف. ولا نرى في أرقام الموازنة أنها تحقق الأهداف المنشودة وغير المنشودة).
ولكن المشكلة التي يراها ولويل، أن هذه البلد بحاجة إلى سياسات مالية واضحة، (وهي ما نفتقده، وأرى أن هذه الموازنة مجرد كشف إيرادات وكشف مصروفات، وليس هكذا تبنى الموازنات، وإنما هناك سياسات يجب أن تنسجم مع الأهداف، وأرى في هذه الموازنة أنها لا يوجد فيها ما يسنجم مع هذه الأهداف المتمثلة بكل بساطة في زيادة إيرادات الدولة، ما بستوجب التركيز على سياسات مالية واقتصادية بدلاً من أن يكون الناتج القومي 10 مليار دولار لنرفعه إلى 30 ملياراً، أي مضاعفة إيراداتنا لنشغل أبنائنا ونخفض نسب البطالة والفقر، وهي الأمور الاقتصادية الكبيرة التي يجب الاهتمام بها سواء بتحفيز الإنتاج أو التصدير، ومن هنا نريد التحدث عن سياسات أكثر مما نتحدث عن أرقام جامدة).
مخالفات لقوانين تنظيم الموازنة
ويؤكد د. صبري ارتكاب وزارة المالية مخالفات على مدار 20 سنة لقوانين تنظيم الموازنة، وقال: (أكبر مخالفة الحساب الختامي، فهل يعقل أن آخر حساب ختامي صدر في 2011؟ وقانون تنظيم الموازنة يوجب إصدار حساب ختامي للموازنة على الاقل خلال سنة من انتهاء السنة المالية).
ويتساءل د. صبري، إن كانت بيانات موازنة 2017 فعلية، فلماذا لا يصدر دليل الحساب الختامي؟ متطرقاً إلى ما تعانيه الموازنة من مشكلة مصطلحات، فلا نعرف هنا إسقاط كلمة إحداثيات فجأة في الموازنة ولا معناها، مراكز المسؤولية، الأنشطة والبرامج، الأبعاد، السقوف، والاحتمالات.
وقال: (من المفاجأة أن الفوائد تندرج تحت بند الأسقف علماً أنها ليست سقفاً، فعلينا فوائد يجب دفعها دون أن نحدد لها سقفاً، ومن الغريب أن الملاحظات التي سجلت على موازنة 2001 لا تختلف إطلاقا عنها في موازنة 2017).
وتصف درويش، الموازنة بأنها مجرد تجميع أرقام أدخلوها على النظام، وبالنتيجة ليس هناك موازنة، حيث أنها لا تبين النفقات ولا الإيرادات بتفصيلها ولا هذا الجزء من المال أين أنفق.
"الديون، المستحقات، الفوائد، الأقساط المتوقعة" كلمات ليس لها معنى في الموازنة
ولكن د. نضال صبري عضو الهيئة الأكاديمية في دائرة المحاسبة في جامعة بير زيت، لا يستطيع أن يعول إلى الآن على بيانات وموازنة 2017 ستتغير عدة مرات خلال السنة أسوة بما حدث في السنوات السابقة.
وينتقد صبري: (استخدام الكلمات غير الدقيق في الموازنة مثل "الديون المتوقعة"، فلا يوجد شيئ اسمه "متوقع" في مستحقات الديون أو الفوائد، وبالنظر إلى الجداول الواردة في موازنة 2017، فإن هناك الفوائد المتوقعة الأقساط
المتوقعة، ويجب عدم استخدام مصطلح قروض يجب تسديدها، في حين أنه لا يوجد رقم دقيق يصدر مرة واحدة بصورة رسمية عن الدين العام).
ويرى د. صبري أن نسب الانحرافات في البيانات تصل إلى 38% و 91% وهذه البيانات 2016 تم تغييرها عدة مرات، ولا يعرف مدى صعوبة تقدير الإيرادات والنفقات، ويأمل أن تخدم الموازنة فقط هدف تخصيص النفقات بناء على الإيرادات في المرحلة الأولى، وإصدار دليل حسابات والالتزام به من مراكز المسؤولة والوزارات والأنشطة).
الخطة السداسية غير المعلنة لا ترتبط بالموازنة
أما سمير ابو عيشة - أستاذ الهندسة المدنية في كلية الهندسة في جامعة النجاح الوطنية، فيقول: (لأول مرة يتم اعتماد خطة سداسية من 2017 – 2022 التي لم تعلن لغاية الآن، ودون أن تربط الموازنة بها).
ويؤكد أنه من الخلل الكبير عدم ربط خطة السياسات بالموازنة، لذلك مهم جداً أن يكون هناك خطة معلنة معروفة ومصادق عليها، منتقداً وصول الدين العام إلى 9,5 مليار شيكل، حوالي ثلثها لصندوق التقاعد، ويعتقد: (أن سداد 20 مليون شيكل للصندوق يعني أننا بحاجة إلى 200 سنة لسداد دين الصندوق وهي مشكلة كبيرة جداً، ويجب ألا تكون مجرد فوائد متوقع سدادها وإنما التزاماً حقيقي وجدي لإعادة هذه الأموال إلى أصحابها والأمور إلى نصابها).
تناقص تدريجي في الموازنات التطويرية
ولا يرى حليلة، جدية في التزام الحكومة بتحقيق أهداف سياساتها المعلنة برصد واستثمار أموال في مشاريع مطلوبة قادرة على خلق فرص عمل، لذا فإنه يؤكد أن دور الحكومة والقطاع الخاص سيبقى يتمحور حول رصد الزيادة في عدد العاطلين عن العمل ونسب التوظيف.
وذكر أن الموازنة التطويرية في أحسن حالاتها شكلت في يوم من الأيام 2,8% من الناتج المحلي الإجمالي وخلال السنة الماضية كانت 1,4%، وفي 2011 كان هناك مليار شيكل للموازنة التطويرية تم تنفيذها، ولكن في 2017 فإن الموازنة تكشف عن 700 مليون شيكل ومع أنه يتناقص لكن يمكن اعتباره أيضاً تقدم مقارنة مع ما كان يصرف فعلياً.
وقال: (إن المصادر التطويرية يأتي نصفها من الدول المانحة ونصفها الآخر من الحكومة نفسها، وإن لم يأت التمويل من الدول المانحة يتراجع تلقائياً المصروف في الميزانية التطويرية بشكل كبير).
ويقول حليلة: (من المضحك الإعلان عن النية لإنشاء صندوق إقراض دوار قيمة موجوداته 30 مليون شيكل ليحل مشكلة البطالة ويخلق فرصاً للمشاريع الصغيرة خصوصاً أن 60% من المشاريع الريادية تواجه الفشل من بين ما يتم إنفاقه للإقراض الصغير والبالغ 200 مليون دولار سنوياً، ما يحتاج إلى جدية في السياسة المعلنة حول كيفية مواجهة مشكلة البطالة).
ويتفق مع حليلة، إلى حد كبير، الباحث في معهد (ماس) مسيف جميل، عندما قال: (نسبة 6% تقريباً للإنفاق التطويري غير كاف لإحداث تنمية اقتصادية في ظل ارتفاع معدلات بطالة وتدني مستويات الدخل وتركز منطلقات الموازنة على زيادة التشغيل وسياسة تحجيم الإنفاق، التي قد تؤدي إلى ركود اقتصادي وتراجع الطلب الكلي، وهذا يحتاج إلى دراسة الحدود التي يمكن لها تقليل الإنفاق).
وبالاطلاع على ما رشح من موازنة 2017 يؤكد جميل، أن الإنفاق على المناطق المهمشة ما زال محدود جداً، وهو لا يلبي طموح خطاب الموازنة، والاستدامة المالية مهددة مع تضاؤل نسبة النفقات التطويرية، بالإضافة إلى اعتماد الإيرادات على ضرائب الاستيراد بشكل أساسي وليس على المشاريع المحلية المولدة للدخل).
والدكتور سمير أبو عيشة يرى أن الموازنة التطويرية لا تأخذ الدور الذي يجب أن تأخذه، وينعكس هذا على كل القطاعات، وبالذات الهندسي والإنشائي، بابتعاد الكثير من المقاولين عن أي مشروع له علاقة بالحكومة.
ولا يلمس أبو عيشة عائد الإنفاق الكبير جداً في قطاع التعليم والذي اعتمد منذ سنتين خطة وطنية لإصلاحه، ومن المفترض أن تعكس التزام الحكومة واهتمامها بالتعليم، وخاصة أن القضية ليست توظيف سنوي، وإنما المقصود الإنفاق على البنية التحتية والنهوض بواقع التعليم وحوسبته.
لكن درويش طالبت باستدامة عبر الاعتماد والتركيز على المشاريع الإنتاجية والريادية، وليس الاستهلاكية التي لا تبني مجتمعاً ولا دولة، (نريد إنتاج وهذا يحتاج إلى وقت ومجهود).
ولا يرى الدكتور سمير عبد الله الباحث الرئيسي في معهد (ماس)، أن الحكومة تركز على الموازنة التطويرية ويقول إنها: (منسية تماماً، وخصوصاً بعد دمج وزارتي التخطيط والمالية، فالثانية دائماً كانت تريد الحصول على المال وتصرفه، على حساب تأخر إنجاز كثير من المشاريع ما أدى إلى رفض بعض المانحين بشكل قاطع تقديم دعمهم المالي).
ولذلك نجد الدكتور عبد الله من بين المؤيدين لفصل الموازنة التطويرية التي (لا شفافية فيها على حد قوله)، عن الموازنة العامة، لا سيما أن ما يتم عمله يتعثر بسبب طريقة إدارة وزارة المالية للمال ولدفعات المقاولين.
ويشدد على أن هذه القضية يجب أن تبرز بوضوح لاجتياز هذه المرحلة الصعبة التي نريد أن نرى فيها أموالاً ومخصصات أكثر لصالح التعليم والتدريب والتعليم المهني ولخدمات التشغيل، وللقطاع الصحي الذي يعتبر من القطاعات التي يجب أن تزداد مخصصاتها.
ولكن الدكتور عبد الله يقول: (إن القطاع الصحي ليس فيه ترشيد، وما يزال فيه فساد وما زال فيه إنفاق أكثر، فنحن ننفق على الفرد في القطاع الصحي أكثر من الدول المحيطة، ولكن الخدمات المقدمة أقل، وبالتالي واضح تماماً أنه يوجد عندنا مشكلة لذا يجب أن نتطلع لإصلاح القطاع وألا نقدم له مخصصات أكثر طالما أنه لا ينفق بفعالية الأموال المرصودة له).
ويؤكد أن الموازنة التطويرية تحتاج للمتابعة مع المانحين لتمويل مشاريع ومتابعة في المدفوعات بطرق صحيحة لتكون منسجمة مع عملية التنمية.
زيادة الرواتب في بعض مراكز المسؤولية
وفي حين يستنتج الباحث جميل، أن زيادة الرواتب في بعض مراكز المسؤولية يبين عدم التزام الحكومة في التوظيف بالقاعدة الصفرية، وقال: (لم نستطع الحصول من وزارة المالية على الموازنة التفصيلية حتى نعرف أين ترشيد النفقات وكيف يتم الصرف على البنود الأخرى).
ولكن جميل، أكد أن الموازنة تظهر بوضوح أن هناك زيادة في الرواتب، نتيجة علاوات وتوظيف في مؤسسات ودوائر حكومية، وقال: (حتى الأرقام المتعلقة بإعداد الموظفين في مراكز المسؤولية تحتاج إلى إعادة تحديث ودراسة، وهناك مراكز مسؤولية يتم فيها توظيف غير مفهوم، لماذا؟ فهناك وزارات فيها زيادة في التوظيف مثل الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات يريدون توظيف ما بين 500 – 600 موظف جديد، ووزارات أخرى فيها صفر للتوظيف أو زيادة في العلاوات ولهذا السبب الزيادة في الرواتب تقفز وتزداد بهذا الشكل).
الحل صعب وليس ذهبياً
ويرى حليلة، أن الحل ليس ذهبياً وهو صعب، لذا قال: (علينا البحث عن حلول مختلفة ولكن حتى نتمكن من التحدث مع بعض بحلول مشتركة ومرجعيتها واحدة، أقترح أن نحدد في أي موازنة قادمة ما الذي نريد أن نفعله في مواضيع تخفيض نسب الفقر والفقر المدقع بشكل جدي وجوهري، والذي ممكن يؤهل لانفجارات لا نقدر كقطاع خاص تحمل وجود جيوب للفقر المدقع والفقر).
وبتقدير حليلة، (إن المحاولات الإصلاحية في أهداف السياسة التي وضعتها الحكومة صغيرة وضعيفة ولم ترصد لها موازنات تكفيها وإن محاولة الإصلاح بشأنها تنقلنا من الوضع الذي نعيشه إلى وضع أحسن).
وقال: (هناك إمكانية كبيرة لتغيير واقعنا الاقتصادي رغم أنه لا تنمية مستدامة تحت الاحتلال ولكن نستطيع أن نغير واقعنا وليس كل شيء يحتاج إلى أموال، فهناك عشرات القرارات والتعليمات والسياسات التي يمكن أن تغير من واقعنا الاقتصادي بدون دفع أغورة واحدة، وبالقليل من العلاقات والشراكات يمكن عمل تنمية أكثر بكثير من التي كانت في السابق).
ويرى حلية، أن النمو خلال الفترة الماضية يقوده الاستهلاك ، وتكمن سعادة الحكومة في زيادة الاستيراد لتحصل على الضرائب بينما الإنتاج يتضارب مع مصلحتها المباشرة اليومية، والتخفيف من تبعيتنا الاقتصادية لإسرائيل كان ذلك ممكناً سابقاً، ولكن هذا يحتاج إلى قرار وإرادة وتحمل مسؤولية.
وقال: (نحن معتمدون بشكل كبير على إسرائيل وستبقى إسرائيل شريكاً اقتصادياً مهماً لنا في الواردات والصادرات، لذلك ندعو للتنويع والتوسيع في استيراد احتياجاتنا ونبتعد عن الاعتماد على إسرائيل فقط، وهذا الموضوع له ثمن سياسي وليس اقتصادياً فقط، ولكن نريد بناء حالنا وزيادة المناعة أو أن نبقى مترهلين ومعتمدين على الأموال التي تأتينا سنوياً من الخارج لضخها على الرواتب والنفقات، فالقرار بأيدينا ونستطيع أن نغير إن أردنا).