الخميس  15 أيار 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ع82| لماذا حولت أمريكا مساعداتها المالية من يد السلطة إلى مؤسسات المجتمع المدني؟

مراقبون: تداعيات القرار خطيرة على موازنة السلطة ويُخشى هدر الأموال فيما لا يُجدي للمواطن الفلسطيني

2017-03-21 03:07:07 PM
ع82| لماذا حولت أمريكا مساعداتها المالية من يد السلطة إلى مؤسسات المجتمع المدني؟
دونالد ترامب( أرشيف)

 

الحدث-  محاسن أُصرف

 

أثار الإجراء الأخير الذي اتخذه الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بمنح أموال المُساعدات التي تتعهد بها الإدارة الأمريكية والبالغة 220.3 مليون دولار، للسلطة بقرار تنفيذي، حفيظة وغضب أعضاء لجنة العلاقات الخارجية ولجنة المساعدات والمخصصات في الكونغرس آنذاك مما دعاها إلى إصدار قرار بوقف الصرف لحين البت بسلوك الفلسطينيين والسلطة الفلسطينية بـ"شأن التحريض ضد إسرائيل ومكافأة عائلة الإرهابيين".

 

استمرت عملية البت قرابة الشهرين إلى أن أُعلن مؤخراً أن الأموال المُحتجزة التي أقرتها الإدارة الأمريكية السابقة في لحظاتها الأخيرة سيُفرج عنها ولكن لن تدخل خزينة السلطة الفلسطينية وإنما لـ"منظمات إنسانية" في الضفة الغربية تعمل على تنفيذ مشاريع خدمية في المياه والبنية التحتية والتعليم والصحة والمجتمع المدني والحكم المحلي ومشاريع أُخرى في قطاع غزة تتعلق بتسريع عملية إعادة الإعمار ومشاريع ثالثة في القدس الشرقية، فيما أوضح "مارك تونرل" الناطق الرسمي المناوب باسم وزارة الخارجية الأمريكية في مؤتمر صحفي أن جزء من الأموال تم تسديدها مباشرة إلى الدائنين الإسرائيليين للسلطة الفلسطينية، لافتاً أن "المساعدات لن تتضمن أي تمويل مباشر للسلطة".

 

ويرى مراقبون أن القرار يضع السلطة الفلسطينية في مأزق الضغط السياسي والمحاصرة المالية لتحقيق المصالح والمساعي الإسرائيلية التي تُؤيدها الإدارة الأمريكية وتنحاز لها خاصة في ظل إدارتها الجديدة ورئيسها الحالي "دونالد ترامب"، وأوضح أولئك في أحاديث منفصلة مع "الحدث" أن القرار بعدم تضمين المساعدات المالية الأمريكية أي تمويل مباشر للسلطة يأتي متوافقاً مع الموقف الإسرائيلي الذي أشار إليه سابقاً رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" بأن التعامل مع الفلسطينيين سيكون عبر المؤسسات المدنية بعيداً عن السلطة.

 

التاريخ يُعيد نفسه

بالعودة إلى زمن الرئيس الراحل "ياسر عرفات" نرى أن الإدارة الأمريكية لم تأتِ ببدعة في التعامل مع السلطة الفلسطينية، فطالما حجزت ابنتها المدللة إسرائيل أموالاً مستحقة للسلطة الفلسطينية وعمدت إلى تحريض الأوروبيين على وقف تمويلهم ما أحدث وقتها إرباكاً في تأمين السلطة الفلسطينية فاتورة رواتب موظفيها وكان الثمن الذي دفعه الرئيس أن اضطر لتمرير إصلاحات في النظام السياسي الفلسطيني لترضاه أمريكا وإسرائيل، والحال هنا لا يختلف كثيراً.

 

وحسب "ناجي شراب" الكاتب والمحلل السياسي فإن القرار ليس أكثر من ورقة ضغط سياسية على السلطة الفلسطينية عبر أموال الدول المانحة الذي تعتمد عليه السلطة كثيراً في تأمين استمرارها وسد جزء من موازنتها، وقال: "القرار ستكون له تبعات سلبية على السلطة ويهدف إلى انهيارها"، وأضاف أن حجز الأموال بمثابة اتهام غير مباشر للسلطة بأنها لا ترعى عملية توزيع الأموال بشفافية.

 

وفيما يتعلق بالإعلان الأخير بالإفراج عن تلك الأموال وتحويلها من يد السلطة إلى يد المنظمات الإنسانية فأشار أنها حل بديل بإمكانه أن يؤدي دوراً بارزاً في تحسين واقع الخدمات الحياتية في الأراضي الفلسطينية إذا ما تم توجيهه واستخدامه بشكل صحيح في المرافق الخدماتية التي حددتها أمريكا كالصحة والتعليم والبنى التحتية والمجتمع المدني والحكم المحلي.

 

وجهان للتأثير الاقتصادي 

ومن جانبه رأى "معين رجب" الخبير الاقتصادي أن القرار يُشير إلى حالة العلاقة "غير الودية" بين السلطة الفلسطينية والولايات المتحدة الأمريكية، قائلاً: "إن الولايات المتحدة بدأت تستخدم المال الذي تمنحه للسلطة لتحقيق أهداف سياسية تخدم مصلحتها وإسرائيل بالدرجة الأولى"، وشدد أن الخطوات التي نُفذت مؤخراً بتجميد المنح لفترة غير معلومة ومحاولة إنقاص قيمتها وتحويلها إلى مجالات أخرى خارج احتياجات الحكومة الفلسطينية، هي تلويح باستخدام النفوذ ودليل دامغ على استخدام مال المانحين لأغراض الضغط السياسي على السلطة لتنفيذ ما تُريده.

 

وفيما يتعلق بتأثير القرار على الحالة الاقتصادية والخدماتية في المجتمع الفلسطيني خاصة وأن الأموال باتت في يد المنظمات الإنسانية فعلاً، يؤكد "رجب" أن مثل هذه الخطوة لها عدة جوانب منها ما هو إيجابي بمنح المؤسسات غير الربحية تمويلاً أكبر يُساعدها في تنفيذ مهامها، مُستكملاً: "إن القرار قد يكون إيجابياً من ناحية حاجة المجتمع الفلسطيني إلى خدمات جديدة وإضافية تُحقق لهم التنمية في مختلف المجالات".

 

ولكن "رجب" يخشى أن يُهدر المال الممنوح لـ"المنظمات الإنسانية" من خلال إساءتها استخدامه – كما يقول- لافتاً إلى أن تاريخ بعض المؤسسات يُشير إلى استخدامها السيء للمال الممنوح لها في أغراض تُقلل من المزايا التي يُمكن التعويل عليها.

 

ومن ناحية أخرى وفي إطار التأثير السلبي لتحويل المال من يد السلطة إلى يد المنظمات الإنسانية قال "رجب": "إن ذلك يُؤثر بشكل مباشر على أداء السلطة الفلسطينية من حيث مواجهة زيادة العجز المالي في موازنتها ما يُؤثر على أدائها الوظيفي" لافتاً أنها قد تضطر إلى الاقتراض لتأمين احتياجاتها مما يُربك وزارة المالية في مجال إعادة ترتيب أوراقها في ظل العجز القائم من جهة وممارسة بعض الدول المانحة من جهة أخرى".

 

ويأمل "رجب" أن يتم الإفصاح عن قيمة الأموال التي سيتم تحويلها من السلطة التنفيذية إلى المؤسسات، بالإضافة إلى الكشف عن وجهات صرفها ومدى استفادة المؤسسات الأهلية منها وقدرتها على استيعابها وتوجيهها التوجيه الصحيح مؤكداً أن ذلك يُحقق التأثير الإيجابي لتلك الأموال على المناحي الخدماتية وإلا فقد يُخشى هدرها- وفق تقديره.

 

تداعيات خطيرة

وفي قراءته لتداعيات القرار الاقتصادية على السلطة الفلسطينية قال "سمير أبو مدلله" إنها خطيرة خاصة وأن اعتماد السلطة في موازنتها على الضرائب والرسوم الداخلية والمساعدات التي تأتي من المانحين وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية وعلى رأسها السعودية، وأضاف أن القرار سيؤثر على استمرار العجز المتراكم الذي تُعاني منه السلطة الفلسطينية في أموال المانحين والذي بلغ في العام 2016 حوالي 627 مليون دولار مقارنة بالعام 2011 مليار و300 مليون دولار، لافتاً أن ذلك سيُدخل السلطة في أزمة قد يكون عنوانها "توفير الرواتب للموظفين" وتُشير التقديرات إلى أن سبب التراجع في المساعدات إلى وجود دول بها أزمات كاليمن وسوريا والعراق واللاجئين المنتشرين في الأردن وغيرها.

 

وفيما يتعلق بتداعيات تحويل المال إلى المنظمات الأهلية والإنسانية يُنبئ عن عدم ثقة بالسلطة الفلسطينية، لافتاً إلى أن الإدارة الأمريكية تُريد دعم بعض المؤسسات التي تتوافق مع أهدافها، وقال: "إن حالة الغموض التي تكتنف قيمة الأموال بالأرقام الدقيقة والموجهة لتلك المؤسسات تشي بوجود هدر للأموال في مشاريع لا يحتاجها المجتمع"، لافتاً إلى أن التقديرات تُشير إلى أن تلك المؤسسات تتلقى قرابة 500-600 مليون دولار لا تبرز جلية في الخدمات الإنسانية للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولم ينفِّ "مدلل" أن بعض المؤسسات والمنظمات الإنسانية لها بصمات واضحة في بعض المجالات كالصحة والزراعة وأحياناً التعليم، لافتاً أنها قد تُحسن من نوعية الخدمات المُقدمة للمواطنين وتسير باتجاه تحقيق المزيد، مستدركاً أن البعض الآخر وهو الجزء الأكبر يُذهب الأموال هدراً تحت عنوان ورش العمل والمؤتمرات التي تستنزف الكثير من النفقات، وأحياناً تحت شعار الغذاء مقابل التعليم بحيث يتم منح النساء في المناطق المهمشة مساعدات غذائية مقابل التحاقهم بدورات وبعضها يذهب إلى حقوق المرأة والطفل، لافتاً أن ذلك على أهميته لا يُحقق الاحتياجات الأساسية، ويأمل "مدللة" أن يتم تصريف المبالغ الممنوحة بشكل ملموس وواضح على المواطنين في مجالات تُحقق له التنمية.

 

وفي إطار الحلول المطروحة لتخلص السلطة من التأثير السلبي لهذا القرار على موازنتها أشار "مدللة" إلى ضرورة أن تعمل على تخفيض نفقاتها الجارية والمُقدرة بـ 55-60% والتي تُصرف على الرواتب والسفارات والنثريات وإيجارات المقرات، مُؤكداً أن ذلك يُقلل الفجوة التمويلية بين الإيرادات والنفقات وتُخفض العجز.