الأربعاء  15 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

عدد 83 | في غزة.. عمليات تقسيط الشراء في ازدياد والسداد مُضاعف

2017-04-04 02:38:20 PM
عدد 83 | في غزة.. عمليات تقسيط الشراء في ازدياد والسداد مُضاعف
اسواق غزة

 

الحدث- محاسن أُصرف

 

يعض "أبو عمّار زيدان" أنامله ندماً كونه انساق وراء الإعلانات المُشجعة على تقسيط عمليات الشراء للأجهزة المنزلية والأثاث لسان حاله يقول: "إن التُجار وحدهم المستفيدون من تلك العمليات، بينما المُشتري مُغرر به".

 

"زيدان" في النصف الأول من عقده الثالث، متزوج ولديه من الأبناء اثنين، اضطر إلى تأسيس حياته الزوجية على نظام التقسيط في عمليات الشراء على أن يُكمل سداد أقساطها من راتبه الشهري في إحدى المؤسسات الخاصة لكنّه أبداً ما استطاع.

 

بعد فترة ستة أشهر تقريباً تبدد حلم التسديد إذ انتهى عقد العمل خاصته مع المؤسسة، وما كان منه إلا أن أخبر  التاجر بعدم قدرته على سداد قيمة القسط البالغة مئتي دولار شهرياً الأمر الذي أدخله في دوامة الملاحقة من التاجر الذي هدد بشكايته إلى المحكمة، يقول: حاولت أن أصل لاتفاق مع التاجر بتخفيض قيمة القسط إلى 200 شيكل في الشهر أي ما يُعادل (60 دولار) لكنه رفض واستمر في دعواه ضدي"، وفي ظل المطالبة القانونية لم يملك "زيدان" إلا أن يلجأ لبيع مصاغ زوجته لتسديد الأقساط كاملة وبالضعف إذ يوضح أن ثمن ما اشتراه بعروض التقسيط يزيد عن السعر الأصلي بقيمة 20-30% في كل جهاز سواء شاشة التلفاز أو الغاز أو الثلاجة وغيرها، يُتمتم ساخطاً "كانت الخسارة بالغة".

 

حال "أبو عمّار" لم يكن منفرداً بل الغالبية في قطاع غزة باتوا يلجئون لعروض التقسيط التي تُعلن عنها المحال التجارية والشركات الكبرى لمساعدة الشباب في عملية الزواج من باب التيسير عليهم والتهام أرباح كبيرة بالإضافة إلى تصريف منتجاتهم التي يعزف المواطنين عن شرائها وفقاً لسوء أوضاعهم الاقتصادية، "الحدث" في سياق التقرير التالي تبحث آثار عمليات تقسيط الشراء والتي تُعرف بـ "البيع المؤجل" على اقتصاد الفرد والمجتمع.

 

وبات انتشار المؤسسات التجارية التي تعمد إلى تصريف منتجاتها بالتقسيط، كبيراً مستثمرة الظروف الاقتصادية الصعبة التي يُعانيها المواطنون لتُغريهم بالشراء على دفعات، ويُشير مواطنون التقت بهم مراسلة "الحدث" أن مكمن الخطر الذي اكتشفوه تالياً في قيمة الدفعة الأولى فكلما كانت صغيرة ارتفعت نسبة الفائدة وهو ما يضر بمصلحتهم، وقال أولئك في أحاديث منفصلة: "إنهم يضطرون إلى التقيد بما لديهم من أموال".

 

خسارة موجعة

وتنفذ المؤسسات التجارية التي تُصرف بضائعها عبر التقسيط مئات عمليات البيع يومياً سواء في مجال الأجهزة الكهربائية أو الأثاث المنزلي أو السيارات وحتى البيوت، وذلك بأسعار مرتفعة بنسب تتراوح بين 20-30% وأحياناً كثيرة 50% عن السعر الأصلي.

 

"أكرم اصطيف" 45 عاماً من بلدة بني سهيلا جنوب قطاع غزة، وقع في فخ هذه المؤسسات اعتقد أن بإمكانه أن يحذو حذوها، لجأ إلى شراء بعض الأجهزة الكهربائية من إحدى المؤسسات العاملة بالتقسيط في غزة، على أمل أن يبيعها سريعاً ويحصل على مال يُخلصه من ضوائقه المادية التي أغرقت تفاصيل حياته منذ أن تعطل عن عمله في مجال البناء.

 

الرجل كان يملك مبلغاً من المال، كما يقول، فعمد إلى الشراء بالأسعار الجنونية التي تفرضها تلك المؤسسات، لكن ما كان يُهون عليه وفق رؤيته المسبقة أن بإمكانه بيع تلك الأجهزة بالدفع الفوري والحصول على قيمتها لتحسين ظروفه الاقتصادية وتأمين بعض التزاماته الأسرية، يؤكد أن قيمة ما اشتراه بالتقسيط بلغت (10000 شيكل) وتابع أن هذا السعر مرتفع بنسبة 20% تقريباً عن السعر الأصلي بطريقة الدفع الفوري والذي لا يتجاوز الـ (8000 شيكل).

 

يُشير الرجل أنه وقع في ورطة أكبر إذ لم يتمكن من بيع الأجهزة التي اشتراها لا بسعر الفائدة ولا بالسعر الأصلي لها بل بأقل من ذلك بحوالي الثلث ما أعجزه عن السداد، يقول ساخراً: "حاولنا الخروج من النقرة وقعنا في الحفرة"، داعياً إلى عدم اللجوء للشراء بالتقسيط لما له من مخاطر كبيرة على حياة الفرد فتجعله ملاحقاً من أصحاب الدين ومن الشرطة أيضاً بعد الشكاية ضده لعدم تمكنه من سداد الأقساط.

 

المؤسسات التجارية المستفيد الوحيد

وفي تفسيره لظاهرة اندفاع المواطنين في قطاع غزة وبخاصة الشباب إلى الشراء بالتقسيط، يؤكد "معين رجب" أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر بغزة أنها انعكاس لسوء الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة وانعدام فرص العمل وارتفاع معدلات الفقر  والتي أدت إلى تراجع القوة الشرائية للمواطنين ما دفع بالمؤسسات إلى العمل على استجلابهم بالعروض، يقول: إن هذه الحيلة نجحت في تنشيط حركة البيع لكنها أوقعت العديد من المواطنين في فخ عدم الالتزام"، وتابع أن المؤسسات التجارية هي وحدها من استفادت إذ تجني أرباحاً جنونية من هذه العملية كون أن البيع بالتقسيط يتبعه فائدة، كما أنها تعمد إلى ضمان السداد عبر إلزام الزبائن بالتوقيع على كمبيالات أو شيكات أو تُقيدهم بكفلاء.

 

وفيما يتعلق بأثر هذه الظاهرة على الاقتصاد أكد "رجب" أنها تُحرك عجلة الاقتصاد بحيث تُسهم في تصريف البضائع المتكدسة في مخازن التجار فضلاً على أنها تساعد في استيراد او إنتاج بضائع جديدة بأرباح مؤجلة، مستدركاً أن نجاحها يعتمد على امتلاك الزبائن على ميزانية يُمكنهم خلالها تسديد الأقساط الشهرية.

 

ويؤكد على ذلك أحد التُجار التقته "الحدث" ورفض الكشف عن اسمه، إذ يقول: "أضمن خلال البيع بالتقسيط دخلاً دائماً ومستمراً، كما أنه ينأى بتجارتي عن الكساد"، لافتاً إلى أن آلية التقسيط التي يتبعها تقوم على دفع الزبون نسبة من المبلغ الإجمالي كدفعة أولى تتراوح بين 20-40% من السعر الإجمالي وبعد أن يستلم يُكمل السداد على شكل كمبيالات شهرية على مدار عام أو اثنين وفق إطار قانوني واتفاق جازم موضح فيه الشروط، مؤكداً أنه في حال أخل أحد الزبائن بالاتفاق يعمد إلى شكايته في المحكمة التي تُلزمه على السداد.

 

الشرع لا يُحرم

ولأنه لم يرد في القرآن الكريم والسنة النبوية ما يُحذر من البيع بالتقسيط فكان انتشاره واسعاً لكن آثاره اختلفت من بين البائع والمشتري.

 

يُؤكد الشيخ "حسن اللحام" مفتي غزة أن البيع بالتقسيط من حيث الأصل لا بأس به، لافتاً إلى أنه عقد صحيح وإن كان في الثمن زيادة عن سعر البيع نقداً، وتابع قائلاً: "إن الزيادة في الثمن المؤجل عن الثمن الحالي جائزة، ويجوز ذكر ثمن السلعة المباعة نقداً وثمنها بالأقساط لمدد معلومة وأن هذا لا يصح إلا إذا جزم العاقدان بالنقد أو التأجيل" وأضاف: "في حالة عدم حصول الطرفين على الاتفاق الجازم على ثمن واحد ومحدد يكون غير جائز شرعاً وذلك وفق ما نص عليه مجمع الفقه الإسلامي".

 

كما أجاز "اللحام" لجوء بعض المواطنين إلى الحصول على البضائع من أجل المال وليس من أجلها لمصلحة ضرورية لا غنى عنها، موضحاً أن هذه العملية تُعرف بـ "التورق"، وجزم بأن "التورق" لأجل الترفيه قد يصل إلى "الحرام".