الأحد  28 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مشارقة يكتب لـ "الحدث" عن زيارة تيلرسون لموسكو والحاجة إلى التعاون والتفاهم حول سوريا

بقلم: محمد مشارقة

2017-04-14 06:46:23 PM
مشارقة يكتب لـ

اختصرت صورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الخارجية الامريكي تيلرسون في موسكو جدلا محتدما حول القراءة السياسية لأبعاد الضربة الصاروخية الامريكية لقاعدة "الشعيرات" الجوية شرق حمص، باعتبارها مؤشرا " حاسما "على تغيير في السياسة الامريكية تجاه سوريا.

 

ثمة من قلل من أهميتها وادرجها في اطار نزوع الرئيس دونالد ترامب للاستعراض وقلة الخبرة وغياب استرانيجية امريكية واضحة تجاه الشرق الاوسط، رددته جوقة  النظام السوري الاعلامية وحليفه الايراني مقابل مواقف رغائبية لاطراف في المعارضة السورية التي اعتبرت ان الصواريخ التسعة والخميسن هي بداية انقلاب جذري في السياسة الامريكية، وان مستقبل الاسد بات على صفيح ساخن .لكن ساعتين من المباحثات بين بوتين ورئيس الدبلوماسية الامريكية الذي يحسب صديقا لموسكو ومنخ احد اوسمتها الرفيعة، كانتا على درجة من الاهمية للخروج ياستخلاصات سياسية لا تفضي نتائجها اننا امام انقلاب او تغيير جوهري او قطيعة واستقطاب يذكر بايام الحرب الباردة، فقد اعلن الجانبان صراحة في الموتمر الصحفي لوزيري الخارجية انهما مختلفان في خواتيم الازمة السورية، وفي مقاربات البحث عن الجهة المسؤولة عن استخدام السلاح الكيماوي في خان شيحون، ومتفقان على مكافحة الارهاب والحل السياسي للصراع في سوريا وانهما بصدد اعادة العمل بقنوات الاتصال.

 

 وبين عبارة تيلرسون "بضرورة رحيل الاسد بطريقة منظمة" وعبارة وزير الخارجية الروسي لافروف، ان بلاده لا تتمسك بالاسد .. لكنها تدعم الحفاظ على سوريا دولة علمانية موحدة "، ثمة مساحة واسعة للقاء والتفاهم.

فاللغة المستخدمة تصالحية ودبلوماسية بامتياز، رغم اعتراف تيلرسون بقلة خبرته الدبلوماسية وربما كان يحتاج الى اضافة عبارة وفي التاريخ ايضا، فالحوار "بين بلدين نوويين كبيرين" ضروري ومستمر "وتم التطرق في المباحثات الى قضايا اشتباك دولية مختلفة من الحرب السيبرانية الى ازمة الصواريخ الكورية الشمالية الى ملف اوكرانيا وشبه جزيرة القرم وفوق كل ذلك الحصار والمقاطعة الاقتصادية المفروضة على روسيا.

 

من هنا يمكن البدء بتفكيك الرسائل المتعددة التي حملتها  الصورايخ الامريكية على "الشعيرات" وان أهدافها تتجاوز دمشق والازمة السورية نحو الصراع المفتوح مع موسكو حول عدد من الملفات الدولية.

 

فقد منحت واشنطن طيلة ما يزيد على عام ونصف موسكو الفرصة الكافية لتدير الشان السوري منفردة، تحدوها الرغبة المعلنة على الاقل في ان تحول روسيا انتصاراتها ضد الجماعات الاسلامية المتطرفة الى اليات تسمح بولوج المرحلة الانتقالية والانتقال السلمي والامن للسطة بحسب القرار الاممي 2254، لكن موسكو بلغة واشنطن الجديدة "تعسفت في استخدام هذا التفويض "الذي يشبه التواطؤ، وانحازت بالممارسة الميدانية لفكرة النظام وايران التي تغلب الحسم العسكري كمقدمة لفرض الحلول السياسية والتي لا يتجاوز سقفها اشراك المعارضة في حكومة يديرها الاسد ، كما فشلت موسكو بالتعاون مع تركيا في فترة شهر العسل القصير في تحويل الاستانة الى قاطرة لتعويم وتطويع المعارضة المسلحة وتأهيلها لدور سياسي تمثيلي.

 

ولم تنجح ايضا في ضبط حليفها السوري حينما اصرمندوب النظام بشار الجعفري في مفاوضات جنيف على وضع بند رابع على جدول اعمال الممثل الاممي ستافان دي مستورا المقترح وهو الارهاب والامن، المرحل اصلا الى منصة  الاستانة كما اعد اجندتها الروسي.

 

هكذا افشل الاستفراد والغطرسة الروسية  أصول اللعبة، فقد تصرفت كدولة  انتداب من القرون الماضية ، مقدمة ايران كشريك رئيس دون اعتبار للمصالح الاقليمية والدولية المتورطة في النزاع السوري.

 

يتضح اليوم انه ومن شقوق الازمة الازمة السورية  ينفذ الامريكي ومؤسسته العميقة الى أهدافه الاسترتيجية البعيدة ،في الضغط من اجل حزمة تسويات للازمات الدولية تستوعب المصالح الروسية وتضعها في حدودها الطبيعية وتستدرج صفقة حول سوريا بات معالمها تلوح في الافق ، لان التوافقات ليست قليلة وفي مقدمتها" منع المتطرفين من الوصول الى دمشق وعدم تكرار ما جرى في ليبيا والعراق "

 من هنا  لا تبدو واشنطن في وارد تغيير جذري لقواعد اللعبة او اعادة النظر في قسمة النفوذ الميداني على الارض ،عندما يتعلق الامر بالحرب على داعش ، فمصادر الجيش الحر في جبهة القلمون الشرقي ذكرت ان ممثلي البنتاغون ابلغوهم بوضوح انه ليس بالامكان "تامين غطاء جوي في معركتهم ضد داعش في صحراء الحماد لانها خارج منطقة النفوذ "، كما لاحظ المراقبون توقف قوات التحالف الغربي عن المشاركة في قصف تنظيم داعش في تدمر وشرق حمص بعد تعطيل العمل ببروتوكول التنيسق مع الروسي.

 

لكن بالمقابل يمكن ملاحظة ان الامريكي المستجد في البيت الابيض والذي يوصف بالمتهور يبني استراتيجيته على نار هادئة بعد اعلانه المدوي بقوة الباترويت نهاية مرحلة الاستفراد الروسي بالملف السوري، بالمشاركة الفعالة في الحرب على الارهاب، واعادة رسم خارطة النفوذ الجديدة على الارض تجبر الروسي على طي اوراقه التي لعب بها منذ تدخله العسكري والتي تمثلت: بتأمين سوريا المفيدة من دمشق الى حمص وحماة والساحل واضاف لها حلب المدينة، فهذه المقاربة لم تنه الصراع ولم تفض الى استسلام المعارضة بل عززت نفوذ القوى الارهابية وفاقمت الكارثة الانسانية التي لا يمكن احتمال فظائعها.

 

ويلحظ جدية  التحول في الموقف السياسي في اليوم التالي للضربة الصاروخية ، وتقول المصادر الميدانية ان القوات الامريكية والبريطانية عززت تواجدها في قاعدة التنف القريبة من الحديود العراقية ، كما لوحظت  خشود عسكرية اردنية على حدودها الشمالية ، وتابعت قوات الجيش الحر بفصائلها الخمسة بقيادة طلاس السلامة قائد "جيش اسود الشرقية  " تحرير مناظق واسعة من البادية الشرقية من تنظيم داعش في مساحة تصل الى نحو ثلاثمئة كلم، ويجري دعم هذه القوى تدريبا وتمويلا وتسليحا من غرفة عمليات " الموك " التي يشرف عليها الامريكي من عمان، استعدادا لمعركة دير الزور التي فشل النظام وحلفه الروسي في فك الحصارالمستمرعلى مطار المدينة والقاعدة العسكرية، كما ان التقدم الملموس لقوات المعارضة في معركة المنشية وسط درعا يفتح الباب لحسم معركة الجنوب السوري التي يصارع النظام للحفاظ على جزر معزولة لقواته على خط الدفاع الاخير عن العاصمة .

 

حدود المناورة الامريكية

في القراءة المتفحصة ، لا تبدو واشنطن في وارد العودة الى سياستها التدخلية الواسعة على غرار ادارة بوش الابن في افغانستان والعراق، وعصر الحروب الوقائية انتهى الى غير رجعة معززا باجماع داخلي، هنا يمكن القول ان الاستدارة الامريكية المحدودة لا تصل الى مرحلة الدخول في معركة لاسقاط الرئيس الاسد كما يتمنى بعض رموز المعارضة السورية، اذ يتشارك الامريكي والروسي في النظرة والتقييم للمعارضة العسكرية باعتبارها  تنتمي في غالبيتها  الى سلفيات جهادية متدرجة الطيف لكنها تتوحد على هدف نهائي هو اقامة  الدولة الاسلامية وتطبيق الشريعة

ولهذا فان واشنطن تدرك ان الظروف الموضوعية والذاتية لاطراف المعادلة السورية لا  تفضي الى اختراقات جدية في المدى المنظور والذي يعني سنوات قد تطول، وبالتالي فان تفجير الصراع مع موسكوفي الوقت الراهن قد يفتح ابواب جهنم، وان الخلاف حول الميل الاخير المتعلق بمستقبل الاسد يمكن التفاهم عليه في حينه وسيظل نقظة خلاف معلن، فالاولوية ستبقى اعداد المسرح السياسي والميداني الذي يمكن من عبور امن ومنضبط للانتقال السياسي في سوريا، وفي مقدمة الاهداف استمرار الخرب على داعش وانهاء دولتها المزعومة، وذلك يحتاج الى تنسيق وتعاون مع الروسي والتركي، وهناك مهمة اخرى لا تقل اهمية وخطورة وهي المعركة ضد جبهة النصرة وحلفائها المصنفين على قائمة الارهاب، هنا تعطى واشنطن لبعض الاطراف الاقليمية الفرصة والزمن الكافيين من اجل تعويم جبهة النصرة والتخلص قتلا واغتيالا وابعادا لكل القيادات الاساسية التي لا زالت على بيعتها المتصلة للقاعدة وزعيمها ايمن الظواهري، وكذا الانتهاء مما يسمى اليوم في الحالة السورية ملف المقاتلين الغرباء او الاجانب والذين يتركز وجودهم اليوم في الحزب التركستاني الاسلامي بغالبيته من الايغور الصينيين والاذريين والتركمنستان، ومجموعات اخرى من بقايا جند الاقصى الذين التحقوا بتنظيم داعش بعد تغولهم على الفصائل المعارضة.

 

ومن جهة النظام هناك عشرات المنظمات الارهابية المتطرف القادمة من لبنان والعراق وافغانستان وايران والباكستان ويتم تداول مصطلح يعرف " بعام التنظيف" للاجاتب، في ذات الوقت يتابع البنتاغون ومن الجبهة الجنوبية والقلمون الشرقي اعداد وتاهيل القوى العسكرية المعارضة " المفحوصة امنيا وعقائديا وهي في غالبيتها قوى عشائرية تتمتع بانضباط عسكري عال ، واذا ما اثبتت هذه الفصائل جدارتها في مهماتها الجديده ، فان هذه القوى ذات الصبغة الوطنية المعتدلة ، يمكن ان تصبح فرس الرهان القادم في المعادلة السياسية والانتقال الامن للسلطة ، وهذه الاهداف الكبرى في سوريا تحتاج الى تعاون دولي واقليمي فاعل،الامر الذي يفوق طاقة واشنطن منفردة ، خاصة بعد بعد فترة السبات الامريكي الذي سبق الانتخابات العامة، والتي اسفرت عن استفراد روسي بالوضع السوري وتقاسم للنفوذ مع طهران يشبه ما يمكن وصفه بقوى الاحتلال او الانتداب