الحدث- علاء صبيحات
الانخفاض المتتالي لعملتي الدينار والدولار في الأسواق العالمية جعلت من أوراق هاتين العملتين نادرة الوجود في السوق العالمية والمحلية، ما مدى صحّة هذه الإدعاءات وأين ذهب الدولار؟ وما دور المواطن العادي في اختفاء الدينار أو الدولار من السوق؟، وما أثر ذلك على الاقتصاد الفلسطيني؟ وما سبب الانخفاض المستمر للدولار؟ وما هي الحرب الناعمة؟
الصرّيف يشتكي
أفاد (محمود، وهو إسم وهمي) لأحد أصحاب شركات الصرافة في الضفة الغربية، الذي رفض الإفصاح عن إسمه، "للحدث" أن الدولار والدينار مختفيان من السوق منذ شهرين.
ويضيف أن هناك عوامل محليّة أثّرت على تزايد الطلب على العملتين أولهما انخفاض سعر الدولار والدينار بشكل كبير في هذه الفترة فصارت الناس متخوّفة كما يوضّح محمود مما جعل الطلب على العملتين أثره ملحوظا.
ويضيف أن شركات الصرافة تعاني بشكل كبير جدا لعدم توفر هذه العملات بشكل أساسي في السوق، بل وإن شركات الصرافة تعاني حاليا من خسارات كبرى وذلك لأن الحوالة التي تصل من الخارج سواء بالدينار أو الدولار يجب تسليمها بنفس العملة وعدم صرفها إلى الشيكل الإسرائيلي.
وبهذا يضيف محمود أن شركات الصرافة تُجبر على شراء الدينار والدولار بأعلى من سعره الحالي بستة إلى سبعة شحطات مما يؤدي إلى خسارات عالية جدا.
البنوك على العكس تماما كما يقول محمود فهم يحوّلون إلى حسابك نقودا بالدولار أو الدينار لكن لا يمكنك سحبها من البنك.
السبب الرئيسي لاختفاء الدولار والدينار يعزوه محمود لرفض البنوك الإسرائيلية استقبال ملايين الشواقل المتكدّسة في البنوك الفلسطينية، ومن المعروف كما يضيف محمود أن الاقتصاد الفلسطيني اقتصاد مغلق ومن الصعب استيراد الدولار والدينار.
البنوك الفلسطينية كما يوضّح محمود عليها أن تلتزم بحد أدنى من عملتي الدينار والدولار في خزائنها التزاما بسياسة النقد المتّبعة، وهي تعاني من النقص لذلك يصعب عليها التفريط بهذه العملة.
سلطة النقد
وبخصوص النقص في عملتي الدينار والدولار يقول محافظ سلطة النقد الفلسطينية عزام الشوّا، في لقاء خاص مع "الحدث"، أنه ومن واقع الأرقام الموجودة في دائرة الخزينة والرقابة التي تُتَابع بشكل يومي، لا يوجد نقص في ورق تلك العملتين.
ويوضح الشوّا ذلك بأن النسب المطلوب تواجدها في كل البنوك كنوع من الاحتياطي لاستعمال العملاء هي موجودة.
ويؤكّد الشوّا أن الأمر قد يعود أيضا هناك سوء استعمال من قبل المواطنين، إذ كما يضيف أن "الأرقام الرسمية المتوفرة هي أكثر من المتطلبات، وسلطة النقد تحاول أن تتابع بشكل يومي قيمة الأرصدة المتوفرة من كل عملة، في كل فرع من أفرع البنوك الفلسطينية، مما يفسح المجال أمام سلطة النقد لمعرفة قيمة الإحتياج المطلوبة في السوق".
وهذه المعرفة بقيمة الاحتياج كما يوضّح الشوّا هي معرفة تقديرية، تشكّل الإحتياج الفعلي اليومي أو الأسبوعي أو الشهري وهو احتياج كما يقول الشوا يختلف عن الاححتياج اللحظي.
ويشرح الشوّا الفرق بين الاحتياجين بضربه المثال التالي:
لو افترضنا أن هناك فرعا لبنك في منطقة صغيرة جاءه تاجر يرغب بسحب مليون دولار، بهذ الحالة يكون احتياج الفرع للمليون دولار هو احتياج لحظي.
ويضيف الشوّا أنه إذا لم يتوفر المليون في خزينة ذلك الفرع، فهذا لا يعني أن هناك خللا ما قد يحصل بل على العكس، بهذه الحالة يطلب الفرع من أقرب فرع إليه المبلغ المطلوب منه ويغطي حاجة التاجر.
أما عندما تقوم سلطة النقد بمعرفة نسبة الكاش التي في الخزنة مقارنة مع الودائع التي في هذا الفرع فإنها تستطيع توقّع حجم الاحتياط المطلوب في الفرع كما يؤكّد الشوّا، وبالتالي هذا ما أسماه الشوّا بالاحتياج اليومي أو الأسبوعي أو الشهري.
وبالنسبة لتوفير مبالغ احتياطية من ورق العملة في السوق الفلسطينية فإن محافظ سلطة النقد يؤكّد بأن سلطة النقد طلبت شحنات بالدولار من أكثر من جهة، وهي جهات تطلب سلطة النقد الفلسطينية منها الدولار عادة، بهدف أن تضع احتياطي أكبر على الرغم من أنه لا لزوم له.
الصرّيف والعملة
يقول محافظ سلطة النقد إن التزود الأساسي للعملات يكون من خلال طريقتين إما عن طريق كل بنك لوحده يطلب العملات من الخارج، أو عن طريق سلطة النقد من موقعها تطلب لكافة البنوك مبلغا عبر أحد البنوك التي لها علاقة مع الخارج.
وبنفس الوقت يقوم الصرّيف بأخذ احتياجه من البنوك المحلية كما يضيف الشوّا، وهناك ترتيب في غرفة العمليات التابعة لسلطة النقد للقيام بإدارة هذه العملية.
يقول الشوّا إن هناك قانونا خاص يحكم العلاقة بين شركة الصرافة المرخّصة والبنك، وفيه تعليمات تصدر عن سلطة النقد، بالإضافة للرقابة التي تفرضها سلطة النقد على الطرفين( الصرّيف والبنك)، وهناك وضوح في العلاقة الرسمية بين شركات الصرفة المرخّصة وبين سلطة النقد.
الخبير الاقتصادي
يقول الخبير الاقتصادي د. نصر عبد الكريم لـ"لحدث" إن انخفاض تواجد عملتي الدينار والدولار في السوق المحلية يعود لعدة أساب محلية ودولية هامّة ومتعددة منها الاقصادية البحتة ومنها السياسية.
ويضيف أن الأصل في إدارة السيولة المتاحة تكون على عاتق البنوك وهي التي يجب أن توفر السيولة من العملات المختلفة في السوق، بالإضافة لشركات الوساطة بإشراف من سلطة النقد.
وسبب عدم توفر هذه العملة في السوق له صلة بعدم تزوّد البنوك بهذه العملات من مقراتها وإداراتها ومصادرها الأخرى كما يقول د.نصر.
ويضيف إن البنوك لم تعد ترغب هذه الفترة بإعطاء قروض بهذه العملات فهي غالبا حذرة بعرض العملة أو أنها لا تمتلكها في خزائنها أصلا.
فيما ينفي محافظ سلطة النقد عدم رغبة البنوك إعطاء القروض بعملة الدينار والدولار، بل على العكس كما يقول عزّام الشوّا إذ أن تذبذب عملة الشيكل يخيف البنوك، والقانون يلزمها أن تعطي قروضا بالدولار والدينار والشيقل كقروض.
فالقانون كما يقول الشوّا يمنع أن ترفض البنوك إعطاء القروض بعملتي الدولار والدينار، فيما يؤكّد الشوّا أن القضية كلها هي تجارة تعتمد على العرض والطلب، فالبنك مثلا يضع نسبة فائدة عالية على الدينار ويخفّض النسبة على الشيقل مثلا أو الدولار.
فالبنوك الفلسطينية مليئة بعملة الشيقل الإسرائيلي نظرا للعلاقات المعقدة مع دولة الاحتلال، كما أوضح الخبير الاقتصادي د. نصر عبد الكريم.
وهذا ما أكّده محافظ سلطة النقد الفلسطينية عزّام الشوّا، إذ كانت هناك أزمة باكتظاظ البنوك الفلسطينية في عملة الشيقل، وكان البنك المركزي الإسرائيلي يرفض استقبال الفائض من هذه العملة من البنوك الفلسطينية.
عقبة الشيقل وتجاوزها والفائض
يؤكّد محافظ سلطة النقد الفلسطينية عزّام الشوّا بانه خلال السنتين الماضيتين مرّت سلطة النقد بهذا الظرف الصعب فقد كان هناك فائض بالشيقل الإسرائيلي في البنوك الفلسطينية.
وبالأصل كما يقول الشوّا: إنه فائض العملة بالأساس يجب أن يُرحّل إلى البنك المركزي الإسرائيلي، وأن منبع المشكلة أنها كانت مرتبطة بمواضيع أمنية.
لكن الشوّا أكد أن سلطة النقد الفلسطينية رفضت أن يكون هذا الموضوع أمنيا أو سياسيا، إذ أن الموضوع هو مصرفي تحكمه اتفاقيات واضحة بين البنك المركزي الإسرائيلي والبنك المركزي الفلسطيني الممثل بسلطة النقد.
ويضيف الشوّا بأنه تم تخفيض الفائض من عملة الشيكل الفلسطينية في البنوك الفلسطينية، إذ تم ترحيل 13.5 مليار شيقل خلال العام الماضي 2016.
وأكّد الشوّا أن سلطة النقد أنجزت جزء كبير من هذه المعضلة وبحسب توقعه سينتهي ملف فائض الشيقل في البنوك الفلسطينية قريبا.
إذ كشف الشوّا لـ "الحدث" أن الفائض من عملة الشيقل خلال الربع الأول من العام الجاري بلغ 2 مليار شيقل، وتم الحصول على الموافقة بترحيل مليار ونصف منها إلى البنك المركزي الإسرائيلي.
وأضاف الشوّا بأنه تم حتى اليوم شحن نصف مليار شيقل من الفائض، وكان أغلب ذلك المبلغ من العملة التالفة والعملة القديمة.
وأكّد الشوّا، أنه تم شحن 2 مليار شيقل أخرى منذ بداية العام 2017 إلى البنك المركزي الإسرائيلي، وهو مبلغ منفصل عن النصف مليار الأخيرة التي تم شحنها.
شُحّ السيولة
يوضح الخبير الإقتصادي د.عبد الكريم أن هناك شحّا في السيولة بشكل عام وهناك حالة من عدم التفاؤل بالنسبة لمؤشرات الاقتصاد الفلسطيني لأنها غير مبشرّة، وحالة شح السيولة لا بد لها أن تنعكس على النظام المصرفي الفلسطيني.
يضيف د.عبد الكريم أنه لا توجد حركة دوران عالية في الاقتصاد بالإضافة لأن مركز الدينار الأردني هو البنك المركزي الأردني، وقد تكون البنوك الأردنية التي تعمل في الضفة تعيد الفائض من عملة الدينار إلى الأردن.
إن كل ما سبق تكون إدارته من خلال طريقة إدارة الخزينة لدى البنوك وإدارة المخاطر في أسعار صرف العملات وإدارة السيولة لدى البنوك كما قال د.عبد الكريم.
وبناء على ذلك فإن المواطن ليس اللاعب الأساسي في لعبة اختفاء ورق العملة كما يؤكّد د.عبد الكريم.
وفي هذا يؤكّد محافظ سلطة النقد عزّام الشوا إن الفائض من عملة الدينار الأردني تُرحَّل إلى البنك المركزي الأردني كما هو الوضع الطبيعي.
ويضيف الشوّا أن عملة الدولار نادرا ما يكون في السوق الفلسطينية فائضا منها، وفي الحالات النادرة التي يصبح هناك فائض من الدولار يتم ترحيله للبنك المركزي الأردني أو البنك المركزي المصري.
استمرار الإنخفاض
يقول د.عبد الكريم إن الدينار الأردني لا يمكن التعامل معه كعملة مستقلة فهو مرتبط بالدولار 100% منذ العام 1989 فهو يسير كالظل للعملة الأساسية التي هي الدولار شأنه في ذلك شأن عملات عربية كثيرة مثل الدرهم الإماراتي والريال السعودي والدينار الكويتي.
وكما يوضح الخبير في الاقتصاد د. نصر عبد الكريم فإذا انخفض سعر صرف الدولار في العالم واستمرت أسباب التخوف من سياسات ترامب المستقبلية الاقتصادية سواء على الصعيد الأمريكي او العالمي فلا بدّ للمستثمرين والمضاربين أن يتخلوا عن الدولار كعملة ادخار أو استثمار.
يؤكّد د. نصر أن الدولار سيبقى العملة الأولى عالمية وسيحافظ على قوّته في العالم لكن إذا كان بإمكان المستثمرين التخلي عن العملة سيتخلون عنه ويستبدلونه بعملة أكثر ثباتا.
مما سينعكس سلبا على الدينار الأردني وباقي العملات المرتبطة به كما يوضح د.نصر.
أما محافظ سلطة النقد عزّام الشوّا فإنه يرى أن توقّع استمرار انخفاض عملة الدولار هو توقع في غير محلّه، لأن التحكم في أسعار العملات له علاقة مباشرة في البنوك المركزية الأم لأي عملة.
لكن سعر العملة داخل السوق الفلسطيني في النهاية كما يقول الشوّا يعتمد على العرض والطلب، وهناك مؤشرات بأن البنك المركزي الفدرالي قد يرفع نسبة الفائدة لكنه هو الذي يتحكّم بذلك ويختار التوقيت الذي يناسب اقتصاده في الأساس.
يؤكد الخبير الاقتصادي د.نصر عبد الكريم بأن ما حصل في الكونغرس الأمريكي، عندما لم يستطع حزب ترامب المحافظ بأن يُقنع الكونغرس وحتى أعضاء حزبه بنظام التأمين الصحي البديل لنظام " Opama Care" كان له كامل الأثر في رفع سعر الذهب والين واليورو وانخفاض سعر الدولار في الفترة الاخيرة.
إذ يوضح د.نصر بأن الأسواق استنتجت من فشل تمرير مشروع التأمين أن هذه الإشارة غير إيجابية لأن ترامب لن يستطيع تمرير كل ما يعتقده خاصة أن المشروع البديل لنظام Opama Care كان أكثر المشاريع التي يثق فيها ترامب.
وبالتالي فإنه وبناء على هذه الواقعة الاقتصادية كما يقول د.نصر فإن كثيرا من المستثمرين استقبلوا هذا الأمر بحذر فتخلّى كثير منهم عن الدولار من خلال شراء الذهب أو عملة أخرى أكثر ثباتا أو عقار مما أدى لرفع أسعارها على حساب الدولار.
المُضارب وترامب
أكّد الخبير الاقتصادي في حديثه مع "الحدث" أن خطة ترامب الاقتصادية غير واضحة لغاية الآن لكن ترامب بدون أدنى شك معنيٌّ بأن ينخفض سعر الدولار حتى يعزِّز صادرات الولايات المتحدة الأمريكية ليخفِّض العجز في الميزان التجاري.
ويضيف: "ترامب يظن أن أمريكا مظلومة في علاقتها التجارية مع العالم بخاصّة مع الصين لأن التجارة بحسب مفهوم ترامب في عجز كبير مع الصين تحديدا والسبب قوة الدولار".
و يؤكّد الخبير الاقتصادي د. نصر إن المستفيد الأول من هذه التقلبات الكبيرة هم المضاربون فهم الأكثر فهما لتقنيات عمل الأسواق.
الحرب الناعمة على الصين
يقول الخبير الاقتصادي د. نصر عبد الكريم إن الولايات المتحدة الأمريكية وجزء لا يستهان به من دول أوروبا منذ عهد أوباما وهم يضغطون على الصين لتحرير عملة اليوان الصيني.
و كما يوضح د.نصر فإن الصين تتدخل لتثبيت العملة الصينية عند أسعار صرف أقل من قيمتها الفعلية وهي ليست قيمة عادلة وسبب ذلك حتى تضمن الصين هامشا مميِّزاً وتحصل على قدرة كبيرة في التصدير .
وعند تحريره فإن منافسة الصين في التصدير تكون أقل في الأسواق الخارجية، لكن الصين لن تقوم بذلك كما يؤكّد د.ناصر، لأنها تعتمد في اقتصادها على التصدير وليس على الاستهلاك المحلي لأن المواطن الصيني لا يملك القدرة الشرائية لتحريك الاقتصاد الصيني.
وحقيقة أن السوق الأمريكي هو ما يحرك أسواق العالم نظرا لشراهة الأمريكان وقدرتهم الشرائية العالية كما يقول د. نصر هي حقيقة ثابتة ما دام الدولار قويا.