حدثان مفصليان في الضفة الفلسطينية المحتلة ؛ سيكون لهما من التبعات ما يمكن البناء عليهما ؛ إضراب الأسرى والانتخابات البلدية . حدثان يؤشران لارهاصات بعيدة المدى ، وبداية انهيار برنامج التخريب والإفساد والتدمير الممنهج للروح الكفاحية الفلسطينية ؛ وتمثلاتها الثقافية المقاومة ، تلك الروح التي تظافرت جهود دولية واسرائيلية ومحلية لإعادة تشكيلها كمعبر اجباري وضروري للاستسلام وقبول الامر الواقع ؛ بكسر الروح الجماعية ، وإحلال الفردانية والنمط الاستهلاكي والرفاهية الشخصية محل قيم الوطنية الجامعة والحريّة والكرامة والحق والمسوولية الاجتماعية .
المفصل الاول الذي قرأه المستوى السياسي الاسرائيلي بجدية وعمق كان الإضراب العام والشامل في كل زقاق وحارة ومخيم وقرية ومدينة تضامنا مع الأسرى ، يوم ٢٨ نيسان / ابريل ، وهو الإضراب الذي يماثل في شموليته والتزام الناس العفوي والطوعي إضرابات الانتفاضة الفلسطينية الاولى عام ١٩٨٧ .
خبراء الشؤون الإسرائيلية تحدثوا ؛ ان تقديرات المستوى الأمنى ابلغوا السياسي استنادا الى معلومات وتقديرات الوكلاء الصغار المحليين ، ان إضراب الأسرى لن يتجاوز ٢٠٠- ٣٠٠ أسير من مجموع سبعة آلاف ، ولن يستمر الا بضعة ايّام ، وان الشعب الفلسطيني الغارق في همومه اليومية والانقسام والتفكك الداخلي ؛ بات مغيبا ودخل في سبات سياسي طويل ، وان شخصا مثل القائد مروان البرغوثي لا وزن له ، وبات مشيطنا داخل جماعته ، فجاءت المفاجأة الصادمة لكل المستويات السياسية والأمنية .
المفصل الثاني : نسبة المشاركة المتدنية في الانتخابات البلدية وتحديدا في المدن الرئيسيّة والتي لم تتجاوز حاجز العشرين بالمئة ، وبعيدا عن قراءات المناكفة السياسية الداخلية البلهاء مع قيادة السلطة الحالية ؛ فان القلق كان اسرائيليا ، فالمقاطعة والاستنكاف كان ضربة في العمق لاحد الخيارات الإسرائيلية البديلة ، اذا ما تعثرت تركيبة استمرار الوضع القائم .
فالإسرائيلي ومعه أطراف دولية داعمة وممولة ، دفعوا باتجاه صناعة قيادات محلية منتخبة في بلديات يمكن تطويرها لحكومات محلية ؛ يلحق بها في وقت لاحق اذا ما انهارت السلطة القائمة ، بعض وظائف الوزارت الخدمية والأمنية ، ينهي عمليا الشكل الدولاتي الفلسطيني الزائف ، ويعيد انتاج الاحتلال غير المباشر بادوات جديدة ، بما يمهد لضم الكتل السكانية الكبرى شرقا او غربا ، فجاءت المفاجاة التي تجبر صانع القرار على إعادة القراءة مجدداً ، فقد اعادت عبقرية الفلسطيني الكرة الى حضن الاحتلال مرة اخرى ولسان حالهم يقول " خيطوا بغير هذه المسلة "