الإثنين  29 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

كنفاني يكتب لـ "الحدث" | بارقة أمل في أفق مظلم.. هل حان وقت التوحّد الفلسطيني؟

2017-05-17 12:08:49 PM
كنفاني يكتب لـ
مروان كنفاني- مستشار الرئيس الراحل ياسر عرفات

 

بقلم- مروان كنفاني*

 

قد يكون هذا العنوان المتفائل في هذه الفترة المغرقة في خلاف وتصارع المنظمات والأحزاب الفلسطينية مدعاة للدهشة، وربما الريبة في جدية ومصداقية هذا المقال. خاصة وان الكاتب قد خاض الطريق الطويل الصعب في إبراز خطورة الخلاف والتناقض والتناحر الذي وصل ذروته، وخطورته، خلال العقد الأخير من تاريخ نضال شعبنا الطويل والدامي مع العدو الصهيوني. إن الأقرب للفهم والواقع، والملموس من تجارب السنوات العشر الأخيرة، والقناعة الأليمة التي تترسخ كل يوم في ضمير شعبنا، هي عكس ذلك تماماً.

 

أجرؤ اليوم أن أدّعي أننا كفلسطينيين، نمّر اليوم في أكثر فترات تاريخنا الحديث، وبالذات مرحلة العشر سنوات العجاف الأخيرة، مدعاة للأمل في مستقبل عمل جماعي ناجح وموّحد يقودنا إلى أداء أفضل على الصعيدين السياسي والمقاوم، فرصة لا شك في قناعتي أنها الأخيرة أيضاً  لوقت طويل ومظلم قادم.

 

اسباب الإختلاف التاريخي بين الأحزاب والفصائل الفلسطينية واضح ومعروف، وهو يتمثّل أساساً في اختلاف برامجها السياسية المتعلقة بأسس ووسائل إدارة الصراع مع العدو الصهيوني والذي ينعكس بالتالي على الأهداف، السياسية والعسكرية، قصيرة وطويلة المدى التي تنتهجها تلك التنظيمات. وقد قاد الإختلاف في التوصيف والوسيلة والهدف بين المنظمات والأحزاب السياسية منذ عشرينات القرن الماضي إلى فتح مجلدات الإتهام والإدانة والتخوين والتكفير ضد بعضهم البعض، الصفة التي حكمت العمل السياسي الفلسطيني حتى وقتنا الحاضر. فقط شهدت فترة تاريخية قصيرة وحدة وتوحّد العمل الفلسطيني وتميّزت بتراكم الإنجازات الصغيرة التي أعادت الوجود الفلسطيني السياسي في المطقة والعالم بأسره. استمرت تلك الفترة منذ عام 1968 التي تبلورت فيها منظمة التحرير الفسطينية بعد انضمام حركة حماس لعضويتها وترؤس الزعيم الشهيد ياسر عرفات لها، إلى عام 1987 حين تشكلت وبرزت حركة حماس بمفهوم واستراتيجية وممارسة مختلفة، وابتدأ الخلاف الأكبر في المسيرة الفلسطينية وتطوّر التراشق المعهود بالإتهامات والإدانة إلى تراشق كريه بالسلاح والرصاص. لم يكن النجاح النسبي الذي حققه الشعب الفلسطيني في تلك الفترة القصيرة بسبب أن حركة فتح كانت أكثر وطنية أو كفاءة من المنظمات الأخرى أو أرشد رؤية لطبيعة الصراع، ولكن ذلك النجاح كانت بسبب وحدة العمل السياسي والمقاوم الفلسطيني نتيجة لوحدة البرنامج السياسي الذي تمثّل بالميثاق الوطني الفلسطيني الذي حكم سبل وخلفية وهدف العمل الفلسطيني،  السياسي والمقاوم.

 

الميثاق الوطني الفلسطيني الذي وافقت عليه والتزمت به كافة المنظمات والأحزاب الفلسطينية هو الذي حوّلنا من شعب تابع للدول العربية وقراراتها إلى شعب سيّد، وحول قضيتنا من موضوع لاجئين جوعى ومرضى إلى اسطورة نضال شهدها واعترف بها العالم بأسره. وحين اختلفت الفصائل والأحزاب الفلسطينية حول ذلك الميثاق في عام 1978، وطرح ميثاق آخر وخيار آخر لم يكن أفضل أو أسوأ من الميثاق القديم ولكنه فتح بوابة الإختلاف الواسعة، وحيث فشلت الجهود واختلفت النوايا حول الإتفاق مرة أخرى على ميثاق وطني واحد...  وقعت الكارثة التي يعاني منها شعبنا وقضيتنا اليوم والتي أخذتنا إلى طريق الصدام والخلاف والموت، والخلاص من تلك الكارثة له طريق واحد وحيد، ليس هو المصالحة الخادعة ولا حكومات التوافق عديمة الجدوى، ولكنه التوصل إلى ميثاق أو برنامج وطني موحّد جديد يعرض لاستفتاء شعبي يعمّده دستوراً للعمل الفلسطيني المشترك، السياسي والمقاوم. نحن اليوم، لأول مرة منذ أحد عشر عاماً على قرب من ذاك الهدف.

 

تبنّت حركة حماس، لأسباب تختص بها، منذ أكثر من عقد من الزمن، قراراً بالمشاركة في الإنتخابات التشريعية التي كانت تصفها بأنها إلتزام مفروض من قبل إسرئيل، ولقد مهّد فوز حماس بتلك الإنتخابات الأرضية التي منحت حركة حماس شرعية رمزية ساعدتها كثيراً في إعتراف دول كثيرة بها اعترافاً واقعيّاً إن لم يكن اعترافاً قانونيّاً. تخطّى قرار فتح الأخير والجريء حول قبولها دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة في الأراضي الفلسطينية المحلة عام 1967 آخر العقبات في طريق التوصل لبرنامج وطني فلسطيني موّحد. وكانت حماس قد تحدثت مؤخراً عن رغبتها في المشاركة والإنضمام للمجلس الوطني الفللسطيني، أعلى سلطة سياسية وتشريعية منبثقة عن منظمة التحرير الفلسطينية، الجهة السيادية الفلسطينية التي تضم عضوية كافة المنظمات والفصائل الفلسطينية، ما عدا فصيل الجهاد الإسلامي، والتي فاوضت ووقّعت اتفاق أوسلوالذي بالمناسبة لم توافق عليه حتى الآن حركة التحرير الوطني الفلسطيني، فتح. ما الذي تبقى من خلاف بين التنظيمين الرائدين في العمل السياسي والنضالي الفلسطيني؟

 

 تبلور الخلاف والاختلاف والصدام والقتل والسجن والاعتقال بين تنظيمي فتح وحماس حول موضوعين أساسيين لا ثالث لهما. أولهما هو طبيعة التعامل مع الكيان الإسرائيلي وإدارة الصراع معه، ومع حلفائه. والأهداف المرحلية والنهائية لمسيرة النضال الفلسطيني. وثانيهما هو عدم اعتراف حركة حماس بالمرجعية الوطنية للمؤسسة  التي قادتها فتح خلال حوالي نصف قرن من الزمن، وهي منظمة التحربير الفلسطينية. بالأمس القريب أعادت حركة حماس، بشجاعة ودراية، سياستها تجاه الأهداف المرحلية للنضال الفلسطيني وتبنّت نفس الموقف، والشروط، التى أكّدها الرئيس الخالد ياسر عرفات في إعلانه التاريخي بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة في عام 1988 بالجزائر. وقبيل ذلك بقليل أعلنت حركة حماس عن تفكيرها الجاد بالمشاركة في إنتخابات المجاس الوطني الفلسطيتي القادمة، الإعلان الذي تخطت به حماس الحاجز الأخير بينها وبين قتح.

 

الكرة الآن في ملعب الرئيس محمود عباس، صاحب الشرعية التوافقية الوحيدة على الساحة الفلسطينية حاليّاً، وجماعته في حركة حماس، في مقابلة ما قامت به حماس بالترحيب وليس الشماتة، وبالإحتضان وليس التشفّي، وبالدعم وليس التشكك. "قابلو الحسن بالحسن" قال السيد المسيح، "وادفع بالتي هي أحسن" قال نبينا الكريم، "وارحموا شعبكم" كما كان يردد الرئيس الشهيد ياسر عرفات.

 

هناك ايضاً، فيما يقول العديد من شعبنا، موضوعاً ثالثاً، غير الموضوعين اللذين ذكرتهما أعلاه، يفسّر سبب الخلاف بين حركتي حماس وفتح، ويعكس تمسكهما به. موضوع لا حل له ولا يمكن التغلّب عليه وسيبقي الأساس الوحيد للعداء بيننا، موضوع لا علاقة لإسرائيل به ولا الولايات المتحدة ولا روسيا أو أي دولة أوروبية، ولا إيران ولا تركيا ولا مصر أو أي دولة عربية أخرى، ولا شعبنا وشهدائه وجرحاه ومعتقليه، ولا أنا. موضوع إسمه الرغبة والإصرار على التمسك بالحكم.   

 

مروان كنفاني:  المستشار السياسي والمتحدث الرسمي باسم الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات