الثلاثاء  30 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

"استمرار إدارة الفَشَل في عمليَّة السَّلام أمريكيَّاً.. وترامب المدير الجديد" بقلم: رائد دحبور

2017-05-22 09:35:41 PM
رائد دحبور

تبقى إدارة الفشل في عمليَّة السَّلام الآسِنَة على صعيد القضيَّة الفلسطينيَّة مهمَّة أمريكيَّة بامتياز، ومن وقتٍ لآخر وتزامناً مع أيِّ إدارة أمريكيَّة جديدة تتم محاولة التظاهر ببذل مزيدٍ من الجهود بهدف تخليص تلك العمليَّة مِمَّا عَلِقَ بدواليبها من أدرانٍ وأوحالٍ على طولِ سكَّةِ شتائها الطَّويل؛ بفعل الإجراءَات الإسرائيليَّة الَّتي نَقَضَتْ كل أسس تلك العمليَّة عبر عمرها المديد منذ لحظات ولادتها القيصريَّة الأولى مطلع تسعينيَّات القرن المنصرم، وتبدأ كل إدارة أمريكيَّة جديدة بتفعيل دبلوماسيَّة السلام الأمريكيَّة لإخراج تلك العمليَّة من مناخ عدم الثِّقة المزمن، والَّذي يأبى التَّحوُّل أو التبدُّل. وفي هذا السِّياق يمكن تناول وتوقُّع ما ستفضي إليه زيارة الرَّئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المنطقة وإلى إسرائيل هذه الأيَّام من نتائجٍ وأصداءٍ دبلوماسيَّة وإعلاميَّة ودعائيَّة.

 

ولإنْ كان العقل الأمريكي قد أبدع جملةً من النَّظريَّات الإداريَّة على يدِ كلٍّ من فريدريك تايلور، وجون آلت مايو، كروَّادٍ في مجال علم الإدارة على سبيل المثال في مطلع القرن العشرين، والَّتي كانت أساساً لنهضة وتقدُّم هذا العملاق الأمريكي الصِّناعي والاقتصادي والعسكري والسِّياسي – وبالمناسبة فإنَّ دونالد ترامب الرَّئيس الأمريكي الحالي لا يعتبر نفسه أقَلَّ أهميَّة من أولئك الرُّواد في مجال إبداع الأفكار الإداريَّة وإنْ كان يعرضها في مؤلَّفاته وفي برامجه التلفزيونيَّة قبل أنْ يصبح رئيساً بأسلوبٍ شَعْبَوِيٍ وبلغةٍ بسيطة يفهمها الجمهور الأمريكي عبر برامج تلفزيون الواقع - فإنَّ تلك العقليَّة وبلا شكٍّ قد أبدعت أيضاً في مجال إدارة منهج الفشل لدى قيادات ونخب وأوضاع شعوب ودول العالم الثَّالث، وفي مقدم ذلك إدارة الفشل في عمليَّة السَّلام في الشَّرق الأوسط.

 

وهي بالإجمال عقليَّة إداريَّة أمريكيَّة ناجحة لإدامة استمرارِ أوضاعٍ مترديَّة تنمو على ضفافها الآن في المنطقة العربية مختلف أشكال وطحالب التَّطرف وخيارات اليأس، وتستمر على ضوئها عمليَّة سلام مائعة فاشلة بلا مضامين حقيقيَّة أو إجراءَات موقوتة بمواعيد زمنيَّة أو أطرٍ قانونيَّة أو مرجعيَّة واضحة.

 

كل رئيس أمريكي يأتي في الظَّاهر بأفكارٍ جديدة تتصل بتسوية القضية الفلسطينيَّة، تقابلها أو تتناغم معها أو تُرْدِفُها أو يمثِّل بديلاً لها أفكارٌ إسرائيليَّة، ويقابلها استعدادٌ عربيٌّ وفلسطينيٌّ غير مشروط للإغراق في مناقشتها، ثمَّ يتحوَّل نقاشها إلى سفسطة كلاميَّة تدور في ذات الحلقات المُفرْغَة.

 

وكل رئيس أمريكي – وكموظَّف أعلى  يخضع للمنظومات الدُّستوريَّة والإداريَّة وللسياسات العامَّة الأمريكيَّة – له كرزميَّته الشَّخصيَّة كقائد، وله أساليبه المفضَّلة في مجال إدارة العلاقات العامَّة مع العالم من حوله، واللَّغة والمفردات التي يفضِّلُها ويطرب لدى سماعها، وهذا ما تدركه إسرائيل جيِّداً وتُحسن استخدامه، وهذا الرَّئيس الجديد يطرب لسماع لغة المال والاقتصاد ومفردات رجال الأعمال؛ لذا نجدُ أنَّ نتنياهو ومجلس كابينيت إسرائيل – المجلس الوزاري المصَغَّر – قد أعلن أنَّه قد اقرَّ (رُزْمَةً اقتصاديَّة) تجاه الفلسطينيين وسَيُعْلِنُ عنها تزامناً مع هبوطِ طائرة الرَّئيس الأمريكي في البلاد كجزءٍ من تأكيدِ التزام حكومة نتنياهو بعمليَّة السلام الأمريكيَّة، وكتأكيدٍ على نظريَّة السَّلام الاقتصادي التي يؤمن بها نتنياهو.

 

كما أنَّ كلَّ رئيسٍ أمريكيٍّ جديد، وكجزءٍ من بروتوكول زيارته لإسرائيل، لا بُدَّ سَيطيرُ ويحلِّقُ على مسارِ الجدار– أو فوق مسارِ خطوط الخط الأخضر التي جرى تعديلها بفعل الجدار -  بطائرة إسرائيليَّة خاصَّة بصحبة رئيس الوزراء، وهكذا جرت العادة، وسَيَشْرَحُ له الأخير على أرض الواقع ومِنَ الجَّوِّ مفهوم الخمسين ميل التي تفصل بين الحدود الشَّرقيَّة للضِّفة الغربيَّة في واد الأردن وبين أوَّل موجة في البحر تضرب ساحل المدن الإسرائيليَّة الواقعة على شاطىء البحر في الغرب والمقابلة لمسار تلال الضِّفة الغربيَّة شمالاً جنوباً، وسيعرب الرَّئيس عن دهشته من ذلك!! ويعبِّر عن اقتناعه بخطورة قيام كيان معادٍ لإسرائيل في تلك المنطقة التي تهيمن على المدن الساحليَّة بما فيها منطقة تل أبيب الكبرى، وسيسمع ذات اللغة أنَّ ذلك العمق لا يزيد عن قُطْرِ مدينةٍ أمريكيَّة كمدينة نيوجيرسي على سبيل المثال، وهكذا جرت العادة أيضاً!!

 

وها هو دونالد ترامب يعلن على سبيل المثال وقبل مجيئه إلى المنطقة وبعد لقاءاته مع العديد من زعمائها بما فيهم كلَّاً من رئيس الوزرء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرَّئيس الفلسطيني محمود عبَّاس، وعلى الغلب أنَّه سيعيد التأكيد على ذلك أثناءَ زيارته الحاليَّة للمنطقة:

 

أنْ ليس ثمَّة ما يُعيق استمرا مسعى تحقيق السلام بين الجانبين طالما أنَّ كليْهُما يُعربان طوال الوقت عن رغبتهما بالوصول إلى السَّلام – وعلى ما يبدو أنَّ ترامب يعتقد أنَّ استمرار التأكيد على النَّوايا كافٍ لاستمرار حياة المجهود الدبلوماسي الأمريكي الذي وبالتَّنسيق مع إسرائيل قد حوَّل السَّلام من هدَفٍ وغايةٍ إلى مجرَّدِ عمليَّة يستدعي استمرارها مزيداً من وقودِ التنازلات العربية والفلسطينيَّة، في ظلِّ استمرار الإجراءَات الإسرائيليَّة التي تفرضُ يوميَّاً مزيداً من الوقائع في أرض الواقع. وأمريكيَّاً يكفي استمرار الإفصاح عن النَّوايا وتأكيد الالتزام بحسن النَّوايا كبديلٍ عن ضرورة الوصول إلى حلولٍ نهائيَّة؛ فذلك من شأنِه تحقيق الانسجام مع جوهر وغاية الرؤية الأمريكيَّة تجاه مجريات ومستقبل الصِّراع الفلسطيني الإسرائيلي، ألا وهي الاستمرار في توفير بيئة وإماكانات واقعيَّة لصياغة تعريفات ديناميكيَّة فعَّالة لمعنى التَّعايش بين إسرائيل وجيرانها وحتَّى محاولة بناء تحالفات فيما بينهم تحت عنوان مواجهة التحديات المشتركة – كما يجري الآن - وهذا ما كان وسيبقى هدف استمرار دبلوماسيَّة السلام الأمريكيَّة، وأحد غايات زيارة الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين إلى المنطقة، بما فيها إسرائيل بطبيعة الحال.. فيا طالبَ الدِّبِسْ...  وبقيَّة المَثل تعرفونه جميعاً!!