الجمعة  03 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ورق خام بقلم: طارق عسراوي

2017-06-20 01:15:25 AM
ورق خام 
بقلم: طارق عسراوي

من زرقة البحر الممتد أمام عينيه ، كانت تقفز تلك الصور!

لم يعد يدرك زياد إن كان قد شاهد تلك الصور حقيقة ، أم أنها أوهام يستحضرها الحنين على هيئة حقيقية أكيدة!

 

لقد تراءت له قرية "عين حوض" تربض على السفح الغربي من جبل الكرمل، ببيوتها الهانئة المطمئنّة  ، تنفرد في أفياء الشجر الفارع، وتتشعّب بينها الطرقات الظليلة الضيقة.

 

ساقته خطاه وهو يسير بين البيوت الملوّنة إلى منزل كبير القرية، حيث شابٌ عشريني يغلّف قطوف الدالية بأكياس ورقية . وكعادته ، راح جهاد – صديقه الذي ظهر فجأة – يتقاسم الضحكات مع الشاب الذي صار اسمه رامي. 

 

رامي ابن قرية عين حوض، لم يترك جدُّه القريةَ ، حين شاهد الرسام "يانكو " أنّ القرية تحفة فنية !! فقرّر ببندقيته قتل أهلها وتشريدهم ، حتى يجعل من القرية منتجعا سياحياً. لكنّ الجدّ  احتمى بزيتون القرية ، على بعد مئات الخطوات من منزله، وهكذا وجد القاتل ذريعته لاستلاب البيت .

 

ومات الجدّ ، على بعد خطوات من عتبة منزله ، وراح رامي يعمل في حديقة المعرض الفني ، الذي كان بيت عائلته !

 

دخلت هزار - اخصائية العلاج النفسي بواسطة الكتابة الإبداعية - إلى معرض فني ، يعمل في حديقته شابٌ ، يتماهى لون بشرته مع لون تربة المكان، بينما " ايفيفا"  منهمكة في معاينة مغلّفات كتب قديمة.

 

بحثت هزار بعينيها بين مئات الكتب والأوراق المفروشة تحت أضويةٍ ، تتفاوت حرارتها ، عن كتاب فُقدَ من مكتبة والدها في عكا.. ففي هذا الكتاب المفقود ذاكرة عائلتها ، التي خطته بيدها جَداً تلو الجَدّ، وايفيفا تراقب هزار بعين متوجسة  !

 

- أهلا بك في معمل المعرض الفني.. هنا نعمل لوحات فنية من ورق الكتب التي تصلنا، حيث نعيد تدورها وانتاجها على هيئة أعمال فنية فريدة تعتمد على خامة ورق الكتب.

- هل تستعملين كتبا باللغة العربية خامة للوحات المعرض ؟

- بالطبع استعملها، فأنا لا تهمني لغة الكتاب حيث أنني لا أؤمن بالنص المكتوب، فالنصوص المكتوبة تسوقنا إلى الماضي ولا يجب أن نهدر المستقبل على عتبات الكتابة عن أمس .. لذلك فإن الكتاب بالنسبة لي ورق خام ، أخلق منه ، دون الاكتراث بمحتواه ، لوحاتي الفنية.

 

هنالك عدة كتب تمّت سرقتها من مكتبات فلسطينية، وفي الحقيقه قال لي أحدهم إنه شاهد لديكِ لوحة تحمل اسم " الحياة " مصنوعة من كتابٍ يخصّ عائلتي، وجئت هنا أبحث عن الكتاب.

 

تغيّر لون ايفيفا ، وهي تنفي أن يكون لديها أيُّ علم بالأمر، بل أكدت بأنها لا تهتمُّ بمصدر الكتب التي تحصل عليها أو بمضمونها، ولا يهمّها سوى ورق الكتاب ، باعتباره مادةً خام تصنع بها لوحاتها.

 

وفي تلك الأثناء سمعت ايفيفا ما قاله رامي أثناء حديثه مع جهاد؛ من أن جدّه ينهض في كل ليلة من هناك، ويأتي إلى حديقة المنزل يتفقدها .. ومن ثم يدخل البيت يلملم كتبَ حكايات البلاد المعدّة للذبح، بينما هو يشير إلى مقبرة القرية القريبة !! فقامت بالاتصال بالشرطة خوفاً على ورق اللوحات .. الخام!