الحدث- محاسن أُصرف
لم تعد الحياة في قطاع غزة إلى ما كانت عليه قبل 3 سنوات من الآن، فالعدوان الأخير على غزة آنذاك حوّل تفاصيل حياة الناس من السكن إلى الفوضى والتشرد بعد انهيار 13217 منزلًا على رؤوسهم قضت بهم إلى حياة التشرد بعد أن أصبحوا بلا مأوى، ومما زاد معاناتهم تباطؤ علميات إعادة الإعمار لأسباب فنية لا تخلو من بصمات خفية للسياسة جاءت في إطار التضييق من قبل الاحتلال أو في إطار التناحر الفلسطيني في سياق الانقسام.
وأكد مواطنون في غزة أنهم ما زالوا يُعانون من ألم التشرد في بيوت الإيجار وبعض الكرفانات نتيجة تباطؤ عملية الإعمار وعدم تمكنهم من الحصول على مستحقاتهم المالية (التعويضات) لبناء بيوتهم المهدمة، وقال أحمد أبو ريدة من بلدة خزاعة بخان يونس جنوب قطاع غزة: "بعد مرور ثلاث سنوات على العدوان الأخير على غزة لا زلنا نُقاسي أوضاعًا مأساوية نتيجة السكن في الكرفان وتعطل الإعمار".
ومنذ صيف العام 2014 يعيش "أبو ريدة" وأسرته في كرفان محدود المساحة ولا يتحرك فيه بحرية تامة، يؤكد أن معاناته تتجدد في الصيف والشتاء ففي الصيف لا يستطيع تحمل حرارته الحارقة وفي الشتاء لا يقوى على تحمل برودته القارسة، يقول: إثر ذلك نُعاني من أمراض مزمنة لا تكاد تُفارق أجسادنا".
وعلى مدار السنوات الثلاث السابقة لازم الأمل "أبو ريدة" بأن يُعيد بناء منزله لكن المنح التي تُسلم في إعادة الإعمار لا تتكفل إلا ببناء طابق واحد فقط للعائلة هو بيت الأب بينما الأبناء فلا، يتساءل الرجل بحرقة عن أموال الإعمار أين تذهب ولماذا وقد تضرر وأنهك ماليًا ونفسيًا وصحيًا على مدار ثلاث سنوات لا يستطيع أن يحصل على حقه في عملية الإعمار التي رُصد لها أكثر من 3 مليون دولار؟
وبعد عدوان 2014 أُقيم مؤتمر المانحين لإعادة إعمار القطاع في القاهرة برعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووقتها شاركت فيه أكثر من 50 منظمة وحكومة من مختلف الدول ورصدت قرابة 5.4 مليارات دولار للفلسطينيين، نصفها لإعادة إعمار القطاع، والنصف الآخر لتلبية احتياجات الفلسطينيين ودعم موازنة السلطة، ولكن اليوم وبعد مرور ثلاث سنوات على رصد تلك الأموال إلا أن عملية إعادة الإعمار تسير بوتيرة بطيئة جدًا.
ويُرجع مراقبون أسباب ذلك إلى إجراءات السلطة الفلسطينية وذراعها التنفيذي في رام الله وهي "حكومة رامي الحمد لله" التي تعمد إلى تعطيل تنفيذ بعض مشاريع إعادة الإعمار في غزة وتُساند الاحتلال الإسرائيلي في فرض شروط تعجيزية على إدخال مواد البناء، ناهيك عن عدم متابعتها لملف الإعمار مع الدول المانحة وإيكالها جزء من الملف للمؤسسات الدولية كالأونروا.
وبحسب بيانات إحصائية لرابطة النازحين والمهجرين الفلسطينيين في قطاع غزة اطلعت عليها "الحدث" فإن ما تم إعماره في قطاع غزة على مدار السنوات الثلاث الماضية لا يتجاوز الـ 3000 وحدة سكنية مما دُمر في القطاع أثناء الحرب بينما بقيت قرابة الـ 10000 آخرين دون إعمار منها 3000 وحدة سكنية متوفر لها تمويل بينما العدد الأكبر 7000 وحدة سكنية لا تمويل لها.
وحتى الآن تعيش أكثر من 6750 أسرة نزحت خلال الحرب في كرفانات ومنازل بالإيجار، وتؤكد الرابطة أن الـ 6000 أسرة منهم من يعيشون في منازل بدل إيجار وأكثر من 750 آخرين يعيشون في كرفانات في منطقة خزاعة بخان يونس جنوب القطاع وفي مناطق متفرقة في غزة، جميعهم يعيشون في أوضاع إنسانية واقتصادية صعبة ولا يكفوا عن المطالبة بمنحهم حقهم في الحياة الكريمة بإعادة إعمار بيوتهم وإعادة تفاصيل حياتهم إلى طبيعتها الأولى.
وتُشير الأرقام الصادرة عن المؤسسات الدولية والمحلية بشأن عملية إعادة الإعمار أن واقعها لم يتغير في قطاع غزة، حيث أكد تقرير للبنك الدولي عملية الإعمار الحقيقية لم تبدأ وأن فقط 17% هي نسبة ما تم تلبيته من إجمالي احتياجات التعافي في خمسة قطاعات تأثرت بحرب عام 2014.
ويُشير ماهر الطبّاع المحلل الاقتصادي أن بطء وتعثر عملية إعادة الإعمار نتيجة أساسية لاستمرار الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ ما يزيد عن 10 سنوات، و استمرار إدخال مواد البناء وفق الآلية الدولية العقيمة المعمول بها حاليا " آلية إعمار غزة "GRM مؤكدًا أن هذه الآلية مرفوضة وأثبتت فشلها في التطبيق على أرض الواقع، وكشف الطباع أن ما أُدخل من مادة الاسمنت للقطاع الخاص لإعادة اعمار قطاع غزة على مدار السنوات الثلاث الماضية لم يتجاوز الـ 1.6 مليون طن أي ما نسبته 33% فقط من احتياجات القطاع من الإسمنت مؤكدًا أن القطاع ما زال يحتاج إلى 46% من الإسمنت لاستكمال عملية إعادة إعمار المساكن التي دُمرت خلال 2014.
وشدد أن تباطؤ عملية إعادة الإعمار أثر على القطاع الاقتصادي في القطاع خاصة في ظل الخسائر التي بُليت بها المنشآت الاقتصادية والمُقدرة بـ 284 مليون دولار لم يتم إنعاشها، وقال: إن ما تم إنجازه في الملف الاقتصادي فقط صرف تعويضات للمنشآت الاقتصادية بقيمة 9 ملايين دولار من المنحة القطرية، استفادت منها 3195 منشأة من المنشآت الصغيرة التي تضررت بشكل جزئي بسيط و بلغ تقييم خسائرها أقل من 7 الاف دولار بالإضافة إلى رصد مبلغ 8.6 ملايين دولار من المنحة الكويتية للشركات المتضررة في قطاع الصناعات الإنشائية والخشبية" مُشددًا أن مجمل ما تم رصده للقطاع الاقتصادي لا يتجاوز 6.1% من إجمالي أضراره المباشرة وغير المباشرة.
وفي سياقٍ متصل أكد "الطبّاع" أن تعطل عملية الإعمار وتأثيرها الخطير على الواقع الاقتصادي أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة في غزة فبلغت 41.1% في الربع الأول من عام 2017 بحسب بيانات مركز الإحصاء الفلسطيني، كما بلغ عدد العاطلين عن العمل206 آلاف شخص بالإضافة إلى ارتفاع معدلات الفقر والفقر المدقع إلى أكثر من 65% وتجاوز عدد الاشخاص الذين يتلقون مساعدات إغاثية من الاونروا و المؤسسات الإغاثية الدولية أكثر من مليون شخص بنسبة تزيد عن 60% من إجمالي سكان القطاع.