السبت  24 أيار 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ع 90 | الإسمنت والرخام وسائل جديدة لتهريب التمباك من الأردن

يستخدم في صناعة معسل بطعم "الإسمنت وحجر الرخام" وتقدّر قيمة تهربه الضريبي بحوالي 3 مليارات شيكل

2017-08-08 04:10:27 PM
ع 90 |  الإسمنت والرخام وسائل جديدة لتهريب التمباك من الأردن
معبر (ارشيفية)

 أفقد الخزينة العامة مليارات الشواقل وضرب تجارة موردي الإسمنت وألحق بالاقتصاد الوطني خسائر جسيمة

وجهات الاختصاص تلتزم الصمت ولم تحرك ساكنًا

 

خاص الحدث

تمباك مخلوط بمواد البناء والإنشاءات، والنتيجة معسل مهرب بطعم الإسمنت وحجر الرخام الذي يغرق السوق ويفقد الخزينة العامة مليارات الشواكل، والفاعل معروف، وأساليب تحايله فاضحة؛ ليستأثر بأكبر حصة سوقية، وطرق تهريبه مكشوفة، أو كشفت من قبل جهات الاختصاص الأردنية، لكن جهات اختصاصنا الرسمية لم تحرك ساكنًا، وإن تحرك بعضها، فتحركه لم يخرج عن كونه روتينيًّا تقليديًّا لم يرقَ إلى البحث والتحري والتحقيق.

 

لم تكن المرة الأولى التي يلجأ فيها بعض الموردين إلى التهريب، وبالتأكيد لن تكون الأخيرة؛ لما يتمتعون به من حنكة وذكاء بالدهاء، وسيواصلون ابتكاراتهم الجهنمية للهروب من مستحقات الدولة الضريبية والجمركية، ولضرب الشركات الأخرى بتجارتهم غير المشروعة التي كبّدت الاقتصاد الوطني خسائر جسيمة.

 

تهريب التمباك في جوف صخور الرخام وأكياس الإسمنت

ضبطت بعض شاحناته من قبل أحد الأجهزة الأمنية الأردنية غير المختصة في الخامس من الشهر الماضي، ويتوقع حسين ياسين/نائب الرئيس التنفيذي للشؤون التجارية في شركة سند، أنه نتيجة خلاف بينه وبين أحد السواقين وشى الأخير عليه لدى الأجهزة الأمنية الأردنية، وكشف لهم عمليات تهريب المورد الفلسطيني، وقال: "بالصدفة، أحد السائقين حصلت مشكلة وخلاف بينه وبين المورد، أثرها لجأ للمخابرات الأردنية وأبلغهم عن عمليات التهريب"، بينما قيل لنا: إنّ أحد السواقين العاملين على شاحناته تمَّ ضبطه في الأردن متلبسًا وهو يحاول سرقة أكياس فارغة لإسمنت الراجحي".

 

يقول الرائد لطفي أبو ناصر- مدير المكافحة والتفتيش في الضابطة الجمركية: "كمية التمباك الأخيرة التي تمَّ ضبطها عن طريق الأردن، لا نعرف حجمها؛ لأنه لم يسبق أن تمّ ضبطه فعليًّا، لذا لا نستطيع إعطاء أو تقدير كميات التهريب، التي استخدم فيها أكياس إسمنت الراجحي، ومن ثم القطرانة".

 

وقال: "إنه تمت متابعة المهرب وتفتيش مستودعاته، ولكن لم يتم العثور على ما يدينه، ومن المؤسف أنه يمكنه استخدام شركات رسمية تابعة له، لكن بأسماء أقربائه؛ ليدخل أكبر كمية ممكنة من الإسمنت، أو المواد والسلع المهربة وخاصة التمباك".

 

لكن ياسين، وصف العملية بواحدة من كوارث الإسمنت التي يدفعون ثمنها الآن: "بسبب قيام أحدهم بتهريب التمباك عبر شحنات الإسمنت"، وناشد الجهات المسؤولة ضبط هذا الموضوع خارج الجسر، ويستطيعون ذلك؛ لأن الشاحنة لا بدّ أن تمر من أراض فلسطينية، وتساءل: "أين الضابطة الجمركية في مداخل المدن؟ وأين إرسالياتها القادمة من الجسر مباشرة وعلى ماذا تحتوي؟"

 

في حين يؤكد أحد التجار الموردين أنها ليست المرة الأولى التي يحدث فيها تهريب، سبق أن ضبط تاجر الإسمنت المتهم بتهريب كميات ضخمة من التمباك في قلب صخور الجرانيت، بعد قيامه بتجويف بعضها، "ومع أن حجمه في السوق صغير، لكنه مزعج بطريقة لا تطاق"، وعندما تم كشفه قبل سنتين، توقف عن تهريب التمباك عبر حجر الجرانيت، واستبدله بالتهريب عبر أكياس الإسمنت لمدة سنتين أخريين، إلى أن تمّ ضبط بعض شاحناته متلبسة أثناء طريقها إلى جسر الملك حسين يوم 5/7/2017، وعلم أنه تمّ التحقيق مع مدير المبيعات والتسويق في شركة الراجحي، وأخلي سبيله؛ لأنه لا يعلم شيئًا، وليست له علاقة بالقضية.

 

والغريب مما يحدث أنّ هذا التاجر (المهرِّب) يقوم ببيع طن الإسمنت الذي يستورده من الأردن بسعر تكلفته نفسه، وأصلاً للمستهلك في الضفة 340 شيكلاً، وأحيانًا أقل من تكلفتها، ما أثار تساؤلات كثيرة حول جدوى استيراده وتجارته، وبالمقابل فإنه يحدّ من قدرة الموردين الآخرين على المنافسة بتسعيرته المنخفضة.

 

لم يجد هؤلاء التجار من يسمع تظلماتهم، أو الإجابة عن تساؤلاتهم، وعندما ضبطت بعض شاحناته قبل حوالي سنتين، اتهم سواقيه: (احدهم من الأردن والآخر من الضفة) بمحاولات التهريب عن طريق شاحناته، حيث حُبِسا.

 

حجم التهريب وخسارة الخزينة العامة

تشير المعلومات التي حصلنا عليها، إلى أنّه تمّ ضبط شاحنات تحمل طلبية بوزن 1,5 طن تمباك، معبأة في أكياس إسمنت، وإن التاجر المهرب يدخل تقريبًا 8 شاحنات في اليوم، ويقوم بعمليات التهريب هذه منذ أربع سنوات، منها سنتان عن طريق حجر الرخام والسنتين الأخيريين عن طريق أكياس الإسمنت.

 

بينما يقول ياسين: كان يهرب في كلّ شحنة طنًّا واحدًا من التمباك، وحمولة كلّ شاحنة 36 طنًّا، لكن الرائد أبو ناصر يؤكد أن كمية التمباك التي تمّ ضبطها من الجانب الأردني تقدر بما يقارب 10 أطنان، حسب المعلومات المتوفرة في شاحنة واحدة فقط.

 

وبعملية حسابية افتراضية، إذا كانت ضريبة الطن الواحد من التمباك تتراوح ما بين 200-340 ألف شيكل، وما علمناه من خلال بعض التجار، أن سواقي شاحناته في الأردن اعترفوا أثناء التحقيق معهم أنهم هربوا لصالح (المورد المهرب) 17 مرة، (حجم أو كميات التهريب في كلّ مرة غير معروفة)، ولكن لو كان قد تمكن من تهريب طنٍّ واحد في كل شحنة، فإن مجموع ما هربه هو 17 طنًّا ضرب الضريبة، يساوي ما بين 3,400,000 - 5,780,000 ملايين شيكل.

 

ولو تمكَّن من توريد طنٍّ واحد من التمباك في كلّ شحنة، أي ما معدله 4 أطنان تمباك يقوم بتهريبها يوميًّا، ولكم أن تتخيلوا لو قمنا بضربها بمعدل 20 يومًا في الشهر، ومن ثَمَّ ضربناها في السنة، وبالنتيجة كم هو حجم الأموال التي تهرب منها، وفقدتها الخزينة العامة للسلطة الوطنية طوال 4 سنوات من التهريب؟!!!

 

والنتيجة التقديرية المفترضة، أنّ حجم التهرب الضريبي فقط لا غير يقدر بحوالي 1,360,000 مليون شيكل يوميًّا لتهريب 4 أطنان تمباك، ضرب 200 يوم في السنة يساوي 272,000,000 مليون شيكل سنويًّا ضرب 800 يوم في الأربع سنوات يساوي حوالي 3 مليارات شيكل.

 

وبحسب التقديرات والمعايير، فإنّ كيلو غرام التمباك ينتج حوالي 5 كلغم معسل ما يضاعف أرباحه كثيرًا، إذ إن سعر كيلو المعسل في السوق 380 شيكلاً، ويبدو أنه يقوم بتسويقه فرادى وبالجملة للمقاهي ومراكز التدخين والتجار ومحال السوبرماركت والدكاكين وغيرها من مراكز ومحال البيع.

 

1,2 مليون شيكل طنّ التمباك المهرب

يقول ياسين: "من أجل التحايل على القانون وأنظمة وزارة الاقتصاد الوطني وإجراءاتها، وبهدف زيادة حصته السوقية، فإن (المورد المهرب) يمتلك أربع شركات بأسماء مختلفة مسجلة لأقرباء له، ويسمح له بحكم القانون توريد شحنة إسمنت يوميًّا كلّ شحنة مكونة من 4 شاحنات، وهذا يعني أنه كان يدخل بمعدل 4–12 شاحنة، ولكنّ استنادًا إلى العملية الحسابية التي قدرها ياسين، فإنّ متوسط ما يدخله المهرب عبر الجسر 8 شاحنات يوميًّا ضرب 130 ألف شيكل ضرب 200 يوم عمل، يساوي 24 مليون شيكل سنويًّا، بينما قيمة كلِّ طن تمباك مهرب 1,2 مليون شيكل، في حين سعره في الأردن 50 ألف دينار، أي أن ربح المهرب في الطن الواحد تقريبًا مليون شيكل. مبينًا أن ضريبة التمباك تصل إلى 400%، فإذا كان سعر الطن الواحد 50 ألف دينار في الأردن، فيجب على السلطة أن تحصل ما بين 150-200 ألف دينار جمارك للطن الواحد.

 

في حين يقول الرائد أبو ناصر: "إن نصف طن التمباك الجاف ينتج تقريبًا حوالي طنّ معسل، وسعر كيلو غرام المعسل المستورد 400 شيكل، والمصنع محليًّا يتراوح من 100–120 شيكلاً، وكيلو التمباك المستورد يتراوح ما بين 180–200 شيكلاً".

 

وبحسب عزمي عبد الرحمن مدير دائرة السياسات والتخطيط الإستراتيجي في وزارة الاقتصاد الوطني، فإنّ إيرادات الخزينة العامة من الدخان كبيرة جدًّا حوالي 1,5 مليار شيكل سنويًّا، بالرغم من ارتفاع نسبة التهريب في الدخان ومشتقاته والتي تتراوح بين 40%-50%.

 

 ويشير عبد الرحمن، إلى أنّ خسارة الخزينة العامة من تهريب الدخان فقط يفوق مليار شيكل، وبالتالي هذا ضياع على الخزينة وعلى قطاعات اقتصادية أخرى وعلى القطاعات المنتجة وعلى الشركات الوطنية والرسمية.

 

وهو ما يتفق معه فيه الرائد أبو ناصر، والذي أكد أهمية الإيراد العالي الذي يحققه قطاعا الإسمنت والتبغ على حدٍّ سواء للخزينة العامة.

 

آليات وخطوات التهريب

تخرج الشاحنة محملة بالإسمنت من المصنع في الأردن بعد معاينة وإجراءات وموافقة ضابط جمرك للتصدير الموجود داخل المصنع والذي يقوم بترصيص الشاحنة بعد تشديرها (تغطيتها بشادر) وعندما تصل الحدود، يستبدل ضابط ثانٍ الترصيص بآخر يحمل علامة مميزة يسمح بدخولها الجانب الفلسطيني.

 

ولكن حسب الاستدلالات التي يتوقعها ياسين، فإنّ المهرب أو على وجه الدقة عماله وسواقيه، يقومون بالتوقف في مكان ما في الطريق إلى جسر الملك حسين، يعملون على (خلخلة) أحبال الربط وتوسيعها حتى تمكنهم من رفع الغطاء (الشادر) "وهي بحدّ ذاتها يوصفها القانون الأردني بالجريمة ويعاقب عليها"، عندها يقومون بتبديل أكياس الإسمنت الحقيقية بأخرى محشوة بكميات التمباك، وتمر الشحنة عبر الإجراءات والفحوصات اللازمة عن طريق ثقب بعض أكياس الإسمنت بسيخ معدني يصعب معها اكتشاف ما تحويه بعضها من كميات التمباك، لذلك فهو تمكن خلال السنتين الأخيرتين من مواصلة تهريب التمباك بكميات كبيرة، وبذلك يضيع على خزينة السلطة الفلسطينية 340 ألف شيكل، يتهرب هي ضريبة الطن الواحد من التمباك وفي الوقت نفسه يغرق سوق جنوب الضفة بكميات الإسمنت بسعر التكلفة "واصل للمستهلك في منطقة الخليل بـ 350 شيكلاً للطن الواحد، وكان المهرب يبيعه في السوق بأقل من جميع الموردين الثمانية بـ 25 شيكلاً، أي أقل من التكلفة بـ 20 شيكل. لأنه يحقق ربحًا عاليًا بتهريبه التمباك. وبذلك يكون ضرب الأسعار، والسؤال لماذا لم يكن يوفر على نفسه مشقة الطريق وتكلفتها الاضافية بامتناعه عن بيع أو تفريغ حمولة شاحناته من الإسمنت في أريحا، وفقط يصرّ على ايصالها إلى مكان ما في الخليل؟ ولماذا لا يبيع اسمنته إلا في الخليل؟ ولماذا يخرج بشاحناته من الجسر عبر شارع 60 الى الخليل مباشرة؟ فإن باعه في اريحا بأسعاره هذه يمكنه ان يسيطر على السوق وكل الموردين غير قادرين على منافسته. ويرى انه كان يجب ان يتم ضبطه على مدخل الخليل من قبل الضابطة الجمركية.

 

ويجيب ياسين، على تساؤلاته جازمًا: "لأنه للاسف كانت هناك أشياء أخرى من البضاعة المهربة لا تفرغ في أريحا، وما تمّ الاعتراف به عليه 17 نقلة قام بتهريبها خلال السنتين الماضيتين، غير السنتين السابقتين التي كان يهرب خلالها التمباك عبر حجر الرخام اي ان يعمل في التهريب منذ اربع سنوات"، ويقول: "بقينا في حيرة من أمرنا الى ان انكشفت بعض قصص عمليات تهريبه والذي اثر علينا سلبيًّا". لكن كم حجم وكميات التهريب في كل مرة لا احد يعلم؟

 

وكما يقول ياسين: "المصيبة اكبر عندما تبين ان نفس المهرب قام باستبدال اكياس اسمنت الراجحي باخرى خاصة بالشركة العربية للاسمنت "القطرانة" الأردنية وبأسماء 4 شركات اخرى ملكه، لكنها غير مرتبطة باسمه شخصيًّا، ويبيع بنفس الأسعار المنخفضة والمنطق يشير الى انه ما زال يهرب وما زالت شاحناته تنقل وتعمل على الجسر".

 

وبتقديرات ياسين، فإنها تؤكد أن تمسك التاجر المهرب بهذا النوع من اعمال التهريب؛ لانه يسهل تهريب التمباك ولانه لا يكشفه الفاحص، ويكتفى الفاحصون بإحداث بعض الثقوب في كل حمولة كل شاحنة، والاهم من ذلك، لانها تعود بأرباح خيالية وتدرّ عليه ذهبًا، وتشير الى أنه يقوم باستخدام كميات التمباك المهربة في تصنيع المعسل محليًّا.

 

ويؤكد ياسين أن مصنع الإسمنت هو الوحيد الذي يملك الاكياس الورقية وتعبئتها، والسؤال حصل المهرب على أكياس فارغة وقام بتعبئتها بالتمباك، ولكن الإسمنت يبقى جامعًا، والتمباك يبقى (نافشًا) رغمًا عن قوة ضغطه، فكيف كانت العملية تتم واين؟

 

وإذ يسمح للمهرب المورد أن تكون كل شحنة من التوريد عبارة عن 4 شاحنات يوميًّا، وحسب تتبعنا لكميات التمباك المهربة، يتم استخدامها كأحد اهم مكونات المعسل.

 

وهو ما يؤكده الرائد أبو ناصر عندما قال: "في آخر حملة لنا قمنا بها ومن خلال البحث والتحري تبين ان كمية المعسل المضبوطة أغلبها مصنع محليًّا وبطرق محلية، وليست رسمية، فعدد مصانع انتاج المعسل 3 معروفة رسميًّا، لكن الكميات التي تمَّ ضبطها تبيّن أنّ هناك صناعة محلية غير مرخصة، وهذا بالتأكيد نتاج كميات تهريب التمباك التي تتم".

 

تقديم رشاوى على المعابر

ومن الواضح أن الأمر لا يخلو من تقديم الرشاوى لمن ليست له علاقة على الجانبين والمعبرين الاسرائيلي   والأردني، مقابل تقديم التسهيلات اللازمة لتمرير شحنات الإسمنت والتمباك المهرب، حيث سبق في اكثر مرة أن تمّ ضبط اسرائيليين على جسر (اللنبي) وهم يتلقون الرشاوى، وتم تغييرهم.

 

ويقرّ عبد الرحمن: سبق أن كان هناك موردون يؤسسون شركات اخرى بهدف الحصول على حصة اكبر في السوق، وقال: "وتمت متابعتهم، ونعاملهم كشركة واحدة حسب البيانات الواردة، وإن كان له أكثر من شركة مفرعة، من أجل الحصول على أكثر من حصة، نحن على علم ودراية به، وتم تنظيمه هذا القطاع بحيث أصبح المستورد الواحد يستورد لشركة واحدة".

 

لكن عبد الرحمن، لم يستبعد قيام تجار وموردين بترخيص شركات متعددة بأسماء أقربائهم للحصول على أكبر كمية ممكنة في السوق، وقال: "هناك دائرة مختصة تقوم بالتحقق والتحري في الأوراق الرسمية القانونية التي تصلنا ضمن أسماء شركات إنْ كانت رسمية، وتقوم بعمليات الاستيراد حسب الأصول وبيعها، وفي كل الاحوال فإن تبين ان هذه الشركات قانونية، وليس هناك ما يثبت أن ملكيتها تعود لشخص واحد، فلا نستطيع عمل شيء؛ لأنه كله ضمن وحسب القانون".

 

لكن الرائد أبو ناصر يقول: "من الواضح أن المهرب كان يستخدم طرقًا عدة باستخدام الشاحنات، وهو ما تدلّ عليه الكمية الهائلة من التمباك الموجودة في الاسواق المحلية. ومن الواضح أن الجانب الاسرائيلي على المعابر يقدم تسهيلاته للمهربين الفلسطينيين، ولا يستبعد أن يتلقى موظفوه وضباطه الرشاوى لتمرير تلك الشحنات بهذه الكميات الضخمة، مستهدفين بذلك ضرب الخزينة الفلسطينية والاقتصاد الوطني".

 

تهرب وزارتي المالية وجزئيًّا الاقتصاد الوطني

الغريب في الأمر، أنّ هذا التهرب على ضخامته وبالرغم من الضبطية الاخيرة يوم 5/7/2017 على المعبر من الجانب الأردني، فإنّه افرج في اليوم التالي عن شحنته المحتجزة بعد مصادرتهم كميات التمباك التي ضبطت فيها.

 

والأغرب من ذلك كلّه تهرب وزارة المالية من بحث القضية معها برفض لؤي حنش مدير عام ضريبة القيمة المضافة والمكوس الرد على محاولاتنا الاتصال بأرقام هواتفه المعروفة والخاصة، وفي أحسن الأحوال رد علينا مرافقه، معتذرًا لعدم تمكن حنش من مقابلتنا، أو تحديد موعد لمقابلتنا لانشغاله الكبير. 

 

ويتزامن ذلك، مع رفض مدير عام دائرة التجارة في وزارة الاقتصاد الوطني منال دسوقي، تزويدنا بعدد شركات الاستيراد العاملة في قطاع الإسمنت، وحصة كلٍّ منها حسب الكوتا، وحجم استيراد الإسمنت سنويًّا، وذلك حرصًا منها على سرية البيانات والمعلومات؟! ما اضطرنا إلى رفع كتاب الى وزير الاقتصاد الوطني عبير عودة طالبناها فيه بتزويدنا بهذه المؤشرات، ولغاية تاريخه لم يصلنا، ولم نحصل على أية ردود، (استنادًا الى حق الحصول على المعلومات).

 

قطاع التجارة والاستيراد من أولويات وزارة الاقتصاد

لكن عبد الرحمن، يؤكد أنّ تنظيم قطاع التجارة والاستيراد من أولويات الوزارة، "وطرق التحايل اذا تمت فهي خارج نطاق سياسة وجهد الوزارة، وانما يتبع الإجراءات المعتمدة في إدخال البضائع من خلال المعابر ونقاط التفتيش المختلفة".

 

ويؤكد أن من أولوياتهم تنظيم وجود الإسمنت بكميات تسد حاجة السوق المحليّة، لذلك فإنهم يركزون في كوتا كمية محددة من الإسمنت المستورد من الأردن ومن السوق الاسرائيلية. وعليه، فإنهم يولون اهتمامًا باستيراد كامل كميات الإسمنت للسوق الفلسطينية، وتوزيعها بعدالة على شركات الاستيراد لكسر مبدأ الاحتكار، وإفادة جميع المستثمرين.

 

من هنا، يقول عبد الرحمن: "أيّ مستثمر أو مستورد ضمن نظام الكوتا إن كان مستوفيًا الشروط واثبات ادخاله الكميات السابقة، يتمّ منحه كمياته بعدالة مع جميع المستوردين. وكل شركة تحصل على كوتا ولا تستوردها لا تعطى التراخيص في المرات القادمة".

جرائم متعددة وجهات الاختصاص الفلسطينية تلوذ بالصمت

علمنا أنّ (مهرب التمباك) ارتكب جرائم متعددة في عمليات تهريبه التمباك عن طريق الإسمنت، وقبله عبر حجر الرخام، حيث يقال: إنه قام بسرقة اكياس اسمنت فارغة من شركة الراجحي، ومن ثمَّ شركة القطرانة، أو أنّه قام بطباعتها، واحد من سواقيه تم ضبطه متلبسًا وهو يسرق تلك الاكياس في الأردن، اضافة الى عملية التهريب نفسها لمدة أربع سنوات، وتحايله على القانون والإجراءات بإنشاء شركات لزيادة حصته السوقية، وضربه اسعار الإسمنت لشركات التوريد الأخرى، وحجم التهرب الضريبي من سلعة التمباك المهرب وحدها.

 

يقول احد التجار الموردين، كل ذلك يتمُّ دون أيّ ردة فعل من جهات الاختصاص، "ما دفعنا لنقدم شكوى بعد ضبطه في الأردن، من هنا تحركت الضابطة الجمركية، واجرت الفحوصات اللازمة لكنها لم تعثر على شيء من التمباك في مستودعاته". والسؤال الذي يطرحه الموردون الآخرون: لماذا لغاية الآن السلطة الفلسطينية لم تتخذ شيئًا بحقه، حتى لو كان يدّعي ان سواقيه هم الذين يقومون بعمليات التهريب لصالحهم؟.

 

ولكن عبد الرحمن، خرج عن صمت الحكومة، وقال: "نحن ضد التحايل والتهريب جملة وتفصيلاً، لأنه يضر جدًّا بالاقتصاد الوطني وإيراداته المحدودة جدًّا، وبالتالي فإن أيّ هزة فيه تؤثر على الحلقات الاقتصادية الأخرى".

 

بينما اكد الرائد ابو ناصر، حتى وان قام المهرب باتهام سواقيه، فلا يمكن اخلاء مسؤوليته القانونية؛ لأن كل الكميات المستوردة من إسمنت وما تحتويه من كميات تهريب التمباك فعليًّا ملكه، وليست ملك غيره.

أثر التهريب على تجار وموردي الإسمنت والاقتصاد الوطني

وصف أحد موردي الإسمنت ما قام به المهرب بالمدمر بعد خسارتهم السعر العادل لطن الإسمنت "فلم نعد نحقق السعر العادل، وتزيد حجم خسارتنا من أرباحنا عن 8 ملايين دولار، ما اضطرنا للتخلي عن توريد إسمنت الأكياس، وعادة كانت أرباحنا منه نصف مليون دولار".

 

ولان شركته تعمل مع زبائنها بشيكات قيمتها الإجمالية 5 ملايين دولار، لم تعد تلك الشيكات مرصدة، ما جعلهم يدفعون لهم نقدًا، لذلك فإنّه يتهم المهرب بضرب دورة المال بالكامل ويعلق قائلاً: "النتيجة خراب بيت لعيون تاجر مهرب ليس معنيًّا بأي ربح له من تجارة الإسمنت".

 

وأهاب عبد الرحمن، بتقديم كلّ مهرب تم ضبطه تحويله للقضاء لإيقاع أشد العقوبات لأن ذلك جرم اقتصادي، ونطالب بإنزال اشد العقوبة بحق المهربين. لكنه قال: "ليس لدينا ما يثبت، وإن وجدت فإنها ملفات تحايل نطالب بتحويلها إلى الأجهزة المختصة للتحقيق فيها وإدانة وتغريم مرتكبيها وإنزال اشد العقوبات بحق كل من قام باعمال التحايل والغش والتهريب".

 

بينما أكد الرائد ابو ناصر، أن عملية التدقيق على المعابر الحدودية أصبحت اكثر شدة على كل ما هو مستورد سواء عبر الاكياس او حتى الشاحنات؛ ما ضيّع وأفقد الخزينة العامة جزءًا من ايراداتنا، عدا تشديد التدقيق في التفتيش وفتح حاويات الشاحنات".

 

بينما يرى ياسين أن ما وصفه بالطامة الكبرى الكارثية أن إسمنت الأكياس يدخل مع 55 منتجًا مستوردًا من الأردن، وان ايّ عملية تهريب تتم سواء عبر الإسمنت أو غيره كل ما يستورد من الأردن يدفع الثمن، بمعنى كنا في السابق خلال ربع ساعة يتم تمرير الشاحنة والانتهاء من فحوصاتها، ولكن عندما اكتشف التهريب ازدادت حدة الإجراءات الأمنية والتي اصبحت تعيق عمليات ادخال الشاحنات بسهولة، وباتت آليات التفتيش مختلفة، وأصبحت اليوم نصف كمية أكياس الإسمنت تصل مثقوبة لم تعد مرغوبة من المستهلك. الامر الذي تسبب في انخفاض قدرة شركات التوريد على ادخال شاحناتها من 16-12 شاحنة يوميًّا نتاج التأخر على التفتيش، وبسببه يتم إرجاع الشاحنات ودفع بدل أرضية 150 دولارًا لكلّ شاحنة بدل مبيت وانتظار. إضافة الى اتلاف مادة الإسمنت ونثرها في الشاحنة والأرضيات والشوارع، فلم يعد المستهلك يتقبلها وبات يفضل الإسمنت الاسرائيلي، الأمر الذي أضر بالموردين وبالمستهلك وبالاقتصاد وبالعملية الاستيرادية كلها.

 

التنسيق مع الجانب الأردني في قضية التهريب

ومع تأكيد عبد الرحمن، على قوة التنسيق مع الأردن في الجوانب كافة وشتى المجالات، لكنه قال: "إن تم التخاطب في عملية التهريب فإنها لا تتم معنا مباشرة، وانما عبر وزارة الخارجية وحسب البروتوكولات الدبلوماسية، وبحسب علمي أنه لا يوجد اي شيء من هذا القبيل".

 

ووعد عبد الرحمن، بمتابعة القضية من خلال الدوائر المسؤولة عن مراقبة القطاعات الانتاجية او القانونية، حيث ينبغي ان يأخذ التحقيق مجراه مع المورد وكل من يثبت ادانته تحويله للقضاء سواء المورد أو التاجر أو السائق أو أي شخص، علينا تنظيم هذا الامر ومحاربة المخالفين.

 

ولكن الرائد أبو ناصر قال: "تم ضبطه من الأردنيين ولا دخل لنا في القضية، ولم يردنا تفاصيل عن القضية، ولكن وردتنا اشارات معينة بوجود حالات تقوم بالتهريب وقمنا بالتدقيق اكثر في هذه الأمور". مؤكدا التنسيق مع الأردن من خلال دائرة الجمارك في وزارة المالية.