قيادات في حماس: لن نتخلى عن قطر ونحرص على علاقات جيدة مع كافة الدول العربية والإسلامية
محللون: حماس تحكمها المصالح السياسية والإمارات ليست بديلًا دائمًا عن قطر
الحدث- محاسن أُصرف
بعد فرض "إسرائيل" حصارًا تامًا على قطاع غزة في أعقاب نتائج الانتخابات التشريعية عام 2006 التي أظهرت نجاح حركة "حماس"؛ شكَّل الوجود القطري في غزة نقطة ارتكاز استندت إليها الحركة ومنحتها القوة والاستمرار، لكن قطر بدأت بتوثيق وجودها بنفوذ مالي وسياسي ظهر جليًا في قمة الدوحة خلال الحرب الإسرائيلية الأولى على غزة 2008-2009، يومها أجلست وللمرة الأولى "خالد مشعل" رئيس المكتب السياسي لحماس إلى جانب رؤساء عرب وإقليميين في إشارةٍ إلى قبوله عل المستوى السياسي والرسمي، وفي خطوة أكثر دعمًا لقطاع غزة المُحاصر، أعلنت تبرعها بمبلغ 250 مليون دولار كبذرة أولى في شجرة إعادة الإعمار التي استمرت ترعاها حتى وقت إعداد هذا التقرير.
والملاحظ للدور القطري يجده لم يقتصر على الشق المالي بل تعداه إلى الوجود السياسي الوازن، ولعل ما يُشير إلى ذلك زيارة أمير قطر إلى قطاع غزة في أكتوبر 2012 ومن ثمَّ دعوته في القمة العربية في مارس 2013 لعقد قمة مُصغرة لبحث سبل تحقيق المصالحة بين حماس وفتح، وهي تُريد بذلك أن تؤدي دورًا سياسيًا تكون خلاله الذراع الحامي لـ"حماس" في المحافل الإقليمية والدولية وتستطيع من خلاله أن تكون وسيطًا يُحقق المصالح المشتركة، وقد استطاعت قطر أن تفعل ذلك فبدت على مدار السنوات السابقة وخاصة بعد حرب 2014 على غزة ممسكة بزمام القضية الفلسطينية وتحالفاتها الإقليمية، الأمر الذي أدى بها مؤخرًا إلى خانة الصراع مع مصر والإمارات ورجلها "محمد دحلان"، بعد أن أعلنت سبع دول عربية هي: السعودية، الإمارات، البحرين، مصر، اليمن، موريتانيا، وجزر القمر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر بدعوى "دعم الإرهاب" وفقًا لما جاء في تصريح لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير في السادس من يونيو الماضي، قال فيه على هامش زيارته لباريس: "إنّ الكيل طفح، وعلى الحكومة القطرية التوقف عن دعمها للجماعات الإرهابية، مثل حماس وجماعة الإخوان". فهل ستستبدل حماس قطر بالإمارات؟ وهل سيؤثر اتفاق حماس الأخير مع محمد دحلان على علاقتها بقطر فيُنهيها؟ "الحدث" في سياق التقرير التالي توضح الإجابة من خلال لقاءات منفصلة مع قيادات في الحركة ومحللين سياسيين.
ضغوط أثمرت الاتفاق مع دحلان
شكّلت الضغوط التي تعرضت لها "حماس" على أصعدة عدة سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا ووصول حالة القطاع إلى حيز الانفجار في ظلّ العقوبات الأخيرة من قبل الرئيس محمود عباس؛ سببًا للتسليم والاتجاه إلى الإمارات ورجلها "محمد دحلان" لتُزيل عن كاهل غزة وسكانها آلام الحصار الذي دمر أوجه الحياة الإنسانية كافة على مدار 10 سنوات. وخلال يوليو الماضي أعلنت أنّها عقدت تفاهمات مع محمد دحلان برعاية مصرية تنصّ على حلّ أزمات القطاع خاصة الكهرباء والمصالحة المُجتمعية والوحدة الوطنية وغيرها بأموالٍ إماراتية بالدرجة الأولى، إلى جانب دعم دولي آخر؛ ما يمنحها مساحة تأثير أقوى وأهم، لكن قيادات في "حماس" أكدت لـ "الحدث" أنّ ذلك لن يكون على حساب علاقاتها مع قطر التي قدمت لفلسطين وقطاع غزة دعمًا منتظمًا ووافيًا في المجالات السياسية والمالية والإنسانية والإغاثية والإعلامية.
علاقاتنا بقطر لن تتأثر
بمجرد الإعلان عن التوافق بين "حماس" من جهة والتيار الإصلاحي في حركة فتح بقيادة النائب المفصول "محمد دحلان" اتجهت الأنظار نحو علاقة الأولى مع قطر، بخاصة أنّ الرجل الذي أبرمت معه تفاهمات في القاهرة هو رجل الإمارات التي تخوض هجومًا مع ست دول أخرى من بينها مصر والسعودية واليمن على قطر وتتهمها بدعم الإرهاب، فهل ستؤثر التفاهمات على علاقة حماس بقطر؟ وهل ستُطوى صفحة العهد القطري في غزة لصالح الإمارات التي سترعى ماليًا غالبية المشاريع التي تمّ التوافق عليها بما فيها تأمين لجنة المصالحة المجتمعية ماليًا؟
"إسماعيل هنية" رئيس المكتب السياسي لحماس المنتخب مؤخرًا، أكد في أول خطابٍ له بعد توليه المسؤولية وأثناء المقاطعة الخليجية لـ "قطر": أنّ قطر لم تتخلَ عن قطاع غزة في أحلك ظروفه، قائلًا: "إنها نِعْم العون والسند في سنوات الحصار وساعات العسرة"، ذاكرًا مواقفها المُشرفة خلال الحروب التي تعرض لها القطاع والمتمثلة في المساهمة في إعادة الإعمار ودفع الرواتب وتأمين منح للوقود والكهرباء والصحة والبنى التحتية، وشدد على أنّ حماس لن تكون جزءًا من الخلافات العربية، وأنّها تأمل أن تتم معالجة الخلاف بالحوار وميزان العدل والإنصاف، كما دعا إلى الإسراع في إيجاد المقاربات والحلول المناسبة التي توقف هدر الطاقات وتُفشل استراتيجيات القوى المُعادية كافة لإدامة الصراع في المنطقة والذي يضمن تفوق إسرائيل وتمرير مخططاتها لإحكام السيطرة على العالم العربي وثرواته.
وفي سياقٍ متصل تطرق إلى علاقة حماس مع مصر، وأكد في خطابه أنّها تسير بشكل جيد يتكامل مع مكانة مصر ودورها التاريخي في حماية ونصره القضية الفلسطينية، وشدد على أن تحسين تلك العلاقات لن يكون على حساب أيِّ طرف آخر، وأنّ "حماس" تُحافظ على علاقاتها الجيدة مع الدول العربية والإسلامية كافة.
وتتولى قطر إدارة مشاريعها في قطاع غزة عبر اللجنة القطرية لإعادة الإعمار منذ 2012، وتعمل على إدارة المنحة المُقدمة من الأمير حمد بن خليفة آل ثاني، والمُقدرة بـ 407 ملايين دولار، وبحسب "العمادي" فإنّ اللجنة القطرية نفذت على مدار خمس سنوات أكثر من 100 مشروع في غزة، أهمها مدينة حمد السكنية، كما تعتزم إنشاء 8 عمارات سكنية جديدة، بتكلفة إجمالية 5.5 ملايين دولار.
وفي سياقٍ متصل أكدت قطر على لسان سفيرها "محمد العمادي" في أول زيارة له لقطاع غزة بعد حصار قطر: أنها لن تتخلى عن غزة وستواصل تقديم الدعم لها، رغم ما تُعانيه من حصار ظالم من دول الخليج العربي، وقتها قال العمادي في مؤتمر صحافي عقده في غزة بحضور مبعوث الأمم المتحدة في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف: "إنّ الزيارة اعتيادية لتفقد مشاريع اللجنة القطرية ومتابعة سير العمل في المشاريع الجديدة ودعم عملية الإعمار بغزة بشكل خاص، ودعم القضية الفلسطينية سياسيًّا واقتصاديًّا بشكل عام".
ملتزمون بالعلاقات مع قطر والكل العربي
وبدوره يُجيب "د. غازي حمد" القيادي البارز في حركة حماس بالنفي، ويقول في حديثٍ مقتضب مع "الحدث": "إنّ حماس ملتزمة بعلاقاتها مع قطر وتحرص على استمرارها"، وأضاف: أنّ التفاهمات التي أُبرمت مؤخرًا لم تشترط رفض المساعدات القطرية، لافتًا إلى أن حماس لا تقبل بأن يكون قطع علاقاتها السياسية مع طرف شرطًا لتلقِّي دعم جديد من طرفٍ آخر باعتبار أن ذلك تدخل سافر في سياساتها ترفضه جملةً وتفصيلًا.
يؤكد "حمد" أن سياسة حماس قائمة على فتح الباب للعلاقات الجيدة مع الأطراف كافة التي تؤمن بعدالة القضية الفلسطينية وتدعم حق الفلسطينيين في المُقاومة، وتابع بالقول: علاقاتنا جيدة مع قطر والسعودية والإمارات ومصر حاليًّا وليس بالضرورة أن نكون جزءًا من المحاور الإقليمية أو الخلافات العربية.
فيما أشار "أحمد يوسف" المستشار السياسي السابق لـ"إسماعيل هنية" إلى أنّ التفاهمات الأخيرة التي أبرمتها حركة حماس بقيادة "يحيى السنوار"، مع النائب المفصول من حركة فتح "محمد دحلان"، لن تُؤثر على علاقة الحركة بقطر، وقال في مكالمة هاتفية مع "الحدث": حماس تسعى إلى دعم علاقاتها المتوازنة مع الكلّ العربي والإسلامي بعيدًا عن الظهور كحليف لطرف دون الآخر"، وأضاف أنّ الإمارات العربية المتحدة في ظل التفاهمات الأخيرة سيكون لها دور بارز ومهم في تحسين الواقع الإنساني والمعيشي والاجتماعي في قطاع غزة من خلال دعم المشاريع التي تؤمن احتياجاته المطلوبة، تابع أن ذلك لن يُعطل المشاريع التي تقوم حاليًا قطر على تنفيذها في قطاع غزة خاصة في ظل تأكيد السفير العمادي على ذلك بالقول في أول زيارة له لقطاع غزة بعد القطيعة الخليجية: إنّ التزاماتنا كافة بالمشاريع في قطاع غزة ستُنجز في موعدها دون تأخير".
وعدَّ "يوسف" أنّ العلاقة مع "دحلان" علاقة تواصل وانفتاح لإخراج العلاقات الفلسطينية الداخلية من عنق الزجاجة خاصة بعد الإجراءات الصارمة التي عاقب بها الرئيس محمود عباس قطاع غزة بقطع الرواتب، وإقرار قانون التقاعد المبكر وحرمان قطاع غزة من أبسط احتياجاته الإنسانية في الكهرباء والدواء.
مصالح سياسية
وكما استبعدت قيادات حماس قطع شريان العلاقات مع قطر، استبعد محللون ذلك، وأكدوا في سياق أحاديث منفصلة مع "الحدث"، أنّ حسابات المصالح السياسية ستدفع حماس إلى المحافظة على علاقاتها الجيدة مع الأطراف كافة، دون أن تكون جزءًا من النزاع خاصة في ظل ما تُعانيه من ضغوط وحصار مالي.
ويقول "د. هاني البسوس" أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة:" إنّ حماس لا يُمكن أن تُقيم علاقات مع الإمارات في إطار انفتاحها على محمد دحلان المعروف بولائه للإمارات على حساب قطر"، وأضاف في مقابلة مع "الحدث" أن ما يحدث هي حسابات مصالح سياسية تُحاول "حماس" أن تخرج منها بأقل الخسائر، وأن تحتفظ بقطر التي ترتبط بها بروابط سياسية وفكرية ومالية.
واستبعد "البسوس" أن تحتل الإمارات دور البديل في ظل التفاهمات الأخيرة مع رجلها "محمد دحلان"، والسبب وفق تقديره، أن تلك التفاهمات قائمة على المصالح المشتركة وليس على الفكر أو المنهج، وتابع أنها قد تنمو وتتطور لكن إمكانية انهيارها قائمة مع أول أزمة سياسية أو مع تغيرات الواقع الإقليمي أو الفلسطيني، وفق قوله.
قطر لا تستغني عن ورقة حماس
ويتفق معهم "حسام الدجني" الكاتب والمحلل السياسي، فهو يرى أن حركة حماس لن تبيع قطر التي تتوافق معها فكريًّا ومنهجيًّا وسياسيًّا من أجل محمد دحلان والإمارات التي تعارض الإخوان المسلمين، وشدد على أنّها ستسعى إلى شراء الجميع بدبلوماسية عالية بعيدًا عن الاصطفاف والتمحور لطرف دون الآخر، وأضاف أنّ علاقاتها الأخيرة مع دحلان والتي رعتها مصر وتمولها بشكل أو بآخر الإمارات جزء من سياستها في التخفيف من واقع الأزمة على المواطن الغزي الذي حُرم من أبسط حقوقه المعيشية والإنسانية.
وفيما يتعلق بإمكانية أن تسحب "الإمارات" البساط من تحت أقدام قطر في غزة، استبعد "الدجني" ذلك مؤكدًا أنّ قطر لن تتخلى عن حماس باعتبارها حركة وازنة وتمنحها مكانة سياسية وأخلاقية عالية في المحافل الإقليمية.