الحدث- عامر بعلوشة
ضجّت صفحات التواصل الإجتماعي كما وسائل الإعلام الفلسطينية، عن خبر مفاده أن قيادة كتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس قد قدمّت إقتراحا للقيادة السياسية للحركة بإحداث حالة من الفراغ الأمني والسياسي في إدارة قطاع غزة.
وتتكون الخطّة من أربعة بنود، يتمثّل أبرزها بإحداث حالة من الفراغ السياسي والأمني في غزة، إذ تتخلى حماس عن أي دور في إدارة القطاع، في حين تكلّف الشرطة المدنية بدورها في تقديم الخدمات المنوطة بها، وتقوم بعض المؤسسات المحلية بتسيير الشؤون الخدماتية للمواطنين في حين أن الأجنحة العسكرية التابعة للفصائل الفلسطينية، ستكلّف بملف السيطرة الميدانية الأمنية، بينما ستكلف الأجهزة الأمنية في وزارة الداخلية التي تديرها حركة "حماس"، بمتابعة الأمور الميدانية المدنية فقط.
هذا التسريب الذي حصل عبر وكالة الأناضول التركية عن مصدر مطلع في حماس، أثار حفيظة المواطنين بشكل كبير، معبّرين عن حالة من عدم الفهم لما يحصل، وسط تضارب للآراء والتحليلات من كافة الأطراف الثقافية والسياسية. حيث ذهبت العديد من الآراء إلى اعتبار ذلك بمثابة خطوة في تعزيز إحكام سيطرة حركة حماس على القطاع، والتلويح بأن هناك أوراقاً أخرى يمكن الحديث عنها واللعب بها.
ماذا يعني فراغ أمني وسياسيّ ؟
أجاب الكاتب والمحلل السياسي الدكتور علاء أبو عامر قائلاً: "هذا يعني بأن حماس تقول: لسنا حكومة ولكننا سنبقى مسيطرين للأبد" !
وأضاف أبو عامر : "هل هذا يعني فراغا أم إمتلاء؟ وإذا كان ذلك إنقلاباً، فهو على من؟ هل صحيح ستختلط أوراق الرئيس وتبعثرها وتضع الجميع أمام مسؤولياته؟"
وأعتبر الكاتب والباحث السياسي أمين عابد بأن هذه المبادرة أو المقترح هي بمثابة فرقعات في الهواء، وأن حماس غير معنية بما سينتج عن تطبيق ذلك.
وأضاف عابد لـ "الحدث": "باعتقادي أن حماس ما زالت مصرّة على البقاء في قطاع غزة، بأيّ طريقة وبأيّ شكل كان، وهي بهذه المبادرة ترسل الرسالة للرئيس بأننا سنظل هنا مسيطرين وحاكمين، سواء كان ذلك عن طريق حكومات، أم عن أي طريق آخر"
وتابع عابد: "ليس من المنطقي أن يكون هناك تسليم بهذا الشكل، يعني الطرف الذي سيتخلى هو نفس الطرف الذي سيتولى، ولكن يطفو على السطح تغيير شكلي وهو ترك حماس للحكم، وهو ما سيضع الرئيس واسرائيل في حالة من الضغط السياسي، ويدع الأمور تسير كما كانت قبل مجيئ السلطة عام 94، وهو ما أراه شيئا صعبا، وليس من السهولة القيام به."
ومن جهته اعتبر الكاتب عبد الله أبو شرخ بأن الفراغ الأمني المقصود هو حالة فلتان مخططة ومنظمة، لكي يصرخ الشعب في الشوارع نريد حكم حماس، نظراً لما سيترتب على ذلك من مضرة للمجتمع الغزّي ككل.
وعلى ذلك قال الناشط الحمساوي رامي ريان: "الفراغ السياسي والأمني يعني أن حماس ترفع يدها عن أي التزامات تجاه السلطة ومصر والكيان" وتابع ريان: "وليس من المنطق أن يتم فهم التصريح بأنه بمثابة تخلي حماس عن دورها تجاه الشعب الفلسطيني بغزة بما تستطيع"
حماس لا تريد الحرب
حيث وفق ما جاء في التسريبات التي انتشرت فهناك إحتمالية لنشوب حرب بين غزة وإسرائيل إذا ما تمّت هذه الحالة من الفراغ الأمني، وبالتالي ستكون حماس هي من يتصدر لهذه الحرب، هذا ما فنّده بدوره عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الدكتور أحمد مجدلاني، الذي رأى بأن حماس هي أكثر التنظيمات إلتزاماً بالهدنة والإتفاقات الموقعة بعد الحرب.
واعتبر مجدلاني بأن هذه الخطوة تأتي في إطار منع حماس لحكومة الوفاق الوطني من القيام بمهامها تجاه قطاع غزة، وكل ذلك من شأنه زيادة الأزمة وتعميق حالة الانقسام الفلسطيني.
وكما ذلك قال الناشط والفنان إسماعيل البزم (للحدث) بأن كل ما سينتج عن حالة الفراغ الأمني المقصود، يضرّ حماس قبل الجميع، وأن الجميع يعلم بأنه لا يوجد هناك أحد يستطيع السيطرة حالياً على القطاع أمنياً وميدانياً سوى حركة حماس، والقول بأن أجنحة الفصائل يمكنها ذلك هو ضرب من الخيال.
واعتبر البزم بأن احتمالية نشوب حرب بهذا الخصوص واردة، بعد حالة الفلتان ونظراً لوجود العديد من الأطراف تسعى لنشوب هذه الحرب، وأن حماس لن تسمح بذلك مهما كلّفها الأمر.
لن يتغيّر شيئ
واعتبر نشطاء آخرون بأن كل ذلك لن يتجاوز أقلام المحللين والكتّاب، وأنه على الأرض لن يكون هناك أي تأثير يُذكر، وأن تسليم الحكم من حماس للقسام أو العكس هو نفس الشيئ، وأن كل ما يجري يصب في سياق المناورات السياسية بين حماس والسلطة، وقيام كل طرف بعرض أوراق ضغطه، على حساب الشعب الغزّي.
في هذا السياق كان حديث المحامي والناشط الحقوقي كريم داوود (للحدث) وأضاف قائلاً: "الشعب الغزّي لم يعد يهمّه من يحكمه، وما إسمه وتفاصيله، بقدر ما يهمه ماذا سيجدّ عليه، وما الذي سيتغيّر"
وأشار داوود لـ "الحدث": "أعتقد بأن الفراغ الأمني والمعيشي والوطني، تعيشه غزة والقضية الفلسطينية منذ لحظة الإنقسام، الذي أفرغ الجميع من مضمونة الوطني والإنساني، وجعلنا طريديّ مصالح أحزابنا وتنظيماتنا، متناسين في ذلك ما يعيشه الناس في غزة من معاناة وضيق"
معتبراً أن كل ما يجري لا يدع مجالاً للشك بأن هناك أمور تحاك، وأن ما سيحمله المستقبل سيكون مليئ بالتغيّرات على كافة المستويات.