الأحد  06 تموز 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

غزة المتخمة بالألم تودّع خيرة شبابها

2017-08-29 06:26:10 PM
غزة المتخمة بالألم تودّع خيرة شبابها
مهند يونس

 

عامر بعلوشة- غزة

 

لا زالت غزة تُفجع بأبنائها، ولا زال الألم يتغلغل في هذا القطاع المحاصر، الفاقد لأقل المقومات التي من شأنها أن تجعل شبابها يتمسكون بها، فتلقاهم من هروب لآخر، هذا يسافر، وذاك يموت وحيداً، وآخر ينتحر وهو في بداية حياته.

 

لم يمض أسابيع على وفاة الشاب معاذ الحاج في المنطقة الوسطى في قطاع غزة، الشاب الوسيم الذي مات وحيداً في سريره، بين رسوماته وفنّه الغائب، والذي ظهر فقط بعد وفاته، ليلحقه اليوم الشاب الكاتب مهند يونس، البالغ من العمر اثنان وعشرون عاماً، والذي أقدم على الإنتحار، تاركاً وراءه من تحتويه هذه البلد، من واقع أسود، وآلام لا تنتهي.

 

ضجّت صفحات الفيس بوك والرأي العام الفلسطيني بخبر انتحار الشاب يونس، معبّرين في ذلك عن ازدرائهم وغضبهم تجاه الواقع الذي يُجبر شباب غزة إلى هذه الخيارات، ذلك الواقع الذي يجعل شاباً مثل مهند يونس، يُقدم على إنهاء حياته، التي لم تبدأ بعد !

 

وزارة الداخلية والأمن الوطني وعلى لسان الناطق بإسم الشرطة أيمن البطنيجي أعلنت أن الشاب يونس أقدم على الإنتحار بعد أن أخذ كمية من الحبوب والأدوية، وهذا ما كان مرفوضاً لدى الشارع الغزّي، الذي أنكر روايات الداخلية المتلاحقة بحق كل من ينتحر، بأنه يتعاطى مخدرات وغيره، واعتبرت في ذلك وسيلة هروب من تحمل المسؤولية، لما أوصل الشباب إلى هذا الواقع المرير، وهذا ما جاء على لسان الكاتب والناشط الشبابي محمد التلولي الذي طالب الجميع وعلى مقدمتهم حركة حماس بترك هذا الأسلوب في تقييم هذه الحالات، والنظر بموضوعية إلى ما يدفع هذا الشباب إلى الإنتحار، كما وأضاف التلولي في مقابلة مع مراسل الحدث: "نحن نقول بأن واقع غزة سيئ، هذا لا يمكن ان يختلف عليه احد، وما لا يمكن أن يختلف عليه أحد أيضاً، أن الشاب يونس كان من أفضل شباب البلد، وهو شاب مثقف وكاتب، وله إصدارات قصصية حازت على عدة جوائز"

 

وتابع التلولي: "بدلاً من أن نبحث عن مبرر للهروب من المسؤولية، يجب على الجميع أن يقف أمام مسؤولياته من واقع الشباب الغزي، فهناك مثل مهند آلاف، يُمكن أن يكونوا الضحية المقبلة، لهذا الواقع الذي تعيشه غزة"

 

ومن جهة أخرى قال الحقوقي وديع العرابيد: "جميعنا فُجعنا بخبر انتحار مهند يونس، فقد كان من أهدأ وألطف الشباب، وهو يحمل فكراً تنويرياً جميلاً، ومن زينة شباب القطاع"

 

وأشار العرابيد في مقابلته بأن واقع غزة يفرض على الجميع أشكالاً من المعاناة، وليس كل الناس يستطيعون تقبّل هذه المعاناة، ومن الطبيعي أن يكون هناك مثل مهند ومعاذ، ومثلهم عشرات، من المؤكد أننا سنرثيهم قريباً، إذا ما ضلّت غزة بين المناكفات السياسية والحصار وضيق الواقع المفروض عليها"

 

ومن زاوية أخرى كتب الشاب عبد الخالق المصري على صفحته في فيس بوك، واصفاً واقع الحياة وواقع الشباب في غزة: "كلنا كشباب بداخلنا معاذ ومهند وبوعزيزي، بضيق الأفق، وبضياع مستقبلنا، وشهاداتنا التي تزين جدران غرفنا، بأعمارنا التي تجاوزت الثلاثين بلا منزل أو مهمة عمل، بالأسر الذي نعيش فيه من 10 سنوات، بشوقنا لرؤية العالم الخارجي، بحقوقنا التي أصبحت مجرد أحلام ممنوع تحقيقها كونها من المحرمات !

 

بمآساينا، بقصص حبنا التي إنهارت وضاعت وماتت بسبب قلة الإمكانيات وضيق العيش، بمهاراتنا وأفكارنا ومؤهلاتنا التي تجاوزت مساحات عمرنا ولا يوجد من يقدرها، بحاجاتنا ورغبتنا في الكلام والخوف من البوح حتي لا تتهم بأنك مرتكب السبع موبقات، بالحريات التي نسمع بها بكتب القانون وعلى الأرض، ساكسونيا وموادها من تحكمنا، ببوصلتنا التي تاهت في العتمة، والأمل الذي بات في خبر كان؛ تارة بسبب السياسة القائمة، وتارة بسبب الإحتلال، بشوقنا للفرح والسعادة ولو للحظات منها".

 

وتابع المصري: "وماذا تريدون منا بعدما أصبحت مؤهلاتنا للعمل بالطوبار والمطاعم وسائقين على الخط العام؟ ماذا تريدون منا بعدما أصبحت أقصي أمانينا وأحلامنا الوقوف أمام الصراف الآلي للحصول ولو على 100 شيكل لنكتب عنها في سيراتنا الذاتية بعدما باعت الأم الذهب وأستدان الأب من الجار لكي نكمل تعليمنا ويتباهي بنا المجتمع؟ ماذا تريدون منا بعدما أصبح مكاننا الطبيعي على قارعة الطريق، ووجبات الفلافل وسندوتشات الزعتر والدقة وسلم الجوال هم صفات باتت طبيعية لكل واحد منا؟

 

 ماذا تريدون منا بعدما وظفتم أبنائكم وإخوانكم وأصدقائكم بواسطة الوالد المسؤول والوزير المسؤول والقائد المسؤول، وبالنهاية تقولون أن الشباب هم العمود الفقري بالمجتمع، عن أي عمود تتحدثون ، فنحن أموات بإنتظار إشعار الوفاة، كمهند ومعاذ، وقد نكون قريباً دواعش جدد"

 

رحم الله شباب غزة، فوق الأرض وتحتها !