الإثنين  06 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الدين كتجارة ! بقلم : محمد شريم

إشارة :

2017-09-11 09:54:19 PM
 الدين كتجارة !
بقلم : محمد شريم

لا يساورنا شكفي أن الكثير من أبناء مختلف الدياناتـ ونحن هنا لسنا في معرض المقارنة أو المفاضلة بين الأديان ـقد أعطوا دياناتهم حقها من الالتزام ،واتخذوها ثقافة وأسلوب حياة ، ويستوي في ذلك الناس بجميع مراتبهم وشرائحهم وطبقاتهم ، ذلك أن الدين بالنسبة إلى هؤلاء إما أن يكون أمراً إلهياً أو حاجة روحية أو كليهما معاً .

 

ومع ذلك ، فإننا ونحن نتأمل مرآة الحاضر وصفحات التاريخ نرى الكثير من أبناء مختلف الديانات أيضاً وهم يلبسون ثوب الدين الفضفاض ، بمعنى أنهم يحاولونأن يظهروا في أعين الناس بمظهر ديني يفوق حظّهم الواقعي من التدين بكثير ، ومن بين هؤلاء بعض المنتمين إلى الديانات السماوية ابتداء من كهنة اليهود الذين طاردوا المسيح عليه السلام ، مروراً بأحبارهم في الجزيرة العربية الذين حاربوا الرسول الكريم (ص) في المدينة المنورة حفاظاً على امتيازاتهم ، ولم يخرج عن هذا المسار بعض رجال الدين المسيحي في العصور الوسطى الذين كانوا يبيعون التذاكر لدخول الجنة تحت مسمى (صكوك الغفران ) ، وانتهاء بعلماء السلاطين المسلمين الذين نراهم اليوم ، والذين لا يكاد عصر من العصور يخلو من أمثالهم .

 

وقد تنوعت وتعددت المجالات التي عمل فيها بعض تجار الدين ، ومن هذه المجالات : المجال السياسي ، حيث وظف الكثير من الحكام ومن الجماعات والأحزاب وحتى من الأفراد الدين توظيفاً ممنهجاً سعياً لتحقيق مآربهم وبلوغ غاياتهم ، فرفعوا شعاراته الآسرة وعباراته الساحرة، وكانوا أحياناً ينتهكون حياض الدين باسم الدين ، وذلك في سبيل الوصول إلى المواقع القيادية التي يمنون نفوسهم بها ، وأعلاها كرسي الحكم . أما في المجال الاقتصادي فقد تمت المتاجرة بالدين ، أو بمقتضياته ، على نطاق واسع ابتداء من قراءة القرآن بأجر زهيد ،كالتي كنا ـ

 

أنا وبعض أصدقائي ـ  نزاولها ببراءة طفولية في مرحلة دراستنا الابتدائية في عيدي الفطر والأضحى في مقبرة ( قبة راحيل ) القريبة من مكان سكننا آنذاك ، وقد كانت هذه العادة شائعة على المقابر في ذلك الحين ، مروراً بعمل بعض المنتوجات والمصنوعات والسلع ذات الطابع أو الاستخدام الديني ، ومن ذلك إعداد المنشورات المطبوعة والتسجيلات الصوتية والمرئية ، وصولاً إلى إنشاء المؤسسات الاقتصادية الكبرى التي لها صبغة دينية ومن بينها المصارف ، على سبيل المثال. وهنالك من يتاجر بالدين في المجال الاجتماعي ، وذلك للحصول على  مكانة اجتماعية ، على أمل أن يتمتع من خلال هذه المكانة ببعض الامتيازات ، ومنها استجلاب خير أو دفع أذى .

 

وإذا تأملنا حال المتاجرة بالدين ، فإننا نجد أنه ليس من الضرورة أن تكون هذه المتاجرة من خلال ظهور المرء بمظهر المتمسك بالدين فقط ، وذلككمدخل للحصول على بعض المكاسب ـ

 

كما يعتقد الناس في العادة ـ بل إنك تجد من يتاجر بالدين بطريقة معاكسة ، فالتجارة إما بيع وإما شراء ، فإذا كان الأول يمثّل دور المشتري للدين ، فإن الثاني يعلن عن نفسه كبائع له ، وذلك بأن يتنكر لدينه ، ذاكراً ما يراه فيه من السلبيات ، متجاهلاً ما يكون فيه من الإيجابيات ، وذلك لإرضاء بعض الأقران ، أو ممالقة ذي مال أو جاه أو سلطان ، ولربما يرقق القول عند الحديث عن الأديان الأخرى ، لغرض في نفس يعقوب ، ويغلظ القول عند الحديث عن الدين الذي ينتمي إليه أصلاً ،  وهذا هو شر المتاجرين ، وهو بالنسبة لدينه بمثابة الغصن المتردي أو الولد العاق!

 

إننا ونحن نتحدث عن المتاجرة بالدين ، أو بمقتضياته ، على اعتبار أنها إحدى السلبيات التي يمكن أن نلاحظها في المجتمع ـ أي المجتمع ـ وأنها إحدى مثالب المتاجرين به ، لنجد أن من الضرورة الإشارة إلى وجوب التفريق بين التجارة بمنتوجات أو أنشطة ذات علاقة بالدين ، والتي يقصد بها خدمة الدين حقاً ، والتي قد تعود على الإنسان بنفع مادي أو معنوي أيضاً ، وهو أمر حلال ، كالحج مثلاً الذي يقول الله تعالى فيه : ( ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله ..) وبين تلك التجارة المتعلقة بالمنتوجات أو الأنشطة التي يوظَّف الدين فيها توظيفاً ماكراً لتحقيق عرض من الدنيا ليس غير.

 

كما أن من المناسب أن نشير إلى أن وجود مثل هؤلاء المتاجرين بالدين ، لا ينتقص من الدين شيئاً ، فهو حجة عليهم وليسوا حجة عليه ،وهذا يعني أن من انعدام الحكمة أن نتبنى فكرة إبعاد الدين جانباً التي ينادي بها البعض لمجرد أن رجلاً يلبس ثوب التدين قد تاجر بالدين أو زلت به قدماه نحو حافة الخطأ ، بل علينا أن نعمل على إبعاد هؤلاء جانباً ، وعلى تخليص الدين من شرورهم ، فمتاجرة الحارس غير المشروعة بثمار البستان لا يعني أن نقتلع الأشجار ، ووجود الأشواك في حقل من القمح خصيب لا يوجب إضرام النار فيه ، بل علينا أن نكتفي باقتلاع هذه الأشواك الضارة فقط لا غير!